الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الأولى
في صلاة المسافر
عرض إجمالي
للسفر أحكام خاصة وآداب، وبعض آداب السفر سنذكرها في جزء مستقل في القسم الرابع من هذا الكتاب، قسم العاديات والحياتيات، وهناك أحكام خاصة بصلاة المسافر موضعها جزء الصلاة عامة وههنا نذكر بعضاً منها.
فمن آداب المسافر إذا أراد الخروج للسفر أن يصلي ركعتين، وإذا عاد من سفره أن يصلي ركعتين، وفيما بين الذهاب والإياب فإن لصلاة المسافر أحكاماً منها ما هو محل خلاف كجواز الجمع بين الصلاتين في السفر، فالحنفية لا يرون ذلك إلا في عرفة ومزدلفة فالجمع تقديماً بين الظهر والعصر في عرفة والجمع تأخيراً بين المغرب والعشاء في مزدلفة، وقد رأينا الخلاف في ذلك.
ومن الأحكام المتفق عليها بين الفقهاء مشروعية القصر في الصلاة الرباعية للمسافر على خلاف كثير في بعض التفصيلات:
إن قصر الصلاة الرباعية جائز في القرآن والسنة والإجماع، وقد ربط القرآن بين القصر والخوف، ربطاً اتفاقياً لأنه كان هناك تلازم في الأغلب بين السفر والخوف في أول الإسلام، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن صلاة السفر مطلقاً تقصر وأن الربط بين صلاة السفر والخوف في القرآن كان اتفاقياً إذ لم تكن مشروعية القصر في السفر مرتبطة ارتباطاً دائماً بالخوف، والقصر هو اختصار الصلاة الرباعية إلى ركعتين فلا قصر في الفجر والمغرب.
وقد قال الحنفية: إن القصر واجب على المسافر، ففرض المسافر في كل صلاة رباعية ركعتان ولا تجوز له الزيادة عليهما عمداً، ويجب سجود السهو إن زاد عليهما سهواً، فإن أتم الرباعية وصلى أربعاً وقد قعد في الثانية مقدار التشهد أجزأته الركعتان عن فرضه وكانت الركعتان الأخريان له نافلة ويكون مسيئاً وإن لم يقعد في الثانية مقدار التشهد بطلت صلاته عندهم.
وقال بعض المالكية: القصر سنة مؤكدة، وقال الشافعية والحنابلة: القصر رخصة، والمسافر مخير بين الإتمام والقصر، والقصر عند الحنابلة أفضل، وعند الشافعية تفصيل في الأفضلية، والجمهور يرون أن المسافر سفر معصية لا يباح له القصر، وخالف في ذلك الحنفية فأجازوا القصر لكل مسافر.
وقد اختلف الفقهاء في تقدير المسافة التي إذا قصدها الإنسان أو قصد أكثر منها جاز له القصر، فعند الحنفية تقدر بحوالي 81 كيلو متراً وعند الحنابلة والشافعية تقدر بحوالي 77 كيلو متراً، وعند المالكية تقدر بحوالي 89 كيلو متراً.
والعبرة بالمسافة عند الجميع لا بالزمن الذي يقطع به هذه المسافة، وهذا كله إذا كان يقصد السفر.
قال الحنفية: من خرج دون أن يقصد السفر ثم انتقل من مكان إلى مكان لا بنية سفر لا يعتبر مسافراً.
ولا يضر عند الحنابلة نقصان المسافة حوالي 5 كيلو متراً ونيف ولا يضر عند المالكية نقصان المسافة 21 كيلو متراً.
واستثنى المالكية خلافاً لغيرهم من هذه المسافات أهل مكة ومنى ومزدلفة والمحصب إذا خرجوا في الحج للوقوف في عرفة، فإنهم يقصرون ما داموا في الحج إلا في وطنهم، وقد ترخص بعضهم بأن أباح القصر لأدنى سفر وهو ليس بشيء، لأن الانتقال من موطن الإنسان إلى مكانه قريب منه لا يعتبر سفراً.
ولا تكفي نية السفر لقصر الصلاة قبل مباشرة السفر وتجاوز حدود البلد.
وقد اتفق الفقهاء على أن أول السفر الذي يجوز به القصر أن يجاوز العمران من الجانب الذي يخرج منه، فإذا عاد إلى بلده وجب عليه الإتمام متى دخل أول بيوت البلد.
ويصير المسافر مقيماً عند الحنفية ويمتنع عليه القصر إذا نوى الإقامة في بلد خمسة عشر يوماً فصاعداً، فإذا لم ينو الإقامة في بلد واحد هذه المدة فإنه يجب عليه القصر منذ مجاوزته حدود بلده حتى عودته، وإذا خرج بنية قضاء حاجة معينة ثم العود إذا قضاها ولم ينو
إقامة وكان يترقب السفر بأن ينوي الخروج غداً أو بعد غد مثلاً فإنه يعتبر مسافراً ولو طال الزمن.
ومن كان تبعاً لغيره وليس أمره له فالعبرة بنية الغير والمقاتلون في حالة الحرب أو حالة الحصار يقصرون ولو نووا الإقامة خمسة عشر يوماً لأنه لا عبرة بهذه النية لأنه لا يعرف ماذا يجري في حالة الحرب والحصار، وقال المالكية والشافعية إذا نوى المسافر الإقامة أربعة أيام بموضع أتم صلاته ولم يحسب بعض المالكية والشافعية يومي الدخول والخروج، وقال الحنابلة: إذا نوى أكثر من أربعة أيام أو أكثر من عشرين صلاة أتم، ويحسب من المدة عند الحنابلة يوم الدخول والخروج، فإن كان ينتظر قضاء حاجة يتوقعها كل وقت، أو يرجو نجاحها أو جهاد عدو أو على أهبة السفر يوماً فيوماً جاز له القصر عند المالكية والحنابلة والحنفية مهما طالت المدة ما لم ينو الإقامة، وقال الشافعية له القصر ثمانية عشر يوماً غير يومي الدخول والخروج.
وهناك صورة يعرف الإنسان فيها بواقع الحال أو بالاستئناس إن كان أمره تبعاً لغيره كالسجين غير المحكوم أو الطالب في البلد البعيد، فمثل هذا يجب عليه الإتمام متى تيقن الإقامة أو غلب على ظنه أنه سيطيل البقاء أكثر من المدة التي يجب عليه فيها أن يقصر.
وإذا اقتدى مسافر بمقيم فعلى المسافر أن يتم صلاته ولو اقتدى به في التشهد الأخير، لكن الحنفية لم يجيزوا اقتداء المسافر بالمقيم إلا في الوقت، ولابد عند الشافعية والحنابلة أن ينوي القصر عند الإحرام بالصلاة، واكتفى المالكية بأن ينوي القصر في أول صلاة يقصرها في السفر، أما الحنفية فلا يحتاج قصر الصلاة للمسافر إلى نية القصر عندهم.
واشترط الشافعية أن يدوم سفره من أول الصلاة إلى آخرها فمثلاً لو انتهت به سفينته إلى محل إقامته أو شك هل نوى الإقامة أتم صلاته وإذا اقتدى المقيم بالمسافر فإنه يكمل صلاته بعد تسليم المسافر، ويستحب للمسافر الإمام أن يقول عقب التسليمتين أتموا صلاتكم فإني مسافر، ولو نبه المأمومين قبل الصلاة يكون حسناً، ومن أتم بعد تسليم إمامه المسافر يعتبر عند الحنفية وكأنه وراء الإمام فلا يقرأ شيئاً من القرآن في بقية صلاته بل يقف مقدار الفاتحة ثم يركع.
ومن فاتته صلاة في سفر قضاها عند الحنفية والمالكية في الإقامة ركعتين كما أن من فاتته صلاة في الحضر قضاها في السفر كما وجبت عليه في الحضر، وقال الشافعية والحنابلة: صلاة الحضر تقضى في السفر كما وجبت في الحضر وفائتة السفر تقضى تامة دون قصر في حالة نية الإقامة.
قال النووي: اتفق الفقهاء على استحباب النوافل المطلقة في السفر، واختلفوا في استحباب النوافل الراتبة في السفر، فتركها ابن عمر وآخرون، واستحبها الشافعي وأصحابه والجمهور، وقال الحنفية ويأتي المسافر بالسنن الرواتب حال الأمن والقرار، أي إذا كان نازلاً مستقراً، وإلا فإن كان في حال خوف أو فرار أو سير أو مع صحبة يتأذون بتطويل مكثه، فإنه يترك الرواتب والنفل والمطلق من باب أولى.
وقد مر معنا موضوع الجمع بين الصلاتين للمسافر في بحث أوقات الصلاة فليراجع هناك، وفي تعليقاتنا على النصوص وفي المسائل والفوائد سنستكمل ما يحتاج إليه القارئ في هذا الموضوع.
انظر (اللباب 1/ 106)، (رد المحتار، حاشية ابن عابدين 1/ 525 - 535)، (الشرح الصغير 1/ 474 - 486)، (والمهذب 1/ 101 - 104)، (المغني 2/ 255 فما بعدها)، (الفقه الإسلامي 2/ 320 فما بعدها).
فإلى النصوص: