الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخامسة:
المفهومُ هل له عموم، أم لا؟ اختُلِفَ فيه، ونصُّ الغزالي فيه أنه [قال] (1): مَنْ يقول بالمفهوم، فقد يظن للمفهوم عمومًا ويتمسك به، وفيه نظر؛ لأن العمومَ لفظٌ تتشابه دَلالتُه بالإضافة إلى مسمَّيات، والمتمسك (2) بالمفهوم والفحوى. ليس يتمسك (3) بلفظ عامٍّ لكل مسكوت، فإذا قال:"في سَائِمَةِ الْغَنَمِ زَكَاةٌ"(4)، فنفي الزكاة عن المعلوفة ليس بلفظ حتى يعمَّ اللفظ أو يخص، وقوله تعالى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، دلَّ على تحريم الضرب لا باللفظ المنطوق به حتى يُتَمَسَّكَ بعمومه، وقد ذكرنا أن العمومَ للألفاظ، لا للمعاني والأفعال (5).
وردَّ ذلك صاحب "المحصول" بأن معناه (6): إن كنت لا تُطلِقُ عليه لفظَ العامِّ فلك ذلك، وإن كنت تعني به: أنه لا يقتضي انتفاءَ الحكم في جملة [صورِ انتفاءِ الصفة، فذلك من تفاريع كون المفهوم
(1) سقط من "ت".
(2)
في الأصل: "والتمسك"، والمثبت من "ت".
(3)
في الأصل: "بتمسك"، والمثبت من "ت".
(4)
روى البخاري (1386)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الغنم، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الطويل في فرض الصدقة، وفيه: "وفي صدقة الغنم في سائمتها
…
" الحديث.
قال ابن الصلاح: أحسب أن قول الفقهاء والأصوليين: "في سائمة الغنم الزكاة" اختصار منهم. انظر: "التلخيص الحبير" لابن حجر (2/ 157).
(5)
انظر: "المستصفى" للغزالي (ص: 240).
(6)
"ت": "قال" بدل "معناه".
حجةً، ومتى جعلناه حجة] (1) لزم انتفاء الحكم في جملة صور انتفاء الصفة، وإلا لم يكن للتخصيص فائدةٌ. هذه عبارة بعض مختصري "المحصول"(2).
ولقائل أن يقول: إنَّ الحالَ في هذا منقسمةٌ، فحيثُ يكون محلُّ النطق إثباتا [جزمًا](3)، فالحكمُ منتفٍ في جملةِ صورِ المخالفة، وحيث يكون محلُّ النطق نفيًا، لم يلزَمْ أن يثبتَ الحكمُ [في جملة صور المخالفة](4)؛ لأنه إذا كان النطقُ إثباتًا، لزم نفيُ الحكمِ إذا انتفى عن كل أفراد المخالف؛ لأنه إما أن يدلَّ على تناول الحكم؛ أعني: النفي لكل فرد من أفراد المخالف، أولا، فإن دلَّ فهو المراد، وإن لم يدلَّ فهو دالٌّ حينئذ على نفي الحكم عن مُسمَّى المخالف، فيلزم انتفاؤه عن كل فرد ضرورةَ [أنه يثبت النفي للمسمّى، وما ثبت للأعم، ثبت لجملة أفراده](5)، وهذا كتعليق الوجوب بسائمة الغنم، فإن محلَّ النطقِ إثبات، فيقتضي نفيَ وجوب الزكاة عن المعلوفة، فإن كانت بصفة العموم فذاك، وإلا فهو سَلْبٌ عن مُسمَّى المعلوفة، فيلزم انتفاءُ الوجوب عن كل أفراد المعلوفة؛ لما (6) بيَّنَّاه.
(1) سقط من "ت".
(2)
وانظر: "المحصول" للرازي (2/ 654 - 655).
(3)
سقط من "ت".
(4)
سقط من "ت".
(5)
"ت": "أن ما سلب عن الأعم مسلوب عن جملة أفراده".
(6)
"ت": "كما".
و [أما](1) إن كان محلُّ النطق نفيًا، أو [ما](2) في معناه، كما في هذا الحديث الَّذي نحن بصدده، وهو قولُه عليه السلام:"لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِيْ الْمَاءِ الدَّائِمِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ"، فإنه يقتضي انتفاءَ الحكم - وهو النفي - عن المخالف (3)، فيكون الثابت للمخالف إثباتًا، فإن مُطْلقَ الحكم في السَّوم ليس يلزم منه العموم، فإن العمومَ له صيغٌ مخصوصةٌ، لا كلُّ صيغةٍ، فإذا كان بعضُ الألفاظِ المنطوقِ بها لا تدلُّ على العموم إذا كانت في طرف الإثبات، فما ظَنُّكَ بما لا لفظَ فيه أصلًا؟
ومن ادَّعى أنَّ مقتضى المفهومِ يدل على العموم في مثل هذا، فلابدَّ له من دليل، وقولُ القائل: ومتى جعلناه حجةً لزم أيضًا انتفاءُ الحكم في جملة صورِ انتفاءِ الصفةِ، وإلا لم يكن للتخصيص فائدةٌ، ممنوعٌ؛ لأنّا إذا علَّقنا الحكمَ بالمسمَّى المطلقِ كانت فائدةُ المفهوم حاصلةً في بعض الصور ضرورةً، فلا يخلو المفهومُ عن فائدة، وفي مثل هذا يتوجَّهُ كلامُ الغزالي.
فهذه مباحثةٌ عرضتُها عليكَ لتنظرَ فيها، ثم بعد ذلك نقول: قد يُأخَذُ عمومُ الأحكام في أفراد المخالف من أمرٍ خارجٍ عن دلالة المفهوم، مثل أن يكون الإجماع قائمًا على عدم افتراق الأحكام، أو
(1) سقط من "ت".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
"ت": "عن المخالف، وهو النفي".