الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نعم التقرير يدلُّ على جواز اليمين على حسب الظن، وأنه لا يتوقف على العلم؛ لأن عمرَ رضي الله عنه حلف على حسب ظنه، وأقرَّه (1) عليه (2).
الرابعة:
يُستدَلُّ به على أن إعدادَ الماء الكافي للطهارة مع القدرة غيرُ لازم على القاعدة الثانية والثالثة، وهو ترك الاستفصال والإقرار؛ لأنهم أخبروا أنهم يحملون القليلَ من الماء، وهو كالعامِّ في حالات حملهم، فيمكن أن يكون مع القدرة، ويمكن أن يكون بسبب العجز بسبب ضيق مَراكِبهم عن حمل الباقي، فإذا جعلناه كالعام يتناول حالَ القدرة، ولم ينكر عليهم، فدلَّ ذلك على جوازه في هذه الحالة (3).
(1) فى الأصل: "وأقر"، والمثبت من "ت".
(2)
نقله عن الإمام ابن دقيق الحافظُ ابن حجر في "فتح الباري "(13/ 327) ملخصًا، ثم قال: ولا يلزم من عدم تحقق البطلان أن يكون السكوت مستوفى الطرفين، بل يجوز أن يكون المحلوف عليه من قسم خلاف الأولى، انتهى.
وحاصل الكلام ما كان قد ذكره الحافظ قبل هذا، إذ قال (13/ 323): اتفقوا على أن تقرير النبي صلى الله عليه وسلم لِمَا يفعل بحضرته، أو يقال ويطّلع عليه بغير إنكار، دال على الجواز؛ لأن العصمة تنفي عنه ما يحتمل فى حق غيره مما يترتب على الإنكار، فلا يقر على باطل، فمن ثَمَّ قال، يعني: البخاري في ترجمته لحديث ابن صياد،:"لا من غير الرسول"؛ فإن سكوته لا يدل على الجواز، انتهى.
قلت: وكلام الإمام ابن دقيق العيد بهذا التفصيل في مبحث التقرير والسكوت عزيزُ الوجود، فليُعكف على النظر فيه مرارًا.
(3)
نقله عنه الزركشي في "البحر المحيط "(4/ 207).
فإن قلتَ: إن كان المقصودُ الاستدلالَ على أنه: لا يجبُ الحمل للماء الكافي مع وجود الماء في الوقت، فهذا ليس فيه كبير فائدة للإجماع عليه، ولأنه يكون من بيان الواضحات، ويُجَلُّ منصبُ الرسول صلى الله عليه وسلم عنه.
وإن كان المقصود أنه: لا يجب مع عدم وجود الماء في الوقت، فلا دليلَ عليه؛ لأن ماء البحر طهور، فالماء الكافي (1) حاصل في الوقت؟!
قلتُ: أما حصولُ الإجماع على الشيء، فلا يمنعْ من ذكر كونه مستفاداً من الحديث لوجوه:
الأول: أن الدعوى أنَّ هذا الأمرَ مستفادٌ من الحديث، والذي يناقضه أنه لا يستفاد منه، فأما أنه يستفاد منه - وعليه دليلٌ آخرُ - فلا يناقضه، نعم يمكن أن يكون سبباً للاختصار عند من يراه، أو عندما (2) يقتضيه الحال، أما أن يكون ذكرُه فاسدًا، فلا.
الثاني: أن دعوى الإجماع دعوىً، لاسيَّما عند مَنْ يشترط [في](3) ذلك التنصيصَ من كل قائل من أهل الإجماع على الحكم، ولا يكتفي بالسكوت، وقد قال [الإمام] (4) أحمدُ بن حنبل رحمه الله: من ادَّعى
(1) أي: الكافي للطهارة، وفي الأصل و"ب":"الكامل"، والمثبت من "ت".
(2)
في "ت": "عند مَنْ".
(3)
سقط من "ت".
(4)
سقط من "ت".
الإجماعَ فقد كذب (1)، فالاستنباطُ من الحديث يفيد فائدة، وهي استخراجُ الحكم بِطريق أسهل.
الثالث: أن العلماء مازالوا على ذكر فوائدَ من الكتاب والسنة متفقٍ عليها، وقد استدلوا على الأحكام المتواترة بأخبار الآحاد، كوجوب (2) الصلاة والصوم وبقية أركان الإسلام.
أما كونُه بياناً للواضحات، وهو قبيح، قلنا: متى يكون قبيحًا؟ إذا كان مقصوداً بالبيان، أم (3) إذا وقع ضمناً؟
الأول: مسلَّم، ولكنا لا ندعي أن ذلك مقصودٌ بالبيان، وإنما ندعي أنه يُستفاد (4) من الحديث، وكونُه مُستفاداً منه أعمُّ من كونه مستفاداً بطريق القصد.
والثاني: ممنوعٌ ولا يمكن دعواه؛ لأنه إذا توجّه البيان إلى من (5) يَحتاج إليه، ولزم من ذلك أمرٌ واضحٌ لا على سبيل القصد، لم يقبح.
(1) انظر: "مسائل الإمام أحمد - رواية ابنه عبد الله"(ص: 438 - 439).
وكلام الإمام أحمد محمول على عدم العلم بالمخالف، وهو الذي يسميه كثير من الناس إجماعًا، ويقدمونه على الحديث الصحيح. فهذا الذي أنكره الإمام أحمد، وكذا الإمام الشافعي - رحمهما الله - من دعوى الإجماع، لا ما يظنه بعض الناس أنه استبعاد لوجوده. انظر:"أعلام الموقعين" لابن القيم (1/ 35).
(2)
في الأصل: "لوجوب "، والتصويب من "ت".
(3)
"ت": "أو".
(4)
"ت": "مستفاد".
(5)
"ت": "لما" بدل "إلى من".