الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بحث ابن بطال في ذلك في "باب صلاة الخوف". وقال ابن القيم في الهدي ما حاصله: كل من الفريقين مأجور بقصده، إلا أن من صلى حاز الفضيلتين: امتثال الأمر في الإسراع، وامتثال الأمر في المحافظة على الوقت ولا سيما ما في هذه الصلاة بعينها من الحث على المحافظة عليها وأن من فاتته حبط عمله، وإنما لم يعنف الذين أخروها لقيام عذرهم في التمسك بظاهر الأمر، ولأنهم اجتهدوا فأخروا لامتثالهم الأمر. لكنهم لم يصلوا إلى أن يكون اجتهادهم أصوب من اجتهاد الطائفة الأخرى. وأما من احتج لمن أخر بأن الصلاة حينئذ كانت تؤخر كما في الخندق وكان ذلك قبل صلاة الخوف، فليس بواضح، لاحتمال أن يكون التأخير في الخندق كان عن نسيان، وذلك بين في قوله صلى الله عليه وسلم لعمر لما قال له ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال: والله ما صليتها. لأنه لو كان ذاكراً لها لبادر إليها كما صنع عمر. انتهى.
تعليقات:
أولاً: رأينا أنه مما ينبغي أن يدركه مسلمو عصرنا وهو شيء لا يفطن له الكثيرون، أنه متى دخلنا في السياسة دخلنا في الموازنات كأهون الشرين وأخف الضررين، ومتى دخلنا في الحرب والسياسة دخلنا في الفتوى الاستثنائية التي تلاحظ الزمان والمكان والأشخاص، على أن تكون هذه الفتوى صادرة من أهلها.
ثانياً: إنه وإن قال الجمهور أن ما حدث يوم الخندق منسوخ إلا أن لقول علماء الشام الذين ذكرهم الشوكاني وجهاً قوياً، فكل ما يفيده حديث أبي سعيد الخدري أن آية {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} جاءت بعد حادثة الخندق وهذا قد يفيد النسخ، وقد يحمل كل من النصلين على أنه يطبق في بعض الحالات القتالية.
ثالثاً: هناك حالات في عصرنا تضطر المسلمين إلى فتاوى مناسبة ومكافئة، ولعل ما ورد في صلاة الخوف، وفي حادثة الجمع بين الصلوات في المسير إلى بني قريظة، ويوم الخندق مما يجعلنا نستأنس لهذه الفتاوى التي يحتاج إليها العصر، فالتدريب على أنواع الأسلحة، والمناورات العسكرية لرفع المستوى القتالي، والتنفلات العسكرية في جيوش غير إسلامية قد لا تعطي فرصاً لإقامة الصلاة في وقتها أو على هيئتها، فالمسلم في هذه الحاجات الحرجة
بحاجة إلى فتوى تناسب الوضع الذي هو فيه، وعلى أئمة الفتوى أن يقدروا الظروف التي تحيط بالمسلم في مثل هذه الأحوال.
رابعاً: أصبح واضحاً في عصرنا أن الجيش في بلدان العالم الثالث له الكلمة الأخيرة في فرض الأنظمة السياسية، والأنظمة السياسية في عصرنا تتدخل في كل شيء، فإذا صارت في طريق معاد للإسلام فقد تنهي الإسلام في بعض الأقطار إنهاءً تاماً كما حدث في مرحلة من المراحل في ألبانيا مثلاً، ولذلك فإن كثيراً من القوى العالمية والمحلية تتخير للجيش وترصد كل فرد فيه، وبعض هذه الأنظمة معاد للإسلام ويريد استئصاله، وكل من شمت منه رائحة الإسلام سرح أو اغتيل أو اعتقل والمسلمون في هذه الحالة بين خيارين: الخيار الأول أن يدخلوا الجيش على أمل التغيير أو يتركوا الجيش ليبقى الكفر مسيطراً، فلو افترضنا أنه وجد مثل هذا الوضع فالأفضل للمسلمين أن يدخلوا الجيش وأن يتستروا على أنفسهم، وإذا كانت الضرورات تبيح المحظورات في حق الأفراد فمن باب أولى أنها تبيح المحظورات إذا ترتبت عليها مصلحة الإسلام والمسلمين.
وقد أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم بعض المكلفين بمهمات قتالية أن يقولوا كلمة الكفر ليحققوا هدفاً كما أن بعض الصحابة صلوا وهم يمشون حتى لا ينكشف أمرهم لمن يريدون قتله وعلى هذا فإذا ما وجدت مثل هذه الظروف التي ذكرناها وهي موجودة في البلدان الإلحادية فإن على أئمة الفتوى أن يفتوا بما يلحظون به مصلحة الإسلام والمسلمين حاضراً ومستقبلاً، ثم إن هناك مهمات أخرى كمهمات التجسس على العدو والتي تقتضي أحياناً فتاوى استثنائية للنجاح فيها، إلا أن هذه الفتاوى الاستثنائية يجب أن تكون من أهلها، ويجب أن يكون أهلها مؤتمنين على أسرار من يستفتيهم، ومن حيث المبدأ نقول: إن هناك حالات تجيز للإنسان ي بعض الظروف أن يتيمم مكتفياً بمسح كفيه ووجهه دون أن يشرك الذراعين حتى لا ينكشف أمره وأن يجمع بين الصلوات الخمس قبل نومه وهو على فراشه يومئ بعينيه إيماءً، إلا أن هذه الفتوى وأمثالها في تكاليف إسلامية كثيرة لا يفتى بها إلا بعد موازنات دقيقة من أهلها، وفي ظروف نرجو أن لا توجد على الأرض الإسلامية، ولكنها في واقع الحال موجودة في بعض البلدان الإسلامية وغيرها.
قال سفيان الثوري رحمه الله: (العلم رخصة من ثقة، وأما التشدد فيعرفه كل الناس).
ونحن في هذا المقام لا نفتي فتوى عامة لكن نقول: إن الفتوى تقدر زماناً ومكاناً وشخصاً فكل فرد نفتيه على انفراد بحسب وضعه.
ومن أهم ما يحتاجه عصرنا أن يوجد فقهاء وأئمة في الفتوى يعرفون كيف يستخرجون الرخص ويضعونها في محلها، ولا شك أن هناك فارقاً كبيراً بين من يخرجون من الإسلام ويخرجون غيرهم بحجة التسهيل، وبين من يعرفون الرخصة الشرعية ويفتون بها لصالح الإسلام والمسلمين، وضمن مقتضيات الضرورة.