الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال التهانوي: ولا يخفى أن عطاء أخبر أنه لم يخرج ابن الزبير لصلاة الجمعة، وليس ذلك بنص قاطع أنه لم يصل الظهر في منزله فالجزم بأن مذهب ابن الزبير سقوط صلاة الظهر في يوم الجمعة [الذي] يكون عيداً لهذه الرواية غير صحيح لاحتمال أنه صلى الظهر في منزله. بل في قول عطاء أنهم صلوا وحداناً أي الظهر ما يشعر بأنه لا قائل بسقوطه، ولا يقال: إن مراده صلوا الجمعة وحداناً، فإنها لا تصح إلا جماعة إجماعاً. ثم القول بأن الأصل في يوم الجمعة صلاة الجمعة، والظهر بدل عنها قول مرجوح، بل الظهر هو الفرض الأصلي المفروض ليلة الإسراء والجمعة متأخر فرضها. ثم إذا فاتت وجب الظهر إجماعاً، فهي البدل عنه، وقد حققناه في رسالة مستقلة اهـ (1 - 164).
وقال الإمام الشافعي في (الأم) بعد ما ذكر مرسل عمر بن عبد العزيز، وأثر عثمان رضي الله عنه ما نصه: قال الشافعي: وإذا كان يوم الفطر يوم الجمعة صلى الإمام العيد حين تحل الصلاة، ثم أذن لمن حضره من غير أهل المصر في أن ينصرفوا إن شاؤوا إلى أهلهم، ولا يعودون إلى الجمعة، والاختيار لهم أن يقيموا حتى يجمعوا، أو يعودوا بعد انصرافهم إن قدروا حتى يجمعوا، وإن لم يفعلوا فلا حرج إن شاء الله تعالى. قال: ولا يجوز هذا لأحد من أهل المصر أن يدعوا أن يجمعوا إلا من عذر يجوز لهم به ترك الجمعة وإن كان يوم عيد. قال: وهكذا إن كان يوم الأضحى، ولا الجمعة لأنها ليست بمصر اهـ (1 - 212).
وفي شرح الهداية للعيني: قال ابن عبد البر: سقوط الجمعة والظهر بصلاة العيد متروك مهجور، ولا يعول عليه. وتأويل ذلك [أي سقوط الجمعة] في حق أهل البادية، ومن لا تجب عليه الجمعة اهـ (3 - 1019). والله تعالى أعلم، وعلمه أتم وأحكم. انظر إعلاء السنن (8/ 74 - 80).
-
أعذار ترك الجمعة والسفر يوم الجمعة:
1748 -
* روى أبو داود عن أبي المليح عن أبيه "أنه شهد مع رسول الله صلى الله عليه
1748 - أبو داود (1/ 278) كتاب الصلاة، 212 - باب الجمعة في اليوم المطير.
وسلم زمن الحديبية يوم الجمعة، وقد أصابهم مطر لم يبل أسفل نعالهم، فأمرهم أن يصلوا في رحالهم" وفي رواية (1) "أن يوم حنين كان يوم مطر، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مناديه: أن الصلاة في الرحال" زاد في رواية (2) "أن ذلك كان يوم الجمعة".
1749 -
* روى الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال عبد الله بن الحارث البصري- وهو ابن عم محمد بن سيرين- قال: "خطبنا ابن عباس في يوم ذي ردغ، فأمر المؤذن- لما بلغ حي على الصلاة- قال: قل: الصلاة في الرحال، فنظر بعضهم إلى بعض، كأنهم أنكروا، فقال: كأنكم أنكرتم هذا؟ إن هذا فعله من هو خير مني- يعني النبي صلى الله عليه وسلم إنها عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم- وفي رواية (3) - أن أؤثمكم- فتجيؤون فتدوسون في الطين إلى ركبكم" وفي أخرى (4)"أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير- وكان يوم جمعة- إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فلا تقل: حي على الصلاة، قل: صلوا في بيوتكم، فكأن الناس استنكروا، فقال: فعله من هو خير مني، إن الجمعة عزمة، وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض والزلل".
1750 -
* روى أبو داود عن محمد بن كعب أنه سمع رجلاً من بني وائل يقول: قال
(1) النسائي (2/ 111) 10 - كتاب الإمامة، 51 - العذر في ترك الجماعة، وقد وردت هذه الرواية في النسائي.
(2)
أبو داود (1/ 278) نفس الموضع السابق، وهو حديث صحيح.
(الحديبية): وقد تشدد: بئر قرب مكة.
1749 -
البخاري (2/ 157) 10 - كتاب الأذان، 41 - باب هل يصلي الإمام بمن حضر؟ وهل يخطب يوم الجمعة في مطر.
مسلم (1/ 485) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 3 - باب الصلاة في الرحال والمطر.
(3)
البخاري (2/ 157) 10 - كتاب الأذان، الموضع السابق.
(4)
البخاري (2/ 384) 11 - كتاب الجمعة، 14 - باب الرخصة إن لم يحضر الجمعة في المطر، ولم ترد كلمة "الزلل" عند البخاري في هذه الرواية، بينما جاءت في بعض روايات مسلم.
(ردغ) الردغ- بفتح الدال- الماء والطين.
(عزمة) العزمة: الفريضة اللازمة.
(أحرجكم) الحرج: الضيق، وقيل: الإثم، وأحرجته: إذا ألجأته إلى أمر يشق عليه، أو يأثم به.
(أؤثمكم) أثمت الرجل أؤثمه: إذا أوقعته في الإثم.
(الدحض) بسكون الحاء: الزلق.
1750 -
أبو داود (1/ 280) كتاب الصلاة، 214 - باب الجمعة للملوك والمرأة.
ورواه طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم، وزاد "أو مريض" وطارق بن شهاب قد رأى النبي، ولم يسمع منه شيئاً.
النبي صلى الله عليه وسلم: "تجب الجمعة على كل مسلم، إلا امرأة أو صبياً أو مملوكاً".
قال النووي في الخلاصة: وهذا غير قادح في صحته فإنه يكون مرسل صحابي وهو حجة والحديث على شرط الصحيحين. كذا في نصب الراية.
قال البغوي في (شرح السنة 4/ 226 - 227) عن الجمعة: هي واجبة على كل من جمع: العقل، والبلوغ، والحرية، والذكورة، والإقامة، إذ لم يكن له عذر.
أما الصبي والمجنون، فلا جمعة عليهما لأنهما ليسا من أهل أن يلزمهما فروض الأبدان، لنقصان أبدانهما، واتفقوا على أن لا جمعة على النساء.
وذهب أكثرهم إلى أن لا جمعة على العبيد، وقال داود: تجب عليهم الجمعة، وقال الحسن وقتادة: تجب الجمعة على العبد المخارج (1)، وهو قول الأوزاعي، ولا تجب على المسافر، وذهب النخعي والزهري إلى أن المسافر إذا سمع النداء، فعليه حضور الجمعة.
وكل من لا يجب عليه حضور الجمعة، فإذا حضر وصلى سقط عنه فرض الظهر بأداء الجمعة، ولكن لا يكمل به عدد الجمعة، إلا من له عذر من مرض، أو تعهد مريض، أو خوف، أو منعه مطر، أو وحل، فإنه لا يجب عليه حضور الجمعة، غير أنه حضر يكمل به العدد.
قال عبد الله بن مسعود للنساء يوم الجمعة: إذا صليتن مع الإمام فصلين بصلاته، فإذا صليتن وحدكن فصلين أربعاً.
قال رحمه الله: وكل من لا يلزمه حضور الجمعة، فلو صلى الظهر قبل فوات الجمعة جازت صلاته، ومن يلزمه الحضور لا يصح ظهره قبل فوات الجمعة. اهـ.
1751 -
* روى الترمذي عن ابن عباس قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة في
(1) يقال: خارج فلان غلامه: إذا اتفقا على ضريبة يردها العبد على سيده كل شهر، ويكون يخلي بينه وبين عمله، فيقال: عبد مخارج.
1751 -
الترمذي (2/ 405) أبواب الصلاة، 380 - باب ما جاء في السفر يوم الجمعة وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وهذا الحديث أخرجه أحمد مختصراً (1/ 256)، والبيهقي (3/ 187)، وفيه عندهم الحجاج بن أرطأة، وهو=
سرية، فوافق ذلك الجمعة، فغدا أصحابه وقال: أتخلف فأصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ألحقهم، فلما صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم رآه، فقال:"ما منعك أن تغدو مع أصحابك؟ " قال: أردت أن أصلي معك، ثم ألحقهم، فقال:"لو أنفقت ما في الأرض ما أدرك فضل غدوتهم".
قال البغوي وهو شافعي: وكل من تلزمه الجمعة لا يجوز له أن يسافر بعد الزوال قبل أن يصلي الجمعة، وإن سافر قبل الزوال بعد طلوع الفجر، فلا بأس، غير أنه يكره إلا أن يكون سفره سفر طاعة من غزو أو حج، فالأولى أن يخرج، وذهب بعضهم إلى أنه إذا أصبح يوم الجمعة فلا يسافر حتى يصلي الجمعة.
وقال أصحاب الرأي: يجوز أن يسافر بعد الزوال إذا كان يفارق البلد قبل خروج الوقت.
وروي أن عمر بن الخطاب سمع رجلاً عليه هيئة السفر يقول: لولا أن اليوم يوم الجمعة لخرجت، فقال عمر: اخرج فإن الجمعة لا تحسب عن السفر. أخرجه الشافعي في مسنده (1/ 54). قال الشيخ شعيب: سنده قوي.
1752 -
* روى أبو داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "الجمعة على من سمع النداء". وقال فيه "إنما الجمعة على من سمع النداء".
قال في النيل (3/ 276): الحديث قال أبو داود في السنن رواه جماعة عن سفيان مقصوراً على عبد الله بن عمرو ولم يرفعوه وإنما أسنده قبيصة انتهى. وفي إسناده محمد بن سعيد الطائفي قال المنذري: وفيه مقال وقال في التقريب: صدوق.
وقال في (3/ 277 - 278): (يدل على أن الجمعة لا تجب إلا على من سمع النداء
= مدلس وكثير الخطأ، وقد رواه بالعنعنة، وله شاهد بمعناه عند ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" ص 298 (من طريق ابن لهيعة، عن زبان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
1752 -
أبو داود (1/ 278) كتاب الصلاة، 211 - باب من تجب عليه الجمعة.
سنن الدارقطني (2/ 6) باب الجمعة على من سمع النداء.
وإليه ذهب الشافعي وأحمد وإسحق، حكى ذلك الترمذي عنهم وحكاه ابن العربي عن مالك وروي ذلك عن عبد الله بن عمرو راوي الحديث. وحديث الباب وإن كان فيه المقال المتقدم فيشهد لصحته قوله تعالى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} الآية. قال النووي في الخلاصة: إن البيهقي قال: له شاهد فذكره بإسناد جيد.
وقد حكى العراقي في شرح الترمذي عن الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل أنهم يوجبون الجمعة على أهل المصر وإن لم يسمعوا النداء وقد اختلف أهل العلم فيمن كان خارجاً عن البلد الذي تقام فيه الجمعة فقال عبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأنس والحسن وعطاء ونافع وعكرمة والحكم والأوزاعي والإمام يحيى: إنها تجب على من يؤويه الليل إلى أهله، والمراد أنه إذا جمع مع الإمام أمكنه العود إلى أهله آخر النهار وأول الليل واستدلوا بما أخرجه الترمذي عن أبي هريرة:"أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الجمعة على من آواه الليل إلى أهله" قال الترمذي: وهذا إسناد ضعيف.
وقال العراقي: إنه غير صحيح فلا حجة فيه. وذهب الهادي والناصر ومالك إلى أنها تلزم من سمع النداء بصوت الصيت من سور البلد. وقال عطاء: تلزم من على عشرة أميال. وقال الزهري: من على ستة أميال. وقال ربيعة: من على أربعة وروي عن مالك: ثلاثة. وروي عن الشافعي: فرسخ وكذلك روي عن أحمد. قال ابن قدامة: وهذا قول أصحاب الرأي. وروي في البحر عن زيد بن علي والباقر والمؤيد بالله وابن أبي حنيفة: أنها لا تجب على من كان خارج البلد وقال أيضاً: والمراد بالنداء المذكور في الحديث هو النداء الواقع بين يدي الإمام في المسجد لأنه الذي كان في زمن النبوة اهـ.
أقول: وهذا الحكم لمن كان خارج المصر أما من كان داخل المصر فإن الصلاة تجب عليه ولو لم يسمع النداء والأرجح أن من كان خارج المصر يسمع النداء لا بالمكبرات فإنه تجب عليه أما من كان لا يسمع إلا بالمكبرات للصوت فلا تجب عليه.