الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الرابعة
في
الكسوف والخسوف
مقدمة وعرض إجمالي:
من معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام الكبرى إخراج الظواهر الكونية من مجال الوهم والتوهم وإدخالها في دائرة العلم وفي دائرة التوصل إلى معرفة الحقيقة في شأنها من خلال البحث، وربط الأسباب المسببات لمعرفة خالقها، والقيام بحقوق العبادة والعبودية شكراً له جل جلاله، يظهر ذلك في نصوص كثيرة. ففي معرض السؤال عن الأهلة جاء الجواب:{قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} (1) فمن مجيء الجملة الأخيرة في هذا السياق نفهم أن الظواهر الكونية ينبغي الوصول إليها من خلال الطرق المؤدية على ذلك.
وقد جاء في سورة العنكبوت: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} (2) فالآية طلب عن البحث في الأرض للوصول إلى معرفة البدايات الأولى للحياة، وهو ما يسمى الآن بعلم المستحاثات، ومن أعظم ما يظهر فيه مجموع ما قلناه: ما شرع لنا بمناسبتي الكسوف والخسوف وما قاله فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لقد كان الناس تغلب عليهم الأوهام في أمر الكسوف والخسوف فيربطون ذلك بأحداث أرضية، وتغلب عليهم الغفلة عن الله عز وجل الذي هو خالق كل شيء، ويغلب عليهم القيل والقال والتفسيرات والتخوفات فينشغلون بذلك عن عبادة الله عز وجل، فأزال الشارع هذه الأمور كلها، فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه لا ارتباط للكسوف والخسوف بما يجري على الأرض وأن الكسوف والخسوف من آيات الله التي تدل عليه وإنه إذا حدث الكسوف والخسوف، فأدب المسلم أن يقبل على الله عز وجل بالدعاء والصلاة، فيكون الكسوف والخسوف مذكرين للمسلم بما يجب عليه لله
(1) البقرة: 189.
(2)
العنكبوت: من 20.
خالق كل شيء من القيام بشؤون العبادة والعبودية، وبعد هذه المقدمة التي ستأتي أدلتها نستخلص لك من كتب الفقه خلاصة عن هذا الموضوع:
غلب في اصطلاح الناس والفقهاء وعلماء الكون أن يخصص الكسوف بالشمس والخسوف بالقمر، فالكسوف: هو ذهاب ضوء الشمس أو بعضه في النهار بسبب وقوع ظل القمر بين الشمس والأرض، والخسوف: هو ذهاب ضوء القمر أوب عضه ليلاً لوقوع ظل الأرض بين الشمس والقمر. وقد شرعت لنا بمناسبة الكسوف والخسوف صلاة وهي: سنة مؤكدة باتفاق الفقهاء، وهي مشروعة حضراً وسفراً للرجال والنساء، أي للمكلفين ومن تطلب منه الصلاة، ويدخل في ذلك الصبيان ولهم وللعجائز حضورها جماعة، ويؤمر بها من تجب عليه الجمعة اتفاقاً، وتشرع بلا أذان ولا إقامة، وتصلى جماعة أو فرادى سراً أو جهراً، بخطبة أو بلا خطبة وفعلها في مسجد الجماعة والجمعة أفضل، ولا يشترط لها إذن الإمام، ويسن الغسل لها والخطبة عند الشافعية، والوعظ ندباً عند المالكية، وذهب الجمهور غير المالكية والحنابلة إلى شروع الصلاة لكل ظاهرة كونية مفزعة كالزلزلة والصواعق والريح الشديدة، لكن الأصل فيما سوى صلاة الكسوف والخسوف أن تصلى فرادى، والحنابلة يوافقون الجمهور في الصلاة للزلزلة ويرى الحنفية أن صلاة الكسوف والخسوف ركعتان كهيئة الصلوات الأخرى العادية ولا تختلف عنها، وقال الجمهور صلاة الكسوف والخسوف ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان والجميع والجميع متفقون على الندب في إطالة القراءة والركوع والسجود لينجلي الكسوف أو الخسوف.
وأجاز الحنابلة أن تؤدى صلاة الكسوف والخسوف على كل صفة وردت عن الشارع، فإن شاء أداها كما قال الحنفية وإن شاء أداها بركوعين في كل ركعة، وما يستتبع ذلك من رفع، وإن شاء أداها بثلاث ركوعات في كل ركعة أو خمس ركوعات في كل ركعة، لكن لا يزيد عندهم على خمس ركوعات في كل ركعة، ويخفي الإمام القراءة في صلاة الكسوف والخسوف عند أبي حنيفة وقال الصاحبان يجهر الإمام في صلاة الكسوف والخسوف، وقال المالكية والشافعية يسر الإمام في صلاة كسوف الشمس ويجهر في صلاة خسوف القمر وقال الحنابلة يجهر في صلاتي الكسوف والخسوف.
والجمهور على أن الكسوف والخسوف إذا وقعا في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها لا تصلى فيها وذهب الشافعية إلى أنها تصلى في الأوقات الخمسة المنهي عنها كما تصلى في غيرها.
ويندب عند المالكية تكرار صلاة الخسوف حتى ينجلي القمر أو يغيب في الأفق أو يطلع الفجر، ووقت صلاة الكسوف والخسوف من حين الكسوف والخسوف إلى حين التجلي، فإذا حدث التجلي أثناء الصلاة، أتمها خفيفة على صفة الصلاة كما نص عليه الحنابلة، وتفوت صلاة الكسوفين بالتجلي قبل الصلاة أو بغيبوبة الشمس كاسفة، أو بطلوع الشمس والقمر خاسف أو بطلوع الفجر والقمر خاسفاً ويقول الذين لا يرون صلاة الكسوف في الأوقات المنهي عن الصلاة فيها: إنه يشرع في هذه الحالة الدعاء والذكر، وإن فاتت صلاة الكسوف لفوات وقتها لم تقض، وقال الحنفية والحنابلة: لا خطبة لصلاة الكسوف، وقال المالكية: لا يشترط في هذه الصلاة خطبة وإنما يندب وعظ بعدها يثني فيه على الله عز وجل ويصلي ويسلم على نبيه عليه الصلاة والسلام. وقال الشافعية: يسن أن يخطب الإمام لصلاة الكسوفين خطبتين بعد الصلاة كخطبة الجمعة والعيدين بأركانهما ويعلقون جواز الخطبة في بلد فيه وال على إذنه، واتفق الفقهاء على استحباب الذكر والدعاء والاستغفار والصدقة وفعل القربات بهذه المناسبات.
ففي الإسلام تكون هذه المناسبة مذكرة للناس بأن يقوموا بحقوق العبودية لله تعالى، ويدعو الإمام جالساً بعد الصلاة مستقبلاً القبلة إن شاء أو قائماً مستقبلاً الناس.
واتفق الفقهاء على أن صلاة الكسوف تسن جماعة في المسجد ويصلي بالناس الإمام الذي يصلي بهم الجمعة إن وجد، وأجاز الحنابلة والشافعية صلاتها فرادى، وقال الحنفية: إن لم يحضر إمام الجمعة صلاها الناس فرادى ركعتين أو أربعاً في منازلهم.
وأما صلاة خسوف القمر فإنها تصلى فرادى ويمكن عند الشافعية والحنابلة أن تصلى جماعة.
وقال الحنفية: تصلى صلاة الخسوف ركعتين أو أربعاً فرادى في المنازل، وقال المالكية:
يندب لخسوف القمر ركعتان جهراً، وقال الشافعية والحنابلة: صلاة الخسوف كالكسوف بجماعة بركوعين وقيامين وقراءتين وسجدتين في كل ركعة، تؤدى جهراً لا سراً.
وإذا اجتمعت صلاتان كالكسوف مع غيرها من الجمعة أو فرض آخر أو العيد أو الجنازة أو الوتر، وإن لم يخف فوته يقدم الكسوف، وتكفي عند الشافعية خطبة الجمعة عن خطبة الكسوف. أما إذا اجتمع عيد أو كسوف مع صلاة جنازة قدمت الجنازة على الكسوف والعيد كما تقدم الجنازة على صلاة العيد إن لم يخف فوتها وتقدم صلاة الكسوف على صلاة العيد والمكتوبة إن أمن الفوت.
ويقدم الخسوف على الوتر عند الشافعية والحنابلة كما تقدم عند الشافعية على التراويح. وتقدم التراويح على الكسوف عند الحنابلة إذا تعذر فعلها.
(انظر الدر المختار وحاشية ابن عابدين 1/ 565 - 566)، (الشرح الصغير: 1/ 532 - 536)، (المهذب: 1/ 122)، (المغني: 2/ 420 - 429)، (الفقه الإسلامي: 2/ 398 - 410).
أقول: وحيث ما كان اختلاف للفقهاء في صلاة الكسوف والخسوف وصلاها الناس جماعة فإن الإمام هو الذي ينبغي أن يقتدى به، فالناس له تبع في هذه الحالة، وهو يختار الكيفية التي يراها إذا كان وراءه ناس من مذاهب مختلفة أما إذا كان في منطقة ليس فيها إلا مذهب واحد كتركيا مثلاً أو المغرب العربي حيث يغلب في الأولى المذهب الحنفي وفي الثانية المذهب المالكي فالأولى أن يراعي مذهب المنطقة.
وإلى نصوص هذه الفقرة: