الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفقرة الخامسة
في
صلاة الجنازة وأحكام الشهداء
مقدمة وعرض إجمالي:
إذا تأملت في النصوص التي تتحدث عن الزواج وفي الأحكام التي تتعلق بالنكاح، وإذا تأملت الأحكام المتعلقة ببعض الحدود كحد الزنا والقذف فإنك تجد الرعاية للذرية تبدأ بالنسبة للإنسان قبل الولادة فإذا عرفت أن الإسلام خص الطفل والمرأة والشيوخ بمزيد الوصايا والرعاية عرفت أن من خواص هذا الدين الرحمة بالمستضعفين والعاجزين، وإذا عرفت أن للطفل أول ما يولد أحكاماً وأن للإنسان إذا مات حقوقاً عرفت مظهراً من مظاهر شمولية هذا الدين لكل حالات الإنسان، وهذا مظهر من مظاهر أن هذا الدين دين الله.
وحقوق الإنسان عند الوفاة كثيرة، وحقوقه إذا مرض كثيرة، فمن حق المسلم على المسلم أن يعوده إذا مرض ويتبع جنازته إذا مات، ونحن في كتابنا هذا سنخص أدب التعامل مع الموت بجزء خاص في القسم الرابع من أقسام هذا الكتاب كما سنخصص للكلام عن الطب والمرض جزءاً خاصاً في القسم الرابع كذلك، وها هنا نكتفي بذكر حق من حقوق الميت المسلم سواء كان رجلاً أو امرأة وطفلاً بالذكر وهو حقه أن يصلى عليه، وإذا كان للشهيد أحكام خاصة به ومنها ما له علاقة في الصلاة عليه واختلاف الفقهاء في بعض صور ذلك، ولكون الصلاة على الميت ألصق ببحث الصلاة، فقد ذكرنا هذه الفقرة هنا، وها نحن نستخلص لك خلاصة من كتب الفقه في أحكام الصلاة.
- الصلاة على المسلم الميت غير الشهيد سواء كان ذكراً أو أنثى فرض كفاية على الأحياء بالإجماع إذا فعلها البعض ولو واحد سقط الإثم عن الباقين، وإذا أريدت الصلاة نودي: الصلاة على الميت يرحمكم الله ولا تجوز الصلاة على كافر أو منافق، وهي عند الحنفية: حق لكل مسلم مات إلا البغاة وقطاع الطريق إذا قتلوا في الحرب، وأهل العصبية والمكابر في
مصر ليلاً بسلاح. أو من تكرر منه الخنق في المصر، ولا يصلى عندهم على قاتل أحد أبويه إهانة له إذا قتله الإمام قصاصاً، أما إن مات حتف أنفه فإنه يصلى عليه والمراد بأهل العصبية هم الذين يتعاونون على الظلم، ويتعصبون لقوم أو قبيلة ويقتلون بسبب ذلك وهم ظالمون، ومن قتل نفسه عمداً يغسل ويصلى عليه على المفتى به عند الحنفية، ورأى قوم كأبي يوسف أنه لا يصلى عليه، وقال المالكية ولا يصلي الإمام على من قتله في حد أو قصاص، ويصلي عليه غيره، وقال المالكية وينبغي لأهل الفضل أن يجتنبوا الصلاة على المبتدعة ومظهري الكبائر، واستثنى الحنابلة من فرضية صلاة الجنازة الشهيد والمقتول ظلماً، والجمهور غير الحنفية على أن الشهيد لا يصلى عليه، ولم يصلِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على من غل من الغنيمة أي أخذ شيئاً من الغنيمة دون إذن الإمام.
والأحق بالصلاة عند الحنفية على الميت السلطان إذا حضر أو نائبه إذا غاب، أو القاضي في حال غياب الاثنين، ثم إمام الحي، ثم الولي الذكر المكلف بترتيب عصوبة أو أولياء نكاح والأب يقدم على الابن ويقدم الأقرب فالأقرب، كترتيبهم في ولاية الزواج ولمن له حق التقدم أن يأذن لغيره ومن له ولاية التقدم أحق ممن أوصى له الميت بالصلاة عليه على المفتى به.
فإن صلى عليه غير الوالي والسلطان ونائبه فللولي إعادة الصلاة ولو على قبره إن شاء وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يصلي عليه بعده، فإذا دفن ولم يصل عليه صلى على قبره ما لم يغب على الظن تفسخه، وقال المالكية والحنابلة أحق الناس بالصلاة على الميت من أوصى الميت أن يصلي عليه ثم الوالي أو الأمير ثم الأولياء والعصبات على ترتيب ولايتهم في النكاح، لكن يقدم الأخ وابنه عند المالكية على الجد، ويصلي النساء عند المالكية حال عدم الرجال فرادى دفعة واحدة، ويقدم عند الحنابلة الأحق بالإمامة في المكتوبات، وقال الشافعية:
الولي أولى بالإمامة من الوالي ولو أوصى الميت لغير الولي، ويقدم الأب ثم الجد وإن علا ثم الابن وإن سفل ثم الأخ الشقيق ثم الأخ لأب
…
فإذا لم يوجد عصبات قدم الأقرب فالأقرب من ذوي الأرحام فإن استوى الأولياء في الدرجة وكلهم صالح للإمامة فالأسن ولو
كان غيره أفقه منه، واتفقت المذاهب الأربعة على جواز الصلاة على الجنائز المتعددة دفعة واحدة وعلى أن إفراد كل جنازة بصلاة أفضل ويقدم الأفضل فالأفضل. وفي حال اجتماع الجنائز: قال الحنفية تصف صفاً عريضاً ويقوم الإمام عند أفضلهم أو تصف صفاً طويلاً مما يلي القبلة بحيث يكون صدر كل واحد منهم قدام الإمام محاذياً له.
ولصلاة الجنازة عند الحنفية ركنان: التكبيرات الأربع والقيام، والسلام مرتين بعد التكبيرة الرابعة واجب عندهم، والنية شرط ولا تجوز الصلاة عندهم على الجنازة راكباً ولا قاعداً بغير عذر، وسنن الصلاة عندهم: التحميد والثناء والدعاء والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. وأركان الصلاة عند المالكية:
النية والتكبيرات الأربع والدعاء للميت بما تيسر وتسليمة واحدة والقيام للقادر عليه. وعند الشافعية والحنابلة: قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى ركن، وكيفية الصلاة عند الحنفية: أن ينوي المصلي الصلاة لله تعالى والدعاء لهذا الميت ثم يرفع يديه في التكبيرة الأولى فقط ويدعو بدعاء الثناء وهو (سبحانك اللهم
…
) ثم يكبر التكبيرة الثانية ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يكبر التكبيرة الثالثة ويدعو فيها لنفسه وللميت وللمسلمين ثم يكبر الرابعة ويسلم، وجاز عندهم أن تقرأ الفاتحة بعد الثناء على نية الثناء لا على نية التلاوة، ويندب أن يدعو بالمأثورات، وإلا فما تيسر، ولو كبر الإمام خمساً لم يتبع، فيمكث المؤتم حتى يسلم مع الإمام إذا سلم، ولا يستغفر لصبي ومجنون، ولكن يدعو لهم بالمأثور كما سنراه.
وأفضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنازة وغيرها هي الصلاة الإبراهيمية، وكما رأينا فإنه لا يرفع يديه إلا عند التكبيرة الأولى فقط ويضع بعد ذلك يده اليمنى على اليسرى تحت سرته حتى ينهي الصلاة. وصلاة الجنازة متقاربة في المذاهب.