الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة السابعة:
في النفل المطلق
2016 -
* روى ابن خزيمة عن عمرو بن عنبسة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول ما بعث وهو بمكة، وهو حينئذ مستخف، فقلت: ما أنت؟ قال: "أنا نبي". قلت: وما النبي؟ قال: "رسول الله". قال: آالله أرسلك؟ قال: "نعم". قلت: بم أرسلك؟ قال: "بأن نعبد الله، ونكسر الأوثان، ودار الأوثان، ونوصل الأرحام". قلت: نعم ما أرسلك به. قلت: فمن تبعك على هذا؟ قال: "عبد وحر" يعني أبا بكر وبلالاً. فكان عمرو يقول: رأيتني وأنا ربع الإسلام- أو رابع الإسلام- قال فأسلمت. قالت: أتبعك يا رسول الله؟ قال: "لا. ولكن الحق بقومك، فإذا أخبرت إني قد خرجت فاتبعني". قال: فلحقت بقومي، وجعلت أتوقع خبره، وخروجه، حتى أقبلت رفقة من يثرب، فلقيتهم فسألتهم عن الخبر. فقالوا: قد خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، فقلت: وقد أتاها؟ قالوا: نعم. أنت الرجل الذي أتاني بمكة". فجعلت أتحين خلوته، فلما خلا قلت: يا رسول الله علمني مما علمك الله وأجهل. قال: "سل عما شئت" قلت: أي الليل أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر فصل ما شئت" فإن الصلاة مشهودة مكتوبة، حتى تصلي الصبح، ثم أقصر حتى تطلع الشمس، فترتفع قيد رمح أو رمحين، فإنها تطلع بين قرني الشيطان وتصلي لها الكفار. ثم صل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة حتى يعدل الرمح ظله، ثم اقصر فإن جهنم تسجر وتفتح أبوابها، فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت، فإن الصلاة مشهودة مكتوبة، حتى تصلي العصر، ثم اقصر حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين
2016 - ابن خزيمة (1/ 129) جماع أبواب غسل التطهير، 196 - باب ذكر الدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان يأمر بالوضوء قبل نزول سورة المائدة. وهو صحيح.
(اقصر): أي اكفف.
قرني الشيطان وتصلي لها الكفار. وإذا توضأت فاغسل يديك، فإنك إذا غسلت يديك خرجت خطاياك من أطراف أناملك. ثم إذا غسلت وجهك خرجت خطاياك من وجهك. ثم إذا مضمضت واستنثرت خرجت خطاياك من مناخرك، ثم إذا غسلت يديك خرجت خطاياك من ذراعيك، ثم إذا مسحت برأسك خرجت خطاياك من أطراف شعرك، ثم إذا غسلت رجليك خرجت خطاياك من رجليك، فإن ثبت في مجلسك كان ذلك حظك من وضوئك، وإن قمت فذكرت ربك، وحمدت، وركعت ركعتين مقبلاً عليهما بقلبك، كنت من خطاياك كيوم ولدتك أمك".
قال: قلت يا عمرو: اعلم ما تقول، فإنك تقول أمراً عظيماً. قال: والله لقد كبرت سني، ودنى أجلي، وإني لغني عن الكذب، ولو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة أو مرتين ما حدثته، ولكني قد سمعته أكثر من ذلك.
هكذا حدثني أبو سلام عن أبي أمامة إلا أن أخطئ شيئاً لا أريده، فأستغفر الله وأتوب إليه.
أقول: يلاحظ في هذا النص ورود أقواله عليه الصلاة والسلام الآتية: أي الليل أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر فصل ما شئت". وبعد ارتفاع الشمس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثم صل ما شئت) ثم قوله عليه الصلاة والسلام: (فإذا زاغت الشمس فصل ما شئت)، نلاحظ في هذه الأوقات الثلاثة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق للصحابي أن يصلي ما شاء بدون تقيد بعدد، وقد مر معنا من قبل أن حذيفة صلى في المسجد بعد المغرب حتى دخل وقت العشاء، ذلك كله يفيد أن النفل المطلق جائز في غير الأوقات المنهي عنها، وهو الذي ذهب إليه أئمة الاجتهاد، والمذاهب الأربعة على ذلك.
وقد مرت معنا بمناسبات متعددة أدلة تدل على ذلك، وههنا نقتصر على ذكر بعض أدلة ذلك ومنها النص الذي مر معنا.
2017 -
* روى أبو داود عن يعلى بن مملك أنه سأل أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وصلاته؟ فقالت: وما لكم وصلاته؟ كان يصلي ثم ينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما صلى، حتى يصبح، ثم نعتت قراءته، فإذا هي تنعت قراءة مفسرة حرفاً حرفاً".
وفي أخرى (1) للنسائي "أنه سألها عن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان يصلي العتمة، ثم يسبح، ثم يصلي بعدها ما شاء الله من الليل، ثم ينصرف فيرقد مثل ما صلى، ثم يستيقظ من نومه ذلك، فيصلي مثل ما نام، وصلاته تلك الآخرة تكون إلى الصبح".
أقول: الملاحظ أن أم سلمة رضي الله عنها لم تقيد صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الليل بعدد في هذه الرواية مما يدل على أن الأمر واسع، وإلا لو كان في الأمر تضييق لذكرت العدد لأنه يناسب السؤال.
2018 -
* روى البزار عن ابن عباس قال: كانت مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم تصوم النهار وتقوم الليل فقيل له إنها تصوم النهار وتقوم الليل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل عمل شرة والشرة إلى فترة فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل".
أقول: تبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تمر على الإنسان حالات ينشط فيها للعمل ثم تعقبها فترة، وعلى الإنسان في هذه الحالة أن تكون فترته إلى سُنة،
2017 - أبو داود (2/ 73، 74) كتاب الصلاة، باب استحباب الترتيل في القراءة.
الترمذي (5/ 182) 46 - كتاب فضائل القرآن، 23 - باب ما جاء كيف كان قراءة النبي صلى الله عليه وسلم.
النسائي (2/ 181) 11 - كتاب الافتتاح، 83 - تزيين القرآن بالصوت.
(1)
النسائي (3/ 214) 20 - كتاب قيام الليل وتطوع النهار، 13 - باب ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل. وهو صحيح لغيره، صححه أكثر من إمام كالدارقطني والحاكم وأقره الذهبي.
2018 -
كشف الأستار (1/ 347) أبواب صلاة التطوع، باب العمل الدائم.
مجمع الزوائد (2/ 258) وقال الهيثمي: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.
(الشرة): النشاط.
يدل على أنه لا حرج لمن كان عنده نشاط أن يقبل على الله عز وجل بما شاء من النوافل المطلقة، وإن لم تكن من دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2019 -
* روى الطبراني عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر".
2020 -
* روى أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "الصلاة خير موضوع، من شاء أقل ومن شاء أكثر".
أقول: يلاحظ أن النص الوارد عن أبي هريرة ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله عن الصلاة: "فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر" وأن رواية أبي ذر: (من شاء أقل ومن شاء أكثر) فهذان الإطلاقان أخذ منهما الأئمة جواز النفل المطلق في غير أوقات النهي بلا عدد محدد.
2021 -
* روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: من عادى لي ولياً، فقد آذنته بحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني أعطيته، وإن استعاذ بي أعذته، وما ترددت عن شيء أنا فاعله، ترددي عن نف المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته".
أقول: في قوله عليه الصلاة والسلام عن الله عز وجل في هذا الحديث القدسي: "ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل" ما يفيد الإطلاق، ومن ههنا وغيره أجاز الفقهاء النفل المطلق في الصلاة إلا في الأوقات المنهي عنها، كما أجازوا الإكثار من الذكر وتلاوة القرآن بقدر نشاط الإنسان، وقل مثل ذلك في كل نافلة لم يرد فيها
2019 - مجمع الزوائد (2/ 249) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط. وهو حديث حسن.
2020 -
رواه أحمد والطبراني والحاكم وصححه.
2021 -
البخاري (11/ 340، 341) 81 - كتاب الرقاق- 38 - باب التواضع.
نهي يخصص إطلاقها.
2022 -
* روى ابن خزيمة عن جبير بن مطعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا بني عبد مناف، يا بني عبد المطلب إن كان إليكم من الأمر شيء فلا أعرفن ما منعتم أحداً يصلي عند هذا البيت أي ساعة شاء من ليل أو نهار".
هذا لفظ حديث ابن جريج، غير أن أحمد بن المقدام قال:
إن كان لكم من الأمر شيء، وقال: أي ساعة من ليل أو نهار.
أقول: هذا النص وإن كان وارداً في الصلاة في المسجد الحرام إلا أن فيه إطلاق الصلاة دون تقييد للبحث عن العدد الذي صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مدة مكثه بمكة في حجه وعمراته بعد الهجرة، مما يستأنس به لجواز النفل المطلق، ولكن لورود النهي في غير هذا المقام عن الصلاة في الأوقات الخمسة ولذلك قيدنا جواز النفل المطلق لئلا تقع في هذه الأوقات.
2023 -
* روى ابن خزيمة عن محمود بن الربيع الأنصاري قال: قال لي عتبان بن مالك:
فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذنت له، فلم يجلس حتى دخل البيت، ثم قال:"أين تحب أن أصلي في بيتك"؟ قال: فأشرت له إلى ناحية البيت، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبر، فقمنا فصففنا، فصلى ركعتين، ثم سلم.
أقول: يحتمل أن يراد بهذه الصلاة سنة الضحى أو سنة دخول البيت كما تحتمل النفل المطلق وفي النص دلالة على أن الصحابة كانوا يتبركون بأن يصلوا حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهم أن الأمر بالإقبال على الله بالنوافل واسع لا كما يريد بعض الناس أني ضيقه، فذلك نوع من المنع عن الخير إذا لم يرد نص يدل على
2022 - ابن خزيمة (4/ 226) 648 - باب إباحة الطواف والصلاة بمكة بعد الفجر وبعد العصر
…
إلخ.
2023 -
ابن خزيمة (3/ 87) 165 - باب صلاة التطوع بالنهار في الجماعة ضد مذهب من كره ذلك وهو صحيح.
المنع عن شيء بخصوصه.
2024 -
* روى الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال: إنك ما كنت في صلاة فإنك تقرع باب الملك ومن يكثر قرع باب الملك يوشك أن يفتح له.
أقول: يلاحظ أن عبد الله بن مسعود ذكر الإكثار من قرع باب الله عز وجل بالصلاة دون تقييد بعدد مما يدل على جواز النفل المطلق.
2025 -
* روى الطبراني عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بقبر فقال: من صاحب هذا القبر؟ فقالوا: فلان، فقال:"ركعتان أحب إلى هذا من بقية دنياكم".
2026 -
* روى مسلم عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: "كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وبحاجته، فقال لي: اسألني، فقلت: إني أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك، قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود".
2027 -
* روى مسلم عن معدان بن أبي طلحة قال: "لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الجنة- أو قلت: بأحب الأعمال إلى الله- فسكت، ثم سألته فسكت، ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة. قال معدان: ثم أتيت أبا
2024 - الطبراني (9/ 231) في "المعجم الكبير".
مجمع الزوائد (2/ 257) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.
2025 -
مجمع الزوائد (2/ 249) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات.
2026 -
مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة، 43 - باب فضل السجود والحث عليه.
أبو داود (2/ 35) كتاب الصلاة، باب وقت قيام النبي صلى الله عليه وسلم من الليل.
2027 -
مسلم (1/ 353) 4 - كتاب الصلاة، 43 - باب فضل السجود والحث عليه.
الترمذي (2/ 230) أبواب الصلاة، 286 - باب ما جاء في كثرة الركوع والسجود [وفضله].
النسائي (2/ 228) 12 - كتاب التطبيق، 80 - باب ثواب من سجد لله عز وجل سجدة.
الدرداء فسألته، فقال مثل ما قال لي ثوبان.
أقول: في النصين الأخيرين ندب إلى كثرة السجود بإطلاق دون تقييد بعدد وذلك من أدلة جواز النفل المطلق عند العلماء.
فائدة: الإكثار من التعبد ليس ببدعة.
من أهم الكتب التي ألفت في موضوع جواز النفل المطلق والإكثار من التعبد وأكثرها فوائد وأغرزها علماً وتحقيقاً كتاب (إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس ببدعة) للإمام أبي الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة حفظه الله، وسبب تأليف الكتاب كما ذكر المؤلف في المقدمة أنه سمع قائلاً يقول: الاجتهاد في التعبد كإحياء الليل كله وقراءة القرآن في ركعة وأداء ألف ركعة ونحو ذلك مما نقل عن الأئمة: بدعة وكل بدعة ضلالة.
فجاء الكتاب في أصلين ومقصدين وخاتمة، ولغزارة فوائد هذا الكتاب ودقة تحقيقه وشموله فإننا سنقتطف أجزاء من كلامه تفي بالمقصود وتعطي القارئ تصوراً عاماً عنه ومن أراد المزيد فعليه بالكتاب فإنه مهم.
وقد خصص المؤلف الأصل الأول للحديث عن البدعة وحكم الصحابة والتابعين ومما قاله رحمه الله عن ذلك: (
…
البدعة: ما لم يكن في القرون الثلاثة، ولا يوجد له أصل من الأصول الأربعة): أي القرآن والسنة والإجماع والقياس، ونقل عن المحقق التفتازاني كلاماً منه (البدعة المذمومة هو المحدث في الدين، من غير أن يكون في عهد الصحابة والتابعين، ولا دل عليه الدليل الشرعي. ومن الجهلة من يجعل كل أمر لم يكن في زمن الصحابة بدعة مذمومة وإن لم يقم دليل على قبحه، تمسكاً بقوله عليه السلام: "إياكم ومحدثات الأمور". ولا يعلمون أن المراد بذلك هو أن يجعل في الدين ما ليس منه).
ونقل عن كتاب "مجالس الأبرار": البدعة لها معنيان، أحدهما لغوي عام، وهو: المحدث مطلقاً، سواء كان من العادات أو العبادات. والثاني شرعي خاص، وهو: الزيادة في الدين أو النقصان منه بعد الصحابة، بغير إذن الشارع لا قولاً ولا
فعلاً ولا صريحاً ولا إشارة. وعمومها في الحديث بحسب معناها الشرعي. انتهى ملخصاً.
وقال أيضاً: وفي "حواشي الطريقة المحمدية" لخواجه زادة: قوله: بعد الصحابة
…
أما الحادث في زمن الخلفاء الراشدين فليس ببدعة، لأن سنتهم كسنة الرسول، بدليل الأمر بالتمسك بسنتهم.
ومما ذكره في كتابه: أن ما وقع في زمن الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم من الأمور المحدثة وأنكروه فهو بدعة ضلالة، وما لم ينكروه بل وجد منهم الرضى والتوافق فليس ببدعة شرعية، وإن أطلق عليه بدعة بالمعنى العام فيقيد بأنه بدعة حسنة وإنما أطلق عليه اسم البدعة بالمعنى اللغوي وهو المحدث مطلقاً لا الشرعي كما سبقت الإشارة إليه
…
واعلم أن ما فعله الصحابة إما أن يكون موافقاً لنص من كتاب أو سنة فالأخذ به أولى وإن لم يعرف في العهد النبوي لظهور اندراجه في أصول الشرع وإما أن يكون مخالفاً لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيجمع بينهما حتى الوسع بحيث لا يخرج ما فعله الصحابي عن حيز الشرع فإن لم يكن ذلك فلا نأخذ به لورود النص المخالف ويعذر الصحابي بعدم علمه بذلك النص وإلا لم يقل بخلافه، وإن وجدنا قولاً أو فعلاً من صحابي ولم نجد في الكتاب والسنة ما يخالفه ولا يوافقه فالأخذ بفعل الصحابي أو قوله أولى من تركه. ثم قال:
فإن قلت: إذا اتفق أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أمر محدث فأولوية الأخذ به ظاهر، وأما إذا اختلفوا فيه فماذا يفعل؟
قلت: يتخير فيه الآخذ بأيهم اقتدى اهتدى، كما نص عليه الأصوليون في كتبهم.
وأما الحادث في زمان التابعين وتابعيهم فالتفصيل فيه: هو التفصيل المذكور سابقاً، فإن كان المحدث في أزمنتهم قد وقع النكير منهم عليه كان بدعة. وإلا فليس ببدعة.
[أقول: العبرة لنكير أئمة الاجتهاد وإجماعهم أما إذا لم يجمعوا فالأمر واسع].
وأما الحادث بعد الأزمنة الثلاثة: فيعرض على أدلة الشرع، فإن وجد نظيره في
العهود الثلاثة أو دخل في قاعدة من قواعد الشرع: لم يكن بدعة، لأنها عبارة عما لا يوجد في القرون الثلاثة وليس له أصل من أصول الشرع، وإن أطلقت عليه:(البدعة) قيدته بـ (الحسنة). وإن لم يوجد له أصل من أصول الشرع صار بدعة ضلالة وإن ارتكبه من يعد من أرباب الفضيلة أو من يشتهر بالمشيخة، فإن أفعال العلماء والعُبَّاد ليست بحجة ما لم تكن مطابقة للشرع. اه. هـ هذا فيما يتعلق بالبدعة وأن ما فعله الصحابة أو الأئمة من التابعين وتبعهم وما فعل في زمانهم ن غير نكير منهم ليس ببدعة. ثم ذكر الأصل الثاني:
(في ذكر جماعة من الذين اجتهدوا في العبادة، وصرفوا تمام أعمارهم في الجهاد في الطاعة، على سبيل الاختصار، إذ الإحاطة بأحوال جميع المجاهدين مما يقصر عنه البشر، إنما هو شأن خالق القوى والقدر) فذكر ستاً من الصحابة هم: عثمان وعلي وتميم الداري وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وشداد بن أوس رضي الله عنهم وذكر من التابعين ثمانية عشر إماماً عرفوا بالاجتهاد والإكثار من العبادة منهم: أويس القرني ومسروق وابن المسيب وثابت البناني وسعيد بن جبير ومالك بن دينار، ثم ذكر أحد عشر رجلاً من بعد التابعين منهم: إبراهيم بن أدهم وشعبة بن الحجاج والشافعي وأحمد بن حنبل ووكيع، وأضاف المحقق- الشيخ عبد الفتاح أبو غدة- سبعة آخرين تمم بها بعض مقاصد الكتاب وفوائده ونقل تحقيقاً نافعاً عن الإمام النووي حول الإكثار من تلاوة القرآن ونحو ذلك فليراجع (ص 198).
ثم شرع الإمام اللكنوي رحمه الله في بيان المقصد الأول وهو في إثبات أن مثل هذه الاجتهادات في العبادة ليست ببدعة وضلالة لوجوه: [ونقتطف من كلامه ما يلي]:
الأول: أنه قد وُجد الاجتهاد في العبادة حسب الطاقة من الصحابة والتابعين وتابع التابعين من غير إنكار أحد منهم، وكل ما كان كذلك: فهو ليس ببدعة.
الثاني: أنه قد وُجِد بعض ذلك من بعض الخلفاء، كعمر وعثمان كما مر في الأصل الثاني وكل ما وجد منهم من غير نكير: سُنَّة، فإن السنة ليست مختصة بما فعله النبي
صلى الله عليه وسلم، بل تعمه وتعم ما فعله الخلفاء- كلهم أو بعضهم- وما شرعوا في الدين ورضوا به وإن لم يباشروا به.
الثالث: أنه قد وُجد ذلك من الأئمة المجتهدين وأجلة الفقهاء والمحدثين، فإن كان ذلك بدعة وضلالة: لزم كونهم مبتدعين ضالين، واللازم باطل بإجماع من يعتد به من المسلمين.
الرابع: أن أجلة المؤرخين الذين هم المعتمد عليهم بين المسلمين، وقد اشتهر ورعهم في الدين وتحرزهم عن الابتداع في الدين، قد أوردوا في تصانيفهم في تراجم العلماء ذكر اجتهادهم في العبادة وأدرجوا ذلك مدرج المدح والجلالة، وهذا أدل دليل على عدم اشتهارهم ببدعة عندهم، فإن المدح بما هو بدعة ليس من شأن العلماء.
الخامس: أنه قد ثبت ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، وكل ما ثبت منه ليس ببدعة.
2028 -
* روى البخاري عن عائشة "كان النبي صلى الله عليه وسلم ليقوم- أو ليصلي- حتى ترم قدماه، فيقال له؟ فيقول: أفلا أكون عبداً شكوراً؟ ".
فإن قلت لم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم قام ليلة كلها أو قرأ القرآن في ركعة أو زاد على إحدى عشرة ركعة.
قلت: أولاً: إنه قد ثبت إحياء الليل من النبي صلى الله عليه وسلم، وهو سهر الليل كله للعبادة أخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا في "كتاب التفكر".
2029 -
* روى ابن حبان في "صحيحه" وابن مردويه والأصبهاني في كتاب "الترغيب والترهيب" وابن عساكر، عن عطاء قال: قلت لعائشة: أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وأي شأنه لم يكن عجباً؟ .. إنه أتاني ليلة فدخل معي لحافي ثم قال: ذريني أتعبد لربي فقام فتوضأ ثم قام يصلي، فبكى حتى
2028 - البخاري (3/ 14) 19 - كتاب التهجد، 6 - باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم الليل.
2029 -
ابن حبان (2/ 8، 9) ذكر البيان بأن المرء عليه إذا خلا لزوم البكاء على ما ارتكب من الحرمات وإن كان بائناً عنها مجداً في إتيان ضدها.
سالت دموعه على صدره، ثم ركع فبكى ثم سجد فبكى، ثم رفع رأسه فبكى، فلم يزل كذلك حتى جاء بلال يؤذنه بالصلاة، فقلت: يا رسول الله، وما يبكيك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً، ولم لا أفعل وقد أنزل الله علي هذه الليلة (إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب)(1)
…
الآيات.
فدل ذلك على أن نفي عائشة قيام الليل كله محمول على غالب أوقاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم وكذلك خبر عدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة محمول على ما هو الأغلب، وإلا فقد ثبت بروايات متعددة الزيادة على ذلك إلى خمس عشرة ركعة. كذا ذكره النووي في "شرح صحيح مسلم".
وثانياً: [وإن سلمنا] أنه صلى الله عليه وسلم لم يقم ليلة كلها ولا قرأ القرآن في ليلة ولا زاد على إحدى عشرة ركعة- نقول: قد ثبت منه مثله وما يشبهه في التشدد، وهو قيامه حتى تورمت قدماه، وذلك كاف في ارتفاع اسم البدعة عن هذه الاجتهادات، فإن البدعة: ما لا يكون هو ولا مثله في العهد النبوي، وليس بشرط أن يثبت كل جزئي من جزئيات العبادة منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وثالثاً: أنه وإن لم [يتجشم] هذه الاجتهادات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شفقة على أمته، فقد تجشمه من أمرنا رسول الله بالاهتداء بسنتهم والسلوك على مسلكهم، فكيف يكون بدعة؟ كما مر ذكر ذلك.
السادس: أنه قد أجاز النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم العبادة على حسب الطاقة.
2030 -
* روى أبو داود عن عائشة قالت: إن رسول الله قال: "اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله
(1) آل عمران: 190.
2030 -
أبو داود (2/ 48) كتاب الصلاة، 28 - باب ما يؤمر به من القصد في الصلاة.
أدومه وإن قل، وكان إذا عمل عملاً أثبته".
2031 -
* وروى البخاري عنها مرفوعاً "عليكم ما تطيقون من الأعمال فإن الله لا يمل حتى تملوا".
وإذا ثبت جواز العمل حسب الطاقة إلى أن لا يحصل الإعياء والملل فنقول: طاقة الناس مختلفة، فكم من رجل يطيق شيئاً ولا يطيقه آخر؟ وكم من رجل يمل من شيء ولا يمل منه آخر؟ وكم من رجل أعطي السرعة في القراءة ولم ينلها الآخر.
فمن أطاق كثرة العبادة والقراءة وقيام الليل ونحو ذلك من دون حصول ملل يجوز له ذلك، بالأحاديث السابقة، ومن حصل له ملل أو عرض له خلل لزم له ترك ذلك. فالحكم بأن الزيادة على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم مطلقاً غير جائزة: خطأ فاحش.
ثم شرع الإمام اللكنوي رحمه الله في المقصد الثاني وهو في دفع الشبهات الواردة على المجاهدات وذكر عبارات العلماء في جواز التشدد، بالشروط العديدة فقال: "اعلم أنه قد ورد بعض الأخبار في المنع عن التشدد في العبادة، فظن منها الظانون أنه منهي عنه مطلقاً، ولم يتأملوا ما هو مورد النهي وما ليس بمورد النهي.
وساق عدداً من هذه الأخبار ثم أجاب عنها بما مضمونه:
- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع من كثرة الصلاة بل أجاز العمل بحسب الطاقة وإلى أن لا يسأم العامل فيترك العمل.
- أو أنه نهى من علم من حاله أنه لا يتمكن من الدوام على ما التزمه فهذه إلى سبيل الرخصة وعلله بأن لنفسه عليه حقاً، ولأهله عليه حقاً، وبأنه إذا فعل ذلك ضعفت عينه، ونهك بدنه (1)، فدل ذلك على أن الجهاد (2) بحيث يورث ملال الخاطر وكسله، أو يخل بشيء من الحقوق الشرعية: ممنوع عنه (3). ولا دلالة له على منعه مطلقاً.
2031 - البخاري (3/ 36) 19 - كتاب التهجد، 18 - باب ما يكره من التشديد في العباد.
(1)
أي ضعف.
(2)
أي الاجتهاد في العبادة.
(3)
أي منهي عنه.
- أو أن هناك من التزم العبادة وترك الحقوق الواجبة كما حدث لأبي الدرداء حينما اعتزل زوجه فهذا يدل على أن التشدد بحيث يفضي إلى الفتور في الحقوق (هو المنهي عنه، لا مطلقاً).
وأما عن حديث رهط من الصحابة، فهو أنهم تقالوا عمل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وظنوا أنه إنما لا يجتهد لكونه مغفوراً له، وأوجبوا على أنفسهم ما لم يوجبه الله، وأعرضوا عن الطريقة السهلة، فلذلك زجرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك، وهداهم إلى طريقته، وقال:"من رغب عن سنتي". أي أعرض عنها غير معتقد حسن ما أنا عليه، كما ظنه ذلك النفر من الصحابة "فليس مني". أي ليس ممن يسلك مسلكي ويهتدي بهديي، ولا دلالة له على أنه إذا اجتهد رجل حسب طاقته غير موجب ما لم يوجبه الله وغير مفضل مسلكه على المسلك النبوي لا يجوز ذلك.
أو أن النهي ورد على قوم حرموا على أنفسهم ما لم يحرمه الله، وأوجبوا على أنفسهم ما لم يوجبه الله، فنهوا عن ذلك، ولا دلالة له على نفي التشدد مطلقاً، بل على التزامه بحيث يورث إلى إبداع أمر في الشرع ليس منه.
ونقل عن البركلي تحقيقاً لدفع التعارض بين هذه الأحاديث وبين مجاهدات السلف ما مضمونه أن المنع عن التشديد في العبادة. إما أن يفضي إلى إهلاك النفس أو إضاعة الحق الواجب للغير أو ترك العبادة أو ترك مداومتها، وإما أن النبي صلى الله عليه وسلم وكونه أرسل رحمة للعالمين. ومؤيد من عند الله فيقوى على ما لا يقوى عليه آحاد الأمة، وإنه أخشى الناس من الله وأتقاهم وأعلمهم بالله، فلا يتصور منه البخل وترك النصح، ولا التواني والتكاسل، ولا الجهل في أمر الدين، فلو كان في العبادة والقرب من الله طريق أفضل وأنفع غير ما هو عليه لفعل أو بيَّنه وحث عليه، فيجزم قطعاً أن ما هو عليه أفضل وأقرب إلى معرفة الله.
فيحمل ما روي عنهم على أنهم إنما فعلوا ذلك التشديد إما مداواة لأمراض
القلوب، أو يكون العبادة عادة لهم وطبعاً كالغذاء للصحيح، فيتلذذون بها بلا إضاعة حق ولا ترك مداومة ولا اعتقاد أنه أفضل مما عليه أفضل البشر أو قاله.
وأما نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فقد بلغ الدرجة العليا من الكمال، وهي أن لا يمنعه عن توجه القلب شيء، لا التكلم مع الخلق ولا الأكل ولا الشرب ولا النوم ولا ملامسة النساء. ويكون الخلطة والعزلة سواء، فاقتصاره على بعض العبادات الظاهرة لكونها أفضل له ولأمته. وتلذذه عليه السلام دائم لا يختص بالعبادة الظاهر، ومما قاله اللكنوي في هذا المقام نقلاً عن كتاب "الحديقة الندية للنابلسي": فالحاصل: أن السلف الماضين اختاروا العزائم في أنفسهم لأنهم أهل الهمم والعزائم، وكانوا معترفين بصحة الرخص الشرعية يفتون بها للعامة، ويحرضونهم على فعلها. كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل أحياناً: يأمر بالرخص ويفعل بالعزائم، كما أخبر في قضية صوم الوصال". انتهى كلامه ملخصاً.
ثم قال اللكنوي: وخلاصة المرام في هذا المقام- وهو الذي أختار تبعاً للعلماء الكرام:
أن قيام الليل كله، وقراءة القرآن في يوم وليلة مرة ومرات، وأداء ألف ركعة أو أزيد من ذلك، ونحو ذلك من المجاهدات والرياضات ليس ببدعة، وليس بمنهي عنه في الشرع، بل هو أمر حسن مرغوب إليه، لكن بشروط:
أحدها: أن لا يحصل من ذلك ملال الخاطر، يفوت به التذاذ العبادة وحضور القلب، يؤخذ ذلك من حديث:"ليصل أحدكم نشاطه". أي مدة نشاط خاطره وسرور طبيعته.
وثانيها: أن لا يتحمل بذلك على نفسه مشقة لا يمكن له تحملها بل يكون ذلك مطاقاً له، يؤخذ ذلك من حديث:"عليكم من الأعمال ما تطيقون".
وثالثها: أن لا يفوت بذلك ما هو أهم من ذلك، مثلاً إن كان قيامه بالليل
يفوت صلاة الصبح لا يجوز له قيام الليل كله، فإن أداء الفرض أهم من أداء النوافل.
ورابعها: أن لا يفوت بذلك حق من الحقوق الشرعية، كحق الأهل والأولاد والضيف وغير ذلك، يؤخذ ذلك من قصة عبد الله بن عمرو وأبي الدرداء.
وخامسها: أن لا يكون فيه إبطال للرخص الشرعية بحيث يعد الترخيص الشرعي باطلاً والعامل بالرخص عاطلاً، يؤخذ ذلك من حديث الصحابة الذين تقالوا عمل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وسادسها: أن لا يكون فيه إيجاب ما ليس بواجب في الشرع وتحريم ما لم يحرم في الشرع، يؤخذ من حديث عثمان بن مظعون.
وسابعها: أن يوفي أركان العبادات حظها، فلا يجوز أن يكثر من ركعات الصلاة ويؤديها كنقر الديك، أو يكثر قراءة القرآن من غير تدبر وترتيل ونحو ذلك، وعليه يحمل قوله عليه السلام:"لا يفقه القرآن من قرأه في أقل من ثلاث"
…
وثامنها: أن يدوم على ما يختار من العبادة لا يتركه إلا لعذر، يؤخذ ذلك:
2032 -
* روى مسلم من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".
وتاسعها: أن لا يكون اجتهاده مورثاً للملال إلى أحد من المسلمين، كأن يجتهد في قراءة السور الطوال أو تمام القرآن في صلاة الجماعة، فإن ذلك مما يورث ملال المقتدين. فإن فيهم الضعيف والسقيم وصاحب الحاجة
…
عاشرها: أن لا يكون اجتهاده مورثاً إلى اعتقاد أنه أفضل عملاً مما كان عليه
2032 - مسلم (1/ 541) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 30 - باب فضيلة العمل الدائم من قيام الليل وغيره.
رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه من تقليل العمل.
فمن وجدت فيه هذه الشروط فالتشدد في العبادة أحق له؛ وأصحاب الرياضات السابقين كانوا جامعين لهذه الشروط فجاز لهم ذلك، ولم ينكر عليهم أحد ذلك. ومن فات له شرط منها فالاقتصاد في العمل والتوسط أليق له. هذا هو الطريق الوسط الذي يرتضيه كل منصف، لا إفراط فيه ولا تفريط مما يذهب إليه كل متعسف. ولعل هذا التحقيق الأنيق مما لم يقرع سمعك به أحد من السابقين! فخذه بقوة وكن من الشاكرين. اهـ.
مقتطفاً من كتاب الإمام اللكنوي بتحقيق الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة.