الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجمعة: أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان- وكثر الناس- زاد النداء الثالث على الزوراء". وزاد في رواية (1):"فثبت الأمر على ذلك"وفي أخرى (2) قال: "ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم غير مؤذن واحد"، وهذا لفظ الترمذي، قال:"كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر: إذا خرج الإمام أقيمت الصلاة، فلما كان عثمان نادى النداء الثالث على الزوراء" وفي رواية (3) لأبي داود قال: "كان يؤذن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس على المنبر يوم الجمعة على باب المسجد، وأبي بكر وعمر،
…
ثم ساق نحو ما تقدم.
أقول: إذا جلس الخطيب على المنبر كان الأذان بين يديه فإذا أنهى خطبته كانت الإقامة للصلاة وهي الأذان الثاني وقد أضاف عثمان وهو خليفة راشد عمله سنة الأذان الثالث وهو الأول الذي يعلم فيه الناس أن وقت الجمعة قد دخل.
قال الحافظ (2/ 394):
والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك لكونه خليفة مطاع الأمر ثم قال: وروى ابن أبي شيبة من طريق ابن عمر قال "الأذان الأول يوم الجمعة بدعة" فيحتمل أن يكون قال ذلك على سبيل الإنكار، ويحتمل أنه يريد أنه لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وكل ما لم يكن في زمنه يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسناً ومنها ما يكون بخلاف ذلك. وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة قياساً على بقية الصلوات فألحق الجمعة بها وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب، وفيه استنباط معنى من الأصل لا يبطله، وأما ما أحدث الناس قبل وقت الجمعة من الدعاء إليها بالذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فهو في بعض البلاد دون بعض، واتباع السلف الصالح أولى. اهـ.
-
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة:
1761 -
* روى أبو داود عن الحكم بن حزن الكلفي قال: "وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1) البخاري (2/ 397) 11 - كتاب الجمعة، 25 - باب التأذين عند الخطبة.
(2)
البخاري (2/ 395) 11 - كتاب الجمعة، 22 - باب المؤذن الواحد يوم الجمعة.
(3)
أبو داود (1/ 285) كتاب الصلاة، 224 - باب النداء يوم الجمعة.
1761 -
أبو داود (1/ 287) كتاب الصلاة، 228 - باب الرجل يخطب على قوس.=
سابع سبعة- أو تاسع تسعة- فدخلنا عليه، فقلنا: يا رسول الله، زرناك، فادع لنا لنا بخير، فدعا، وأمر بنا- أو أمر لنا- بشيء من التمر، والشأن إذ ذاك دون، فأقمنا بها أياماً، وشهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام صلى الله عليه وسلم متوكئاً على عصا- أو قوس- فحمد الله وأثنى عليه بكلمات خفيفات طيبات مباركات، ثم قال:"أيها الناس، إنكم لن تطيقوا- أو لن تفعلوا- كل ما أمرتم به، ولكن سددوا وقاربوا، وأبشروا ويسروا".
1762 -
* روى مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب: احمرت عيناه وعلا صوته، واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش، يقول: "صبحكم ومساكم"، ويقول: "بعثت أنا والساعة كهاتين"، ويقرن بين إصبعيه: السبابة والوسطى، ويقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة"، ثم يقول: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي وعلي"، وفي رواية (1) قال: "كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم: يحمد الله، ويثني عليه، ثم يقول على إثر ذلك، وقد علا صوته
…
وذكر نحوه" وفي أخرى (2) "كان يخطب الناس: يحمد الله، ويثني عليه بما هو أهله ثم يقول: من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وخير الحديث كتاب الله
…
ثم ذكر نحو ما تقدم"، وفي رواية (3) النسائي قال: "كان
= قال الحافظ في التلخيص: وإسناده حسن، وفيه شهاب بن خراش، وقد اختلف فيه والأكثر وثقوه، وقد صححه ابن السكن وابن خزيمة.
(سددوا): اقصدوا السداد في الأمور، وهو العدل والقصد.
(قاربوا): اجعلوا عملكم قصداً لا غلو فيه.
(يسروا) التيسير: التسهيل في الأمور.
1762 -
مسلم (2/ 592) 7 - كتاب الجمعة، 13 - باب تخفيف الصلاة والخطبة.
(1)
مسلم، الموضع السابق.
(2)
مسلم، الموضع السابق.
(3)
النسائي (3/ 188) 1 - كتاب صلاة العيدين، 22 - كيف الخطبة.
(منذر جيش) المنذر: المعلم المعرف للقوم بما يكون قد دهمهم من عدو أو غيره، وهو المخوف.
(الهدي): السيرة والطريقة، وهو ساكن الدال.
(ضياعاً) الضياع بفتح الضاد: العيال.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: "نحمد الله ونثني عليه بما هو أهله"، ثم يقول:"من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، إن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، ثم يقول:"بعثت أنا والساعة كهاتين"، وكان إذا ذكر الساعة احمرت وجنتاه، وعلا صوته، واشتد غضبه، كأنه نذير جيش، يقول:"صبحكم ومساكم"، ثم قال:"من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإلي، أو علي، وأنا أولى بالمؤمنين".
1763 -
* روى أحمد عن علي أو عن الزبير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا فيذكرنا بأيام الله حتى يعرف ذلك في وجهه وكأنه نذير قوم يصبحهم الأمر غدوة وكان إذا كان حديث عهد بجبريل لم يتبسم ضاحكاً حتى يرتفع.
1764 -
* روى أحمد عن النعمان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: "أنذركم النار أنذركم النار"، حتى لو أن رجلاً كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا قال: حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه، وفي رواية وسمع أهل السوق صوته وهو على المنبر.
1765 -
* روى ابن خزيمة عن جرير بن عبد الله: قال: لما دنوت من مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنخت راحلتي وحللت عيبتي، فلبست حلتي، فدخلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يخطب، فسلم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرماني الناس بالحدق، فقلت لجليس لي: يا عبد الله هل ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمري شيئاً؟ قال: نعم ذكرك بأحسن الذكر بينما هو يخطب إذ عرض له في خطبته،
1763 - أحمد (1/ 167).
أبو يعلى (2/ 38).
مجمع الزوائد (2/ 188) وقال الهيثمي: رواه أحمد، والبزار، والطبراني في الكبير، والأوسط بنحوه، وأبو يعلى عن الزبير وحده، ورجاله رجال الصحيح".
1764 -
أحمد (4/ 272).
مجمع الزوائد (2/ 187) وقال الهيثمي: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
1765 -
ابن خزيمة (3/ 150) جماع أبواب الأذان والخطبة في الجمعة، 62 - باب الرخصة في سلام الإمام في الخطبة. وإسناده حسن.
قال: "إنه سيدخل عليكم من هذا الباب أو من هذا الفج من خير ذي يمن، وإن على وجهه لمسحة ملك". قال: فحمدت الله على ما أبلاني.
أقول: حديث جرير مع جليسه أثناء الخطبة لا يقتدى به لأن جريراً كان حديث عهد بإسلام ويحتمل أن السؤال كان بعد الفراغ من الخطبة أو الصلاة.
1766 -
* روى أبو داود عن زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبهم، فقال:"أما بعد".
1767 -
* روى أبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تشهد قال: "الحمد لله، نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً".
وفي رواية (1): أن يونس بن يزيد سأل ابن شهاب عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة؟
…
فذكر نحوه، قال:"ومن يعصهما فقد غوى، ونسأل الله ربنا أن يجعلنا ممن يطيعه، ويطيع رسوله، ويتبع رضوانه، ويجتنب سخطه، فإنما نحن به وله".
قال في النيل (3/ 326): اختلف أهل العلم في حكم خطبة الجمعة فذهبت العترة والشافعي وأبو حنيفة ومالك إلى الوجوب ونسبه القاضي عياض إلى عامة العلماء واستدلوا على الوجوب بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم بالأحاديث الصحيحة ثبوتاً مستمراً أنه كان يخطب في كل جمعة
…
وذهب الحسن البصري ورواه الظاهري إلى أن الخطبة مندوبة مع
1766 - أبو داود (4/ 294) كتاب الأدب، باب في "أما بعد" في الخطب، وإسناد صحيح.
(أما بعد) بعد: مبنية على الضم، لأنها مقطوعة عن الإضافة، التقدير: أما بعد حمد الله فكذا وكذا، فلما قطعه عن الإضافة بناه على الضم.
1767 -
أبو داود (1/ 287) كتاب الصلاة، 228 - باب الرجل يخطب على قوس.
(1)
أبو داود، الموضع السابق. وللحديث طرق يقوى بها فهو حسن وصحح إسناده النووي في شرح مسلم 6/ 160.
وقوع الاتفاق على وجوب الصلاة. اهـ.
1768 -
* روى مسلم عن عدي بن حاتم رضي الله عنه "أن رجلاً خطب عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله".
وفي رواية (1) أبي داود "أن خطيباً خطب عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: من يطع الله ورسوله، ومن يعصهما، فقال: قم- أو قال: اذهب- بئس الخطيب أنت".
وأخرج النسائي (2) قال: "تشهد رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت".
أفاده ابن الأثير وهو شافعي ولا يرى الحنفية أن مراد العطف بالواو يفيد الترتيب.
أقول: قال النووي بعد أن أورد هذا الرأي (6/ 159): والصواب أن سبب النهي أن الخطب شأنها البسط والإيضاح واجتناب الإشارات والرموز ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا تكلم أعادها ثلاثاً ليفهم وأما قول الأوليين فيضعف بأشياء منها أن مثل هذا الضمير قد تكرر في الأحاديث الصحيحة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله صلى الله عليه وسلم: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وغيره من الأحاديث وإنما ثنى الضمير ههنا لأنه ليس خطبة وعظ وإنما هو تعليم حكم فكلما قل لفظه كان أقرب إلى حفظه بخلاف خطبة الوعظ فإنه ليس المراد حفظه وإنما يراد الاتعاظ بها ومما يؤيد هذا ما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:
1768 - مسلم (2/ 594) 7 - كتاب الجمعة، 13 - باب تخفيف الصلاة والخطبة.
(1)
أبو داود (1/ 288) كتاب الصلاة، 228 - باب الرجل يخطب على قوس.
(2)
النسائي (6/ 90) 26 - كتاب النكاح، 40 - ما يكره من الخطبة.
(بئس الخطيب أنت) إنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "بئس الخطيب أنت" لأنه لما قال: "ومن يعصهما فقد غوى" جمع في الضمير بين الله تعالى وبين رسوله، فأراد أن يقول:"ومن يعص الله ورسوله" فيأتي بالمظهر ليترتب اسم الله في الذكر أولاً، ومجيء اسم الرسول ثانياً، وفي هذا دليل على أن الواو تفيد الترتيب، لأنه لولا ذلك لكان قد أمره بشيء نهاه عن مثله.
علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة: الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً والله أعلم.
أقول: وذهب بعضهم إلى أن سبب اللوم كان الوقوف على يعصهما مع عطفه على ما قبله فأخل المعنى وهذا سبب قوله عليه الصلاة والسلام بئس الخطيب أنت، وفي ذلك إشارة على استحسان معرفة علم الوقوف وإلى استحسان علم الترقيم الذي استحدثه العلماء فيما بعد ليدللوا على أنواع الجمل ونهاياتها.
- اتخاذ المنبر:
1769 -
* روى ابن خزيمة عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة فيسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد فيخطب فجاء رومي فقال: ألا نصنع لك شيئاً تقعد وكأنك قائم؟ فصنع له منبراً، له درجتان، ويقعد على الثالثة، فلما قعد نبي الله صلى الله عليه وسلم على المنبر خار الجذع خوار الثور؛ حتى ارتج المسجد بخواره حزناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل غليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فالتزمه وهو يخور، فلما التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم سكت، ثم قال:"والذي نفسي بيده لو لم ألتزمه ما زال هكذا حتى تقوم الساعة حزناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن يعني الجذع.
وفي خبر جابر فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن هذا بكى لما فقد من الذكر".
أقول: حنين الجذع منقول بروايات كثيرة عن الصحابة تكاد تبلغ مبلغ التواتر.
1769 - ابن خزيمة (3/ 140) 45 - باب ذكر العلة التي حن الجذع عند قيام النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر، وإسناده حسن.
(الحُزْنُ والحَزَنُ) ضد السرور.