الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الثالثة
صلاة الاستسقاء
العرض الإجمالي
الاستسقاء: طلب السقي من الله تعالى بمطر عند حاجة العباد إليه بصلاة وخطبة واستغفار وحمد وثناء وقال أبو حنيفة: ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة، وإذا صلى الناس فرادى أو وحداناً جاز من غير كراهة لأنها نفل مطلق، وإنما الاستسقاء دعاء واستغفار، فلا يحتاج الاستسقاء إلى جماعة ولا خطبة ولا قلب رداء، ولا ينبغي أن يحضر كافر. وقال جمهور الفقهاء ومنهم أبو يوسف ومحمد من الحنفية. صلاة الاستسقاء سنة مؤكدة حضراً وسفراً وتكرر في أيام ثانياً وثالثاً وأكثر حتى يسقيهم الله تعالى وإذا تأهبوا للصلاة فأمطروا قبلها صلوها عند المالكية، واجتمعوا عند الشافعية: للشكر والدعاء ويصلون صلاة الاستسقاء شكراً، ويخطب بهم الإمام على القول الأصح، وقال الحنابلة لا يخرج الناس حينئذ للصلاة، ويشكرون الله عز وجل، ويسألونه المزيد، إن خرجوا فأمطروا قبل أن يصلوا، صلوا شكراً لله تعالى وحمدوه ودعوه.
وقد اتفق الجمهور غير أبي حنيفة على أن صلاة الاستسقاء ركعتان بجماعة في المصلى بالصحراء خارج البلد بلا أذان ولا إقامة، وإنما ينادى لها الصلاة جامعة.
ويجهر فيهما بالقراءة كصلاة العيد، بتكبيرات عند الشافعية والحنابلة بعد الافتتاح قبل التعوذ سبعاً في الركعة الأولى وخمساً في الثانية مع رفع يديه حذو منكبيه ووقوفه بين كل تكبيرتين كآية معتدلة، ويجعل عند المالكية والصاحبين من الحنفية الاستغفار بدلاً من التكبير.
وإذا قرأ سورة (الأعلى والغاشية) فحسن عند الحنابلة والصاحبين، والأفضل عند المالكية سورة (الأعلى) وسورة (الشمس)، وعند الشافعية سورة (ق) وسورة (القمر) وإذا قرأ ما شاء فلا حرج وكما تصلى صلاة الاستسقاء جماعة وهو الأفضل فإنها تصلى فرادى والأفضل أن تصلى في مكة والمدينة وبيت المقدس في مساجدها المقدسة وإذا خرج الناس لصلاة الاستسقاء فالأفضل أن يخرجوا مشاة وأن يلبسوا ثياباً متواضعة، وأن يظهر عليهم
التذلل والتواضع والخشوع لله تعالى وأن يجددوا التوبة، ويستسقون بالضعفة والشيوخ والعجائز والأطفال، وينبغي أن يقدموا الصدقة في كل يوم يخرجون فيه. ولا يشترط عند أبي حنيفة إذن الإمام لدعاء الاستسقاء ويشترط ذلك عند الشافعية لصلاة الاستسقاء. ولا تختص بوقت، إلا أنها لا تفعل في وقت النهي عن الصلاة بغير خلاف. إلا أن الإمام يعلم الناس عن ميقاتها ليجتمعوا لها. والأفضل فعلها أول النهار كصلاة العيد، وإن استسقى الناس عقب صلواتهم أو في خطبة الجمعة أو في الركعة الأخيرة جاز وأصابوا، ولا يؤمر بها عند المالكية النساء والصبيان غير المميزين، وقال الشافعية والحنابلة: يندب خروج الأطفال والشيوخ والعجائز ومن لا هيئة لها من النساء، ولا يستحب عند المالكية إخراج البهائم ويستحب إخراجها مع أولادها عند الحنفية والشافعية على الأصح ويباح عند الحنابلة.
ويستحب التوسل بذوي الصلاح. وقال أبو حنيفة: لا خطبة للاستسقاء. وقال محمد: يخطب بعد الصلاة خطبتين بينهما جلسة كالعيد وقال أبو يوسف: يخطب خطبة واحدة ويكون معظم الخطبة الاستغفار ويستقبل القبلة بالدعاء. وقال المالكية والشافعية: يخطب الإمام للاستسقاء بعد الصلاة خطبتين كصلاة العيد، وقال الحنابلة: يخطب خطبة واحدة، وتجوز عند الشافعية الخطبة قبل الصلاة. والجميع يستحبون الإكثار من الخطبة في صلاة الاستسقاء، ولا حد للاستغفار عند المالكية ويستغفر الخطيب في الخطبة الأولى عند الشافعية تسعاً وفي الثانية سبعاً، ويبدأ الخطيب عند الحنابلة بالتكبير تسعاً نسقاً، ويكثر فيها عندهم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ومن الاستغفار. ويدعو الخطيب بالمأثور ما أمكن وإلا فبما يحقق المقصود ويؤمن المأمومون على دعائه سراً إن أسر وجهراً إن جهر.
ويستحب عند الصاحبين استقبال القبلة أثناء الدعاء وقال المالكية: يستقبل القبلة بوجهه قائماً بعد الفراغ من الخطبة، ولا يخص أحداً من الناس بدعاء وقال الشافعية: يستقبل الإمام القبلة بعد حوالي ثلث الخطبة الثانية ثم يدعو سراً وجهراً ثم يستقبل الناس بوجهه ويحثهم على الطاعة ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويقرأ آية وآيتين ويدعو للمؤمنين
والمؤمنات ويختم بقوله: أستغفر الله لي ولكم.
وقال الحنابلة: يستقبل القبلة في أثناء الخطبة ويستحب رفع الأيدي في دعاء الاستسقاء للخطيب على خلاف خطبة الجمعة، ويرفع الناس أيديهم وقال أبو يوسف ومحمد: يقلب الإمام رداءه عند الدعاء، وصفة القلب إن كان مربعاً جعل أعلاه أسفله وإن كان مدوراً كالجبة جعل الجانب الأيمن على الأيسر ولا يقلب القوم أرديتهم ولا يسن القلب عند أبي حنيفة وقال الجمهور كقول الصاحبين إلا أنهم قالوا: يحول الذكور أرديتهم مثل الإمام وهم جلوس. ولا يستحب المالكية والحنفية تنكيس الرداء بل يكتفون بجعل الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن، واستحب الشافعية في الجديد تنكيس الرداء وجعل أسفله أعلاه. قال الحنابلة: ويظل الرداء محولاً حتى ينزع بعد الوصول إلى المنزل. وحكمة تحويل الرداء التفاؤل بتحويل الحال، إظهاراً بحسن الظن بالله تعالى.
وإذا أريد الاستسقاء أمر الإمام الناس بالتوبة من المعاصي والتقرب إلى الله تعالى بوجوه البر والخروج من المظالم وأداء الحقوق ويأمر بصيام ثلاثة أيام قبل صلاة الاستسقاء ويخرج الناس في آخر أيام الصيام أو في اليوم الرابع إلى الصحراء، وقال الشافعية: يلزم الناس امتثال أمر الإمام، وقال الحنابلة: لا يلزم. ويستحب للاستسقاء التنظف لا التطيب ويستحب لأهل الخصب أن يدعو لأهل الجدب، وأجاز المالكية التنفل قبل صلاة الاستسقاء وبعدها، والدعاء يطون ببطن الكف إذا كان لطلب شيء وتحصيله وبظهر الكف إلى السماء إذا أريد به رفع البلاء.
انظر: (حاشية ابن عابدين على الدر 1/ 567)، (اللباب 1/ 121)، (والشرح الصغير 1/ 537 - 541)، (والمهذب 1/ 123)، (والمغني 2/ 430 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي وأدلته 2/ 415 فما بعدها).
أقول: إن من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم حوادث الاستسقاء في حياته عليه الصلاة والسلام بل إنه ما يكاد ينتهي من دعائه والناس في حالة يأس وإبلاس- وليس ما يدل على أن هناك احتمالات مطر- حتى يكرم الله رسوله صلى الله عليه وسلم فينزل المطر بشكل معجز مدهش واستمر
هذا الحال في أمته معجزة له صلى الله عليه وسلم وكرامة لهذه الأمة. إن من تتبع حوادث الاستسقاء في تاريخ الأمة الإسلامية وجد عجباً، فكم من مرة خرج المسلمون للاستسقاء فلم يرجعوا إلا والمطر يتنزل، وإني لأرجو أن يقوم طالب علم بتتبع حوادث الاستسقاء في تاريخ الأمة الإسلامية وفي واقعها، فإنه سيجد الكثير الذي يدل على معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم مستمرة وأن ما وعدنا به صدق وحق، والأمر بيد الله وله فيما يفعل حكمة، وكنا قد تحدثنا في كتابنا/ الله جل جلاله/ أن من الظواهر الكبرى التي تعرفنا عليه ظاهرة الاستجابة، وهي ظاهرة مستمرة في حياة الإنسانية ومن أبرز مظاهرها حوادث السقي بعد الاستسقاء ولقد شهدت مرة في بلدنا خروج الناس للاستسقاء ثلاثة أيام متوالية، فما كاد الناس ينتهون من دعائهم في اليوم الثالث حتى صبت السماء بركاتها بشكل عجيب، إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب. وإلى نصوص هذه الفقرة: