الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولك أن تنظرَ نظرًا آخرَ: في أن الاحتمالَ المرجوح هل يُعتبر في هذا حتى يحصل التعميمُ [فيه](1) وفي غيره، أو لا يعتبر، ويختص هذا الحكمُ بالاحتمالات المتقاربة أو المتساوية في الإطلاق؟
فإن قلتَ بذلك، بقيَ النظرُ في هذه الاحتمالات التي ذكرناها، وهل هي [في](2) محل البعدِ بحيث يظهرُ، أم لا؟
السابعة:
قال القاضي أبو الوليدِ سليمانُ بن خَلَفٍ البَاجِيُّ المالكيُّ رحمه الله في كلامه على هذا الحديث: وقوله: "فإنْ توضأْنَا بهِ عطشْنَا" دليلٌ على أن العطشَ له تأثيرٌ في ترك استعمال الماء المعدِّ للشرب، ولذلك أقره النبي صلى الله عليه وسلم على التعلُّقِ بهِ (3).
وقال الحافظُ أبو عمر يوسفُ بن عبد الله بن عبد البرِّ النَّمْري الأندلسي رحمة الله عليه: وفي هذا الحديث - أيضاً - من الفقه: أنَّ المسافرَ إذا لم يكنْ معه من الماء إلا ما يكفيه لشربه، وما لا غنى عنه، ولا فضل فيه؛ يعني: عن سقيه: أنه لا يتوضأُ به، وأنه جائزٌ له التيمم، ويترك ذلك الماء لنفسه من محل الماء، وهذا إذا لم يطمع بماء، وخشي هلاكَ نفسه (4).
(1) زيادة من "ت".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
انظر: "المنتقى في شرح الموطأ" للباجي (1/ 55).
(4)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (16/ 223).
وأقول: في كلا الكلامين نظرٌ يُحتاج فيه إلى بيان الاستدلال وإيضاح أمره، وكلامُ القاضي أخلصُ وأحسنُ (1) من كلام الحافظ؛ لأن الحافظَ جزم بأنَّ فيه ذلك بلفظٍ صريحٍ في ادعاء دَلالته على الحكم الذي ذكره، والقاضي (2) إنما قال: إن العطش له تأثير، وهذا أقرب إلى التقرير من الأول (3).
وإنما تَحصُل القوةُ في الكلامين معاً لو كانوا أخبروا أنهم كانوا يَتركون الماء للمشقة مع الحاجة إلى الوضوء به، فَيُقَرُّونَ على ذلك، وليس ذلك في الحديث، وليس فيه إلا الإخبارُ بأنهم إن توضؤوا عَطِشوا، والسؤال عن الوضوء بماء البحر مع تلك الحاجة، وهذا بمجردِهِ لا يقتضي إخباراً عن حفظ الماء للمشقة، وتركِ الوضوء به.
وقد يقال: إنه يوجَدُ الذي ذكره القاضي من دلالةٍ سِياقية وقرينةٍ في السؤال، فإن (4) الكلامَ يشعِرُ باعتقاد السائل أن للعطش تأثيراً.
(1)"ت": "أحسن وأخلص".
(2)
"ت": "والذي ذكره القاضي".
(3)
" ت ": " القوة ".
(4)
"ت": "وإن ".
وقد يقال: إنهم لم يسألوا عن استعمال الماء المُعَدِّ للشرب في الوضوء، وإنما وقع السؤال عن (1) الوضوء بماء البحر بعدَ تَعَيّنِ حفظ الماء للمشقة، ولم يقل: أنتوضأ به أو (2) نعدّه للشرب؟ فكأنه إنما يسأل (3) عما لم يعلمه، وتركَ (4) الذي تقرر عنده، فيصير كأنه قال: فإن توضَّأنا به عَطِشنا، ولكن لا نتوضأ به، أفنتوضأُ بماء البحر؟
وليس (5) يخفى عليك أن هذا ليس بالبيّنِ بياناً يتعذَّر الاعتراضُ عليه، فإنه إنما يُحمَلُ تركُ سؤالهم على تقرر (6) تقديمه على الوضوء عند التعارض إذا لم يكن ثَمَّ واسطة، أما إذا كان ثَمَّ واسطة كان الترددُ واقعاً بين الوضوء بماء البحر وبين الشرب، فالسؤالُ عن أحدهما يستلزم السؤالَ عن الآخر؛ لأنه إذا وقعَ السؤال عن وقوع أحد النقيضين بأن يقول: أَزَيدٌ في الدار؟ فإنه يقتضي السؤالَ عن كونه في الدار أو ليس في الدار؛ لعدم الواسطة بين طرفي
(1)"ت": "في".
(2)
"ت": "أم".
(3)
"ت": "سأل".
(4)
"ت": "وتكرر".
(5)
"ت": "ولا".
(6)
"ت": "تقدير".
النقيضين (1)، فلا يكون تركُ السؤالِ عن الشرب بسبب التقررِ (2) المدَّعَى.
أما إذا كانت واسطة بين الوضوء بماء البحر وبين الشرب: فقد يُدَّعَى أنَّ ترك السؤال عن الشرب لتقررِ أمرِه عند السائل.
ولئن قال: الواسطةُ ثابتة، وهي التيممُ، أو الصلاةُ من غير طهارة لمن (3) لم يجدِ ماءً، ولا ترابًا، ولا صعيداً، أو تركُ الصلاة مطلقا لسقوطها، أو في الوقت مع القضاء، وهذه وسائط، وإذا كانت الواسطةُ ثابتة انتفى المانعُ من حمل تركِ السؤال عن الشرب على تقرر (4) أمره عندهم.
فنقولُ - بعد التجاوز عن كون انتفاء المانع لا يلزم منه وجودُ المقتضي للحمل؛ لإمكان أن تُدَّعى قرينةٌ تقتضيه -: أما الصلاة بغير طهارة فمختلفٌ فيها بين العلماء، ولا يمكن إثباتُ هذه الواسطةِ عند مَنْ لا يراها اجتهاداً أو تقليداً، وكذلك إذا قام الدليلُ على بطلان هذا المذهب تكون منتفيةً عملاً بذلك الدليل، والشافعيُّ رحمه الله
(1)"ت": "النقيض".
(2)
"ت": "التقرير".
(3)
"ت": "كمن".
(4)
في الأصل: "تقرير"، والمثبت من "ت".