الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سؤالُهم (1) فيما كان يرتبط جوابُهم لو قاله (2)، فاستأنفَ بيانَ الحكم بجواز الطَّهارة به (3).
قلت: وفيه وجه آخر: أنه لو قال: نعم، لم يُستفَد منه - من حيث اللفظُ - إلا جوازُ الوضوءِ به، الذي وقع عنه السؤال، وإذا قال:"هو الطهور" أفاد جوازَ دفعِ الأحداث أصغرِها وأكبرِها، وإزالةِ الأنجاس به (4) لفظًا، فكان أعمَّ [فائدةً](5).
الثانية عشرة:
استُدلَّ به على أن الطَّهور: هو ما يُتطهَّرُ به.
ووجهُ الاستدلال: أن الطاهريَّةَ أعمُّ من الطُّهورية، فكلُّ طَهور طاهر، ولا ينعكس، والحكمُ على الشيء بالوصف الأعم، لا يستلزم الحكمَ [عليه](6) بالوصف الأخصِّ، فلا يفيد الجوابَ عن السؤال عن الأخص.
وحكى القاضي أبو الطيّبِ طاهرُ بن عبد الله الطبريُّ الشافعي رحمه الله عن أبي بكر الأصم، وأبي بكر بن داود، وبعض متأخري أصحاب أبي حنيفة رحمه الله، وطائفة من أهل اللغة: أن معنى طهور وطاهر سواء، وهو غير متعد، وقد ذكروا في حجة هذا المذهب: أنَّ
(1) في الأصل: "سألهم"، والمثبت من "ت".
(2)
"ت": "قالوه".
(3)
انظر: "عارضة الأحوذي" لابن العربي (1/ 89).
(4)
"ت": "النجاسة" بدل "الأنجاس به".
(5)
زيادة من "ت"، وفيها بعد ذلك:"وفيه وجه آخر".
(6)
زيادة من "ت".
ما كان فاعلُهُ لازمًا، ففَعولُهُ مثلُه، كنائم ونؤوم، وصابر وصبور، وشاكر وشكور، وما كان فاعله متعدياً، ففعولُهُ مثله في التعدي، كقاتل وقتول، وضارب وضروب، وشاتم وشتوم (1).
وأصل هذا: أنَّ صيغة فَعول لا تُبنى إلا من فعل ثلاثي مجرَّد عن الزيادة، وفعول: أصلُه الفاء والعين واللام، فالثلاثي في مسألتنا (طهر)، وهو قاصر، فطهور (2) كذلك على (3) ما تقدم.
وأجاب عنه القاضي - رحمه الله تعالى - بأنْ قال: لابدَّ أن يكونَ لفَعول صفة زائدة على فاعله، ألا ترى [أنك] (4) تقول: نائم لمن وجد منه النوم، ونؤوم: لمن كَثُر منه النوم وتكرر، وكذلك صابر لمن صَبَر مرةً، وصبور لمن تكرر منه [الصبر، وعُرِفَ هذا في اللزوم وفي التعدي، تقول: قاتل: لمن وجد منه القتل، وقَتول: لمن تكرر منه](5)، وشاتم: لمن وجد منه الشتمُ، وشَتوم: لمن تكرر منه ذلك، ولما كانت المياه الطاهرةُ متكافئةً؛ أي: في الطهارة، لم يكن بدٌّ من أن يُجعَلَ في الطهور مزيةٌ على طاهر، وليست تلك المزيةُ إلا تعدِّيها للتطهير.
قال: وأيضًا فلا يقال: نائم ونؤوم إلا لمن وُجد منه النوم، وكذلك قاتل وقتول، وشاتم وشتوم، ولا يُوصَف صَاحبُه بذلك إلا بعدَ وجودِه منه، وأما الماء، فيقال فيه: طهور، قبل أن يوجد منه
(1) انظر: "المغني" لابن قدامة (1/ 21).
(2)
" ت ": " وطهور ".
(3)
"ت": "وهو" بدل "على".
(4)
زيادة من "ت".
(5)
سقط من "ت".
التطهير، فكان بمنزلة قولنا: سَحور وفَطور؛ أي: يُتسحَّرُ به ويفطَرُ به، فكذلك طَهور؛ أي: يُتَطهَّرُ به، والله أعلم.
وقد أوردَ مادةَ هذا السؤالِ بعضُ فضلاء المالكية المتأخرين فقال: لا شكَّ أن مجردَ بنائه على فَعول لا يُوجب تَعَدِّيه، كما قال السائل، لكنا نقول: استقراء لفظ طهور في عرف اللغة إنما يُطلَق (1) على ما يُتطهَّر به، فهو اسمٌ للآلة التي تَفعلُ [بها](2)، كالبَخور، والسَّحور، والغَسول؛ [اسم](3) لما يُتبخَّرُ به، ويُتسحَّرُ به، ويُغتسَلُ به، فصار كاللقب على ذلك، لا لأصل بنائه فقط، ويدلُّ عليه قوله صلى الله عليه وسلم:"جُعِلَتْ ليَ الأرضُ مَسجداً وطَهوراً"(4)، ثم أشار إلى الاستدلال بكونه جوابًا.
وأقول: أما الوجهُ الأول الذي ذكره (5) القاضي رحمه الله فتقريرُه: أنَّ الطَّاهريةَ من حيثُ هي، لا تقبلُ التعدد الشخصي (6)،
(1)"ت": "ينطلق".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
رواه البخاري (328)، كتاب: التيمم، باب: التيمم للوجه والكفين، ومسلم (521) في أول كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(5)
في الأصل "ذكر"، والمثبت من "ت".
(6)
في الأصل: "والشخصي" بزيادة واو.
والتكرار من (1) لوازم الصيغة الزائدةِ (2) على أصل الفعل، وإذا (3) لم يثبت بالنسبة إلى الطاهرية، وجب أن يثبت بالنسبة إلى أمر آخر، وهو ما ادَّعيناه.
ومما يرِدُ عليه: أنه إثباتُ للغة من غير طريق النقل، بل قد يُدَّعَى أنه خلافُ نصِّ أهلِها، إذا سَلِم للسائل أن هذه الصيغةَ لازمةٌ في اللازم ومتعديةٌ في المتعدي، وربما يدَّعي الخصمُ أن تلك الزيادة إنما تثْبُت حيثُ يمكن، وما لا يمكن منه لا يَثبُت، والنظائرُ المذكورة من الصَّبُور والقتول (4) ممكنٌ فيها ذلك، فيثبت، والطاهرية غيرُ ممكن فيها ذلك، فلا يثبُت.
والحاصلُ: أنَّ القاضي يدعي أن الوصفَ الزائدَ من لوازم الصيغة التي لا ينفكُّ عنها، ويثبت في كل المحالِّ، ويستدل على لزومها للصيغة بالأمثلة المذكورة.
وللخصم أن يدَّعيَ أنها (5) ليست من اللزوم (6) إلا (7) حيثُ
(1) في الأصل: "ومن" بزيادة واو.
(2)
في "م": "زيادة"، والتصحيح من "ت"، حيث جاء في هامشها:"في الأصل: زيادته".
(3)
"ت": "فإذا".
(4)
"ت": "والقبول" وهو خطأ.
(5)
"ت": "بأنها".
(6)
" ت ": "للوازم".
(7)
"ت": "أو لا" هكذا.
الإمكانُ في الأصل، والنظائر المذكورة ممكنٌ فيها ذلك، فلا يتعدَّى اللزوم إلى ما لا يمكن فيه، وهاهنا يجب الترجيحُ بين القولين.
وأما ما ذكره المالكيّ، فيحتاج إلى [بعض](1) تلخيص وتقرير، فإنه ادَّعى أن التعديَ ليس من جهتها، بل من استقراء عُرْفِ اللغةِ في فَعول (2).
والأقربُ أن يقال: إن الصيغةَ مستعملةٌ في معنى المبالغة، وفي معنى الآلة، ويتعيَّن حملها هاهنا على الآلة بدلائلَ تقام عليه، وهي استعمال لفظة (3) الطَّهور في (4) معنى المطهر، كـ[قوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48]، وكقوله عليه السلام] (5):"جُعِلَتْ ليَ الأرضُ مَسجداً وطَهوراً"(6)، "هوَ الطَّهورُ ماؤُهُ"، و"الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهورُ المُؤْمِنِ"(7)، "طَهورُ إناءِ أحدِكُمْ"(8)، "دِباغُ الأديمِ
(1) زيادة من "ت".
(2)
"ت": "طهور".
(3)
"ت": الفظ".
(4)
في الأصل: "وهي".
(5)
سقط من "ت" في هذا الموضوع، وأضيف بعد قوله:"طهور إناء أحدكم".
(6)
تقدم تخريجه قريبًا.
(7)
رواه أبو داود (332)، كتاب: الطهارة، باب: الجنب يتيمم، والنسائي (322)، كتاب: الطهارة، باب: الصلوات بتيمم واحد، والترمذي (124)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في التيمم للجنب إذا لم يجد الماء، وقال: حسن صحيح، من حديث أبي ذر رضي الله عنه بلفظ: "الصعيد الطيب وضوء المسلم
…
" الحديث.
(8)
سيأتي تخريجه في الحديث السابع من هذا الباب.
طَهُورُهُ" (1)، فتكون النظائرُ بالنسبة إلى هذه اللفظة - بعدَ إقامة الدليل على أنَّ المرادَ في موارد الاستعمال ما يُتَطَهَّرُ (2) به - دليلاً (3) على شيوع الاستعمال فيها بالنسبة إلى هذا المعنى، فيرجَّحُ (4) الحملُ عليه، كما يترجحُ الحملُ على كل متعذِّر المدلولِ بالدليل الخارجي.
وبمعنى هذا (5) أجاب بعضُ الفضلاء: بأنَّا (6) لا نسلِّمَ أنَّ "طهور"(7) مأخوذ من طاهر، وإنما هو فَعول من الآلة التي يُفعَل بها، وذكر نظائر، ثم قال: وليس المرادُ من (8) هذا كله (9) المبالغة، وإنما هو آلةُ الاستعمال، ولذلك يقال: وَضوء: لِمَا يُتوضأ به، ووَقود: لما يُوقَد به، وكذلك فَطور: لما يُفْطَر عليه، وكلُّ هذا فَعول لا فاعلَ له (10).
(1) رواه أبو داود (4125)، كتاب: اللباس، باب: في أهب الميتة، والنسائي (4243)، كتاب: الفرع والعتيرة، باب: جلود الميتة، والإمام أحمد في "المسند"(5/ 6)، والطبراني في "المعجم الكبير"(6341)، من حديث سلمة ابن المحبق رضي الله عنه. وإسناده صحيح، كما ذكر الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير" (1/ 49). قلت: واللفظ الذي ساقه المؤلف رحمه الله هو لفظ الطبراني.
(2)
في الأصل: "ينظر".
(3)
"ت": "دليل" وهو خطأ.
(4)
"ت": " فيترجح".
(5)
"ت": "وبهذا المعنى".
(6)
في الأصل: "بأن"، والمثبت عن "ت".
(7)
"ت": " طهورًا".
(8)
"ت": "في".
(9)
في الأصل: "كلمة"، والمثبت من "ت" و"ب".
(10)
وانظر الجواب أيضاً عما أورده القاضي أبو الطيب الطبري في "المغني" =