الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشافعية - لزمه أن يَحْمِلَ اللفظَ الواحدَ على حقيقته ومجازه.
وهاهنا بحثٌ ينبغي أن يُنظَرَ فيه ويُتَنبَّه له وهو: أنَّ مَنْ أجاز استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه، أمكنه أن يستدلَّ بالحديث في المحلين معًا - أعني: محل التحريم ومحل الكراهة - بلفظ الحديث.
ومن منع ذلك: فإن كان يقول بالحرمة في الماء قليلًا كان أو كثيرًا، حَملَ اللفظَ على حقيقته في التحريم، ولم يحتجّ إلى حمله على الكراهة، إلا أنه يَخْرُج عنه الماءُ المستبحرُ، فإنه لا يحرم الاغتسال منه ولا يُكرَه، فالتخصيصُ لازمٌ لقوله، فإذا تعارض مع مَنْ يلتزم حملَ اللفظ على حقيقته ومجازه، كان ذلك مجازًا؛ لأن اللفظ (1) لم يوضع لهما، فنقول: التخصيصُ خيرٌ من المجاز، وبعبارة أخرى: النافي للمجاز خيرٌ من النافي للتخصيص.
الثالثة:
ارتكب الظاهريةُ هاهنا مذهبًا وجَّهَ سهام (2) المَلامة إليهم، وأفاض سيلَ الازدراءِ عليهم، حتى أخرجهم بعضُ الناس من أهلية الاجتهاد، واعتبارِ الخلاف في الإجماع.
قال ابن حزم منهم: إنَّ كلَّ ماء [راكد (3) قَلَّ أو كَثُرَ من البِرَك العظام وغيرها، بال فيه إنسانٌ، فإنه لا يحل لذاك (4) البائل خاصةً
(1)"ت": "اللفظة".
(2)
"ت": "سهم".
(3)
سقط من "ت".
(4)
"ت": "لذلك".
الوضوءُ منه ولا الغسل، وإن لم يجد غيرَهُ ففرضُه التيمم، وجائز (1) لغيره الوضوء منه والغسل، وهو طاهر مطهر لغير الَّذي بال فيه، ولو تغوَّطَ فيه، أو بال خارجًا منه، فسال البولُ إلى الماء الدائم، أو بال في إنائه وصبَّه في ذلك الماء، ولم تتغير له صفةٌ، فالوضوء منه والغسل جائز لذلك المتغوِّط فيه، والذي سال بوله فيه، ولغيره (2).
وممن شنَّعَ على ابن حزم في ذلك: الحافظُ أبو بكر بن مُفَوَّز (3) فقال بعد حكاية كلامه: فتأمل - رحمك الله تعالى - ما جَمَعَ هذا القولُ من السُّخف، وحوى من الشناعة، ثم يزعم أنه الدينُ الَّذي شرعه الله، وبعث به رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال: واعلم - أكرمك الله تعالى - أن هذا الأصل الذميمَ مربوطٌ إلى ما أقول، ومخصوص على ما أمثِّل (4):[من](5) أن البائل على الماء الكثير، ولو نقطةً واحدة أو جزءًا من نقطة، فحرام عليه الوضوء منه، وإن تغوط فيه حِمْلًا، أو جَمَعَ بولَه في إناء شهرًا، ثم صبه فيه، فلم يغير
(1)"ت": "وجاز".
(2)
انظر: "المحلى" لابن حزم (1/ 135).
(3)
هو الحافظ البارع المجود أبو بكر محمد بن حيدرة بن مُفَوَّز المعافري الشاطبي، كان حافظًا للحديث وعلله، متقنًا، ضابطًا، عارفًا بالأدب وفنونه. قال الذهبي: وله رد على ابن حزم رأيته. توفي سنة (505 هـ). انظر: "سير أعلام النبلاء"(19/ 421)، و"تذكرة الحفاظ" كلاهما للذهبي (4/ 1255).
(4)
في الأصل: "أميل"، والمثبت من "ت".
(5)
سقط من "ت".