المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الكلام على خطبة الأصل - شرح الإلمام بأحاديث الأحكام - جـ ١

[ابن دقيق العيد]

فهرس الكتاب

- ‌الكلام على خطبة الأصل

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الحديث الأول

- ‌الوجه الثَّاني من الكلام على الحديث: في تصحيحه:

- ‌ الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع: في تفسير شيء من مفردات ألفاظه:

- ‌ الوجه الخامس: في ذكر شيء من علم العربية:

- ‌النظر الأول:

- ‌النظر الثَّاني:

- ‌الوجه السادس: في إيراد شيء يتعلقُ بعلم البيان ومحاسن الكلام:

- ‌الأولى:

- ‌النكتة الثَّانية:

- ‌النكتة الثالثة:

- ‌النكتة الرابعة:

- ‌ الوجه السابع: في المباحث المتعلقة به والفوائد المستنبطة منه، وهو المقصود الأعظم والمهم الأكبر، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثَّانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الثالثة والعشرون:

- ‌الرابعة والعشرون:

- ‌الخامسة والعشرون:

- ‌السادسة والعشرون:

- ‌السابعة والعشرون:

- ‌الثامنة والعشرون:

- ‌التاسعة والعشرون:

- ‌الثلاثون:

- ‌الحادية والثلاثون:

- ‌الثانية والثلاثون:

- ‌الثالثة والثلاثون:

- ‌الرابعة والثلاثون:

- ‌الخامسة والثلاثون:

- ‌السادسة والثلاثون:

- ‌السابعة والثلاثون:

- ‌الثامنة والثلاثون:

- ‌التاسعة والثلاثون:

- ‌الأربعون:

- ‌الحادية والأربعون:

- ‌الثانية والأربعون:

- ‌الثالثة والأربعون:

- ‌الرابعة والأربعون:

- ‌الخامسة والأربعون:

- ‌السادسة والأربعون:

- ‌السابعة والأربعون:

- ‌الثامنة والأربعون:

- ‌التاسعة والأربعون:

- ‌الخمسون:

- ‌الحادية والخمسون:

- ‌الحديث الثاني

- ‌ الوجه الثاني: في مَخْرَجه [ومُخَرِّجه]

- ‌ الوجه الثالث: في الاختيار:

- ‌ الوجه الرابع: في شيء من مفرداته، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌ الوجه الخامس: في شيء من العربية:

- ‌ الوجه السابع: في الفوائد والمباحث المتعلقة به، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الثالثة والعشرون:

- ‌الرابعة والعشرون:

- ‌الخامسة والعشرون:

- ‌الحديث الثالث

- ‌الوجه الثاني: في التعريف بمَن ذُكِرَ فيه:

- ‌ الوجه الثالث: في شيء من مفردات ألفاظه، وفيه مسألتان

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌ الوجه الرابع: في الفوائد والمباحث، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحديث الرابع

- ‌ الثاني: في تصحيحه:

- ‌ الثالث: في شيء من مفرداته

- ‌الوجه الثالث: في الفوائد والمباحث

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة: [

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الحديث الخامس

- ‌ الوجه الثاني: في تصحيحه:

- ‌ الوجه الثالث: في شيء من مفرداته، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌ الوجه الرابع:

- ‌ الوجه الخامس: في الفوائد والمباحث، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الحديث السادس

- ‌ الوجه الثاني: في تصحيحه:

- ‌ الوجه الثالث: في شيء من مفرداته، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌ الوجه الرابع: في شيء يتعلَّق بالعربية، وفيه مسألتان

- ‌الأولى:

- ‌ الثانية:

- ‌ الوجه الخامس:

- ‌ الوجه السادس: في الفوائد والمباحث، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون: [

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الحديث السابع

- ‌ الوجه الثاني:

- ‌ الوجه الثالث: في تصحيحه:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌ الوجه الخامس:

- ‌ الوجه السادس:

- ‌ الوجه السابع

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة: [

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الثالثة والعشرون:

- ‌الرابعة والعشرون:

- ‌الخامسة والعشرون:

- ‌السادسة والعشرون:

- ‌السابعة والعشرون:

- ‌الثامنة والعشرون:

- ‌التاسعة والعشرون:

- ‌الثلاثون:

- ‌الحادية والثلاثون:

- ‌الثانية والثلاثون:

- ‌الثالثة والثلاثون:

- ‌الرابعة والثلاثون:

- ‌الخامسة والثلاثون:

- ‌السادسة والثلاثون:

- ‌السابعة والثلاثون:

- ‌الثامنة والثلاثون:

- ‌التاسعة والثلاثون:

- ‌الأربعون:

- ‌الحادية والأربعون:

- ‌الثانية والأربعون:

- ‌الثالثة والأربعون:

- ‌الرابعة والأربعون:

- ‌الخامسة والأربعون:

- ‌السادسة والأربعون:

- ‌السابعة والأربعون:

- ‌الثامنة والأربعون:

- ‌التاسعة والأربعون:

- ‌ الخمسون:

- ‌الحادية والخمسون:

- ‌[الثانية والخمسون]

- ‌الثالثة والخمسون:

- ‌الرابعة والخمسون:

- ‌الخامسة والخمسون

- ‌السادسة والخمسون:

- ‌السابعة والخمسون:

- ‌الثامنة والخمسون:

- ‌التاسعة والخمسون:

- ‌الستون:

- ‌الحادية والستون:

- ‌الثانية والستون:

- ‌الثالثة والستون:

- ‌الرابعة والستون:

- ‌الخامسة والستون:

- ‌السادسة والستون:

- ‌السابعة والستون:

- ‌الثامنة والستون:

- ‌التاسعة والستون:

- ‌السبعون:

- ‌الحادية والسبعون:

- ‌الثانية والسبعون:

- ‌الثالثة والسبعون:

- ‌الرابعة والسبعون:

- ‌الخامسة والسبعون:

- ‌السادسة والسبعون:

- ‌السابعة والسبعون:

- ‌الثامنة والسبعون:

- ‌التاسعة والسبعون:

- ‌الثمانون:

- ‌الحديث الثامن

- ‌ الوجه الثاني:

- ‌ الوجه الثالث: في تصحيحه:

- ‌ الوجه الرابع

- ‌الأولَى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌الحديث التاسع

- ‌ الوجه الثاني: في تصحيحِهِ:

- ‌ الوجه الثالث: في شيء من مفرداته، وفيهِ مسائل:

- ‌الأولَى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌ الوجه الخامس:

- ‌ الوجه السادس: في الفوائدِ والمباحث، وفيهِ مسائل:

- ‌الأُولَى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الثالثة والعشرون:

- ‌الرابعة والعشرون:

- ‌الحديث العاشر

- ‌ الوجه الثاني: في تصحيحه:

- ‌ الوجه الثالث: في شيءً من مفردات ألفاظه، وفيهِ مسائل:

- ‌الأولَى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌ الوجه الرابع: في شيءٍ من العربيةِ، [وفيهِ مسألتان]

- ‌[الأُولَى]

- ‌الثانية

- ‌ الوجه السادس: في الفوائدِ والمباحث، وفيهِ مسائل:

- ‌الأولَى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الثالثة والعشرون:

- ‌الرابعة والعشرون:

- ‌الخامسة والعشرون:

- ‌السادسة والعشرون:

- ‌السابعة والعشرون:

- ‌الثامنة والعشرون:

- ‌التاسعة والعشرون:

- ‌الثلاثون:

الفصل: ‌الكلام على خطبة الأصل

‌الكلام على خطبة الأصل

" الحمد لله منزِّلِ الشرائع والأحكام، ومفصِّلِ الحلال والحرام، والهادي مَن اتَّبع رضوانه سُبَلَ السلام، وأشهد أن لا إله إلا الله توحيداً هو في التحرير (1) مُحْكمُ النظام، وفي الإخلاص وافرُ الأقسام، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسوله الذي أرسله رحمة للأنام، فعليه منه أفضلُ صلاةٍ وأكملُ سلام، ثم على آله الطيبين الكرام، وأصحابِه نجومِ الهدى الأعلام".

" الحمد": هو الثناء على الممدوح بصفاته الجميلة وأفعاله الحسنة، والشكر يتعلق بالإحسان الصادر منه، وقد تكلموا في العموم والخصوص بينهما، مع أن المدح قد يعمّهما معًا، والذي يتحرر: أن الشكر يُطْلَق على الفعل والقول جميعًا، قال الله تعالى:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا} [سبأ: 13] وقال صلى الله عليه وسلم لما قام حتى تفطرت قدماه، وقيل:[لم](2) تفعلُ هذا وقد غُفِر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال:

(1) في المطبوع من "الإلمام"(1/ 46)"التقرير" بدل "التحرير"، وكذا في النسخة الخطية للإلمام بيد الإِمام ابن عبد الهادي (2 / أ).

(2)

في الأصل: "لما"، والصواب ما أثبت.

ص: 11

"أفلا أكونُ عبدًا شَكوراً"(1).

والحمدُ يخصُّ القول، فإذا نظرنا إليهما بالنسبة إلى القول خاصةً كان الحمد أعمَّ في هذا المحل، لأنه يحمدُ على صفاته الجميلة وعلى الإحسان الصادر منه، يقال: حمدته على الشجاعة وعلى الإحسان، والشكر محلُّه الإحسان (2).

وقوله: "منزل الشرائع والأحكام": استفتاح خطبة الكتاب بما يناسبُ مقصوده، ويدلّ على غرضه؛ إذ هو كتاب أحكام، وفيه أيضًا إشارةٌ إلى أن الأحكام الواردة من الرسول صلى الله عليه وسلم منزلة، لكون

(1) رواه البخاري (4557)، كتاب: التفسير، باب: قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] ومسلم (2820)، كتاب: صفة الجنة والنار، باب: إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، من حديث عائشة رضي الله عنها، ووقع عند البخاري:"لم تصنع هذا"، وعند مسلم:"أتصنع هذا".

ورواه البخاري (4556)، كتاب: التفسير، باب: قوله: {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2] ومسلم (2819)، كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ووقع عند مسلم:"أتكلف هذا". وقد رواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(2/ 209)، من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه بلفظ: "لم تفعل هذا وقد غفر الله لك

" الحديث.

(2)

وانظر: "مشارق الأنوار" للقاضي عياض (2/ 251)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (2/ 493)، و "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (1/ 133)، و "مجموع الفتاوى" لشيخ الإِسلام ابن تيمية (11/ 133)، و "مدارج السالكين" لابن القيم (2/ 246)، و"لسان العرب" لابن منظور (4/ 425)، (مادة: شكر).

ص: 12

المقصود الأحكام الحديثية.

فإن قلنا: إنَّ الرسل عليهم السلام لا يجتهدون في الأحكام، فالكلامُ على حقيقته وظاهره.

وإن قلنا: إنهم عليهم السلام يجتهدون، فالأحكامُ منزلة بواسطة إنزال ما يقتضي الحكم بالاجتهاد (1)، كما ذكر عبد الله بن مسعود: أنّ لعنه الواصلة والمستوصلة في كتاب الله تعالى، فلما أُنكِر ذلك أحال على قوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] مع لعنةِ الرسول عليه السلام الواصلة والمستوصلة (2)، فجعل ذلك في الكتاب بواسطة الأمر بأخذ ما آتاه الرسول.

وقوله: "ومفصل الحلال والحرام": اختار لفظ التنزيلِ للأحكام، والتفصيلِ لتمييز الحلال من الحرام، لقوله تعالى:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ} [النساء: 105] ولقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119].

(1) الجمهور على جواز الاجتهاد لنبينا صلى الله عليه وسلم ولغيره من الأنبياء، وهو المختار كما قال ابن الحاجب والآمدي وغيرهما. انظر:"الأحكام" للآمدي (4/ 172)، و"الإبهاج في شرح المنهاج" للسبكي (3/ 246).

(2)

رواه البخاري (4604)، كتاب: التفسير، باب:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] ومسلم (2125)، كتاب: اللباس والزينة، باب: تحريم فعل الواصلة والمستوصلة، وليس عندهما ذكر "الواصلة والمستوصلة" في الحديث. نعم رواه البخاري (4605)، كتاب: التفسير، باب:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] وفيه ذكر "الواصلة" فقط.

ص: 13

وقوله: "توحيداً هو في التحرير محكم النظام، وفي الإخلاص وافر الأقسام": إحكام النظام يناسب التحريرَ فقُرِنَ به، ومراتبُ الاعتقادات والحكم الذهني متفاوتةٌ، فاختير للإخلاص توفرُ الأقسام.

وقوله: "أرسله رحمة للأنام": إشارة إلى قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

وقوله: "فعليه منه أفضل صلاة وأكمل سلام": فيه بحثان:

أحدهما: الصيغة صيغة خبر، والمقصودُ بهذه الصيغة الطلبُ ليكونَ امتثالاً لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وعلى حمل الصيغة على الإخبار قوله تعالى:{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 157] وبين الإنشاء والإخبار تضادٌّ، وهل يُحتاجُ في امتثال الأمر إلى إنشاء قصد، واستحضار النية للطلبِ وإخراجِ الكلام عن حقيقته من الخبر؟!

إن كان اللفظ المستعمل قد كَثُرَ حتى صار كالمنقول في عُرفِ الاستعمال، لم يُحتجْ إليه؛ لأنَّ المغلَّبَ عرفُ الاستعمال على الحقيقة اللغوية، وإن استعمِل لفظ لم ينتهِ في العرف إلى ذلك، فالأقربُ الحاجةُ إليه.

البحث الثاني: الصلاةُ من الله تعالى مفسَّرةٌ بالرحمة، ويقتضي هذا أنْ يقال: اللهمَّ ارحم محمدًا؛ لأنَّ المترادِفَين إذا استويا في الدَّلالة قام كلُّ واحد منهما مقامَ الآخر، ويشهد لهذا تقريرُهُ عليه السلام

ص: 14

الأعرابيَّ على قوله: اللهمَّ ارحمني ومحمدًا (1).

وأبى ذلك بعضُ العلماء، لدلالة لفظ الصلاة على معنى من التعظيم لا يُشعَرُ به من لفظ الرحمة، فلهذا قال الفقهاء: إنه لا يُصَلَّى على غير الأنبياء إلا تبعًا، أو من قاله منهم (2)، وكذلك - أيضًا - لفظُ

(1) رواه البخاري (5664)، كتاب: الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم، من حديث أبي هريرة صلى الله عليه وسلم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة وقمنا معه، فقال أعرابي وهو في الصلاة: اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحدًا، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي:"لقد حجرت واسعًا" يريد رحمة الله.

(2)

قال ابن القيم رحمه الله بعد حكايته الخلاف في ذلك بين الأئمة: "وفصل الخطاب في هذه المسألة: أن الصلاة على غير النبي؛ إما أن يكون آله وأزواجه وذريته، أو غيرهم، فإن كان الأول: فالصلاة عليهم مشروعة مع الصلاة على النبي، وجائزة مفردة.

وأما الثاني: فإن كان الملائكة وأهل الطاعة عموماً الذين يدخل فيهم الأنبياء وغيرهم، جاز ذلك أيضًا، فيقال: اللهم صل على ملائكتك المقربين وأهل طاعتك أجمعين.

وإن كان شخصاً معينًا، أو طائفة معينة: كره أن يتخذ الصلاة عليه شعاراً لا يخل به، ولو قيل بتحريمه لكان له وجه، ولا سيما إذا جعلها شعاراً له، ومنع منها نظيرَه، أو من هو خير منه، وهذا كما تفعل الرافضة بعلي رضي الله عنه، فإنهم حيث ذكروه قالوا: عليه الصلاة والسلام، ولا يقولون ذلك فيمن هو خير منه، فهذا ممنوع لا سيما إذا اتخذ شعاراً لا يخل له، فتركهُ حينئذ متعين، وأما إن صلى عليه أحيانا؛ بحيث لا يجعل ذلك شعاراً، كما صلي على دافع الزكاة، وكما قال ابن عمر للميت: صلى الله عليه، وكما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على المرأة وزوجها، وكما روي عن علي من صلاته على عمر، فهذا لا بأس به. وبهذا التفصيل تتفق الأدلة، وينكشف وجه الصواب، والله الموفق، انتهى. وانظر:"جلاء الأفهام" له (ص: 481 - 482).

ص: 15

الرحمة، إشعارُه ناقص عن مدلول اللفظ الأول، ولا خلافَ في إطلاقه على غير الأنبياء، وهذا مما يخدش في الترادف.

ويمكن أن يقال: إن تفسيرَ الصلاة بتبيين معنى أصل موضوع الكلمة غيرُ مأخوذٍ فيه ما اختصت به إحداهما، ولا يطلق عليهما ترادفٌ حقيقي بهذا الاعتبار، وإن كان ما اختصت به إحداهما داخلًا تحت مدلول اللفظ وضعاً.

وقوله: "ثم على آله الطيبين الكرام، وأصحابه (1) نجوم الهدى الأعلام": اختلف الناس في الذين يدخلون في الصلاة، والمرادُ ها هنا أهلُه الأدْنَون (2)، واختير لهم لفظةُ الطيبين إشارةً إلى قوله تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33] ، وهذا جارٍ على أحد قولي المفسرين.

والكرام: جمع كريم، ويجمَعُ - أيضًا - على كُرماء، وقد حكى قوم: كَرَم، كما يقال: أَدِيم وأَدَم (3)، والكَرَمُ في العرف الشائع يستعمل بمعنى الجود والسخاء، ويستعمل في اللغة بمعنى الفضل والرفعة، وإذا قالوا: كريم، فإنما يريدون به رفيعاً فاضلاً، والله

(1) في الأصل: "وعلى آله" بدل "وأصحابه".

(2)

وهم ذريته وأزواجه، وقد صحح ابن القيم رحمه الله دخولهم في آل النبي صلى الله عليه وسلم الذين تحرم عليهم الصدقة وذكر أنه منصوص الإِمام أحمد. انظر:"جلاء الأفهام" له (ص 216).

(3)

نقله الأزهري في "تهذيب اللغة"(10/ 235)، (مادة: كرم) عن الليث في "العين"(5/ 368)، ثم قال: والنحويون يأبون ما قال الليث.

ص: 16

الكريم؛ أي: الفاضل الرفيع (1).

وقال ابن سِيْدَه: الكَرَمُ نقيض اللؤم يكون في الرجل بنفسه، وإن لم يكنْ له آباء، ويستعمل في الخيل والإبل والشجر وغيرها من الجواهر إذا عنوا العِتْق، وأصفه في الناس، قال ابن الأعرابي: كَرَمُ الفرس: أن يَرِقَ جلدُه ويَلينَ شعرُه وتطيبَ رائحته، وقد كَرُم الرجل وغيره، كرمًا وكرامة، فهو كريم وكريمة وكِرْمَة ومَكْرَم ومَكْرَمَة وكُرَّام وكُرّامة، وجمعُ الكريم كُرماء وكِرام، وجمع الكُرَّام كُرَّامون، قال سيبويه: لا يُكسَّر كُرَّام، استغنوا عن تكسيره بالواو والنون (2). وإنه لكريم من كرائم قومه، على غير قياس، حكى ذلك أبو زيد، وإنه لكريمة من كرائم قومه، وهذا على القياس، ورجل كَرَمٌ: كريم، وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث؛ لأنه وصف بالمصدر، وقال (3):

لقدْ زادَ الحياةَ إلَيَّ حُبًّا

بَنَاتِي، أَنّهنَّ مِن الضّعافِ

(1) المرجع السابق، (10/ 223).

(2)

انظر: "الكتاب" لسيبويه (2/ 210)، باب: تكسير ما كان من الصفات.

(3)

الأبيات لأبي خالد القَنَاني الخارجي، كما نسبها إليه المبرد في "الكامل"(3/ 1081 - 1082)، وابن منظور في "لسان العرب"(12/ 1510)، (مادة: كرم). وانظر:"شعر الخوارج" جمع إحسان عباس (ص: 57 - 58).

وقدْ نسيت هذه الأبيات لغيره، وانظر:"إصلاح المنطق" لابن السكيت (ص - 59 - 60)، و"شرح أبيات مغني اللبيب" لعبد القادر البغدادي (7/ 138 - 140)، و"تاج العروس" للزبيدي (33/ 336)، (مادة: كرم).

ص: 17

مخافةَ أَنْ يَرَيْنَ البؤسَ بَعْدِي

وأَنْ يَشْربْنَ رَنْقًا (1) بعدَ صَافِ

وأنْ يَعْرَيْنَ إِنْ كُسِيَ الجَوارِي

فَتَنْبُو العينُ عن كَرَيم عِجَافِ (2)

واختار: "الصَّحابة نجوم الهدى الأعلام": إشارة إلى ما جاء في الحديث: "أصحابي كالنُّجومِ بأيِّهم اقتديتُمْ اهتديتُمْ"(3)، ولصحة

(1) الرَّنْق: الكَدَر.

(2)

انظر: "المحكم" لابن سيده (7/ 24)، (مادة: كرم).

(3)

رواه عبد بن حميد في "مسنده"(783)، ومن طريقه: ابن حجر في "الأمالي المطلقة"(ص: 59)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما وقال: هذا حديث غريب تفرد به حمزة الجزري، ويقال: حمزة بن أبي حمزة النصيبي، أخرجه ابن عدي في "الكامل"(2/ 376)، وأخرج ابن عدي لحمزة هذا عدة أحاديث وقال: لا يتابع عليها وهي مناكير، ونقل عن يحيى بن معين أنه قال في حمزة: لا يساوي فلسًا، وعن البخاري أنه قال: منكر الحديث.

وذكر ابن عبد البر في كتاب: "بيان العلم"(2/ 90) عن أبي بكر البزار: أنه سئل عن هذا الحديث فقال: هو مشهور بين الناس، وليس له إسناد يصح، رواه عبد الرحيم بن زيد العَمِّي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن عمر، وربما قال: عن ابن عمر، والآفة فيه من عبد الرحيم، وعبد الرحيم وحمزة في الضعف سواء.

قال الحافظ: وقد وقع لنا من حديث جابر، وإسناده أمثل من الإسنادين المذكورين.

ثم ذكر بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعًا: "مثل أصحابي في أمتي مثل النجوم، بأيهم اقتديتم اهتديتم"، أخرجه الدارقطني في كتاب "فضائل الصحابة"، وأخرجه ابن عبد البر من طريقه (2/ 91) وقال: لا تقوم به حجة؛ لأن الحارث بن غصين مجهول. قلت: قد ذكره ابن حبان في "الثقات"(8/ 181) وقال: روى عنه حسين بن علي الجعفي، فهذا قد روى عنه =

ص: 18

المعنى فيهم رضي الله عنه، لانتشار الشريعة من جهتهم إلى الأمة.

وقوله: "وبعدُ: فهذا مختصرٌ في علم الحديث، تأملتُ مقصودَه تأمُّلاً": إنَّ الواجب لمن شَرَع في أمر أن ينظرَ في المقصود

= اثنان ووثق، فلا يقال فيه مجهول. نعم الراوي عنه - يعني: سلام بن سليمان - قال فيه أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال ابن عدي والعقيلي: منكر الحديث، ونقل النسائي في "الكنى" عن بعض مشايخه: أنه وثقه.

قلت: وقد رواه من طريق الدارقطني أيضًا: ابن حزم في "الإحكام"(6/ 244) وقال: أبو سفيان ضعيف، والحارث بن غصين هذا هو أبو وهب الثقفي، وسلام ابن سليمان يروي الأحاديث الموضوعة، وهذا منها بلا شك، فهذه رواية ساقطة من طريق ضعيف إسنادها.

كما رواه ابن منده في "فوائده"(ص: 29) من طريق سلام بن سليمان، عن الحارث بن غصين، به.

قال الحافظ ابن حجر في "أماليه"(ص: 61): وأما حديث عمر الذي أشار إليه البزار، فأخرجه البيهقي في "المدخل"(ص 162) من طريق نعيم بن حماد، عن عبد الرحيم. قلت: وعبد الرحيم كذاب، كما في "التلخيص الحبير"(4/ 191).

وأخرجه أيضًا من رواية جويبر بن سعيد أحد المتروكين فقال: تارة عن الضحاك، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال تارة: عن جواب بن عبيد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم معضلاً.

قال البيهقي: هذا المتن مشهور، ولا يثبت له سند، انتهى.

وروى الحديث أيضًا: القضاعي في "مسند الشهاب"(1346)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وفي إسناده: جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، وهو كذاب.

وبالجملة: فهذا حديث مشهور على الألسنة، مذكور في كتب الفقهاء، وليس له إسناد صحيح يثبت به، أو يعوَّل عليه.

ص: 19

منه، ويجعل فضلَ العناية به، فإن كان مقصودُه البيانَ والبسطَ اعتنى بذلك، وأوضح ومال إلى الإسهاب بحيثُ لا يخرجه إلى الهذَرَ، وإن كان مقصودُه الاختصارَ لَمَح هذا المعنى واعتنى به، وترك ما يمكنه تركُه، واستغنى بما يذكره عن غيره إذا كان الذي يذكره يغني عنه، إلى ما يناسب هذا.

ولما وقع في جمع بعض المخُتصِرين ما ينافي هذا المقصود أشار إلى تنبيهه لذلك، واعتبار مقصود الاختصار، فربما ترك الأحاديث التي يكفي في الاستدلال على حكمها كتابُ الله تعالى أو إجماع الأمة، وإن وقع من هذا شيء فيكون المقصود أمرًا آخر يتعلق بدلالة الحديث، وتنجر الدلالة إلى الحكم المجمع عليه انجرارًا غيرَ مقصود بالوضع وحدَهُ، كما في قوله عليه السلام:"لا يَقبلُ اللهُ صلاةَ أحدِكُمْ إذا أحدَثَ حتىَّ يتوضأ"(1)، فإنه استدلَّ به على وجوب طهارة الحدث، وهو أمر مجمع عليه، وليس هو المقصودُ بإيراد الحديث وحده، وإنما استدلَّ به على أنَّ سبقَ الحدث مُبطِلٌ للصلاة، مانعٌ من البناء.

ومن المقاصد - أيضًا -: ألا يذكرَ أحاديثَ متعددة للدَّلالة على حكم واحد إلا لمعُارِضٍ.

(1) رواه البخاري (6554)، كتاب: الحيل، باب: في الصلاة، واللفظ له، ومسلم (225)، كتاب: الطهارة، باب: وجوب الطهارة للصلاة، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 20

ومنها: الاكتفاءُ بأتمّ الحديثين وأكثرهما فائدةً عن أقلهما؛ أو لدخول مدلوله تحت الأعم فائدة، وقد يقوم في مثل هذا معارض، وهو أن يكونَ الحديثُ الأقلُّ فائدةً هو الحديث المشهور أو المُخرَّج في "الصحيحين" فَيُذكر لذلك، ويُتبَع بالحديث الذي فيه الزيادة، فإن إهمالَ ما في "الصحيحين" وما اشتهر بين العلماءِ الاستدلال به غيرُ مستحسن، وربما أوقع إهمالُهُ وذكرُ غيره من الكتب الخارجة عيباً في الاختيار عندَ مَنْ لم يفهم المقصود، وربما اكتفى بالزائد لمعارض آخر.

ومنها: أنَّ الحديثَ الذي يستدلُّ به قد يكون مطولاً في الصحاح أو في الكتب المشهورة، ويكون موضعُ الاحتجاج مُقتصَراً عليه، مختصرا في غير ذلك من الكتب، فيقتصرُ على المختصر، ويترك التخريجَ من الصحاح؛ لأنه أليقُ بالكتاب، ولأنه إن ذكر ما في الصحاح مطولاً خرج عن المقصود الذي لأجله أخرج الحديث، وإن اقتصر على مقصوده منه، كان ذلك داخلًا في باب اختصار الحديث الذي لا يختاره قوم من المتوزعين، إلى غير ذلك من المقاصد التي أبهمها.

وعلى الجملة فالمقصودُ من هذا الكلام أنه مُراعٍ لوضع الكتاب في الجملة غيْرُ مُسترسلٍ استرسالاً، وترجيحُ بعض المقاصد على بعض يكون بحسب حديثٍ حديثٍ، ومحلٍ محلٍ.

قوله: "ولم أدع الأحاديث إليه الجَفَلَى": يقال: دعا فلان

ص: 21

الجَفَلَى - بالجيم المفتوحة والفاء المفتوحة أيضًا مقصور الألف -: إذا عمّ بدعوته ولم يخصَّ قومًا دون قوم (1).

قال الشاعر (2)[من الرمل]:

نحنُ في المَشْتاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى

لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ

والآدِبُ - ممدود الهمزة مكسور الدال -: هو صانع المأدُبة، والمأدُبةُ - بفتح الدال وضمها -: وهو كلُّ طعام صنع لدعوة (3). قال ابن سِيدَه: والأُدْبة والمأدُبة والمأدَبة: كلُّ طعام صُنِعَ لدعوةٍ أو عُرْس.

قال سيبويه: قالوا: المأدَبة كما قالوا: المدعاة (4).

وقيل: المأدَبة من الأدب، وفي الحديث: "إنَّ هذا القرآنَ

(1) انظر: "جمهرة اللغة" لابن دريد (1/ 487)، (مادة: جفل).

(2)

هو طرفة بن العبد، كما في "ديوانه"(ق 2/ 46)، (ص: 65). وقوله: "نحن في المشتاة" يريد زمن الشتاء والبرد، وذلك أشد الزمان، و"الجَفَلى": أن يعم بدعوته إلى الطعام، ولا يخص واحدًا دون آخر، و"الانتقار": أن يدعوَ النقَرى: وهو أن يخصهم ولا يعمهم، يقول: لا يخصون الأغنياء ومن يطمعون في مكافأته، ولكنهم يعمون؛ طلباً للحمد ولاكتساب المجد. انظر:"شرح الشنتمري على ديوان طرفة"(ص: 66).

(3)

في الأصل زيادة: "مضموم الدال"، ولا موضع لها.

(4)

انظر: "الكتاب" لسيبويه (2/ 248)، باب: اشتقاقك الأسماء لمواضع بنات الثلاثة التي ليست فيها زيادة من لفظها.

ص: 22

مأدَبةُ الله" (1)، والمأدُبة الطعامُ، فُرق بينهما.

وقد أَدَبَ يأدِبُ أَدْباً، وآدَبَ: عمل مأدبة، والأَدْب: العَجَبُ (2).

قال الجوهري: والأدْب: مصدر أدَبَ القومَ يأدِبهم - بالكسر -: إذا دعاهم إلى طعامه، والآدِبُ: الداعي إليه.

قال طَرَفة [من الرمل]:

نحنُ في المَشْتاةِ نَدْعُو الْجَفَلَى

لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ

(1) رواه الحاكم في "المستدرك"(2040)، من حديث ابن مسعود مرفوعًا وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه بصالح بن عمر. وتعقبه الذهبي: بأن صالحًا ثقة خرج له مسلم، لكن إبراهيم بن مسلم ضعيف.

ورواه ابن حبان في "المجروحين"(1/ 99 - 100) في ترجمة إبراهيم الهجري وقال: كان ممن يخطئ فيكثر، سمعت محمَّد بن محمود يقول: سمعت الدارمي يقول: قلت ليحيى بن معين: فإبراهيم الهجري، كيف حديثه؟ قال: ليس بشيء.

كما رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(30008)، وأبو نعيم في "تاريخ أصبهان"(2/ 248)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1933)، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع"(1/ 157)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية"(1/ 109)، مرفوعًا، كلهم من طريق أبي إسحاق إبراهيم الهجري. قال ابن الجوزي: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويشبه أن يكون من كلام ابن مسعود.

ورواه موقوفًا: عبد الرزاق في "المصنف"(5998)، والدارمي في "سننه"(3307)، والطبراني في "المعجم الكبير"(8642)، والبيهقي في "شعب الإيمان"(1985)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(1/ 130)، كلهم من طريق أبي إسحاق إبراهيم الهجري أيضًا، وفيه ما قد علمت.

(2)

انظر: "المحكم" لابن سيده (9/ 385)، (مادة: أدب).

ص: 23

ويقال: - أيضا -: آدَبَ القومَ إلى طعامه يؤدِبهم إيداباً، حكاهما أبو زيد. واسم الطعام: المأدُبة والمأدَبة، قال الشاعر (1) [من الطويل]:

كَأَنَّ قلوبَ الطَّيرِ في قَعْرِ عُشِّها

نَوَى القَسْبِ مُلقىً عِنْدَ بعضِ المَآدِبِ (2)

وأراد استعارة هذا الكلام لعدمِ التساهل فيما يُجلَبُ من الأحاديث.

قوله: "ولا ألوْتُ في وضعه مُحرِّراً": ألوْتُ: مقصورُ الهمزة مفتوحُ اللام ساكنُ الواو، وهو ها هنا بمعنى قَصَّرْتُ، يقال: ما ألوت فلانا في نصحه، أي: ما قصرت في نصحه، وما ألوت في حاجتك، أي: ما قصرت فيها، يقال منه: آلُو - ممدودَ الهمزة مضموم اللام - ألوًّا - مضمومَ الهمزة المقصورة واللام بعدَها مشدَّدَة -؛ الواو، وأُلِيًّا - مقصور الهمزة مكسورَ اللام بعدَها ياء مشددة -؛ مثل عتو وعُتِيٍّ، ولهذيلٍ في هذه اللفظة استعمالٌ ليسَ هو المقصود ها هنا، يقولون: لا يألوا فلان على كذا، أي: لا يقدِر، ويقولون: ما ألوت على الصوم؛ أي: ما قدِرت، وبه فسَّرَ بعضُهم قولهم: لا دَرَيتَ ولا ائتَلَيْتَ، أي: افتعلت، من ألوت أي استطعت، وقيل: هو من ألوت: إذا قصَّرت، فيكون المعنى ثَمَّ: لا يدري ولا يقصر (3).

(1) هو صخر العَي، كما في "لسان العرب" لابن منظور (1/ 206)، (مادة: أدب).

(2)

انظر: "الصحاح" للجوهري (1/ 86)، (مادة: أدب).

(3)

انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (15/ 430)، (مادة: ألى).

ص: 24

وقوله: "ولا أبرزتُهُ كيفَ اتَّفقَ تهوُّراً": تأكيد المعنى السابق، قال الجوهري: التهوّرُ: الوقوعُ بقلَّة مبالاةٍ، يقال: فلان مُتَهَوِّر (1).

وقوله: "فمن فهم معناه شدَّ عليه يدَ الضَّنانة": يقال: ضَنَّ - بالضاد الساقطة المفتوحة - يَضِنُّ - بكسرها - ويَضَنُّ أيضًا - بفتحها - ضِنًا وضَنًا - بكسرها وفتحها - وضِنَّة ومضَنَة - بفتح الضاد وكسرها - وضَنانةً - بفتح الضاد -: بخل. قال ابن سِيدَه - بعدَ حكايته ما ذكرناه -: الأخيرةُ عن سيبويه (2). ويزيده عِلْق مضِنَّة ومضَنَّة - بكسر الضاد وفتحها -، والضِّنُّ - بكسرها -: الشيء المضنون [به]؛ عن الزَّجَّاجي. ورجل ضَنين: بخيل، وقوم أُضْنًا، وضننتَ بالمنزل ضنًا وضنانة: إذا لم تبرح، وكأن هذا عندي من مجاز التشبيه، أو مجاز اللزوم، فإنَّ البخيلَ بالشيء مقيم عليه، والإقامةُ على الشيء ولزوم الحال فيه من لوازم البخل، وقولهم: رجل ضَنَن: - مفتوح الضاد والنون، أي: شجاع. قال الشاعر [من البسيط]:

إنِّي إذا ضَنَنٌ يَمشِي إلى ضَنَنٍ

أَيْقَنْتُ أنَّ الفَتىَ مُودٍ به المَوتُ (3)

يحتمِلُ عندي أنْ يكونَ لبخله بنفسه عن أن يُنسَبَ إلى الجبن.

(1) انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 856). (مادة: هور).

(2)

انظر: "الكتاب" لسيبويه (2/ 226)، باب: في الخصال التي تكون في الأشياء.

(3)

انظر: "المخصص" لابن سيدة (1/ 3/ 60)، و"جمهرة اللغة" لابن دريد (2/ 1011)، (مادة: ضنن)، و"لسان العرب" لابن منظور (13/ 262). ولم يذكر قائل البيت عندهم.

ص: 25

وقوله: (وأنزله من قلبه وتعظيمه الأعزَّين مكانًا ومكانةً": ردَّ المكانَ إلى القلب؛ لمناسبته له من حيثُ إنَّه حرم ومحل، وردَّ المكانةَ إلى التعظيم؛ للمناسبة أيضًا، وقد رجع الأول إلى الأول والثاني إلى الثاني، وهو من محاسن الكلام كما تَقَرَّرَ في فنِّهِ.

وقوله: "وسميته بكتاب: الإلمام بأحاديث الأحكام": سمَّى بهذه التسميةِ بالنسبة إلى الكتاب الكبير الذي قصد فيه التوسع وتكثير الأحاديث وجلبها من حيث كانت على حسب القدرة، فهو بالنسبة إليه إلمام، لا بمعنى قصوره في نفسه وضَعفه بالنسبة إلى أحاديث الأحكام، أي: نذكرُ بعضَها ونترك ما هو كثير منه مما يُحتاج إليه ولا داعٍ إلى تركه من وجهٍ مُعتبر.

وقوله: "وشرطي فيه ألَّا أوردَ إلا حديثَ من وثَّقه إمامٌ من مُزكّي رواة الأخبار، وكان صحيحًا على طريقةِ بعض أهل الحديث الحفَّاظ، أو بعض أئمة الفقهاء النُّظَّار (1) ": اعتبرَ هذا الشرطَ، ولم يشترط الاتفاق من الطائفتين؛ لأنَّ ذلك الاشتراط يضيق به الحال جدًّا، ويوجبُ تعذُّرَ الاحتجاج بكثير مما ذكره الفقهاء؛ لعسر الاتفاق على وجود الشروط المتفق عليها؛ ولأنَّ الفقهاءَ قد اعتادوا أنْ يحتجوا بما هو نازلٌ عن هذه الدرجة، فرجوعهم إلى هذه الدرجة ارتفاعٌ عما قد يعتادونه، فهو أولى بالذكر، ولأنَّ كثيرًا مما اختُلِفَ فيه من ذلك

(1) في النسخة الخطية من كتاب "الإلمام" بيد الإِمام ابن عبد الهادي (2/ أ). وكذا في المطبوع من "الإلمام"(1/ 47): "أو أئمة الفقه النظار".

ص: 26

يرجعُ إلى أنه قد لا يقدَحُ عند التأمل في حقِّ كثير من المجتهدين، فالاقتصارُ على ما أُجْمعَ عليه تضييعٌ لكثير مما تقوم به الحجةُ عند جمعٍ من العلماء، وذلك مفسدة، ولأنه بعدَ أن يُوثَّقَ الراوي من جهة بعض المزكِّين قد يكون الجَرحُ مُبهماً فيه غيرُ مُفسَّر، ومقتضى قواعد الأصول عند أهله أن لا يُقبَلَ الجرح إلا مفسَّراً، فترك حديثِ مَنْ هو كذلك تضييعٌ أيضا، ولأنه إذا وُثِّقَ قد يكون القدحُ فيه من غير الموثِّقِ بأمر اجتهاديٍّ، فلا يساعده عليه غيرُه.

وقوله: "فإنَّ لكلٍّ منهم مَغزىً قصدَه [وسلكَه] (1)، وطريقًا أعرضَ عنه وتركه": يريدُ أنَّ لكل من أئمة الحديث والفقه طريقًا غيرَ طريق الآخر، فإن الذي يتَبيَّنُ وتقتضيه قواعدُ الأصول والفقه: أنَّ العمدةَ في تصحيح الحديث عدالةُ الراوي وجزمُهُ بالرواية، ونظرُهُم يميل إلى اعتبارِ التجويزِ الذي يمكن معه صدقُ الراوي وعدم غلطه، فمتى حصل ذلك وجاز أن لا يكونَ غلطًا وأمكنَ الجمعُ بين روايته ورواية مَنْ خالفه بوجهٍ من الوجوه الجائزة، لم يُترَكْ حديثه.

وأمَّا أهلُ الحديث: فإنهم قد يرو [و] ن الحديثَ من رواية الثقاتِ العدول، ثم تقوم لهم عللٌ فيه تمنعهم من الحكم بصحته؛ كمخالفة جمعٍ كثير له، أو مَنْ هو أحفظُ منه، أو قيامِ قرينة تؤثر في أنفسهم غلبةَ الظنِّ بغلطه، ولم يجرِ ذلك على قانون واحد يُستعمَلُ في جميع الأحاديث.

ولهذا أقول: إنَّ مَنْ حكى عن أهل الحديث - أو أكثرِهِم -: أنه

(1) زيادة من نسخة "الإلمام" الخطية (2 / أ) بيد الإِمام ابن عبد الهادي.

ص: 27

إذا تعارضَ روايةُ مُرسِلٍ ومُسنِد، أو واقفٍ ورافع، أو ناقصٍ وزائد: أنَّ الحكمَ للزائد، فلم نجدْ في هذا (1) الإطلاقَ، فإنَّ ذلك ليسَ قانوناً مطَّرداً، ومراجعة أحكامهم الجزئيةِ تُعَرفُ صوابَ ما نقول، وأقربُ الناس إلى اطِّرادِ هذه القواعد بعضُ أهل الظاهر (2).

وفي قوله: "وفي كلٍّ خير": ينبغي [حملُ] قوله: "وفي كل" على كل واحد من الفريقين، أعني أهلَ الفقه وأهل الحديث، وهو أولى مِنْ حملِهِ على كل واحد من الطريقين؛ لأنهما قد يتناقضان، والحقُّ لا يكونُ في طرفي النقيض معاً، اللهم إلا أنْ يرادَ أنه قد يكونُ الصواب في بعض المواضع ما قاله هؤلاء، وفي بعضها ما قاله أولئك، فهذا يُصحِّحه التنكيرُ الذي في "خير"، مع العمل على الطريقين، ولستُ أنكرُ أنْ تكونَ بعضُ القرائن دالَّةً (3) على تصحيح ما خالفَ القاعدةَ المطَّردةَ في بعض الأماكن المخصوصة، وإنما الخوف الأكبر اختلاطُ درجة الظن مع درجة الوهم (4) في هذا.

وقوله: "والله تعالى ينفع به دنيا وديناً، ويجعله نوراً يسعى بين أيدينا": استعمالٌ لما أرشد إليه لفظُ الكتاب العزيز من قوله: {يَوْمَ تَرَى

(1) أي: الحكم السابق.

(2)

وكذا ما أطلقه كثير من الشافعية، مع أن نص الشافعي رحمه الله يدل على غير ذلك - وانظر:"نزهة النظر" لابن حجر (ص: 67).

(3)

في الأصل: "دالاً".

(4)

الظن: تجويز راجح، والوهم: تجويز مرجوح. انظر: "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 21).

ص: 28

الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} [الحديد: 12] وقد استعملَ بعضَ أنواع التجنيس المعروفة عند أهل تلك الصنعة.

وقوله: "دنيا" ينبغي أن يُحَملَ على أن يحصل له في الدنيا الكرامهّ المرتبة على العلم عند الله تعالى وملائكته، كما ورد في الحديث:"إنَّ العالِم يستغفرُ له حتَّى الطيرَ في الهواءِ والسمكَ في الماء"(1)، فإنَّ هذه منافعُ حاصلة في الدنيا، ويُحَمل "دينًا": على أن يكونَ دالا ومرشداً أو سببًا للعلم، بمقتضى ما دلَّ من أحكام الدين، فيَصْلُحُ به الدين، ولا يجوز أن يُحَملَ "دنياه على أن يتوسلَ به إلى مناصبها وشهواتها الجسدانية العاجلة.

وقوله: "ويفتح فيه لدارسيه حِفظًا وفَهماً (2)، ويبلغنا وإيَّاهم به (3) منزلةً من كرامته عُظمى، إنه الفتَّاحُ العليمُ الغنيُّ الكريم": انتقالٌ بعدَ الدعاء المطلق للواضع والدارس إلى ما يَخصُّ الدارس، وإلى الجمع

(1) روى أبو داود (3641)، كتاب: العلم، باب: الحث على طلب العلم، والترمذي (2682)، كتاب: العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وابن ماجه (223) في المقدمة، باب: فضل العلماء والحث على طلب العلم، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 196)، وابن حبان في "صحيحه"(88)، وغيرهم بإسناد حسن، من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعًا، بلفظ فيه: "

. . وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء

." الحديث.

(2)

قوله: "وفهماً" سقط من المطبوع من "الإلمام"(1/ 47).

(3)

قوله: "وإياهم به" سقط من المطبوع من "الإلمام"(1/ 47)، وجاء فيه:"ويبلغنا ببركته"، وفي النسخة الخطية منه:"ويبلغنا وإياهم ببركة".

ص: 29

بين الرواية والدراية، وهو المقصودُ الأعظم في هذا الفن، والإخلالُ بأحدهما نقصٌ.

"فيه": جَمعٌ بين الاثنين في الدعاء، أعني الحفظَ والفهمَ، ولما استعمل في أولِ الدعاء لفظَ الفتح، عقَّبه بالاسم المُعظَّم المناسبِ له، وهو الفتَّاح، وقرنه بما قرنه الله تعالى به، وهو العليم، وكذلك الاسمان المذكوران بعدَ ذلك مناسبان للمطلوب أولًا، وهو الغنىَ الدالُّ على سَعَة القدرة في إيصال ما يُوصِل مِن المنافع، والكَرَم الدالُّ على سعة العطاء، وفي قوله تعالى:{قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} [سبأ: 26] إشارةٌ بصفة العلم إلى الإحاطةِ بأحوالنا وأحوالكم، وما نحنُ عليه من الحقِّ وأنتم عليه من الباطل، وإذا كانَ عالمًا بذلك فسيقعُ منه القضاءُ علينا وعليكم بما يعلمه مِنَّا ومنكم، فإذا اعتبرتَ هذا المعنى فَلَكَ أن تقتصرَ في جلب هذين الاسمين المُكْرَمين ها هنا على اتباع لفظ الكتاب العزيز، ولك أن تطلبَ مناسبةً بالنسبة إلى هذا المكان المعيَّن في ذكر العلم، كما ناسب ذكرُ الفتح؛ فإما أن يكونَ راجعاً إلى العلم بالحاجة والافتقار إلى ما طُلب، وإما أن يكون تعريضا بصحةِ القصد والنية في درسه، ليكون باعثًا لدارسيه على تصحيحِ النية، وتجريدِ القصد عن الشوائب، والله أعلم.

* * *

ص: 30

كِتَابُ الطَّهَارَةِ

ص: 31