الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الثالثة: وقت الجمعة ونداؤها وخطبتها وآدابها
-
وقت صلاة الجمعة:
1753 -
* روى البخاري عن أنس رضي الله عنه "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس".
أقول: هذا دليل على أن وقت الجمعة هو وقت الظهر كما هو قول الجمهور لا كما رأى أحمد أنه يجوز قبل الزوال. قال صاحب (الإعلاء 8/ 46): دلالتها على مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم وأجله الصحابة على أدائهم الجمعة بعد الزوال ظاهرة. وقال الحافظ في الفتح: فيه- أي في حديث أنس- إشعار بمواظبته صلى الله عليه وسلم على صلاة الجمعة إذا زالت الشمس. وأما رواية حميد التي (أخرجها البخاري) بعد هذا عن أنس رضي الله عنه "كنا نبكر بالجمعة، ونقيل بعد الجمعة" فظاهره أنهم كانوا يصلون الجمعة باكرة النهار، لكن طريق الجمع أولى من دعوى التعارض. وقد تقرر فيما تقدم أن التبكير يطلق على فعل الشيء في أول وقته أو تقديمه على غيره، وهو المراد ههنا والمعنى أنهم كانوا يبدؤون بالصلاة قبل القيلولة بخلاف ما جرت عادتهم في صلاة الظهر، فإنهم كانوا يقيلون ثم يصلون لمشروعية الإبراد اهـ (2 - 322).
1754 -
* روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اشتد البرد بكر بالصلاة، وإذا اشتد الحر أبرد بالصلاة- يعني الجمعة.
قال الزين ابن المنير: إذا تقرر أن الإبراد يشرع في الجمعة أخذ منه أنها لا تشرع قبل الزوال، لأنه لو شرع لما كان اشتداد الحر سبباً لتأخيرها، بل كان يستغنى عنه بتعجيلها قبل الزوال. واستدل به ابن بطال على أن وقت الجمعة وقت الظهر، لأن أنساً سوَّى بينهما
1753 - البخاري (2/ 286) 11 - كتاب الجمعة، 16 - باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس.
أبو داود (1/ 284) كتاب الصلاة، 223 - باب في وقت الجمعة.
الترمذي (2/ 377) أبواب الصلاة، 361 - باب ما جاء في وقت الجمعة.
1754 -
البخاري (2/ 388) 11 - كتاب الجمعة، 17 - باب إذا اشتد الحر يوم الجمعة.
(بكر) التبكير بالجمعة: المضي إليها في أول وقتها.
(أبرد) الإبراد: تأخير الصلاة إلى أن ينكسر الحر.
في جوابه (أي السائل عن الوقت) خلافاً لمن أجاز الجمعة قبل الزوال اهـ (2 - 324).
واحتج بعض الحنابلة بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين" قال: فلما سماه عيداً جازت الصلاة فيه في وقت العيد، كالفطر، والأضحى. وتعقب بأنه لا يلزم من تسمية يوم الجمعة عيداً أن يشتمل على جميع أحكام العيد، بدليل أن يوم العيد يحرم صومه مطلقاً سواء صام قبله أو بعده بخلاف يوم الجمعة باتفاقهم اهـ (2/ 322).
قال في (الإعلاء 8/ 48): وأيضاً فالخطبة في العيد بعد الصلاة، وتجب في الجمعة مقدمة عليها، ويكره التنفل في العيد قبل الصلاة، وبعدها في المصلى، ولا كذلك الجمعة، ولا يشرع النداء لصلاة العيد، والجمعة بخلافها. اهـ.
1755 -
* روى الشيخان عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم تكون القائلة" وفي رواية (1) قال: "ما كنا نقيل ولا نتغدى إلا بعد الجمعة" زاد في رواية (2)"في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم".
قال في (الإعلاء 8/ 47): واستدل بهذا الحديث لأحمد على جواز صلاة الجمعة قبل الزوال وترجم عليه ابن أبي شيبة "باب من كان يقول: الجمعة أول النهار" وأورد فيه حديث سهل هذا، وحديث أنس رضي الله عنه الذي بعده: وعن ابن عمر رضي الله عنه مثله، وعن عمر رضي الله عنه، وعثمان رضي الله عنه، وسعد رضي الله عنه، وابن مسعود رضي الله عنه مثل قولهم، وتعقب بأنه لا دلالة فيه على أنهم كانوا يصلون الجمعة قبل الزوال بل فيه أنهم كانوا يتشاغلون عن الغداء، والقائلة بالتهيؤ للجمعة، ثم بالصلاة، ثم ينصرفون، فيتذاكرون ذلك. بل ادعى الزين ابن المنير أنه يؤخذ منه أن الجمعة تكون بعد الزوال، لأن العادة في القائلة أن تكون قبل الزوال، فأخبر الصحابي أنهم كانوا يشتغلون بالتهيؤ
1755 - البخاري (2/ 428) 11 - كتاب الجمعة، 41 - باب القائلة بعد الجمعة.
مسلم (2/ 588) 7 - كتاب الجمعة، 9 - باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس.
(1)
البخاري (2/ 427) 11 - كتاب الجمعة، 40 - قول الله تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} .
(2)
مسلم (2/ 588) 7 - كتاب الجمعة، 9 - باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس.
للجمعة عن القائلة، ويؤخرون القائلة حتى تكون بعد صلاة الجمعة اهـ (2 - 356).
1756 -
* روى الشيخان عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: "كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة، ثم ننصرف وليس للحيطان فيء" وفي أخرى (1)"ظل نستظل به" وفي أخرى (2)"كنا نجمع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس، ثم نرجع نتتبع الفيء".
أقول: في هذا النص إشارة إلى عدم إطالة الجمعة وخاصة في شدة الحر ويقاس عليه البرد وسنورد مناقشة ذلك بعد قليل.
1757 -
* روى مالك عن أبي سهيل بن مالك عن أبيه قال: "كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب يوم الجمعة تطرح إلى جدار المسجد الغربي، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر فصلى الجمعة، قال: ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحى".
في النص إشارة إلى أنهم كانوا يؤخرون نومة القيلولة التي هي قبل صلاة الظهر إلى ما بعد الجمعة يوم الجمعة لاهتمامهم بصلاة الجمعة ولا يفيد النص أنهم كانوا يصلون قبل الزوال بدليل أن الظل كان يغشى الطنفسة مع أنها في جهة الغرب. وانظر (شرح السنة 4/ 239).
1758 -
* روى مسلم عن جابر رضي الله عنه سأله محمد بن علي بن الحسين: "متى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الجمعة؟ قال: كان يصلي، ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس- يعني النواضح".
أقول: في النص إشارة إلى الإسراع من الانتهاء من صلاة الجمعة وليس فيه أن صلاة
1756 - البخاري (7/ 449) 64 - كتاب المغازي، 35 - باب غزوة الحديبية
…
إلخ.
مسلم (2/ 589) 7 - كتاب الجمعة، 9 - باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس.
(1)
البخاري (7/ 449) نفس الموضع السابق.
(2)
مسلم (2/ 589) نفس الموضع السابق.
1757 -
الموطأ (1/ 9) 1 - كتاب وقوت الصلاة، 2 - باب وقت الجمعة، وإسناده صحيح.
(طنفسة) الطنفسة: كساء له خمل يجلس عليه.
(الضحى) بضم الضاد مقصوراً: أول النهار، بعد أن تعلو الشمس وتشرق، وبفتح الضاد ممدوداً: ارتفاع النهار كثيراً وامتداده، وهو قبيل الظهر.
1758 -
مسلم (2/ 588) 7 - كتاب الجمعة، 9 - باب صلاة الجمعة حين تزول الشمس.
(النواضح): الإبل التي يستقى عليها.
الجمعة تقام قبل دخول وقت الزوال، فإن جماهير علماء المسلمين كما قلنا على أن وقت صلاة الجمعة هو وقت الظهر بعد الزوال وأنه لا تجوز قبل زوال الشمس.
لكن قال أحمد وإسحاق وابن راهويه بأنه يجوز أن تؤدى قبل الزوال، وقد قدمنا بعض الأدلة في ذلك وفيما يلي مزيد بيان، قال صاحب (الإعلاء 8/ 45): إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين لجميع الصلوات أول الوقت وآخره، كما ورد في رواية جبريل وحديث السائل عن وقت الصلاة فلو كان للجمعة وقت قبل الزوال لبينه قولاً أو فعلاً، ولم يثبت أنه صلى الجمعة قبله يوماً أو أجاز ذلك لأحد قولاً. بل الثابت عنه خلافه أنه أمر ابن عمير لأول جمعة جمعت في الإسلام أن يصليها بعد الزوال، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك يصليها، لم يجمع قبله قط، فهذا مما يفيد العلم بأن وقتها إنما هو بعد أن تزول الشمس عن شطر النهار. كيف؟ وأن الجمعة أقيمت مقام الظهر بالنص، فيصير وقت الظهر وقتاً لها، وما أقيمت مقام غيرها من الصلوات، فلم تكن مشروعة في غير وقته والله تعالى أعلم.
قال النووي: وقد قال مالك وأبو حنيفة، والشافعي، وجماهير العلماء من الصحابة، والتابعين فمن بعدهم: لا تجوز الجمعة إلا بعد زوال الشمس. ولم يخالف في هذا إلا أحمد بن حنبل، وإسحاق، فجوزاها قبل الزوال. قال القاضي: وروي في هذا أشياء عن الصحابة لا يصلح منها شيء إلا ما عليه الجمهور. وحمل الجمهور هذه الأحاديث على المبالغة في تعجيلها، وأنهم كانوا يؤخرون الغداء، والقيلولة في هذا اليوم إلى ما بعد صلاة الجمعة، لأنهم ندبوا إلى التبكير إليها، فلو اشتغلوا بشيء من ذلك قبلها خافوا فوتها أو فوت التبكير إليها اهـ (1 - 283).
احتجت الحنابلة بما رواه مسلم عن أياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: "كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة، فنرجع؛ وما نجد للحيطان فيئاً نستظل به". قالوا: وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب خطبتين، ويجلس بينهما، ويقرأ القرآن، ويذكر الناس كما في مسلم من حديث أم هشام بنت حارثة أنها قالت:"ما حفظت ق والقرآن المجيد إلا من في رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرؤها على المنبر كل جمعة". وعند ابن ماجة من حديث أبي بن كعب، "أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم". وكان يصلي الجمعة بسورة الجمعة،