الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الثانية
في صلاة العيدين
عرض إجمالي
سمي العيد عيداً لأنه يعود ويتكرر كل عام، ولأن لله تعالى فيه عوائد الإحسان، فهو جل جلاله يتفضل بأنواع الإحسان العائدة على عباده في كل عام، منها الفطر بعد المنع عن الطعام، وصدقة الفطر، وعوده تعالى بالمغفرة على عباده، ومنها إتمام الحج بطواف الزيارة ولحوم الأضاحي، والمن على عباده بما شرع لهم بما يخرجون به من آثامهم كالحجاج ومن دعا له الحاج، وقد شرعت لعيد الفطر ولعيد الأضحى صلاة العيد، وقد انعقد على ذلك إجماع المسلمين، وقد جاء في صلاة الأضحى قوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (1)، والمشهور أن المراد بذلك صلاة عيد الأضحى وذبح الأضحية بعده، ونصوص السنة كثيرة في مشروعية صلاتي العيدين.
وحكم هذه الصلاة عند الحنابلة: أنها فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقي، فإن تركها أهل بلد يبلغون أربعين بلا عذر قاتلهم الإمام، كالأذان.
وقال الحنفية: إن صلاتي العيدين واجبة على من تجب عليه الجمعة بشرائطها المتقدمة سوى الخطبة، فإنها سنة بعدها.
وقال المالكية والشافعية: إن كلاً من صلاتي العيد سنة مؤكدة لمن تجب عليه الجمعة، ولا يشترط عند الشافعية أن تتوافر في صلاة العيد شروط الجمعة لصحتها، (انظر صحيح مسلم بشرح النووي 6/ 171). وقال الحنفية والمالكية: لا يرخص للشابات من النساء بالخروج إلى الجمعة والعيدين وشيء من الصلاة، وقال الشافعية والحنابلة: لا بأس بحضور النساء مصلى العيد إذا كن غير متطيبات ولا لابسات ثياب الزينة والشهرة، ويعتزلن الرجال، وتحضر الحيض المصلى فيسمعن الذكر والخطبة ويعتزلن المكان الذي تصلي فيه النساء، واتفق الفقهاء على أن وقت صلاة العيد يبدأ بعد حوالي نصف ساعة من طلوع
(1) الكوثر: 2.
الشمس، وينتهي وقتها قبيل الزوال، فوقتها وقت صلاة الضحى، ويسن تعجيل صلاة الأضحى في أول وقتها من أجل التفرغ لطبخ الأضاحي ويسن تأخير صلاة الفطر لأداء صدقة الفطر، ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام لا يقضيها عند الحنفية والمالكية، وإنما يصلي إن شاء تطوعاً دون أن ينوي صلاة العيد، قال الشافعية والحنابلة: من فاتته صلاة العيد مع الإمام سن له قضاؤها على صفتها وله قضاؤها متى شاء في العيد وما بعده والأفضل قضاؤها في بقية يومه.
وتجوز صلاة العيد للمنفرد والعبد والمسافر والمرأة ومذهب الشافعية والحنابلة: أن من حضر والإمام يخطب صلى تحية المسجد ثم جلس فسمع الخطبة ثم صلى العيد متى شاء، ومن أدرك الإمام في التشهد جلس معه، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين يأتي فيهما بالتكبير وعلى ذلك جماهير العلماء.
والأصل في صلاة العيد أن تكون خارج البلد أو في مكان يخصص لذلك بحيث يسع أهل البلد، ولا تصلى عند الحنابلة في المسجد إلا من ضرورة أو من عذر وتكره في المسجد إذا لم يكن ضرورة أو عذر إلا في مكة، فالأفضل فعلها في المسجد الحرام، وقال الشافعية: صلاة العيد في المسجد أفضل إلا إذا كان مسجد البلد ضيقاً فالسنة أن تصلى في المصلى، وإذا خرج الناس إلى المصلى سن للإمام أن يستخلف في مسجد البلد من يصلي بالضعفاء.
وعلى هذا فالأمر واسع أن يصليها الناس في مساجدهم أو في المصلى.
وصلاة كل من العيدين ركعتان بالاتفاق، وهي تشتمل بعد الإحرام على تكبيرات ثلاث عند الحنفية في كل من الركعتين، وست في الأولى، وخمس في الثانية عند المالكية والحنابلة، وسبع في الأولى وخمس في الثانية عند الشافعية.
والحنفية يكبرون في الثانية بعد القراءة وقبل الركوع، ولا يؤذن لها ولا يقام، وإنما ينادى (الصلاة جامعة) وينوي من يصليها أنه يصلي صلاة العيد لله تعالى.
والتكبيرات عند الحنفية تكون بعد دعاء الثناء في الركعة الأولى ويرفع يديه عند كل تكبيرة ويرسلهما فلا يضعهما تحت سرته ولا يسن عندهم ذكر بين تكبيرتين ولو قال بينهما
سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فلا بأس، وتكبيرة الركوع في الركعة الثانية بعد تكبيرات الزوائد واجبة وبعد تكبيرات الزوائد في الركعة الأولى يتعوذ الإمام ويسمي سراً ثم يقرأ، والقراءة في الأولى والثانية تكون جهرية، وتكون بالفاتحة وشيء من القرآن معها، فإذا قدم التكبيرات في الثانية على القراءة جاز، وكذا إذا زاد على التكبيرات الثلاث في كل ركعة إلى ست عشرة تكبيرة، فإذا زاد على ذلك لا تبطل الصلاة ولا يلزم المؤتم أن يتابعه، وعلى هذا فالخلف بينهم وبين بقية المذاهب خلاف في الأفضلية فقط بالنسبة للتكبيرات ومحلها، وإذا نسي الإمام التكبيرات وركع قام فكبر ولا يعيد القراءة لكنه يعيد الركوع، ومن أدرك الإمام بعد التكبيرات كبر تكبيرة الإحرام ثم أتى بتكبيرات الزوائد في نفسه، وإن أدرك الإمام في الركوع فإن لم يخف فوت الركعة مع الإمام يكبر للافتتاح قائماً ويأتي بالزوائد ثم يتابع الإمام في الركوع وإذا خاف أن تفوته الركعة ركع وأتى بتكبيرات الزوائد في ركوعه عند أبي حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف لا يكبر وتسقط عنه تكبيرات الزوائد.
ومتابعة الإمام على مذهبه في تكبيرات الزوائد لا حرج فيها وإن خالفت مذهب المأموم، لكن المسبوق إذا قام لقضاء ما فاته يعمل بمذهبه.
وتقدم صلاة العيد على صلاة الجنازة إذا اجتمعتا، وتقدم صلاة الجنازة على الخطبة.
وقال المالكية: فإن أخر التكبير على القراءة صح وخالف المندوب ولا يتبع المؤتم الإمام في التأخير عن القراءة ولا في الزيادة على العدد المسنون عندهم وهو ست في الأولى وخمس في الثانية سوى تكبيرتي الإحرام في الأولى وفي القيام في الثانية ويندب عندهم موالاة التكبير إلا للإمام، فيندب له الانتظار بعد كل تكبيرة حتى يكبر المقتدون به ولا يرفع يديه إلا مع تكبيرة الإحرام ويكره أن يقول شيئاً بين التكبيرات، والتكبيرات عندهم سنة مؤكدة.
وقال الشافعية: يرفع اليدين في جميع تكبيرات الزوائد ويقول بين كل تكبيرتين: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، ويضع يمناه على يسراه بين التكبيرتين، وإذا ترك الإمام التكبير تابعه المأموم في تركه، وعند الحنابلة يرفع يديه مع كل تكبيرة ويرفع يديه في التكبير ويقول بين كل تكبيرتين زائدتين: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان
الله بكرة وأصيلاً وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم تسليماً كثيراً.
وتسن عند الجمهور، وتندب عند المالكية خطبتان للعيد كخطبتي الجمعة في الأركان والشروط والسنن والمكروهات بعد صلاة العيد بلا خلاف بين المسلمين في أنها بعد الصلاة فيحسن للخطيب أن ينبه المسلمين في الجمعة التي تسبق عيد الفطر على أحكام زكاة الفطر وسنن العيد، وفي خطبة الجمعة التي تسبق عيد الأضحى ينبههم على أحكام الأضحية وتكبيرات التشريق ووقوف الناس بعرفة ويعلم الحجاج أحكام الحج، فإن لم يفعل في الجمعة فكر بما يخص كلاً من العيدين في خطبة العيد، وإذا صعد الخطيب على المنبر في خطبة العيد لا يجلس عند الحنفية ويجلس عند الحنابلة والمالكية والشافعية، ويبدأ الخطيب خطبته بالتكبير كما يكبر في أثنائها من غير تحديد عند المالكية ويكبر عند الجمهور في الخطبة الأولى تسع تكبيرات متوالية ويكبر في الثانية بسبع متوالية ويستحب عند الحنفية أن يكبر الإمام قبل نزوله من المنبر أربع عشرة مرة وتختلف خطبة العيد عن خطبة الجمعة في أن خطبة العيد تكون بعد الصلاة، ومنها أن خطبة العيد تبدأ بالتكبير بينما خطبة الجمعة تبدأ بالحمد لله، ومنها أن خطبة العيدين سنة بينما خطبة الجمعة ركن، ويسن عند الحنفية والحنابلة والمالكية أن يكبر المأموم سراً عند تكبير الخطيب بينما لا يصح عند الجمهور أي كلام أثناء خطبة الجمعة ولو كان ذكراً، وإذا أحدث الخطيب عند المالكية أثناء الخطبة تابع خطبته بخلاف خطبة الجمعة فإنه يستخلف غيره، وعند الشافية لا يشترط في خطبة العيد ما يشترط في خطبة الجمعة من قيام وطهارة وجلوس بين الخطبتين وإنما يسن ذلك فقط.
واتفق الفقهاء على مشروعية التكبير في العيدين في الغدو إلى الصلاة، وقال الحنفية: يندب التكبير سراً في عيد الفطر في الخروج إلى المصلى وقال الصاحبان يكبر جهراً ويقطع التكبير في رواية إذا قيم إلى الصلاة، واتفق فقهاء الحنفية على التكبير جهراً في عيد الأضحى في الطريق، وقال الجمهور يكبر في المنازل والمساجد والأسواق والطرق عند الغدو إلى صلاتي العيدين جهراً إلى أن تبدأ الصلاة، وعند الحنابلة هو في الفطر آكد من تكبير الأضحى لقوله تعالى في سياق الكلام عن رمضان: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى
مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (1)، ويندب التكبير المطلق ما أمكن عند الشافعية من غروب الشمس ليلتي العيدين لا ما قبلها.
وأما التكبير في أدبار الصلوات أيام الحج في عيد الأضحى وهي ما يسمى بتكبيرات التشريق فإنها تجب على الرجال والنساء مرة في الأصح وإن زاد عليها فلا حرج في القول الأصح عقب كل فرض عيني بلا فصل يمنع البناء على الصلاة، ويؤدى بجماعة أو منفرداً ولو قضاء، ويكون التكبير للرجال جهراً وتخافت المرأة في التكبير، ومدته عند أبي حنيفة من فجر يوم عرفة إلى عصر اليوم الأول من العيد، فالتكبير عنده يكون في ثمان صلوات. وعند الصاحبين يمتد إلى آخر أيام التشريق أي إلى صلاة العصر في رابع أيام العيد، فالتكبير عندهما يكون في ثلاث وعشرين صلاة وهو واجب على كل مصل، ولو تركه الإمام كبر المقتدي.
وعند المالكية يندب للجماعة والفرد التكبير إثر كل صلاة من الصلوات المكتوبات من ظهر يوم النحر إلى صبح اليوم الرابع، وإن نسي التكبير كبر إذا تذكر إن قرب الزمن.
والشافعية كالمالكية في عدد الصلوات التي يكبر فيها، ولهم قول كقول الصاحبين إلا أن الحاج عندهم يشتغل بالتلبية ليلة اليوم الأول من عيد الأضحى، والأظهر عند الشافعية أنه يكبر بعد كل صلاة في هذه الأوقات فريضة أو غير فريضة، ولا يكبر عند الحنابلة من صلى وحده، ويأتي الإمام عندهم بالتكبير مستقبلاً الناس ويكبر غير الإمام مستقبلاً القبلة ويجزئه التكبير مرة واحدة إن كرره فحسن، ويكبر عندهم عقب صلاة العيد ويستحب التكبير عندهم في أيام العشر من ذي الحجة لقوله تعالى:{وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} (2) كما يستحب في أيام التشريق لقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (3).
وصيغة التكبير عند الحنفية والحنابلة شفعاً في التكبير وهي: الله أكبر والله أكبر لا إله
(1) البقرة: 185.
(2)
الحج: من 28.
(3)
البقرة: 203.
إلا الله، والله أكبر الله أكبر، ويستحب عند الشافعية بعد تكرار هذه الصيغة ثلاثاً أن يقول: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً، ويسن أن يزيد على هذا: لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده لا إله إلا الله والله أكبر، ويختمها بقوله: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وعلى أصحاب محمد وعلى أزواج محمد وسلم تسليماً كثيراً، ويقتصر في تكبيرات التشريق بعد الصلوات على الصيغة الأولى أو الثانية دون هذه الزيادات.
ويستحب في الأيام العشر من ذي الحجة أن يكثر من الاجتهاد في عمل الخير: من ذكر الله تعالى والصدقة وسائر أعمال البر والصيام إلا عيد الأضحى فإنه لا يصومه، ويتأكد صوم اليوم التاسع لغير الحاج، ويندب الامتناع عن تقليم الأظفار وحلق الرأس في عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي، ويندب إحياء ليلتي العيدين بطاعة الله تعالى من ذكر وصلاة وقراءة قرآن وصلاة العشاء والصبح جماعة.
قال الحنفية: ويندب إحياء ليالي العيدين وليالي العشر الأخيرة من رمضان لإحياء ليلة القدر، وليالي العشر من ذي الحجة وليلة النصف من شعبان ويكثر من الاستغفار في هذه الليالي لكنهم قالوا: يكره الاجتماع على إحياء ليلة من هذه الليالي في المساجد وغيرها، وقد تساهل بعض العلماء في الاجتماع على مثل هذا لضعف همة الناس إذا انفردوا، والأصل أن ما كان من اجتماع مباح في غير هذه الأيام ألا يدخل في الكراهة.
ويستحب للعيدين الغسل والتطيب والاستياك ولبس الرجال أحسن الثياب، ويدخل وقت الغسل عند الشافعية بنصف الليل وعند المالكية بالسدس الأخير من الليل، ويندب كونه بعد صلاة الصبح عند الحنفية والحنابلة، ويندب إزالة الظفر وما يتنافى مع حسن الهيئة وطيب الرائحة ويتأكد هذا في حق الإمام، وإذا استطاع الإنسان أن يذهب إلى الصلاة ماشياً مع التكبير والسكينة والوقار فإن ذلك أفضل، والإمام يتحين الوصول وقت الصلاة.
وقال الحنفية لا بأس بالركوب في الجمعة والعيدين والمشي أفضل في حق من يقدر عليه
ويندب الذهاب إلى المصلى من طريق، والرجوع من أخرى، ويندب أن يأكل في عيد الفطر قبل الصلاة، ويندب أن يكون المأكول تمرات وتراً، ويؤخر في الأضحى الأكل حتى يرجع من الصلاة، ويؤدي صدقة الفطر قبل خروج الناس إلى الصلاة ولا بأس بإهدائها قبل العيد بأيام، وتندب التوسعة على الأهل وكثرة الصدقة بحسب الطاقة في العيدين وإظهار البشاشة في وجه من يلقاه من المؤمنين، وتندب زيارة الأرحام والأحباب والأصحاب وأهل الفضل والعلم، والأفضل عند الحنفية أن يصلي الصبح في مسجده والأفضل عند الجمهور أن يصلي الصبح في المصلى إن أراد الصلاة فيه، والجمهور على أنه لا يصلي قبل صلاة العيد ولا بعدها، ولا يرى الشافعية حرجاً في الصلاة بعد ارتفاع الشمس لغير الإمام كما أنه لا حرج في الصلاة بعدها. والتنفل عند الحنفية والمالكية والحنابلة مكروه قبل صلاة العيد أو بعدها، إلا أن الحنفية لم يكرهوا التنفل بعدها في البيت.
ويظهر الخلاف في تحية المسجد، فالشافعية يجيزونها قبل الصلاة، كما أنهم يجيزونها لمن دخل والخطيب يخطب إذا كانت صلاة العيد في المسجد أما في الصحراء فلا مسجد أصلاً.
انظر: (الدر المختار، حاشية ابن عابدين 1/ 555 - 565)، (الشرح الصغير 1/ 523 - 531)، (المهذب 1/ 118 - 122)، (المغني 1/ 367 - 400)، (الفقه الإسلامي 2/ 362 فما بعدها).
وإلى نصوص هذه الفقرة: