الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولك أن تنظرَ في أن تذكيةَ هذا الحيوانِ البحري، هل يباح إباحةً مطلقةً؟
الأربعون:
الحلُّ مضافٌ إلى الميتة، والأعيانُ لا تقبل الحل والحرمة بنفسها، بل بأمر يتعلَّقُ بها، وذهب (1) بعضُ الأصوليين إلى الإجمالِ في مثل هذا؛ لأنه لابدَّ من إضمار مُتعلِّقٍ، والمتعلقاتُ متعددةٌ لا ترجيحَ لبعضها على بعض، فيجيء الإجمالُ، واختاروا كونها (2) مقتضيةً لتحيرم ما يراد من العين عرفاً، فتحريمُ الميتة تحريمُ أكلها، وتحريم المرأة تحريمُ الاستمتاعِ بها، وتحريم الخمرِ تحريمُ شربِها، فعلى هذا المختار ينبغي أن يكون التقدير في قوله عليه السلام:"الْحِلُّ مَيْتتُهُ": الحل أكل الميتة (3)، ولا يكون فيه دليلٌ على تحليل ما ليس بأكل من الأفعال المتعلقة بميتته.
وفي مطاوي كلام بعض المناظرين ما يشهد (4) بالقول بالعموم في المتعلقات، ويمكن أن يُوجَّهَ هذا بأن الحقيقةَ لمَّا زالت تعيَّنَ أقربُ المجازاث، وأقربُها إلى الحقيقة ما يقتضيه العموم، والله أعلم.
الحادية والأربعون:
إذا قلنا بالعموم في الميتة، فمن قال بالحِل في جميع ميتته جرى على العموم، ومن قال بتحريم بعض حيوان
(1)"ت": "فذهب".
(2)
أي: اختار الأصوليون عدم الإجمال، ورجحهوا متعلقا، وهو كون الأعيان يقتضي تحريم ما يراد منها عرفاً، والله أعلم.
(3)
"ت": "ميتة".
(4)
"ت": "يشعر".
البحر، كالشافعي رضي الله عنه، فإنه يحرِّم الضَّفدِعَ والسرطانَ والسُّلْحفاةَ على ظاهر مذهبه (1)، فلم يجرِ على العموم، واحتاج إلى دليل التخصيص.
وحُكِيَ أنه حضر مجلساً فذكِر فيه مذهبُ أبنِ أبي ليلى أنه أباح الضفدع والسرطان، فأخذ الشافعيُّ ينصره (2)، فذكر صاحبُ "التقريب" (3): أن من الأصحاب من عدَّ ذلك قولاً للشافعيّ، والمذهبُ المعروف خلافُهُ.
والعمومُ يدلُّ على حِلّها، والشافعيُّ - رحمه الله تعالى - وأصحابُهُ
(1) انظر: "المجموع في شرح المهذب" للنووي (9/ 30).
(2)
انظر: "الأم" للإمام الشافعي (7/ 146)، و"الحاوي" للماوردي (15/ 65).
(3)
هو الإمام أبو الحسن القاسم بن الإمام أبي بكر محمد بن علي القفال الشاشي، وكتابه "التقريب" كتاب عزيز، عظيم الفوائد، - من شروح "مختصر المزني"، وقد يتوهم من لا اطلاع له على أن المراد بالتقريب "تقريب" الإمام أبي الفتح سليم بن أيوب، صاحب الشيخ أبي حامد الأسفراييني، وذلك غلط، بل الصواب ما ذكرنا.
وقد قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في رسالته إلى أبي محمد الجويني رحمه الله: نظرت في كتاب "التقريب"، وكتاب "جمع الجوامع"، و"عيون المسائل"، وغيرها، فلم أر أحدًا منهم فيما حكاه أوثق من صاحب "التقريب" رحمنا الله وإياه، وهو في النصف الأول من كتابه، أكثر حكاية لألفاظ الشافعي منه في النصف الأخير، وقد غفل في النصفين جميعاً من اجتماع الكتب له أو أكثرها، وذهاب بعضها في عصرنا عن حكاية ألفاظ لابد من معرفتها؛ لئلا يجترئ على تخطئة المزني رحمه الله في بعض ما يخطئه فيه وهو منه بريء، وليتخلص به عن كئير من تخريجات أصحابنا، ثم ذكر البيهقي شواهد لما ذكره. وأثنى إمام الحرمين في مواضع من "النهاية" على صاحب "التقريب" ثناء حسناً. انظر:"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 553 - 554).