الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحقيق في سنة الجمعة القبلية:
قال الشوكاني في (النيل 3/ 312): وقد اختلف العلماء هل للجمعة سنة قبلها أو لا؟ فأنكر جماعة أن لها سنة قبلها وبالغوا في ذلك، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يؤذن للجمعة إلا بين يديه ولم يكن يصليها وكذلك الصحابة لأنه إذا خرج الإمام انقطعت الصلاة
…
اهـ. وبعد أن ذكر حديث ابن عمر السابق ذكره، إنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة، وإسناده صحيح.
1819 -
* روى مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام".
قال (الشوكاني 3/ 313): والحديثان يدلان على مشروعية الصلاة قبل الجمعة ولم يتمسك المانع من ذلك إلا بحديث النهي عن الصلاة وقت الزوال وهو مع كون عمومه مخصصاً بيوم الجمعة كما تقدم ليس فيه ما يدل على المنع من الصلاة قبل الجمعة على الإطلاق، وغاية ما فيه المنع في وقت الزوال وهو غير محل النزاع، والحاصل أن الصلاة قبل الجمعة مرغب فيها عموماً وخصوصاً، فالدليل على مدعي الكراهة على الإطلاق اهـ، وانظر (المغني 2/ 366)(وإعلاء السنن 7/ 7 - 10).
وقد سئل الشيخ محمد يوسف الدجوي عن سنة الجمعة القبلية فأفتى رحمه الله في مجلة الأزهر (ج 10/ مجلد 4/ سنة 1352) بما يلي:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه، وبعد: قبل أن نخوض بك في غمرات البحث والاستدلال يجب أن تعرف أن هنا شيئاً ينبغي التنبيه له، وهو أن المسائل الاجتهادية الفرعية يكفي فيها الظن ولا ينبغي فيها التنازع.
وكل من طلب فيها الدليل القطعي فهو جاهل لا ينبغي أن يكون في عداد
1819 - مسلم (2/ 587) 7 - كتاب الجمعة، 8 - باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة.
العلماء، ولو عقلوا لعرفوا أن الناس لا يتركون أئمتهم المشهود لهم بالخير والدين والعلم والتبريز في كل فضيلة، ويتبعوا هؤلاء المشهود لهم بما لا نطيل القول فيه، وهو غني عن البيان وأي شيء يريدون بعد أن عرَّفنا صلى الله عليه وسلم أن "المخطئ له أجر والمصيب له أجران" فلم يكتف برفع الوزر عن المخطئ بل جعل له أجراً. وقد عرف ذلك العلماء من أئمة الهدى، حتى ذهب كثير منهم إلى أن الحق يتعدد تبعاً لظن المجتهد، فإن الله لم يكلفه إلا بما أداه إليه اجتهاده، فكأن الحق بالنسبة إليه هو ما اعتقده، وليس المقصود من التكليف إلا تحقيق العبودية، وعدم الخروج على الله ورسوله، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
وقد قالوا: إن المجتهد يجب عليه اتباع ظنه، ويحرم عليه التقليد. فأي شيء بقي بعد ذلك؟ ولكنهم ملبسون يريدون التهويش حباً في الظهور، أو جاهلون لا يمكنهم التعمق في البحث ولا الوقوف على منازع الأئمة، ولا ما أصله العلماء في ذلك.
وإن من أكبر بلايانا التي نئن منها ولا ندري منتهاها وجود طائفة بيننا لا تفهم ولا تقلد من يفهم {إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} (1). ولو كان عندهم أدنى شفقة على المسلمين أو إخلاص لهم لعرفوا أن الدين النصيحة، وأنه ليس من الدين ولا من العقل أن نعرض العامة للخوض في الأدلة والموازنة بين المجتهدين، فذلك ليس من شأنهم ولا هو في متناول قدرتهم، ولا نتيجة له إلا ضعف الثقة بأئمتهم وتشكيكهم في دينهم وعقيدتهم والآن نذكر لك مما استدل به الشافعي- رضي الله عنه على سنة الجمعة ما يكفي بعضه للاجتهاد المعقول المقبول.
ولا نزال نكرر أن الظن كاف في هذا الباب ولا يطلب غيره، وأنه متى وصل إليه المجتهد وجب عليه اتباعه والقول به. وهاك قليلاً من كثير.
فمن ذلك:
(1) غافر: من 56.
1820 -
* روى عبد الله بن الزبير عن ابن حبان في صحيحه والدارقطني والطبراني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من صلاة مفروضة إلا وبين يديها ركعتان".
1821 -
* روى الطبراني في الأوسط "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً" ذكره العيني في (عمدة القارئ) ولم يعلق عليه، وقد ساقه للاستدلال.
وقال في الفتح: روى الطبراني في الأوسط عن علي "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً" وعلق عليه بقوله: وفيه محمد بن عبد الرحمن السهمي، وهو ضعيف عند البخاري وغيره. ولكن هذا الطعن الذي ذكره الفتح لا يمنع الاستدلال به، لا لأن الجرح غير مفسر كما قال بعضهم، بل لأن الطعن غير متفق عليه، فإن البخاري ضعفه، ولكن إماماً آخر من أئمة الحديث وثقه وهو ابن عدي، فيصح أن نقول: إن هذا مثل عكرمة الذي وثقه البخاري واحتج به، وضعفه غيره، ومثل سويد بن سعيد الذي احتج به مسلم وقد اشتهر الطعن فيه. وبالجملة فحديثنا هذا غير متفق على تجريح رواته، فيصح الاحتجاج به عند من لا يرى تجريح محمد بن عبد الرحمن السهمي المذكور.
1822 -
* روى أبو داود عن ابن عمر أنه كان يطيل الصلاة قبل الجمعة ويصلي بعدها ركعتين، ويحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
1820 - ابن حبان (4/ 77، 78) ذكر الأمر للمرء أن يركع ركعتين قبل صلاة فريضة يريد أداءها.
الدارقطني (1/ 267) باب الحث على الركوع بين الأذانين في كل صلاة.
مجمع الزوائد (2/ 231) وقال الهيثمي: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف.
1821 -
رواه الطبراني في الأوسط.
1822 -
أبو داود (1/ 294) كتاب الصلاة، باب الصلاة بعد الجمعة.
وقال العراقي: إسناده صحيح، وقال المنذري: أخرجه مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من وجه آخر بمعناه.
1823 -
* روى الترمذي: "من صلى في يوم وليلة ثنتى عشرة ركعة بني له بيت في الجنة: أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر".
1824 -
* روى مسلم عن أم حبيبة نحوه غير أنه لم يذكر هذا التفصيل. وفي رواية (1) عن أم حبيبة بنت أبي سفيان: "ما من عبد مسلم توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعاً غير فريضة إلا بني له بيت في الجنة".
أفترى أن ذلك مطلوب كل يوم إلا يوم الجمعة الذي تتأكد فيه الطاعة، ويزداد فيه الحرص على العبادة وعمل الخير؟!
وقد صرح الحديث بالتعميم فقال: كل يوم، كما سمعت. وفصل الترمذي في روايته المتقدمة هذه الركعات غاية التفصيل. ورواية الترمذي وإن لم يذكر فيها لفظ كل يوم ففيها ذكر النكرة في سياق الشرط وهو يفيد العموم، ولا معنى لإخراج يوم الجمعة الذي هو أفضل الأيام وأولاها بالصلاة والعبادة.
1825 -
* روى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قُدِّر له ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته ثم يصلي معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى"، وجاء في بعض الروايات (2) عند الإمام أحمد بلفظ:"فإن لم يجد الإمام خرج، صلى ما بدا له، وإن وجد الإمام قد خرج، جلس فاستمع وأنصت حتى يقضي الإمام جمعته" الحديث.
1823 - الترمذي (2/ 274) أبواب الصلاة، 306 - باب ما جاء فيمن صلى في يوم وليلة ثنتي عشرة ركعة.
1824 -
مسلم (1/ 503) 6 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها، 15 - باب فضل السنن الراتبة قبل الفرائض.
(1)
مسلم في نفس الموضع السابق.
1825 -
مسلم (2/ 587) 7 - كتاب الجمعة، 8 - باب فضل من استمع وأنصت في الخطبة.
(2)
أحمد (5/ 75).
مجمع الزوائد (2/ 171) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ أحمد وهو ثقة.
فجعل الغاية خروج الإمام وهو لا يخرج إلا بعد الزوال. وقال أبو عيسى الترمذي: إن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يصلي قبل الجمعة أربعاً وبعدها أربعاً. وإليه ذهب سفيان الثوري وابن المبارك. وروى الشافعي عن ثعلبة بن أبي مالك عن عامة الصحابة أنهم كانوا يصلون نصف النهار يوم الجمعة. إلى غير ذلك وهو كثير. وبعض هذا كاف للاستدلال على ما ذهب إليه الشافعي رضي الله عنه.
وهنا روايات ضعيفة لا بأس أن نسمعك شيئاً منها وليس التعويل عليها، فإن عندنا غيرها على ما سمعت. ولا شك أن كثرة الروايات تفيد قوة الظن ويؤكد بعضها بعضاً. ولا داعي لأن نقول إن الحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال، فالأمر هنا أعظم من ذلك، ولو لم يكن للشافعي إلا قياس الجمعة على الظهر. وما روى ابن حبان في صحيحه وغيره عنه قوله صلى الله عليه وسلم:"بين يدي كل فريضة". وغيره لكفى وشقى على تلك الجعجعة الحمقاء.
وهاك بعض الروايات الضعيفة التي وردت في الموضوع.
روى الشافعي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن الصلاة نصف النهار حتى تزول الشمس إلا يوم الجمعة" ولكن في إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، وهما ضعيفان. ورواه البيهقي من طريق أبي خالد الأحمر عن عبد الله- شيخ من أهل المدينة- عن سعيد بن أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه الأثرم بسند فيه الواقدي وهو متروك. ورواه البيهقي أيضاً بسند فيه عطاء بن عجلان وهو متروك أيضاً. وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة وقال:"إن جهنم تسجر إلا يوم الجمعة". وفيها ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. ومن ذلك حديث ابن ماجة الذي فيه بقية بن الوليد وغيره من الضعاف. فهذه الروايات الكثيرة يقوي بعضها بعضاً وإن كان فيها مقال. وقد تقدم لك ما يصح الاعتماد عليه من غير هذه الروايات.
1826 - ابن حبان (4/ 77) ذكر الأمر للمرء أن يركع ركعتين قبل كل صلاة فريضة يريد أداءها.
والخلاصة أن الصلاة قبل الجمعة مرغب فيها عموماً وخصوصاً. وقد قال بعض العلماء: لم يتمسك المانع من الصلاة قبل الجمعة إلا بحديث النهي عن الصلاة وقت الزوال، وهو مع كون عمومه مخصصاً بيوم الجمعة ليس فيه ما يدل على المنع من الصلاة قبل الجمعة على الإطلاق، فإن غاية ما فيه المنع في وقت الزوال وهو غير محل النزاع.
وعلى كل حال فما تقدم كاف للمنصف، ولا حاجة للإطالة فيه.
وبعد: فهؤلاء الناس إنما يقصدون التلبيس على المسلمين وإيقاع الشقاق فيما بينهم بتفريق كلمتهم وفصم عرى وحدتهم، وحباً في الظهور. فعلى ولاة الأمر أن يردعوهم عن ذلك بالزجر البليغ والتأديب الشديد، كما كان يفعله الحكام في العصور الأولى، وكما تفعله الحقانية الآن مع من يحكم برأيه ويقضي بمذهبه الخاص.
فعلى الوعاظ وأئمة المساجد ألا يتعرضوا لمن يقلد إماماً من الأئمة الأربعة، ويدعوه وما اختار لنفسه من تلك المذاهب التي تلقاها المسلمون بالقبول، وقامت البراهين على أنها مستمدة من كتاب الله وسنة رسول الله.
وإني مالكي والمالكية لا يرون سنة الجمعة. ولكني لا أحب الخروج على أئمة الهدى وورثة الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسائل الاجتهادية يكفي فيها هذا وأقل من هذا على ما شرحنا لك. وما من أمة لا تعظم أئمتها ولا تحترم علماءها وعظماءها إلا ذهب ريحها وحق القول عليها.
نسأل الله أن يقينا شر مضلات الفتن، ومزالق الأهواء بمنه وكرمه.
يوسف الدجوي
عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر الشريف
وإنما أطلنا في هذا لأن بعض الناس يتشددون في النهي عن الصلاة قبل الجمعة ويحدثون بلبلة بين المسلمين، حتى إن احدهم صعد المنبر قبل الأذان ثم أمر المؤذن أن يؤذن وبعد انتهاء الأذان بدأ الخطبة وبدأ الناس بالصلاة، فأي مفسدة هذه التي يحدثها أمثال هؤلاء، وليس في السنة نهي عن الصلاة قبلها ولا دليل لهم سوى أن رسول الله لم يفعلها وقد قال علماء الأصول: إن هذا ليس دليلاً على البدعية.