الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالماء، كما حُمِلَ (1) مُطلَقُ قوله تعالى:{فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ} [المائدة: 6] وغيرِه على ذلك، وقد صرَّحَ به بعضُهم هاهُنا، وقال: المعنى: فليغسلْهُ بالماء.
السابعة والثلاثون:
اختلفوا في هذا الأمر، هلْ هو على الوجوبِ، أم [لا]؟
فظاهرُ الأمر الوجوب، وبه قال الشَّافِعي رضي الله عنه (2)، وعن مالك رضي الله عنه قولٌ يحمِلُ (3) على الندب (4)، ويمكن توجيهُهُ بأنَّ الأمرَ يُصرفُ عن ظاهره إلى الندب بقرينةٍ، أو أمر خارجٍ، فيُجعَلُ (5) قيامُ الدليل عندَه على طهارة الكلب سبباً لصرفه (6) عن الظاهر.
الثامنة والثلاثون:
اختلفوا هلْ هذا الأمر تعبُّدِيٌّ لا يُعقَلُ معناه، أو مُعلَّل؟
والَّذِين (7) علَّلوا اختلفوا في العلَّة، فقيل: النَّجاسَة، وقد قدَّمْنا أنَّهُ لا ينبغي أنْ يعلَّلَ بمُطلَقِ النَّجاسَة، بل بما هو أخصُّ من ذلك،
(1)"ت": "يحمل".
(2)
انظر "الأم" للإمام الشافعي (1/ 6).
(3)
"ت": "يحمله".
(4)
انظر: "المدونة الكبرى"(1/ 5)، و"التمهيد" لابن عبد البر (18/ 269).
(5)
"ت": "ويجعل".
(6)
"ت": "يصرفه".
(7)
"ت": "فالذين"
و [قد](1) قيل: العلَّةُ القذارةُ؛ لاستعمالِ (2) النجاسات، وعلى هذا فالسبعُ تعبُّدٌ؛ لأنَّ القذارةَ لا تقتضي هذا العددَ المخصوص، وهذا هو البحث الَّذِي ذكرناه فيما تقدَّمَ في الاستدلال على نجاسة عينه، وقيل: علَّتُهُ أنَّهم نُهوا عن اتخاذه فلم ينتهوا، فغُلِّظ عليهم بذلك، ومنهم من ذهب إلى أنَّ ذلك معلَّلٌ بما يتَّقَى منْ أنْ يكونَ الكلبُ كَلِباً (3)، وذكر أنَّ هذا العددَ - السبعَ - قد جاء في مواضعَ من الشرع على جهة الطبِّ والتداوي، كما قال:"مَنْ تصبَّح كلَّ يومٍ بسَبع تَمَرَاتٍ من عَجْوَةِ المدينةِ لمْ يضرَّه ذلك اليومَ سُمٌّ [ولا سِحْرٌ] "(4)(5)، وكقوله صلى الله عليه وسلم في مرضِهِ:"أهْرِيقُوا عليَّ مِنْ سَبع قِرَبٍ لمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ"(6)، ومثلُ هذا [كثيرٌ](7).
وأُورِدَ على هذا أنَّ الكلبَ الكَلِبَ لا يقرَبُ الماء، وانفصل بعضُ
(1) زيادة من "ت".
(2)
"ت": "لاستعماله".
(3)
أي: مصاباً بداء الكَلَبِ.
(4)
سقط من "ت".
(5)
رواه البخاري (5130)، كتاب: الأطعمة، باب: العجوة، ومسلم (2047)، كتاب: الأشربة، باب: فضل تمر المدينة، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.
(6)
رواه البخاري (4178)، كتاب: المغازي، باب: مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(7)
سقط من "ت".
العارفين بالطب عن ذلك بأنَّ ذلك لا يكون إلا في حالةِ تَمكُنِ [ذلك](1) الداء، وأما في مبادئه فيقرَبُ الماء ويشربُهُ، انتهى محصول ما ذكروا (2)(3).
أمَّا (4) القولُ بالتعبُّد، فيَرِدُ عليه ندرتُهُ بالنسبة إلى معقوليَّةِ المعنى، والأمرُ بالغسل إبعادٌ للمغسول قبلَ الغسل، فيقتضي ظاهرُهُ تنجيسَهُ، وقد استدلُّوا على نجاسة المَذْيِ بالأمر بغسله، وعلى نجاسة المني بذلك أيضاً عند مَن يقولُ بنجاسته.
والمالكيةُ استدلوا على كونه تعبُّدًا بأمرين:
أحدُهُما: دخولُ عددِ السبعِ فيهِ، ولو كان للنجاسة اكتُفِيَ فيهِ بمرَّةٍ واحدة.
والثاني: جوازُ أكلِ ما صادَهُ الكلبُ من غيرِ غسل.
وزاد بعضُهُم وجهاً ثالثاً: وهو دخول التراب، وقال: غسلُ النَّجاسَة لا مَدخلَ للتراب فيه (5).
(1) سقط من "ت".
(2)
"ت": "ذُكِر".
(3)
انظر: "المفهم" للقرطبي (1/ 539 - 540).
(4)
"ت": "فأما".
(5)
انظر: "المفهم" للقرطبي (1/ 540).
فأما دخولُ عدد السبع، فالاستدلالُ به على التعبُّد (1) ينبني على قاعدة سنذكرها عقيبَ هذه المسألة، إن شاء الله تعالى.
وقوله: لو كان للنجاسة لَاكتُفِيَ فيهِ بمرة، يمنعه الخصْم، ويُحيلُ زيادةَ العدد على زيادة الغِلَظ (2) في نجاسة الكلب.
وأمَّا وجهُ دخولِ التراب [فيه](3): فيتعذَّرُ عليه الاستدلالُ به، مع كونه لا يقول به، فكيف يكون منشأُ القول بالمذهب أمراً لا يقولُهُ صاحبُ المذهب؟!
وأما بقيَّةُ المعاني: فمَن علَّل أنَّهم (4) نُهوا فلم ينتهوا، فغُلِّظ عليهم بذلك، فلا بُدَّ [له](5) من إثبات هذا، وأنَّ النهيَ تقدَّمَ، ولم (6) يقع الانتهاء، وأمرَ بالغسل ليفيد (7) التغليظ، وهذا بعيدُ الثبوت، ولا يُكتَفَى في إثبات الأمور الَّتِي يُدَّعَى وقوعُها في الماضي بالمناسبة؛ لأنَّ طريقَ ذلك إنَّما هو النقل.
(1)"ت": "على التعبد به".
(2)
"ت": "التغليظ".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
"ت": "بأنهم".
(5)
سقط من "ت".
(6)
في الأصل: "ومن"، والتصويب من "ت".
(7)
"ت": "لقصد".