المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خاتمة وجسر لقد أنهينا عرض ما تيسر عرضه من نصوص الصلاة - الأساس في السنة وفقهها - العبادات في الإسلام - جـ ٣

[سعيد حوى]

فهرس الكتاب

- ‌الفصل الثالثفي: صلاة الجمعة وما يتعلق بها

- ‌العرض الإجمالي

- ‌الفقرة الأولى: في فضل يوم الجمعة وفي بعض خصائصه

- ‌ الإكثار من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة وما فيه من عظائم الأمور:

- ‌ساعة الإجابة يوم الجمعة:

- ‌الفقرة الثانيةفي وجوب صلاة الجمعة على المكلفين بها إلا لعذر، وفي الترهيب من تركها وفيبعض آدابها

- ‌وجوب صلاة الجمعة والترهيب من تركها لغير عذر:

- ‌ الترغيب في صلاة الجمعة:

- ‌بعض آداب يوم الجمعة:

- ‌التبكير إلى الصلاة

- ‌ الاغتسال للصلاة ومس الطيب ولبس أحسن الثياب والإنصات وعدم تخطي الرقاب:

- ‌ اتخاذ لباس خاص للجمعة:

- ‌ متى تدرك الجمعة:

- ‌ من نعس في صلاة الجمعة فليتحول من مكانه:

- ‌ إذا اجتمع العيد والجمعة لا تسقط الجمعة به:

- ‌ أعذار ترك الجمعة والسفر يوم الجمعة:

- ‌الفقرة الثالثة: وقت الجمعة ونداؤها وخطبتها وآدابها

- ‌ وقت صلاة الجمعة:

- ‌ مشروعية الأذان الثالث وهو الأول الآن:

- ‌ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة:

- ‌ القيام في الخطبة:

- ‌ قصر الخطبة وإطالة الصلاة:

- ‌ التشهد والحمدلة في الخطبة:

- ‌ الخطيب لا يرفع يديه بالدعاء:

- ‌ استقبال الناس الخطيب:

- ‌ استحباب الدنو من الإمام:

- ‌ التحدث أثناء الأذان والإمام على المنبر:

- ‌ الإنصات للخطبة:

- ‌ الصلاة والإمام يخطب:

- ‌ قطع الخطبة للحاجة:

- ‌ النهي عن تخطي الرقاب:

- ‌ النهي عن أن يقيم الرجل الرجل من مقعده:

- ‌ النهي عن الاحتباء:

- ‌ النهي عن الحلق:

- ‌القراءة في صلاة الجمعة:

- ‌الفقرة الرابعة: راتبة الجمعة

- ‌تحقيق في سنة الجمعة القبلية:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الباب السادسفي صلوات الليل والنهار في الأحوال العادية عدا الصلوات الخمسوفيه مقدمة وعرض إجمالي وفقرات ومسائل وفوائد

- ‌العرض الإجمالي

- ‌الفقرة الأولىفي أحاديث ومسائل متنوعة تتحدث عن النوافل

- ‌ الصلاة في البيوت:

- ‌ الاقتصاد والمداومة في العبادة:

- ‌ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة النافلة:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثانيةفي رواتب الصلوات الخمس

- ‌ نصوص جامعة:

- ‌ راتبة الفجر:

- ‌ ما يقرأ في راتبة الفجر:

- ‌ الاضطجاع بعد راتبة الفجر:

- ‌ قضاء راتبة الفجر وحكم صلاتها إذا افتتحت الصلاة:

- ‌فائدة:

- ‌ راتبة الظهر والعصر:

- ‌ راتبة المغرب والعشاء:

- ‌الفقرة الثالثة:في الوتر

- ‌ مشروعية الوتر:

- ‌ وقت صلاة الوتر:

- ‌ متى يوتر:

- ‌ قضاء الوتر:

- ‌ عدد ركعات الوتر:

- ‌ القنوت في الوتر:

- ‌ هل ينقض الوتر:

- ‌ الصلاة بعد الوتر:

- ‌ هل يسلم بعد ركعتي الوتر:

- ‌ صلاة الوتر على الراحلة:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الرابعةفي:الضحى

- ‌الفقرة الخامسة:في قيام الليل

- ‌ فضل قيام الليل والترغيب فيه:

- ‌ من غلب عن صلاة الليل:

- ‌ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قيام الليل

- ‌ما يقول إذا قام يتهجد من الليل:

- ‌ الصلاة في الليل لرفع الفتن:

- ‌ الاقتصاد في القيام:

- ‌الفقرة السادسة:في نوافل تتكرر يومياً ولها سبب

- ‌ تحية المسجد:

- ‌ سنة الوضوء:

- ‌ صلاة دخول المنزل والخروج منه:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة السابعة:في النفل المطلق

- ‌الفقرة الثامنة:في صلاة التسابيح

- ‌الباب السابعفي الصلوات السنوية

- ‌مقدمة

- ‌الفقرة الأولىصلاة التراويح وقيام رمضان وتهجده

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثانيةفي صلاة العيدينعرض إجمالي

- ‌نصوص في صلاتي العيدين

- ‌ تشريع يومي العيد وفضلهما:

- ‌ وقت صلاة العيدين:

- ‌ صلاة العيد من غير أذان ولا إقامة

- ‌ عدد ركعات صلاة العيد:

- ‌ تكبيرات صلاة العيد:

- ‌ القراءة في صلاة العيد:

- ‌ الخطبة وبعض آدابها وموقعها:

- ‌ حكم الاستماع لخطبة العيد:

- ‌ إباحة خروج النساء في العيدين إلى المصلى وشهود الخطبة مفارقات الرجال:

- ‌ الخطبة على الراحلة واتخاذ عصاً:

- ‌ نصب الحربة للإمام يوم العيد:

- ‌ حكم التنفل قبل وبعد صلاة العيد:

- ‌ اجتماع العيد والجمعة:

- ‌ قضاء صلاة العيد وصلاتها في اليوم الثاني لعذر

- ‌ الصلاة لمن فاته العيد

- ‌ النحر يوم الأضحى:

- ‌ الرخصة في اللعب واللهو يوم العيد:

- ‌الباب الثامنفي الصلوات في الأحوال العارضة

- ‌المقدمة

- ‌الفقرة الأولىفي صلاة المسافرعرض إجمالي

- ‌نصوص في صلاة المسافر

- ‌ مسافة القصر:

- ‌ وجوب القصر في السفر:

- ‌ مدة السفر التي يصح معها القصر

- ‌ القصر لمن لم ينو الإقامة وإن طال مكثه:

- ‌ قصر الصلاة في السفر من غير خوف:

- ‌ رخصة الإتمام في السفر:

- ‌ التطوع في السفر:

- ‌ صلاة النفل على الراحلة في السفر:

- ‌الصلاة على الراحلة في السفر لعذر:

- ‌ صلاة المقيم خلف المسافر:

- ‌ الصلاة لمن يريد السفر والقادم منه:

- ‌مسائل وفوائد

- ‌الفقرة الثانيةفي صلاة المريضعرض إجمالي

- ‌نصوص في صلاة المريض

- ‌الفقرة الثالثةفي صلاة الخوف

- ‌مقدمة

- ‌عرض إجمالي

- ‌نصوص في صلاة الخوف

- ‌فائدة:

- ‌وصل: في ما حدث من جمع الصلواتيوم الخندق وقريظة وما يمكن أن يبنى عليه

- ‌أولاً: حادثة الخندق:

- ‌ثانياً: حادثة بني قريظة:

- ‌تعليقات:

- ‌الباب التاسعصلاة المناسبات

- ‌مقدمة

- ‌الفقرة الأولىفيصلاة الاستخارة

- ‌تقديم:

- ‌الفقرة الثانيةفي:‌‌ صلاة الحاجة، وصلاة التوبة، وصلاة من قدم للقتل

- ‌ صلاة الحاجة

- ‌صلاة التوبة:

- ‌الصلاة ركعتين لمن قدم للقتل:

- ‌الفقرة الثالثةصلاة الاستسقاءالعرض الإجمالي

- ‌ الدعاء والصلاة وقلب الرداء في الاستسقاء:

- ‌ من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء والاستسقاء في صلاة الجمعة:

- ‌ إذا استشفع المشركون بالمسلمين عند القحط:

- ‌ رفع الأيدي بدعاء الاستسقاء:

- ‌ ما يقوله في دعاء الاستسقاء:

- ‌ ما يقول إذا رأى المطر:

- ‌ الإصابة من مطر السماء:

- ‌ تحريم الاستمطار بالأنواء والتحذير من الشرك بالله:

- ‌ التوسل بالصالحين:

- ‌الفقرة الرابعةفيالكسوف والخسوف

- ‌مقدمة وعرض إجمالي:

- ‌ الصلاة في كسوف الشمس وكيفيتها والتعوذ من عذاب القبر:

- ‌ الشمس والقمر آيتان لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته:

- ‌ما عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمر الجنة والنار في صلاة الخسوف:

- ‌ صلاة الرجال مع النساء في الكسوف:

- ‌ إطالة القيام والركوع والسجود في الكسوف والركعة الأولى في الكسوف أطول:

- ‌ الفزع إلى الدعاء والذكر والاستغفار عند كسوف الشمس:

- ‌الفقرة الخامسةفيصلاة الجنازة وأحكام الشهداء

- ‌مقدمة وعرض إجمالي:

- ‌وخلاصة الأمر هي ما يلي:

- ‌ أجر من صلى على جنازة وتبعها:

- ‌ الصلاة على الغائب:

- ‌ التكبيرات في صلاة الجنازة:

- ‌ ما يقرأ في صلاة الجنازة والدعاء للميت:

- ‌ الصلاة على الصغير:

- ‌ تقديم الرجال على النساء في صلاة الجنازة:

- ‌ وقت الصلاة على الجنازة:

- ‌الصلاة على الجنازة في المسجد:

- ‌ الصلاة على القبر:

- ‌ الصلاة على من عليه حق للعباد:

- ‌ الصلاة على من قتل نفسه:

- ‌ فضل كثرة المصلين على الجنازة:

- ‌ النهي عن الصلاة على الجنائز بين القبور:

- ‌ لا صلاة على منافق علم نفاقه:

- ‌ الأولى بالصلاة على الجنازة:

- ‌ التسليم في الجنازة:

- ‌وصل في أحكام الشهداء

- ‌الباب العاشرفي السجدات

- ‌مقدمة

- ‌الفقرة الأولىفي سجود السهوعرض إجمالي

- ‌ ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة:

- ‌ السهو إذا صلى خمساً:

- ‌ السجود للشك:

- ‌ التشهد في سجود السهو:

- ‌ إعلام الإمام بالسهو:

- ‌الفقرة الثانيةفي سجود التلاوةعرض إجمالي:

- ‌ في مؤكدات سجود التلاوة:

- ‌في كونها سنة:

- ‌ سجدة الحج:

- ‌ سجدة (ص):

- ‌ سجدة النجم:

- ‌ سجدة سورة الانشقاق والعلق

- ‌ إجزاء الركوع مباشرة عن سجود

- ‌ ما يقول في سجوده:

- ‌الفقرة الثالثةفيسجود الشكرعرض إجمالي

- ‌خاتمة وجسر

الفصل: ‌ ‌خاتمة وجسر لقد أنهينا عرض ما تيسر عرضه من نصوص الصلاة

‌خاتمة وجسر

لقد أنهينا عرض ما تيسر عرضه من نصوص الصلاة ومن فقهها، وقد مر معنا من قبل بمناسبة الكلام عن السيرة والعقائد كلام عن الصلاة، وستمر معنا مناسبات أخرى ستذكر الصلاة في سياق نصوص تتحدث عن الصلاة وغيرها بآن واحد، ولا غرو أن أخذت الصلاة هذا الحجم الكبير، فإنها أهم ما بعث به الرسل عليهم الصلاة والسلام بعد العقيدة، وإذا كانت الصلاة عبادة بدنية وكان الهدف منها إقامة الشكر لله تعالى بأفعالها وأذكارها وكل ذلك ذكر لله تعالى، وإذا كانت قراءة القرآن فيها ركناً من أركانها فقد اخترنا أن يكون الجزءان اللاحقان في تلاوة القرآن وبعض المأثور في تفسيره، وفي الأذكار والدعوات لأن هذين الجزءين مكملان في الحقيقة للحكمة التي من أجلها شرعت الصلاة، وقد جعلنا هذه الخاتمة بمثابة الإشارة الأخيرة للصلاة وبمثابة الجسر الذي يوصل للحديث عن الجزءين اللاحقين من هذا القسم.

القرآن ذكر بنص القرآن

قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (1). لاحظ في الآية كلمة {الذِّكْرُ} وكلمة {لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .

وإذ كانت الحكمة في فرض الصلاة الذكر قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} (2) وإذ كان القرآن ذكراً فقد جعلنا تلاوة القرآن بعد جزء الصلاة لأنها امتداد لعبادة الصلاة، كيف وقراءة القرآن ركن من أركان الصلاة تذكر قوله تعالى في الآية المتقدمة {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} فإنك تدرك من خلالها أن القرآن مثير للفكر وباعث له ومهيج عليه، فإذا كان في الوقت نفسه ذكراً، عرفنا أهمية القرآن في العبادة.

فالذكر والتفكر هما اللذان يوصلان الإنسان إلى التذكر بالحقائق المجبولة عليها ذاته وفي مقام العبودية لله ومقتضياه، وإنما يفعل القرآن ذلك كله إذا اجتمع مع

(1) النحل: 44.

(2)

طه: 14.

ص: 1544

تلاوته التدبر قال تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (1) ومن ها هنا كانت تلاوة القرآن مكملة للصلاة فلا عجب أن نجعلها بعد الصلاة. ومما يذكر به القرآن العودة إلى الله والحشر والنشر وهذا يبعث على التأمل باليوم الآخر والمحاسبة المستمرة للنفس والاستعداد للموت قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ} (2).

لذلك ولكون التأمل جزءاً من التفكر، وهو مما تثيره تلاوة القرآن في النفس فقد ذكرنا هذا الموضوع بعد الصلاة لأنه مكمل لها في هذه الشؤون كلها.

وتلاوة القرآن تكون أثراً عن قراءة في المصحف أو عن حفظ لقرآن، وقد جاءت نصوص تحض على حفظ القرآن كله أو على حفظ سور أو آيات مخصوصة، والحفظ عبادة زائدة على مجرد التلاوة لذلك أدخلنا النصوص الواردة في الحفظ في الجزء اللاحق لأنه من العبادات المباشرة كالصلاة.

وقد جرت عادة المؤلفين أن يجمعوا بين النصوص الواردة في التلاوة والحفظ والتفسير في كتاب واحد وذلك أن من آداب التلاوة التدبر، ومما يعين على التدبر معرفة المعنى فأدخلنا هذا كله في الجزء اللاحق.

وقد مر معنا في بحث الصلاة كلام عن قراءة القرآن في الصلاة وما هو مسنون فيها، كما مر معنا في قيام الليل شيء عن ذلك فليبق الإنسان على ذكر من ذلك، ومن فاته أن يقرأ المسنون في الصلوات المفروضة أو المسنون في صلاة الليل فلا تفوته القراءة ولو لم تكن في صلاة.

كما مر معنا نصوص لها علاقة بسجدات القرآن أشرنا إليها أثناء الكلام عن سجدات التلاوة.

وفي الصلاة ذكر وتذكر ودعاء وتلاوة قرآن وتفكر وتأمل ففيها تسبيح وحمد،

(1) ص: 29.

(2)

الحشر: 18.

ص: 1545

وفيها تذكر لليوم الآخر، وفيها دعاء في الفاتحة وغيرها، وفيها تلاوة قرآن أثناء القيام حقيقة أو حكماً وفيها تفكر وتأمل بمعانيها، وكما شرعت هذه المعاني داخل الصلاة فقد شرعت خارجها بل إن ما شرع في الصلاة هو الحد الأدنى منها وإن كان هو المقام الأرقى لأدائها.

{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} (1) تأمل هذا الثناء العاطر عليهم إذ يتلون الكتاب في صلاتهم ولكن كما شرع لنا أن نتلو الكتاب في صلاتنا فقد شرع لنا أن نتلو القرآن خارج الصلاة وكذلك قل في الذكر والتذكر والدعاء والتفكر والتأمل، بل هذه خارج الصلاة تكمل الصلاة في آثارها وتأثيرها وتقريبها إلى الله وإبعادها عن الفحشاء والمنكر.

{إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} (2).

ولا ننسى أن من لم يقم الصلاة فقد أسقط الفرض الأكبر في الذكر ومما ذكرناه ندرك أن هناك صلة تكاملية بين الصلاة وتلاوة القرآن والأدعية والأذكار.

فلنتأمل معنى كلمة أركان الإسلام: إن الركن هنا ما قام عليه غيره لأن أصل المعنى مأخوذ من قوله عليه الصلاة والسلام "إن الإسلام بني على خمس

" ترى أي شيء بني على الصلاة في الإسلام؟.

إن الصلاة في الإسلام هي ركن العبادات الذكرية والتأملية وعلى هذا فكل العبادات الذكرية والتأملية ترتكز عليها وتعاونها وبقدر ما يقوم ركن الصلاة وترفده مكملاته من تلاوة وأذكار وأدعية يزيد ذلك من إشراق الإيمان في القلب ويؤثر ذلك على إقامة حق الله في بقية الأركان وفي السلوك إلى الله ومن هنا نجد الصلة بين العبادة والهداية في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (3).

(1) آل عمران: 113.

(2)

العنكبوت: 45.

(3)

الفاتحة: 5، 6.

ص: 1546

ولذلك جعلنا الجزء الثاني في هذا القسم في الصلوات والجزء الثالث في التلاوة والجزء الرابع في الأدعية والأذكار، فالتلاوة الصحيحة والأدعية والأذكار وما يرافق ذلك من تفكر وتأمل وتذكر عبادات متممة ومكملة للصلاة ولدورها في إصلاح القلب والسلوك.

والصلوات والأذكار والأدعية وتلاوة القرآن هي المظهر الأوضح لعبادة الله وهي بجملتها ذات تأثير يومي مباشر على سلوك الإنسان، فالزكوات والصدقات والصوم والحج والجهاد كلها تأخذ محلها في سلم العبادة، ولها تأثيرها ودورها في تزكية النفس وفي سلوك الإنسان، ولكن الزكاة المفروضة تؤدى مرة في العام وكذلك الصوم المفروض، والحج المفروض يؤدى مرة في العمر، والجهاد المفروض يكون أحياناً فرض عين وأحياناً فرض كفاية وأحياناً لا تتوافر أسبابه، وحتى نوافل هذه العبادات لا تستغرق من الوقت ما يمكن أن تستغرقه الصلوات والأذكار والدعوات وتلاوة القرآن من مجمل العمر التكليفي.

فهناك صلوات يومية فرائض ونوافل ويندب للإنسان يومياً أن يقرأ القرآن ويدعو ويذكر ويتذكر ويتأمل، ولذلك قلنا إن الصلوات وهذه العبادات الأخرى هي المظهر الأول للعبادة، وبقدر ما يؤديها الإنسان يكون محققاً للحكمة من وجوده وإيجاده:.

{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1).

كما أنها هي العامل الأكبر في إبقاء حياة العقيدة في القلب وحيويتها.

إن ميزان السير إلى الله والعمل لليوم الآخر يتمثل بنيتين:

العلم والذكر:

2336 -

* روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا ملعونة

(1) الذاريات: 56.

2336 -

ابن ماجه (2/ 1377) 37 - كتاب الزهد، 3 - باب مثل الدنيا، وهو حسن.

ص: 1547

ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً أو متعلماً".

وإذن فبقدر ما تعطي من وقتك للعلم الأخروي والذكر تعطي للآخرة، ومع أن أي عمل من أعمال الإسلام ولو لم يكن فيه ذكر مباشر هو ذكر ضمني، فإن الذكر المباشر هو أول ما ينطبق عليه وصف الذكر:

والصلاة كلها ذكر، وتلاوة القرآن كلها ذكر، والدعوات والأذكار كلها ذكر وهذه كلها تقتضي تأملاً وتدبراً وتفكراً والتأمل والتذكر والتفكر ذكر في النهاية لذلك قلنا إن هذه الأمور هي المظهر الأول للعبادة.

فإذا عرفنا أن الدعاء هو العبادة، وان التلاوة أرقى من الدعاء ففي الحديث الذي.

2337 -

* روى الترمذي عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شغله قراءة القرآن عن مسألتي: أعطيته أفضل ما أعطي السائلين".

تأكد لك ما ذكرناه عن الصلوات والأذكار والدعوات وتلاوة القرآن.

وقد جرت عادة أهل السلوك إلى الله مع اهتمامهم الزائد بالصلاة فريضة ونافلة أن يرتبوا على أنفسهم ورداً يومياً يجمع بين الذكر من استغفار إلى صلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تهليل وتسبيح وبين تلاوة القرآن وبين التفكر في الملك والملكوت والتأمل في اليوم الآخر، وأن يحاولوا مع هذا الإكثار بقية يومهم وليلتهم من الذكر والتفكر تحقيقاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم العملية وقياماً بحق قوله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (1).

ويحرصون أن يتلقوا ذلك عن أهل العلم والسير إلى الله تحقيقاً لسنة التلقن

2337 - الترمذي (5/ 184) 46 - كتاب فضائل القرآن، 25 - باب.

وقد أخرجه الترمذي لكن إسناده ضعيف وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب ولعله حسن ببعض الشواهد.

(1)

آل عمران: 190، 191.

ص: 1548

والتلقين التي كانت هي السائدة وهي الأصل في حياة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين وتابع التابعين بإحسان فهم يحرصون على إحياء سنة التلقن القرآني عن أهل ذلك، وسنة التلقن للسنة النبوية عن أهل ذلك، وسنة التلقن للأذكار والدعوات عن أهل ذلك، فمع التلقن تسري أنوار وأسرار إلى القلوب وعند عدم تيسر التلقن والتلقين، فالمطالعة والمذاكرة والمجالسة من الوسائل التي تنوب عن الأصل حال فقده.

وقد ورد في تلاوة القرآن نصوص كثيرة في الكتاب والسنة وقد فرض علينا أن نقرأ القرآن كما أنزل، وهذا يقتضي أن نقرأه كما أقرأنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أمر رسول الله أن يقرأه مرتلاً {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (1) لذلك كان أخذ القرآن من أهله وقراءته على الطريقة التي كان يؤديها رسول الله صلى الله عليه وسلم من الفرائض وقد استقرأ علماء المسلمين طرق الأداء واستخرجوا أحكام ترتيل القرآن على كل الروايات التي وردتنا بالطرق المتواترة عن رسولنا عليه الصلاة والسلام فبأي رواية قرأ المسلم القرآن فعليه أن يلاحظ هذه الأحكام، ولذلك افترض على مريد قراءة القرآن أن يعرف هذه الأحكام، وافترض على من يحفظ شيئاً من القرآن أن يحفظه ملاحظاً هذه الأحكام وهذا يقتضي الاهتمام بحلقات القرآن وقراءته وإقرائه ومعرفة أحكام ترتيله.

وقد نزل القرآن على سبعة أحرف ليسع لهجات العرب وطرائقهم في النطق وقد جمع القرآن كتابة في عهد خلافة أبي بكر على الرسم الذي يلحظ لغة قريش، ثم عمم ذلك عثمان رضي الله عنه فما وافق هذا الرسم من الأحرف السبعة لا زال حياً وما خالفه فقد انتهى دوره لإمكانية أن يستقيم لسان الأمة على ما وافق هذا الرسم بعد المرحلة الانتقالية فإذا ما ورد شيء من ذلك فإما أنه منسوخ أو أنه من باب التفسير لأن مصحف عثمان أجمع عليه الصحابة أنه كله قرآن غير منسوخ التلاوة، وهو منقول تواتراً ولم يتوافر لغيره هذان الشرطان فإذا ما سمعنا كلمة القراءات السبع أو القراءات العشر فليس المراد من ذلك الأحرف السبعة التي وردت في النصوص بل هي متضمنة لشيء من الأحرف السبعة مما وافق الرسم العثماني للمصحف، والمحافظة على هذه

(1) المزمل: 4.

ص: 1549

القراءات من فروض الكفايات التي تلزم بها الأمة. وحفظ ما يلزم المسلم لإقامة صلواته واجب عيني وحفظ جميع القرآن سنة عينية وأن يكون لنا وردنا اليومي من تلاوة القرآن فذلك سنة عينية لمن كان قلبه سليماً وإيمانه كاملاً وفطرته مستقيمة، أما من كان في قلبه أمراض وتعينت تلاوة القرآن لشفائها، فهذا القدر في حقه فريضة عينية. قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (1) بل كل الفرائض التي تتحقق بدون التلاوة تجعل هذا القدر من التلاوة فريضة عينية وقل مثل ذلك في الحفظ فالمسلم مكلف بطمأنينة القلب وبسلامته وعمارته بالأنوار، ولتلاوة القرآن ولحفظ بعضه دخل في ذلك.

ومن ههنا كان للتلاوة اليومية ولحفظ القرآن وقراءته وإقرائه فضل عظيم.

وها إن الجزء اللاحق يعطيك تصوراً عن كثير مما ينبغي معرفته عن القرآن وعن القيام بحقوقه بالقدر الذي يتفق مع مقاصد هذا الكتاب.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

(1) يونس: 57.

ص: 1550