الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تُشْعِرُ به هذه البِنْيةُ من التكلُّف في العمل؛ إذْ ليس في نفس الإخراج كُلْفَةٌ، فلْيُصرَفْ إلى إعمال نفسه في الإسراع، إن لم يزاحمْهُ معنىً آخرُ يساويه، أو يُرجَّحُ عليه.
العشرون:
التعليلُ يقتضي انتفاءَ الحكم إذا لم يكنْ له جناحان - كما لو انقطعا فوقعَ (1) - لانتفاء العلة، والله أعلم.
الحادية والعشرون: [
ويقتضي أيضاً: أنَّه لو انقطعَ أحدُ جناحيه، لم يتعلَّقْ به أمرُ الغمس؛ لأنَّ] (2) المقصودَ إذهابُ الداء بالجناح الآخر، وذلك لا يحصُل عند انقطاعه.
الثانية والعشرون:
ذكر الجاحظ [عن](3) النَّظَّام في الكلام على هذا الحديث كلاماً رديئاً، وأقوالاً شنيعة (4)، حاصلُها إبطالُ الحديث باستبعادات وخيالات (5).
قال الخطَّابي رحمه الله: تكلَّم على هذا الحديث مَن لا خلاقَ له، وقال: كيف يجتمع الداءُ والشفاءُ في جناحَيْ الذبابِ؟ وكيف تعلمُ ذلك من نفسها، حتى تُقدِّم جناحَ الداءِ، وتؤخِّر جناحَ الشفاءِ،
(1) أي: كما لو انقطعَ جناحا الذباب، ثم وقع في الشراب.
(2)
سقط من "ت".
(3)
في الأصل: "عند" والتصويب من "ت".
(4)
"ت": "شنعة".
(5)
انظر: "الحيوان" للجاحظ (3/ 312 - 313) حيث نقل إنكار شيخ من بني العدوية - لم يسمِّه - للحديث.
وما هداها إلى ذلك؟
قال: وهذا سؤالُ جاهلِ أو مُتَجاهلٍ، وإنَّ الذي يجدُ نفسَهُ ونفوسَ عامة الحيوان [و](1) قد جُمِع فيهما بين الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، وهي أشياءُ متضادةٌ إذا تلاقت تفاسدت، ثم يرى (2) اللهَ سبحانه وتعالى قد ألَّف بينها، فقهرها على الاجتماع، وجعل منها قُوى الحيوان [التي](3) بها بقاؤها وصلاحُها، لجديرٌ أن لا ينكرَ اجتماعَ الداء والدواء في جزأين من حيوان واحدٍ، وإنَّ الذي ألْهمَ النحلةَ أن تتَّخذَ البيتَ العجيبَ الصنعةِ، وأن تَعْسِل فيه، وأَلهمَ الذَّرَّةَ أن تكتسبَ قوتَها، وتدَّخر [5](4) لأوان حاجتها إليه، هو الذي خلق الذبابة، وجعل لها الهدايةَ إلى أنْ تقدِّمَ جناحاً، وتؤخِّر آخرَ، [لِما أراد](5) من الابتلاءِ الذي هو مدرجةُ التَّعبُّدِ، والامتحانِ الذي هو مضمارُ التكليف، وفي كلِّ شيء حكمةٌ، وما يذَّكَّرُ إلا أولو الألباب (6).
وأقولُ: [إن](7) هذا وأمثالَه ممَّا تُرَدُّ به الأحاديثُ الصحيحةُ، إن
(1) زيادة من "ت".
(2)
في النسخ الثلاث: "ترى".
(3)
في "الأصل" و "ب": "الذي"، والتصويب من "ت".
(4)
زيادة من "ت".
(5)
زيادة من "معالم السنن".
(6)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (4/ 259).
(7)
زيادة من "ت".
أراد به قائلُه (1) إبطالَها بعدَ اعتقاد كون النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالها، كان كافراً مُجاهراً، وإن أراد به إبطالَ نسبتِها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بسببٍ يرجع إلى متنه، فلا يكفرُ بذلك، غيرَ أنَّه مُبطِلٌ لصحة الحديث بطريق سنده الصحيح، وهذه طريقةٌ لجماعة من المتكلمة (2) وبعض الفقهاء، كمَن أبطلَ حديثَ العاليةِ (3) في مسألة العِينَة، بقول عائشةَ رضي الله عنها: أبلغِي زيداً أنَّهُ (4) أبطلَ جِهادَهُ معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، إنْ لمْ يَتُبْ.
(1) في النسخ الثلاث: "قائلها".
(2)
"ت": "المتكلمين".
(3)
رواه عبد الرزاق في "المصنف"(14812)، والدارقطني فى "سننه"(3/ 52)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 330)، وغيرهم من طريق أبي إسحاق، عن العالية، عن عائشة، به.
قال الإمام الشافعي في "الأم"(3/ 78): وجملة هذا أنا لا نثبت مثله على عائشة.
قال الدارقطني في "سننه": والعالية مجهولة لا يحتج بها.
قال ابن كثير في "تفسيره"(1/ 328): وهذا الأثر مشهور. وقد رد ابن الجوزي في "التحقيق"(2/ 184) على من ذكر أن العالية مجهولة؛ بأن ابن سعد ذكرها في "الطبقات" وأنها امرأة جليلة القدر معروفة. وجوّد ابن عبد الهادي في "التنقيح"(2/ 558) إسنادَ حديث الإمام أحمد الذي رواه في "مسنده" عن أبي إسحاق، عن امرأته العالية، عن عائشة، به، ثم قال: وإن كان الشافعي قد قال: إنا لا نثبت مثله على عائشة، وكذلك قول الدارقطني في العالية: إنها مجهولة لا يحتج بها، فيه نظر، وخالفه غيره، فلولا أن عند أم المؤمنين علماً من رسول الله لا تستريب فيه أن هذا محرم لم تستجز أن تقول مثل هذا الكلام بالاجتهاد، والله أعلم. وانظر:"حاشية ابن القيم على سنن أبي داود"(9/ 245) وما بعدها.
(4)
"ت": "وأن الله".
وكما يُشنِّع به أهلُ الحديث على أبي حنيفةَ في قولهِ في حديث: "البَيِّعَانِ بالخِيارِ [ما لم يتفرقا] (1) "(2): أرأيتَ إن كانا في سفينة، فكيف يفترقان (3)؟
فكأنَّه أبطلَ استنادَهُ إلى الرسول (4) صلى الله عليه وسلم بهذا، إن صحَّ عنه، والله أعلم.
* * *
(1) زيادة من "ت".
(2)
رواه البخاري (1973)، كتاب: البيوع، باب: إذا بيَّن البيِّعان ولم يكتما ونصحا، ومسلم (1532)، كتاب: "البيوع، باب: الصدق في البيع والبيان، من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه.
(3)
روى هذه الحكايه عن أبي حنيفة رحمه الله: البيهقي في "السنن الكبرى"(5/ 272)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (13/ 405). وانظر التعليق على الحكاية:"التمهيد" لابن عبد البر (14/ 13)، و"الجوهر النقي" لابن التركماني (5/ 272).
(4)
"ت": "إسناده إلى رسول الله".