المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ وجوب القصر في السفر: - الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام - جـ ٣

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالثفي: صلاة الجمعة وما يتعلق بها

- ‌العرض الإجمالي

- ‌الفقرة الأولى: في فضل يوم الجمعة وفي بعض خصائصه

- ‌ الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وما فيه من عظائم الأمور:

- ‌ساعة الإجابة يوم الجمعة:

- ‌الفقرة الثانيةفي وجوب صلاة الجمعة على المكلفين بها إلا لعذر، وفي الترهيب من تركها وفيبعض آدابها

- ‌وجوب صلاة الجمعة والترهيب من تركها لغير عذر:

- ‌ الترغيب في صلاة الجمعة:

- ‌بعض آداب يوم الجمعة:

- ‌التبكير إلى الصلاة

- ‌ الاغتسال للصلاة ومس الطيب ولبس أحسن الثياب والإنصات وعدم تخطي الرقاب:

- ‌ اتخاذ لباس خاص للجمعة:

- ‌ متى تدرك الجمعة:

- ‌ من نعس في صلاة الجمعة فليتحول من مكانه:

- ‌ إذا اجتمع العيد والجمعة لا تسقط الجمعة به:

- ‌ أعذار ترك الجمعة والسفر يوم الجمعة:

- ‌الفقرة الثالثة: وقت الجمعة ونداؤها وخطبتها وآدابها

- ‌ وقت صلاة الجمعة:

- ‌ مشروعية الأذان الثالث وهو الأول الآن:

- ‌ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة:

- ‌ القيام في الخطبة:

- ‌ قصر الخطبة وإطالة الصلاة:

- ‌ التشهد والحمدلة في الخطبة:

- ‌ الخطيب لا يرفع يديه بالدعاء:

- ‌ استقبال الناس الخطيب:

- ‌ استحباب الدنو من الإمام:

- ‌ التحدث أثناء الأذان والإمام على المنبر:

- ‌ الإنصات للخطبة:

- ‌ الصلاة والإمام يخطب:

- ‌ قطع الخطبة للحاجة:

- ‌ النهي عن تخطي الرقاب:

- ‌ النهي عن أن يقيم الرجل الرجل من مقعده:

- ‌ النهي عن الاحتباء:

- ‌ النهي عن الحلق:

- ‌القراءة في صلاة الجمعة:

- ‌الفقرة الرابعة: راتبة الجمعة

- ‌تحقيق في سنة الجمعة القبلية:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الباب السادسفي صلوات الليل والنهار في الأحوال العادية عدا الصلوات الخمسوفيه مقدمة وعرض إجمالي وفقرات ومسائل وفوائد

- ‌العرض الإجمالي

- ‌الفقرة الأولىفي أحاديث ومسائل متنوعة تتحدث عن النوافل

- ‌ الصلاة في البيوت:

- ‌ الاقتصاد والمداومة في العبادة:

- ‌ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة النافلة:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثانيةفي رواتب الصلوات الخمس

- ‌ نصوص جامعة:

- ‌ راتبة الفجر:

- ‌ ما يقرأ في راتبة الفجر:

- ‌ الاضطجاع بعد راتبة الفجر:

- ‌ قضاء راتبة الفجر وحكم صلاتها إذا افتتحت الصلاة:

- ‌فائدة:

- ‌ راتبة الظهر والعصر:

- ‌ راتبة المغرب والعشاء:

- ‌الفقرة الثالثة:في الوتر

- ‌ مشروعية الوتر:

- ‌ وقت صلاة الوتر:

- ‌ متى يوتر:

- ‌ قضاء الوتر:

- ‌ عدد ركعات الوتر:

- ‌ القنوت في الوتر:

- ‌ هل ينقض الوتر:

- ‌ الصلاة بعد الوتر:

- ‌ هل يسلم بعد ركعتي الوتر:

- ‌ صلاة الوتر على الراحلة:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الرابعةفي:الضحى

- ‌الفقرة الخامسة:في قيام الليل

- ‌ فضل قيام الليل والترغيب فيه:

- ‌ من غلب عن صلاة الليل:

- ‌ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل

- ‌ما يقول إذا قام يتهجد من الليل:

- ‌ الصلاة في الليل لرفع الفتن:

- ‌ الاقتصاد في القيام:

- ‌الفقرة السادسة:في نوافل تتكرر يومياً ولها سبب

- ‌ تحية المسجد:

- ‌ سنة الوضوء:

- ‌ صلاة دخول المنزل والخروج منه:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة السابعة:في النفل المطلق

- ‌الفقرة الثامنة:في صلاة التسابيح

- ‌الباب السابعفي الصلوات السنوية

- ‌مقدمة

- ‌الفقرة الأولىصلاة التراويح وقيام رمضان وتهجده

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثانيةفي صلاة العيدينعرض إجمالي

- ‌نصوص في صلاتي العيدين

- ‌ تشريع يومي العيد وفضلهما:

- ‌ وقت صلاة العيدين:

- ‌ صلاة العيد من غير أذان ولا إقامة

- ‌ عدد ركعات صلاة العيد:

- ‌ تكبيرات صلاة العيد:

- ‌ القراءة في صلاة العيد:

- ‌ الخطبة وبعض آدابها وموقعها:

- ‌ حكم الاستماع لخطبة العيد:

- ‌ إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات الرجال:

- ‌ الخطبة على الراحلة واتخاذ عصاً:

- ‌ نصب الحربة للإمام يوم العيد:

- ‌ حكم التنفل قبل وبعد صلاة العيد:

- ‌ اجتماع العيد والجمعة:

- ‌ قضاء صلاة العيد وصلاتها في اليوم الثاني لعذر

- ‌ الصلاة لمن فاته العيد

- ‌ النحر يوم الأضحى:

- ‌ الرخصة في اللعب واللهو يوم العيد:

- ‌الباب الثامنفي الصلوات في الأحوال العارضة

- ‌المقدمة

- ‌الفقرة الأولىفي صلاة المسافرعرض إجمالي

- ‌نصوص في صلاة المسافر

- ‌ مسافة القصر:

- ‌ وجوب القصر في السفر:

- ‌ مدة السفر التي يصح معها القصر

- ‌ القصر لمن لم ينو الإقامة وإن طال مكثه:

- ‌ قصر الصلاة في السفر من غير خوف:

- ‌ رخصة الإتمام في السفر:

- ‌ التطوع في السفر:

- ‌ صلاة النفل على الراحلة في السفر:

- ‌الصلاة على الراحلة في السفر لعذر:

- ‌ صلاة المقيم خلف المسافر:

- ‌ الصلاة لمن يريد السفر والقادم منه:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثانيةفي صلاة المريضعرض إجمالي

- ‌نصوص في صلاة المريض

- ‌الفقرة الثالثةفي صلاة الخوف

- ‌مقدمة

- ‌عرض إجمالي

- ‌نصوص في صلاة الخوف

- ‌فائدة:

- ‌وصل: في ما حدث من جمع الصلواتيوم الخندق وقريظة وما يمكن أن يبنى عليه

- ‌أولاً: حادثة الخندق:

- ‌ثانياً: حادثة بني قريظة:

- ‌تعليقات:

- ‌الباب التاسعصلاة المناسبات

- ‌مقدمة

- ‌الفقرة الأولىفيصلاة الاستخارة

- ‌تقديم:

- ‌الفقرة الثانيةفي:‌‌ صلاة الحاجة، وصلاة التوبة، وصلاة من قدم للقتل

- ‌ صلاة الحاجة

- ‌صلاة التوبة:

- ‌الصلاة ركعتين لمن قدم للقتل:

- ‌الفقرة الثالثةصلاة الاستسقاءالعرض الإجمالي

- ‌ الدعاء والصلاة وقلب الرداء في الاستسقاء:

- ‌ من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء والاستسقاء في صلاة الجمعة:

- ‌ إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط:

- ‌ رفع الأيدي بدعاء الاستسقاء:

- ‌ ما يقوله في دعاء الاستسقاء:

- ‌ ما يقول إذا رأى المطر:

- ‌ الإصابة من مطر السماء:

- ‌ تحريم الاستمطار بالأنواء والتحذير من الشرك بالله:

- ‌ التوسل بالصالحين:

- ‌الفقرة الرابعةفيالكسوف والخسوف

- ‌مقدمة وعرض إجمالي:

- ‌ الصلاة في كسوف الشمس وكيفيتها والتعوذ من عذاب القبر:

- ‌ الشمس والقمر آيتان لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته:

- ‌ما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر الجنة والنار في صلاة الخسوف:

- ‌ صلاة الرجال مع النساء في الكسوف:

- ‌ إطالة القيام والركوع والسجود في الكسوف والركعة الأولى في الكسوف أطول:

- ‌ الفزع إلى الدعاء والذكر والاستغفار عند كسوف الشمس:

- ‌الفقرة الخامسةفيصلاة الجنازة وأحكام الشهداء

- ‌مقدمة وعرض إجمالي:

- ‌وخلاصة الأمر هي ما يلي:

- ‌ أجر من صلى على جنازة وتبعها:

- ‌ الصلاة على الغائب:

- ‌ التكبيرات في صلاة الجنازة:

- ‌ ما يقرأ في صلاة الجنازة والدعاء للميت:

- ‌ الصلاة على الصغير:

- ‌ تقديم الرجال على النساء في صلاة الجنازة:

- ‌ وقت الصلاة على الجنازة:

- ‌الصلاة على الجنازة في المسجد:

- ‌ الصلاة على القبر:

- ‌ الصلاة على من عليه حق للعباد:

- ‌ الصلاة على من قتل نفسه:

- ‌ فضل كثرة المصلين على الجنازة:

- ‌ النهي عن الصلاة على الجنائز بين القبور:

- ‌ لا صلاة على منافق علم نفاقه:

- ‌ الأولى بالصلاة على الجنازة:

- ‌ التسليم في الجنازة:

- ‌وصل في أحكام الشهداء

- ‌الباب العاشرفي السجدات

- ‌مقدمة

- ‌الفقرة الأولىفي سجود السهوعرض إجمالي

- ‌ ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة:

- ‌ السهو إذا صلى خمساً:

- ‌ السجود للشك:

- ‌ التشهد في سجود السهو:

- ‌ إعلام الإمام بالسهو:

- ‌الفقرة الثانيةفي سجود التلاوةعرض إجمالي:

- ‌ في مؤكدات سجود التلاوة:

- ‌في كونها سنة:

- ‌ سجدة الحج:

- ‌ سجدة (ص):

- ‌ سجدة النجم:

- ‌ سجدة سورة الانشقاق والعلق

- ‌ إجزاء الركوع مباشرة عن سجود

- ‌ ما يقول في سجوده:

- ‌الفقرة الثالثةفيسجود الشكرعرض إجمالي

- ‌خاتمة وجسر

الفصل: ‌ وجوب القصر في السفر:

قال النووي في شرح مسلم (دومين بضم الدال وفتحها: وجهان مشهوران).

أقول: لا يعتبر ما ورد في هذا النص حجة في تقدير المسافة التي يجوز فيها القصر، لأن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي الحليفة قصراً كانت في سفر يقصد فيه مسافة بعيدة، والمفروض أن عمر رضي الله عنه فعل ذلك وهو يقصد سفراً طويلاً فظن من ظن أن أدنى خروج من البلد يعتبر سفراً، وهذا خطأ فقد يخرج للنزهة فيبتعد عن العمران أكثر من ذي الحليفة من المدينة ولا يعتبر ذلك سفراً في عرف أحد، ولا يعتبر ضرباً في الأرض وهو الشيء الذي علق به قصر الصلاة في القرآن قال تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} (1).

-‌

‌ وجوب القصر في السفر:

2109 -

* روى مالك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة، إلا أن يصليها مع الإمام، فيصليها بصلاته. وفي أخرى (2) أنه كان يقول: أصلي صلاة المسافر ما لم أجمع مكثاً، وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة".

2110 -

* روى مالك عن نافع مولى ابن عمر أن ابن عمر كان يصلي وراء الإمام أربعاً، فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين.

2111 -

* روى الشيخان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال عبد الرحمن بن

(1) النساء: 101.

2109 -

الموطأ (1/ 148) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 4 - باب صلاة المسافر ما لم يجمع مكثاً.

(2)

الموطأ في نفس الموضع السابق. وإسناده صحيح.

(ما لم أجمع مكثا) الإجماع: العزم والنية على الشيء، والمكث: الإقامة.

2110 -

الموطأ (1/ 149) 9 - كتاب قصر الصلاة في السفر، 16 - باب صلاة المسافر إذا كان إماما.

البخاري (2/ 563) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 2 - باب الصلاة بمنى.

مسلم (1/ 482) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 2 - باب قصر الصلاة بمنى.

2111 -

البخاري (2/ 563) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 2 - باب الصلاة بمنى.

مسلم (1/ 483) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 2 - باب قصر الصلاة بمنى.

ص: 1362

يزيد- وهو أخو الأسود النخعي-: "صلى بنا عثمان بن عفان بمنى أربع ركعات، فقيل ذلك لعبد الله بن مسعود، فقال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ثم تفرقت بكم الطرق، فيا ليت حظي من أربع ركعات: ركعتان متقبلتان.

وفي أخرى (1) لأبي داود زيادة ومع عثمان صدراً من إمارته، ثم أتمها

وذكر الحديث وفي رواية النسائي (2) قال: صلى عثمان بمنى أربعاً، حتى بلغ ذلك عبد الله بن مسعود، فقال: لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، وله في أخرى (3) قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين.

أقول: مما عاب الناس على عثمان رضي الله عنه أنه أتم الصلاة وهو مسافر ولم يكن لهم أن يعيبوه لأنه خليفة راشد يقتدى به لا شك أن له ملحظاً جعله يفعل ذلك وقد رأينا أن الشافعية والحنابلة يرون جواز الإتمام والقصر في السفر.

قال ابن القيم في زاد المعاد: إن عثمان قد أتم في آخر خلافته، وكان ذلك أحد الأسباب التي أنكرت عليه، وقد خرج لفعله تأويلات:

أحدها: أن الأعراب كانوا قد حجوا تلك السنة فأراد أن يعلمهم أن فرض الصلاة أربع لئلا يتوهموا أنها ركعتان في الحضر والسفر، ورد هذا التأويل بأنهم كانوا أحرى بذلك في حج النبي صلى الله عليه وسلم، فكانوا حديثي العهد بالإسلام والعهد بالصلاة قريب، ومع هذا فلم يرجع بهم النبي صلى الله عليه وسلم.

الثاني: أنه كان إماماً للناس والإمام حيث نزل فهو عمله ومحل ولايته، فكأنه وطنه،

أبو داود (2/ 199) كتاب المناسك (الحج)، باب الصلاة بمنى.

(1)

أبو داود في نفس الموضع السابق.

(2)

النسائي (3/ 120، 121) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 3 - باب الصلاة بمنى.

(3)

النسائي (3/ 118) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 1 - كتاب تقصير الصلاة في السفر.

(تفرقت بكم الطرق): الطرق: المذاهب والآراء، أي: إنكم اختلفتم، وذهب كل منكم إلى مذهب، ومال إلى قوله، وتركتم السنة.

(صدراً) صدر كل شيء مقدمه وأعلاه، وصدر الأمر: أوله، وهو المراد.

ص: 1363

ورد هذا التأويل بأن إمام الخلائق على الإطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك، وكان هو الإمام المطلق ولم يربع.

التأويل الثالث: أن منى كانت قد بينت وصارت قرية كثر فيها المساكن في عهده، ولم يكن ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بل كانت فضاء، فتأول عثمان أن القصر إنما يكون في حال السفر ورد هذا التأويل بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة عشراً يقصر الصلاة.

التأويل الرابع: أنه أقام بها ثلاثاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثاً" فسماه مقيماً والمقيم غير مسافر، ورد هذا التأويل بأن هذه إقامة مقيدة في أثناء السفر ليست بالإقامة التي هي قسيم السفر، وقد أقام صلى الله عليه وسلم بمكة عشراً يقصر الصلاة، وأقام بمنى بعد نسكه أيام الجمار الثلاث يقصر الصلاة.

التأويل الخامس: أنه كان قد عزم على الإقامة والاستيطان بمنى واتخاذها دار الخلافة، فلهذا أتم، ثم بدا له أن يرجع إلى المدينة، وهذا التأويل أيضاً مما لا يقوى، فإن عثمان من المهاجرين الأولي، وقد منع صلى الله عليه وسلم المهاجرين من الإقامة بمكة بعد نسكه، ورخص لهم فيها ثلاثة أيام، فلم يكن عثمان ليقيم بها وقد منع النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك.

التأويل السادس: أنه كان قد تأهل بمنى (أو بمكة) والمسافر إذا أقام في موضع وتزوج فيه أو كان له به زوجة أتم، ويروى في ذلك حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، فروى عكرمة ابن إبراهيم الأزدي، عن أبي ذناب، عن أبيه قال:"صلى عثمان بأهل منى أربعاً، وقال: يا أيها الناس! لما قدمت تأهلت بها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تأهل الرجل ببلده فإنه يصلي بها صلاة مقيم". رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده، وعبد الله بن الزبير الحميدي في "مسنده" أيضاً، وقد أعله البيهقي بانقطاعه وتضعيفه عكرمة بن إبراهيم، وقال أبو البركات ابن تيمية: ويمكن المطالبة بسبب الضعف، فإن البخاري ذكره في تاريخه ولم يطعن فيه، وعادته ذكر الجرح والمجروحين وقد نص أحمد وابن عباس قبله أن المسافر إذا تزوج لزمه الإتمام، وهذا قول أبي حنيفة رحمه الله ومالك وأصحابهما، وهذا أحسن ما اعتذر به عن عثمان ا. هـ. لكن رد هذا الاعتذار ابن حجر فقال (2/ 571):

ص: 1364

والمنقول أن سبب إتمام عثمان أنه كان يرى القصر مختصاً بمن كان شاخصاً سائراً، وأما من أقام في مكان أثناء سفره فله حكم المقيم فيتم، والحجة فيه ما رواه أحمد (4/ 94) بإسناد حسن، عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجاً صلى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان، فقالا: لقد عبت أمر ابن عمك، لأنه كان قد أتم الصلاة، قال وكان عثمان حين أتم الصلاة إذا قدم مكة صلى بها الظهر والعصر والعشاء أربعاً أربعاً، فإذا خرج إلى منى وعرفة قصر الصلاة.

فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة.

وقال ابن بطال: الوجه الصحيح في ذلك أن عثمان وعائشة كانا يريان أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قصر لأنه أخذ بالأيسر من ذلك على أمته فأخذا لأنفسهما بالشدة.

2112 -

* روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "صلى بنا النبي بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر، وعثمان صدراً من خلافته، ثم ن عثمان صلى بعد أربعاً، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعاً، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين". وأخرجه مسلم (1) من طريق أخرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنه صلى صلاة المسافر بمنى وغيره ركعتين، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، ركعتين صدراً من خلافته، ثم أتمها أربعاً" وأخرجه البخاري (2) نحوه، ولم يقل "وغيره" وفي رواية النسائي (3) مختصراً قال:"صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين".

قال التهانوي (7/ 251): ودلالته على وجوب القصر لما فيه من مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم وأكابر الصحابة عليه في السفر دائماً، وهي تكفي لإثبات الوجوب عند صاحب الهداية ومن وافقه، وأما من لم يكتف بها فله الأحاديث الآتية المشتملة على الإنكار على الإتمام.

2112 - البخاري (2/ 563) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 2 - باب الصلاة بمنى.

مسلم (1/ 482) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 2 - باب قصر الصلاة بمنى.

(1)

مسلم (1/ 482) في نفس الموضع السابق.

(2)

البخاري (2/ 563) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 2 - باب الصلاة بمنى.

(3)

النسائي (3/ 120) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 3 - باب الصلاة بمنى.

ص: 1365

قال الشوكاني في "النيل": واعلم أنه قد اختلف أهل العلم هل القصر واجب أم رخصة أو الإتمام أفضل؟ فذهب إلى الأول الحنفية والهادوية، وروي عن علي وعمر ونسبه النووي إلى كثير من أهل العلم، قال الخطابي في "المعالم": كان مذاهب أكثر علماء السلف وفقهاء الأمصار على أن القصر هو الواجب في السفر، وهو قول علي، وعمر، وابن عمر، وابن عباس، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، وقتادة، والحسن، وقال حماد بن أبي سليمان: يعيد من يصلي في السفر أربعاً، وقال مالك: يعيد ما دام في الوقت اهـ.

قال: واحتج القائلون بوجوب القصر بحجج، الأولى ملازمته صلى الله عليه وسلم للقصر في جميع أسفاره، كما في حديث ابن عمر المذكور في الباب، ولم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم الرباعية في السفر ألبته، كما قال ابن المقيم: وأما حديث عائشة الآتي على أنه صلى الله عليه وسلم أتم الصلاة في السفر فسيأتي أنه لم يصح اهـ.

2113 -

* روى النسائي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى، ومع أبي بكر، وعمر، ركعتين، ومع عثمان ركعتين صدراً من إمارته".

2114 -

* روى الترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال- وقد سئل عن صلاة المسافر؟ - فقال: "حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ركعتين، وحججت مع أبي بكر فصلى ركعتين، وحججت مع عمر فصلى ركعتين، ومع عثمان ست سنين من خلافته- أو ثماني سنين- فصلى ركعتين".

قال ابن خزيمة: وقد كنت بينت في كتاب الصلاة معنى خبر يحيى بن أبي إسحاق عن أنس.

وفي خبر ابن عباس وعائشة دلالة بينة على أن الواجب على أهل مكة ومن أقام بها من غير أهلها أنه يجب عليه إتمام الصلاة بمنى إذ هو مقيم لا مسافر لأن فرض المقيم أربع.

2113 - النسائي (3/ 120) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 3 - باب الصلاة بمنى. وإسناده حسن.

2114 -

الترمذي (2/ 430) أبواب السفر، 391 - باب ما جاء في التقصير في السفر. وقال: هذا حديث حسن صحيح وهو كذلك بشواهده.

ص: 1366

فلا يجوز لغير المسافر ولغير الخائف في القتال قصر الصلاة، وأهل مكة، ومن أقام بها من غير أهلها إقامة يجب عليهم إتمام الصلاة إذا خرجوا إلى منى ناوين الرجوع إلى مكة غير مسافرين فغير جائز لهم قصر الصلاة بمنى.

أقول: ما قاله ابن خزيمة هو مذهب جمهور العلماء إلا أن المالكية أجازوا لمن نوى الحج من أهل مكة ومنى ومزدلفة أن يقصروا الصلاة إلا في موطنهم الذي يسكنون فيه فمن كان يسكن مكة يصلي قصراً في منى ومزدلفة وعرفة ومن كان يسكن منى يصلي قصراً في مزدلفة وعرفة مكة وهكذا.

2115 -

* روى مسلم عن موسى بن سلمة قال: "سألت ابن عباس: كيف أصلي إذا كنت بمكة، إذا لم أصل مع الإمام؟ قال: ركعتين، سُنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم" وفي رواية النسائي (1) قال: تفوتني الصلاة في جماعة وأنا بالبطحاء، ما ترى أصلي؟ قال: ركعتين، سُنَّة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم.

أقول: من كان مسافراً وصلى وراء الإمام المقيم أتم أربعاً أما إذا كان منفرداً أو إمامه مسافر وهو مسافر صلى ركعتين.

2116 -

* روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: "فرض الله الصلاة- حين فرضها- ركعتين، ثم أتمها في الحضر، وأقرت صلاة السفر على الفريضة الأولى" وفي رواية (2)، قالت:"فرض الله الصلاة- حين فرضها- ركعتين ركعتين، في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر". وفي أخرى (3)، قالت: "فرضت الصلاة ركعتين،

2115 - مسلم (1/ 479) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها.

(1)

النسائي (3/ 119) 15 - كتاب تقصير الصلاة في السفر، 2 - باب الصلاة بمكة.

2116 -

البخاري (1/ 464) 8 - كتاب الصلاة، 1 - باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء؟.

مسلم (1/ 478) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 1 - باب صلاة المسافرين وقصرها.

(2)

مسلم (1/ 478) في نفس الموضع السابق.

(3)

البخاري (2/ 569) 18 - كتاب تقصير الصلاة، 5 - باب يقصر إذا خرج من موضعه.

مسلم (1/ 478) في نفس الموضع السابق.

ص: 1367

ثم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففرضت أربعاً، وتركت صلاة السفر على الفريضة الأولى" قال الزهري:"قلت لعروة: ما بال عائشة تتم؟ قال: تأولت كما تأول عثمان".

قال ابن الأثير (كما تأول عثمان) أراد بقوله: كما تأول عثمان، ما روي عنه رضي الله عنه أنه أتم الصلاة في السفر، وكان تأويله لذلك: أنه نوى الإقامة بمكة، فلذلك أتم.

أقول: وقد رأينا أن الحنفية يوجبون القصر على من لم ينو الإقامة في مكان واحد خمسة عشر يوماً، وأن المالكية والشافعية يوجبون الإتمام إذا نوى الإنسان الإقامة أربعة أيام سوى يومي الدخول والخروج وأن الحنابلة يوجبون الإتمام على من نوى الإقامة أربعة أيام مع الدخول والخروج فما فعله عثمان وعائشة رضي الله عنهما أصل لمن أجاز الإتمام في كل حال، وأصل لمن يرى طول المدة لتحقيق معنى الإقامة التي يجب الإتمام فيها.

قال ابن حجر (2/ 570):

قوله (تأولت ما تأول عثمان) هذا فيه رد على من زعم أن عثمان إنما أتم لكونه تأهل بمكة، أو لأنه أمير المؤمنين وكل موضع له دار، أو لأنه عزم على الإقامة بمكة، أو لأنه استجد له أرضاً بمنى، أو لأنه كان يسبق الناس إلى مكة، لأن جميع ذلك منتف في حق عائشة وأكثره لا دليل عليه بل هي ظنون ممن قالها، ويرد الأول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسافر بزوجاته وقصر، والثاني أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك، والثالث أن الإقامة بمكة على المهاجرين حرام والرابع والخامس لم ينقلا فلا يكفي التخرص في ذلك، والأول وإن كان نقل من حديث عثمان [مرفوعاً](من تأهل ببلدة فإنه يصلي صلاة مقيم)[أخرجه أحمد والبيهقي].

فهذا الحديث لا يصح لأنه منقطع، وفي رواته من لا يحتج به، ويرده قول عروة: إن عائشة تأولت ما تأول عثمان، ولا جائز أن تتأهل عائشة أصلاً فدل على وهن ذلك الخبر. ثم ظهر لي أنه يمكن أن يكون مراد عروة بقوله (كما تأول عثمان) التشبيه بعثمان في الإتمام بتأويل لا اتحاد تأويلهما. ا. هـ.

ثم ذكر ابن حجر ما نقلناه عنه قبل قليل أن عثمان أتم لأنه كان يرى القصر مختصاً بمن

ص: 1368

كان شاخصاً سائراً وذكر رأي ابن بطال الذي أوردناه ورجح ما قاله هو.

2117 -

* روى أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: صلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة المسافر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام من غير قصر، على لسان النبي صلى الله عليه وسلم. وفي أخرى وصلاة النحر مكان صلاة الأضحى.

أقول: صلاة المسافر ركعتان إلا صلاة المغرب فإنها تبقى ثلاث ركعات كما هو الأصل فيها، وفي الأحاديث إنكار أن يفعل الإنسان ذلك بعد أن ثبت أن صلاة المسافر ركعتان مما تفهم منه أن العزيمة في السفر أن يصلي المسافر الرباعية ركعتين ولذلك جعل الحنفية قصر الصلاة واجباً.

2118 -

* روى الطبراني عن مورق قال سألت ابن عمر عن الصلاة في السفر فقال ركعتين ركعتين من خالف السنة كفر.

أقول: ليس المراد بالكفر هنا الكفر الذي ينقض الإيمان، لأن القصر في الصلاة مختلف فيه ولكن المراد به كفر النعمة إذ يترك المسافر رخصة الله له في القصر.

2119 -

* روى أحمد عن عائشة قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين إلا المغرب ثلاثاً لأنها وتر قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سافر صلى الصلاة الأولى إلا المغرب وإذا أقام زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب لأنها وتر، والصبح لأنها يطول فيها القراءة. وفي رواية (4) عنها قالت فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم

2117 - أحمد (1/ 37).

النسائي (3/ 183) 19 - كتاب صلاة العيدين، 11 - باب عدد صلاة العيدين.

ابن ماجه (1/ 338) 5 - كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، 73 - باب تقصير الصلاة في السفر وهو حديث صحيح.

2118 -

مجمع الزوائد (2/ 154) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

2119 -

أحمد (6/ 265).

(1)

أحمد (6/ 241).

ص: 1369

المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين فذكر نحوه. وعند أحمد (1) عنها أيضاً قالت: كان أول ما افترض الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنها كانت ثلاثاً، وذكر معناه ورجالها كلها ثقات.

قال الجصاص في "أحكام القرآن" له بعدما ذكر أحاديث وآثاراً في القصر ما نصه: فهذه أخبار متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة في فعل الركعتين في السفر لا زيادة عليهما، وفي ذلك الدلالة على أنهما فرض المسافر من وجهين، أحدهما أن فرض الصلاة مجمل في الكتاب مفتقر إلى البيان، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا أورد على وجه البيان فهو كبيانه بالقول يقتضي الإيجاب، وفي فعله صلاة السفر ركعتين بيان منه أن ذلك مراد الله، كفعله صلاة الفجر وصلاة الجمعة وسائر الصلوات، والوجه الثاني لو كان مراد الله الإتمام أو القصر على ما يختاره المسافر لما جاز للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقتصر بالبيان على أحد الوجهين دون الآخر، وكان بيانه للإتمام في وزن بيانه للقصر، فلما ورد البيان إلينا من النبي صلى الله عليه وسلم في القصر دون الإتمام دل ذلك على أنه مراد الله دون غيره ألا ترى أنه كما كان مراد الله في رخصة المسافر في الإفطار أحد شيئين من إفطار أو صوم، ورد البيان إلينا من النبي صلى الله عليه وسلم تارة بالإفطار، وتارة بالصوم.

واحتج من خير بين القصر والإتمام بأنه لو دخل في صلاة مقيم لزمه الإتمام، فدل على أنه مخير في الأصل، وهذا فاسد، لأن الدخول في صلة الإمام يغير الفرض، ألا ترى أن المرأة والعبد فرضهما يوم الجمعة أربعة، ولو دخلا في الجمعة صليا ركعتين، ولم يدل ذلك على أنهما مخيران قبل الدخول بين الأربع والركعتين اهـ.

2120 -

* روى أحمد عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح

(1) أحمد (6/ 272).

مجمع الزوائد (2/ 154) وقال الهيثمي: ذكر معناه ورجالها كلها ثقات.

2120 -

أحمد (4/ 308، 309).

ابن خزيمة (1/ 202، 203) جماع أبواب الأذان والإقامة، 41 - باب الانحراف في الأذان عند قول المؤذن حي على الصلاة. وإسناده صحيح.

ص: 1370