المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وكذلك لو سُئِلنا عن الصيد لقلنا: هو مباح، وقد يعرض - شرح الإلمام بأحاديث الأحكام - جـ ١

[ابن دقيق العيد]

فهرس الكتاب

- ‌الكلام على خطبة الأصل

- ‌كتاب الطهارة

- ‌الحديث الأول

- ‌الوجه الثَّاني من الكلام على الحديث: في تصحيحه:

- ‌ الوجه الثالث:

- ‌الوجه الرابع: في تفسير شيء من مفردات ألفاظه:

- ‌ الوجه الخامس: في ذكر شيء من علم العربية:

- ‌النظر الأول:

- ‌النظر الثَّاني:

- ‌الوجه السادس: في إيراد شيء يتعلقُ بعلم البيان ومحاسن الكلام:

- ‌الأولى:

- ‌النكتة الثَّانية:

- ‌النكتة الثالثة:

- ‌النكتة الرابعة:

- ‌ الوجه السابع: في المباحث المتعلقة به والفوائد المستنبطة منه، وهو المقصود الأعظم والمهم الأكبر، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثَّانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الثالثة والعشرون:

- ‌الرابعة والعشرون:

- ‌الخامسة والعشرون:

- ‌السادسة والعشرون:

- ‌السابعة والعشرون:

- ‌الثامنة والعشرون:

- ‌التاسعة والعشرون:

- ‌الثلاثون:

- ‌الحادية والثلاثون:

- ‌الثانية والثلاثون:

- ‌الثالثة والثلاثون:

- ‌الرابعة والثلاثون:

- ‌الخامسة والثلاثون:

- ‌السادسة والثلاثون:

- ‌السابعة والثلاثون:

- ‌الثامنة والثلاثون:

- ‌التاسعة والثلاثون:

- ‌الأربعون:

- ‌الحادية والأربعون:

- ‌الثانية والأربعون:

- ‌الثالثة والأربعون:

- ‌الرابعة والأربعون:

- ‌الخامسة والأربعون:

- ‌السادسة والأربعون:

- ‌السابعة والأربعون:

- ‌الثامنة والأربعون:

- ‌التاسعة والأربعون:

- ‌الخمسون:

- ‌الحادية والخمسون:

- ‌الحديث الثاني

- ‌ الوجه الثاني: في مَخْرَجه [ومُخَرِّجه]

- ‌ الوجه الثالث: في الاختيار:

- ‌ الوجه الرابع: في شيء من مفرداته، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌ الوجه الخامس: في شيء من العربية:

- ‌ الوجه السابع: في الفوائد والمباحث المتعلقة به، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الثالثة والعشرون:

- ‌الرابعة والعشرون:

- ‌الخامسة والعشرون:

- ‌الحديث الثالث

- ‌الوجه الثاني: في التعريف بمَن ذُكِرَ فيه:

- ‌ الوجه الثالث: في شيء من مفردات ألفاظه، وفيه مسألتان

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌ الوجه الرابع: في الفوائد والمباحث، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحديث الرابع

- ‌ الثاني: في تصحيحه:

- ‌ الثالث: في شيء من مفرداته

- ‌الوجه الثالث: في الفوائد والمباحث

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة: [

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الحديث الخامس

- ‌ الوجه الثاني: في تصحيحه:

- ‌ الوجه الثالث: في شيء من مفرداته، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌ الوجه الرابع:

- ‌ الوجه الخامس: في الفوائد والمباحث، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الحديث السادس

- ‌ الوجه الثاني: في تصحيحه:

- ‌ الوجه الثالث: في شيء من مفرداته، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌ الوجه الرابع: في شيء يتعلَّق بالعربية، وفيه مسألتان

- ‌الأولى:

- ‌ الثانية:

- ‌ الوجه الخامس:

- ‌ الوجه السادس: في الفوائد والمباحث، وفيه مسائل:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون: [

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الحديث السابع

- ‌ الوجه الثاني:

- ‌ الوجه الثالث: في تصحيحه:

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌ الوجه الخامس:

- ‌ الوجه السادس:

- ‌ الوجه السابع

- ‌الأولى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة: [

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الثالثة والعشرون:

- ‌الرابعة والعشرون:

- ‌الخامسة والعشرون:

- ‌السادسة والعشرون:

- ‌السابعة والعشرون:

- ‌الثامنة والعشرون:

- ‌التاسعة والعشرون:

- ‌الثلاثون:

- ‌الحادية والثلاثون:

- ‌الثانية والثلاثون:

- ‌الثالثة والثلاثون:

- ‌الرابعة والثلاثون:

- ‌الخامسة والثلاثون:

- ‌السادسة والثلاثون:

- ‌السابعة والثلاثون:

- ‌الثامنة والثلاثون:

- ‌التاسعة والثلاثون:

- ‌الأربعون:

- ‌الحادية والأربعون:

- ‌الثانية والأربعون:

- ‌الثالثة والأربعون:

- ‌الرابعة والأربعون:

- ‌الخامسة والأربعون:

- ‌السادسة والأربعون:

- ‌السابعة والأربعون:

- ‌الثامنة والأربعون:

- ‌التاسعة والأربعون:

- ‌ الخمسون:

- ‌الحادية والخمسون:

- ‌[الثانية والخمسون]

- ‌الثالثة والخمسون:

- ‌الرابعة والخمسون:

- ‌الخامسة والخمسون

- ‌السادسة والخمسون:

- ‌السابعة والخمسون:

- ‌الثامنة والخمسون:

- ‌التاسعة والخمسون:

- ‌الستون:

- ‌الحادية والستون:

- ‌الثانية والستون:

- ‌الثالثة والستون:

- ‌الرابعة والستون:

- ‌الخامسة والستون:

- ‌السادسة والستون:

- ‌السابعة والستون:

- ‌الثامنة والستون:

- ‌التاسعة والستون:

- ‌السبعون:

- ‌الحادية والسبعون:

- ‌الثانية والسبعون:

- ‌الثالثة والسبعون:

- ‌الرابعة والسبعون:

- ‌الخامسة والسبعون:

- ‌السادسة والسبعون:

- ‌السابعة والسبعون:

- ‌الثامنة والسبعون:

- ‌التاسعة والسبعون:

- ‌الثمانون:

- ‌الحديث الثامن

- ‌ الوجه الثاني:

- ‌ الوجه الثالث: في تصحيحه:

- ‌ الوجه الرابع

- ‌الأولَى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌الحديث التاسع

- ‌ الوجه الثاني: في تصحيحِهِ:

- ‌ الوجه الثالث: في شيء من مفرداته، وفيهِ مسائل:

- ‌الأولَى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌ الوجه الخامس:

- ‌ الوجه السادس: في الفوائدِ والمباحث، وفيهِ مسائل:

- ‌الأُولَى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الثالثة والعشرون:

- ‌الرابعة والعشرون:

- ‌الحديث العاشر

- ‌ الوجه الثاني: في تصحيحه:

- ‌ الوجه الثالث: في شيءً من مفردات ألفاظه، وفيهِ مسائل:

- ‌الأولَى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌ الوجه الرابع: في شيءٍ من العربيةِ، [وفيهِ مسألتان]

- ‌[الأُولَى]

- ‌الثانية

- ‌ الوجه السادس: في الفوائدِ والمباحث، وفيهِ مسائل:

- ‌الأولَى:

- ‌الثانية:

- ‌الثالثة:

- ‌الرابعة:

- ‌الخامسة:

- ‌السادسة:

- ‌السابعة:

- ‌الثامنة:

- ‌التاسعة:

- ‌العاشرة:

- ‌الحادية عشرة:

- ‌الثانية عشرة:

- ‌الثالثة عشرة:

- ‌الرابعة عشرة:

- ‌الخامسة عشرة:

- ‌السادسة عشرة:

- ‌السابعة عشرة:

- ‌الثامنة عشرة:

- ‌التاسعة عشرة:

- ‌العشرون:

- ‌الحادية والعشرون:

- ‌الثانية والعشرون:

- ‌الثالثة والعشرون:

- ‌الرابعة والعشرون:

- ‌الخامسة والعشرون:

- ‌السادسة والعشرون:

- ‌السابعة والعشرون:

- ‌الثامنة والعشرون:

- ‌التاسعة والعشرون:

- ‌الثلاثون:

الفصل: وكذلك لو سُئِلنا عن الصيد لقلنا: هو مباح، وقد يعرض

وكذلك لو سُئِلنا عن الصيد لقلنا: هو مباح، وقد يعرض له (1) ما يُحرِّمه.

ومما يُضعِفُ العمومَ أن يظهرَ المقصودُ من الكلام، وأنَّ ما وقع فيه النزاع خارجٌ عن ذلك المقصود، وهذا قد اختلف فيه الأصوليون.

فهذه المسائل [التي](2) ذكرناها، وذكرنا أنَّ عمومَ المفهوم يتناولها، [و](3) إنما خُولفَ العمومُ فيها - أو في كثير من صورها - للمعنى المذكور من الترادِّ والتفاصُلِ وإقامة مانع يمنع (4) من العمل بالعموم، فلو قَوِي هذا المعنى المذكور، وظهر أنَّ الشرعَ أدار عليه الحكمَ كان أقوى من التمسك بالعموم في كثير من هذه الصور، ولكنَّ الشأنَ في قوته، فلتجعلْ ذلك محطَّ (5) النظر، والله أعلم.

‌الخامسة والعشرون:

قد قدمنا ما شُنِّع به على الظاهرية في مسألة مفردة، وابن حزم منهم تجلَّد وتشدَّد وتلبَّد، وكان من حقه أن يتلدَّد (6)، وأورد على مخالفيه أشياءَ قَصَدَ بها أن يساويَ بينه وبينهم، فقال في أثناء كلامه: وهل فَرْقُنا بين البائل وغير البائل، إلا كفرقهم

(1)"ت": "لنا".

(2)

زيادة من "ت".

(3)

سقط من "ت".

(4)

"ت": "منع".

(5)

"ت": "محل".

(6)

تلدد: تلفَّت يمينًا وشمالًا، وتحيَّر متبلدًا وتلبث. انظر:"القاموس المحيط" للفيروزأبادي (ص: 405).

ص: 219

معنا بين الماء الراكد المذكور في الحديث، وغير الراكد الَّذي لم يُذكَر (1).

فنقول: سببُ الشناعة التفريق مع قيام الدليل على التساوي الناشئ عن مقدمتين لا يشكُّ فيهما ناظرٌ مُنصِفٌ، لم يتقدمْهُ ما يميلُه إلى أحد الطرفين، ولم يحرِفْه حتى يكون في ميزان نظره عين، إحدى المقدمتين قطعية، والثانية مقاربة لذلك:

أما المقاربة: فهي علمنا بأنَّ المنعَ من الغسل والوضوء إنما كان بسبب وقوع النجاسة، ولأجل تجنبها فيما يُتقرَّب به إلى الله تعالى.

وأما القطعية: فمساواةُ حال البائل خارج (2) الماء إذا جرى البول إليه، وحالِ البائل فيه، بالنسبة إلى معنى التنزُّه عن النجاسة في الصلاة، وأن ذلك ليس إلا لاستقذارها وطلب إبعادها عن حال القُربة لهذا المعنى.

ومن زعم أنه لا فرقَ في اجتناب الماء بين أنْ يردَ الشرعُ باجتنابه إذا وقعَ فيه البولُ، أو باجتنابه إذا وقع (3) فيه المِسْكُ والعنبر، أو (4) وَرَدَ في معنى الاستقذار وعدمه، فليس له نظر صائب، وإنَّ سماعَ مثلِ هذا لمن المصائب، فإن ذكرتَ لخصمك ما يشبه هذا النظر، فقد أدركت

(1) انظر: "المحلى" لابن حزم (1/ 157).

(2)

"ت": "بخارج".

(3)

"ت": "إذا وضع".

(4)

"ت": "لو".

ص: 220

أدركت من مقابلة التشنيع بالتشنيع الوط (1)، وإلا:

فتلكَ شكاةٌ ظاهرٌ عنكَ عارُهَا (2)

ونحن لا ننكر الفرق عند وجود (3) المعنى الَّذي يوجب الفرقَ، ولا عندَ انحسامِ المعنى ووجوبِ المصير إلى التعبُّدِ، وإنما أنكرناه عند ظهور المعنى ظهورًا قويًا جدًّا، واقتضى ذلك المعنى التسويةَ، فإنكارُ الفرق من هاهنا جاء، وما ذكرتُهُ من الفرق بين الراكد والجاري ليس كذلك. وأيضًا فالتفرقةُ من طريق المفهوم، والمفهومُ مفهومُ موافقةٍ ومفهومُ مخالفة، ومفهوم الموافقة ما يقتضي رجحانَ حالِ المسكوت عنه على حالِ المنطوق به، أو مساواتَه له (4) إن ساواه، ويُعَرفُ ذلك بالرجوع إلى أهل اللسان والعُرف، كما في قوله تعالى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [الإسراء: 23]، [والحكمُ ثابت فيهما؛ أعني: في المسكوت عنه والمنطوق به؛ لأجل العلم بالتساوي أو الأولوية، وقد فرَّقتَ بينهما مع وجوب التساوي.

(1)"ت": "بالوطر".

(2)

من شعر أبي ذؤيب الهذلي، كما في "ديوانه" (ص: 115). وصدره:

وعيَّرني الواشون أني أحبها

وقد تمثَّل ابنُ الزبير بالشطر الثاني من البيت لمَّا قيل له: يا ابن ذات النطاقين، كما رواه البخاري في "صحيحه"(5073).

(3)

"ت" زيادة: "اتحاد".

(4)

"ت": "به".

ص: 221

وأما مفهوم المخالفة فنحن فرقنا به، ولا ينتهي الأمر فيه إلى شيء من التشنيع؛ لكون المسألة نظرية متقاربة الدلائل، بخلاف ما فعلتَهُ] (1).

قال (2): وإلا فليقولوا لنا: ما الَّذي أوجب الفرق بين الماء الراكد وغير الراكد، ولم يوجب الفرق بين البائل وغير البائل، إلا أنَّ ما ذُكِرَ في الحديث لا يتعدَّى حكمُهُ إلى ما لم يُذكَر فيه بغير نص؟ (3)

قلنا: الفرقُ بينهما ما أشرنا إليه من قوة المعنى المذكور وإيجابِه للمساواة قطعًا، ولا كذلك في الراكد والجاري، فإنه لم تُوجَدِ القوةُ [التي](4) في المعنى ثَمَّ، [كما وُجِدت](5) هاهنا؛ لأنَّ المساواةَ في المعنى الَّذي ظهرَ [ثَمَّ](6) قطعيةٌ، وقد نتبرعُ بذكر معنى يقتضي الفرقَ من جهة المناسبة، إلا أنا في هذا المقامِ نكتفي بعدم الإلحاق في الفرق؛ لقصور هذه الصورة عن تلك.

وقولهُ: إلا أن ما ذُكِر في الحديث

إلى آخره، حصرٌ في سبب التفرقة بين الجاري والراكد، وهو ممنوعٌ؛ أعني: انحصارَ المأخذِ فيما ذُكِر.

قال: وكتفْرِقتِهم في الغاصب للماء، فيَحرُمُ عليه شربُهُ

(1) سقط من "ت".

(2)

يعني ابن حزم.

(3)

انظر: "المحلى" لابن حزم (1/ 157).

(4)

سقط من "ت".

(5)

زيادة من "ت".

(6)

سقط من "ت".

ص: 222

واستعمالُه، وهو حلالٌ لغير الغاصب له (1).

قلنا: هذا ركيك جدًّا؛ لأنَّ ما ثبت لعلة تتعيَّنُ إضافةُ الحكم إليها، وجب أن يثبُتَ عند وجودها، وينتفي عند انتفائها، وهذه العلة [في مسألة الغصب](2) مُقتضيةٌ للتفريق بين الغاصب وغيره؛ لأنها ليست إلا العدوانَ وتحريمَ مالِ الغير، وغيرُ الغاصب لا عدوانَ منه.

قال: وهل البائل وغير البائل إلا كالزاني وغير الزاني، والسارق وغير السارق، والشارب وغير الشارب، والمصلي وغير المصلي، لكل ذي اسم منها حكم (3)، وهل الشنعة والخطأ الظاهر إلا أنْ يَرِدَ نصٌّ البائل، فيُحمل ذلك الحكمُ على غير البائل! وهل هذا هو إلا كمَنْ حَمَلَ حكمَ السارق على غير السارق، وحكمَ الزاني على غير الزاني، وحكمَ المصلي على غير المصلي، وهكذا في جميع الشريعة؟! نعوذ بالله من هذا (4).

قلنا: جميعُ ما ذكرتَ من التفرقة في هذه الصور ليس للأسامي كما تَزْعُم، ولا للاقتصار على الاسم في هذه الصور؛ لأنَّ الحكمَ لا يتعلَّقُ فيها بالاسم، بل بالعلل التي أوجبت تلك الأحكام، وعُلِمَ أنَّها أسبابُها، والعقوبات المرتبة على ارتكاب الجنايات المحرمة

(1) انظر: "المحلى" لابن حزم (1/ 157).

(2)

سقط من "ت".

(3)

"ت": "حكمه".

(4)

انظر: "المحلى" لابن حزم (1/ 157 - 158).

ص: 223

شرعًا، تقتضي الفرقَ بين من جنى بارتكاب المعصية وبين مَنْ لم يجنِ.

هذا إن أراد به وجوبَ التسوية في خصوص الأحكام، وهو أنْ يُساوى بين السارقِ وغيرِه في خصوص العقوبة، وهي القطعُ في السرقة، والجَلْدُ في زنا البِكر، والرجمُ في زنا المُحْصَن

إلى آخره.

وإن أراد وجوبَ التسوية فيما هو أعمُّ من خصوص العقوبة فنقول حينئذ: [لا يخلو إما أنْ يظهرَ معنى يقتضي الحكمَ المعين بالصورة المخصوصة، أو لا، فإن ظهر معنى يقتضي تخصيصَ الحكمِ فقد ظهر ما يوجب الفرق، ونحن نتكلم معك فيما ظهر فيه ما يوجب الجمع، وإن لم يظهر معنى يقتضي التخصيصَ: فلا يخلو إما أن يظهرَ معنى يجوز أن يُسنَدَ إليه الحكمُ، أو لا، فإن ظهر معنى يجوز أن يُسنَدَ إليه الحكمُ، ألحقنا حيثُ يجوز الإلحاقُ](1)، وإن لم يظهر [معنى](2)، وجب أنْ نقتصرَ على المنصوص، ونجعلَهُ تعبُّدًا، فإن شرطَ التعدية (3) فهمُ المعنى.

وكذلكُ الفرق بين المصلِّي وغيرِ المصلي، إن أراد به الفرق في

(1) ما بين معكوفتين جاء في "ت": "لا يخلو إما أن يظهر معنى تخصيص العقوبة المعينة بالجناية المعينة أو لا، فإن ظهر معنى يجوز أن يسند إليه الحكم، فقد ظهر ما يوجب الفرق، ونحن نتكلم معك فيما ظهر فيه ما يوجب الجمع".

(2)

زيادة من "ت".

(3)

"ت": "التعبدية".

ص: 224

الإكرام واستحقاقِ الثواب شرعًا، فعليه قيامُ الفارق بين المصلي وغيره، وهو (1) وجودُ العلة فيه، وانتفاؤُها عن غيره، لا مجرَّدَ الاسم كما تقول.

قال: ولو أنصفوا أنفسَهم؛ لأنكرَ المالكيون والشافعيون على أنفسهم تفريقَهم بين مَسِّ الذَّكرِ بباطن الكفِّ؛ فينتقِضُ (2) الوضوءُ، وبين مَسِّهِ بظاهر الكف؛ فلا ينتقض (3) الوضوء (4).

قلنا: سببُ التفريق أنه ذُكِرَ أنَّ الإفضاءَ لا يكون إلا بباطن الكف، وذلك قضاءٌ على اللغة، وإخبار عنها [بأن هذا هو الوضع](5)، فإن صحَّ فالانتقاض بباطن الكف على هذا التقدير كالنص (6)، وعدم الانتقاض بظاهر الكف؛ لعدم ظهور المعنى المعقول في انتقاض الوضوء بمسِّ الذَّكَرِ في الجملة، وما قيل فيه من المعنى المناسب ليس بالقوي، ولا ينتهي في درجة الظن إلى ما يُقارِبُ القطعَ، بخلاف ما نحن فيه.

وإن لم يصحَّ ما ذُكِر من أنَّ الإفضاءَ لا يكون إلا بباطن [الكف](7)، فالخطأ هاهنا مبنيٌ على فساد الأصل، لا على وجوب

(1)"ت": "ويقويه".

(2)

"ت": "فينقض".

(3)

"ت": "فينقض".

(4)

انظر: "المحلى" لابن حزم (1/ 158).

(5)

سقط من "ت".

(6)

"ت": "بالنص".

(7)

زيادة من "ت".

ص: 225

المساواة بين باطن الكف وظاهرِها الَّذي أنت تحاولُ تقريرَهُ.

قال: ولأنكرَ المالكيون على أنفسهم تفريقَهُم بين حكم الشريفة وحكم الدنيَّة في النكاح، وما فَرَّقَ الله تعالى بين فرجيهما في التحليل والتحريم والصَّدَاق والحَدِّ (1).

قلنا: إنما فرقوا بين الدنيَّة والشريفة لمعنى رأوا أنَّه العلةُ في اشتراط الولي الأقرب.

وتقريرُه: أنَّ النساءَ مَظِنَّةُ الانخداعِ، والميلِ إلى الشهوات، وتقديمِ أهل الغنى على أهل الدين، وذلك قد يجرُّ إلى إلحاق العار الشديد بالأولياء، لاسيَّما في طباع العرب، فاقتضى هذا المعنى عندهم أن يكونَ علةً لتفويض الأمر إلى الأولياء، دفعًا لضرر العارِ عنهم، وللمفاسد الناشئة عن (2) تفويض أمر النكاح إلى المرأة، وهذا المعنى معدومٌ في الدنية التي لا عارَ في تزويجها مِنْ أحدٍ على أحد، فلا تساوي الشريفةَ، فاقتضى الحالُ التفرقةَ، فإذا امتنع تزويجُها نفسَها مباشرةً وزوَّجها غيرُها - مَنْ كان - لم تحصل مفسدةُ الإضرار لإلحاق العار، فلا يخلو حينئذٍ: إما أن يكونَ هذا المعنى مُعتبَرًا، أو لا؛ فإن كان معتبرًا فالفرقُ ظاهرٌ، وإن لم يكنْ معتبرًا فالخطأ في الحكم؛ لأجل الخطأ في النظر في العلة، لا لأجل التفريق، وخطؤكم في التفريق مع مقتضى الجمع قطعًا أو قريبًا منه.

(1) انظر: "المحلى" لابن حزم (1/ 158).

(2)

"ت": "من".

ص: 226

قال: ولأنكرَ المالكيون والشافعيون تفريقَهُمْ بين حكم التمر وحكم التين (1) في العرايا (2).

قلنا: فرَّقوا بقيام الدلائل الشرعية على تحريم بيع الرَّطْبِ باليابس، فإنْ ظهرَ معنى يقتضي التخصيصَ، [أو](3) يجوز اعتبارُه شرعًا [في علة الحكم](4)، فلا إنكارَ في التخصيص، وإن لم يظهرْ، وجب الاقتصارُ على موضع النص، لفقدان شرط الإلحاق، وهو فهمُ المعنى.

قال: وهؤلاء المالكيون يُفرِّقون معنا بين ما أدخل الكلبُ فيه لسانَه، وبين ما أدخل فيه ذَنبَهَ المبتلَّ [من الماء] (5). قلنا: حَمَلَهم عليه أنَّهم رأوا إباحةَ الاصطياد به وملابستَه، وأكلَ ما يصيده دليلَ الطهارة، ولم يظهرْ لمالك - رحمه الله تعالى - في غسل الإناء سبعًا [معنى](6) بعد طهارته، فقضى بالتَّعبُّدِ، ولا قياسَ مع التعبد، وهذه أمورٌ نظريةٌ لا تنتهي إلى ما ارتكبتموه من الفرق، فإنْ صحَّتْ، فالفرقُ صحيحٌ، وإلا فلا خطأَ من جهة الفرق، ولا من جهة اتباعِ الاسم في غير صورة الفرق.

(1) في المحلى": "البسر".

(2)

انظر: "المحلى" لابن حزم (1/ 158).

(3)

سقط من "ت".

(4)

سقط من "ت".

(5)

زيادة من "ت"، وانظر:"المحلى"(1/ 158).

(6)

سقط من "ت".

ص: 227

قال: ويفرقون بين بول البقرة وبين بول الفرس، ولا نصَّ في ذلك (1).

قلنا: فرقوا؛ لأنَّ الأبوالَ تابعةٌ للُّحوم، وأقاموا دليلًا على طهارة بول ما يؤكَلُ لحمُه، والبقرةُ مأكولةُ اللحمِ، فكان بولُها طاهرًا عندهم، والخيلُ مكروهةُ اللحم، فكان بولُها مكروهًا أو نجسًا على حسب ما اختلفوا فيه، والكلامُ في جميع هذه المقدمات اجتهاديٌّ لا ينتهي الخطأ فيه إلى ما انتهيتم إليه، فلا (2) يساويه.

قال: بل أشنعُ من ذلك تفريقُهم بين خُرء الدَّجاجة المُخَلَّاة، وخُرئها إذا كانت مقصورةً، وبين بول الشاة إذا شربت ماء نجسًا، وبولها إذا شربت ماء طاهرًا (3).

قلنا: فرقوا؛ لأن الأبوالَ والأَرْواثَ فضلةُ المأكول والمشروب بعينها لم تأتِ من غيرها، ولا انتقلت (4) إلى صلاح، فإذا كانت نجسةً قَبْلَ استعمالِ الحيوانِ لها، ثبتت (5) على ما كانت عنيه، إذ لا موجبَ لانقلابها طاهرةً بعد نجاستها أولًا، وعدمِ انتقالها إلى صلاح، بل قد انتقلت إلى صفة الاستقذار التي تؤكِّدُ الحكمَ بالنجاسة.

(1) انظر: "المحلى" لابن حزم (1/ 158).

(2)

"ت": "ولا".

(3)

انظر: "المحلى"(1/ 158).

(4)

"ت": "انقلبت".

(5)

"ت": "بقيت".

ص: 228

قال: وفرَّقوا بين الفول وبين نفسه، فجعلوه في الزكاة مع الجُلْبَان (1) صنفًا واحدًا، وجعلوهما (2) في البيوع صنفين (3).

قلنا: فرقوا؛ لاعتقادهم أنَّ علَّةَ الجمع في الزكاة غيرُ علة الجمع في البيوع، فإن صحَّ هذا الاعتقاد فالفرقُ صحيح، وإلا فهو خطأ في نصب العلة في محل اجتهاد، وليس كلُّ خطأ في محل الاجتهاد في طريق الشناعة، ولا انتهى إلى ما ارتكبتموه، ولو انتهى بعضُ (4) المجتهدين إلى هذا الحدِّ لالتحقَ بكم في الشناعة، لكنه بعيدٌ أن ينتهيَ معكم إلى هذا التشنيع.

قال: وكلُّ ذي عقل يدري أنَّ الفرقَ بين البائل والمتغوط بنصٍّ [جاء](5) في أحدهما دونَ الآخر، أوضحُ من الفرق بين البولِ أمسِ والبول اليومَ، وبينَ الفول ونفسه، بغير نصٍّ ولا دليلٍ أصلًا (6).

قلنا: أما الأمس واليوم فلا مدخلَ له في أحكام النجاسة والطهارة، وإن كنتَ أردتَ أن بولَ الشاة أمسِ قبلَ أكلها النجاسة، يفارق بولَها اليومَ بعد أكلها النجاسةَ، فليس ذلك للأيام حتى يصلُحَ

(1) الجُلْبَان والجُلُبَّان: نوع من الحبوب.

(2)

في "المحلى": "وجعلوه".

(3)

انظر: "المحلى"(1/ 158).

(4)

"ت": "البعض".

(5)

زيادة من "المحلى".

(6)

انظر: "المحلى"(1/ 158).

ص: 229

التشنيعُ بها، وإنما هو لأجل استعمال النجاسة، وانتفاءِ العلة بالأمس ووجودِها اليوم، وإدخالُك الأيامَ في هذا إيهامٌ؛ لأنها (1) العلةُ التي أُدير عليها الحكمُ حتى [تقيمَ](2) فيه الشناعةَ، وليس الأمرُ كذلك.

وافتراقُ الأحكامِ بسبب تغاير عللهِا وزوالهِا كثيرةٌ لا تُحصَى، والشريعةُ لا يُشَنَّعُ (3) فيها بأنْ ينسَبُ الحكمُ إلى الأيام التي لا اعتبار بها، والتفريقُ بين البول أمسِ والبولِ اليومَ؛ لانتفاء العلة أمس ووجودِها اليوم، كالتفريق بين حلِّ الفرج أمسِ وتحريمِهِ اليومَ بحدوث (4) علة التحريم، وهي (5) الطلاق، وبين تحريمِه أمس وإباحته اليوم؛ لأجل وجود علة الإباحة، وهي النكاح، وحلِّ نَقِيعِ الزَّبيبِ والتمر أمسِ وحرمتُه اليومَ؛ لِطُرءِ علة التحريم، وهي (6) الإسكار، وهذا الَّذي ذكره من المغالطات شبيهٌ بتصرفات الشعراء.

وقوله: بغير نص ولا دليل أصلًا، فأما كونه بغير نصٍّ، فقد نسلِّمه مسامحةً في بعض الصور، إلا أن الحكم عند خصمه لا يتوقف على النص فقط، فإن كان يُشنِّعُ عليه بكونه يُثبِتُ (7) حكمًا بغير نصٍّ،

(1) أي: إيهام بأنها.

(2)

"ت": "تقوم".

(3)

"ت": "تشنيع".

(4)

"ت": "لحدوث".

(5)

"ت": "وهو".

(6)

"ت": "وهو".

(7)

"ت": "ثبت".

ص: 230

وأنه لا تثبتُ الأحكامُ إلا بالنصوص، فهذا كلامٌ في أصل القياس وكونِهِ دليلًا، فليشنِّعُهُ على الأمةِ شرقًا وغربًا، وقُربًا وبُعدًا (1) في أمصار الإسلام.

قال: وهؤلاء الشافعيون فرقوا بين البول في مخرجه من الإحليل، فجعلوه يَطْهُرُ بالحجارة، وبين ذلك البول في نفسه من ذلك الإنسان نفسه إذا بلغ أعلى الحَشَفة، فجعلوه لا يَطْهُرُ إلا بالماء (2).

قلنا: فرقوا للدليل الدالِّ على اجتناب النجاسة، مع الدليل الدالِّ على الاكتفاء بالحجر في محل الإحليل، مع قاعدة وهي: أنَّ مَوْرِدَ النصِّ إذا اشتمل على وصف يمكن أن يكونَ مُعتبرًا في الحكم، لم يجزْ إلغاؤه؛ لأنه لو أُلغِيَ لكان قياسًا مع إمكان الفارق، وهو غلط، ولاشكَّ أن البول في الإحليل متكرِّرٌ ابتُلي المكلف بتكرُّرِهِ، ولا يساويه في هذا المعنى البولُ في غير الإحليل، ويمكن أن يكون الشارعُ سامح في ذلك المحلِّ مع كون الأصل تحريمَ استصحاب النجاسة في العبادة (3)؛ لأجل هذه المشقة المتكررة، فلا يُلحَقُ غيرُ محلِّ النصِّ بهْ؛ لاحتمال اعتبار الفارق الَّذي في محل النص.

قال: وفرَّقوا بين بول الرضيع وبين غائِطِه في الصَّبِّ والغَسل،

(1)"ت": "وبعدًا وقربًا".

(2)

انظر: "المحلى"(1/ 158). ووقع هناك: "وبين ذلك البول نفسه".

(3)

"ت": "العبادات".

ص: 231

وهذا هو (1) الَّذي أنكروا علينا هاهنا بعينه (2).

قلنا: للتفريق مآخذ:

أحدُها: أنَّ الأصلَ اجتنابُ النجاسة ووجوبُ غَسْلِها، والنصُّ في النَّضْح وَرَدَ في البول (3)، فيبقى في الغائط على مقتضى الأصل، ففرقوا بين البول والغائط لاقتضاء الدليل وجوبَ الاحترازِ عن الغائط وغسلِه، وتفريقهم هاهنا بين البول والغائط لا يساوي هذا.

وثانيها: أنَّ التخفيفَ في البول يمكن أن يكونَ لما فيه من القصور في الاستقذار عن الغائط، ويمكن أن يكونَ الشارعُ اعتبر هذا المعنى، فإلحاقُ غيرِه به قياسٌ مع إمكان الفارق، وأما إلحاقُ الغائطِ بالبول فيما نحن فيه فهو عكسُ هذا، فإنه إذا نصَّ على الأخف بالمنع، فالأغلظُ أولى قطعًا، كما في تحريم التأفيف مع الضرب.

قال: وهؤلاءِ الحنفيةُ فرقوا بين بول الشاة في البئر فيفسدُها، وبين ذلك المقدار نفسه من بولها بعينه في الثوب فلا يفسدُه.

وفرقوا بين بول البعير في البئر فيفسده، ولو أنه نقطةٌ، ولو وقعت بَعْرتان من بَعْر ذلك الجمل في الماء في البئر (4) لم يَفْسُدِ الماءُ،

(1)"ت" زيادة: "نفسه".

(2)

انظر: "المحلى"(1/ 158).

(3)

وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "يغسل من بول الأنثى، وينضح من بول الذكر"، كما رواه أبو داود (375)، كتاب: الطهارة، باب: بول الصبي يصيب الثوب، وغيره من حديث لبابة بنت الحارث رضي الله عنها.

وإسناده صحيح.

(4)

في "المحلى": "في ماء البئر".

ص: 232

وهذا نفسُ ما أنكروا علينا.

وفرقوا بين روث الفرس (1) يكون في الثوب منه أكثرُ من قدر الدرهم البغلي (2) فيفسدُ الصلاة، وبين [بول](3) ذلك الفرس نفسه يكون في الثوب، فلا يفسدُ الصلاة إلا أن يكون ربعَ الثوب عند أبي حنيفة، أو شبرًا في شبر [عند أبي يوسف](4)، فيفسدها حينئذ، وزفرٌ منهم يقول: بولُ ما يؤُكَلُ لحمُه طاهرٌ كلّه، ورجيعُهُ نجسٌ (5)، وهذا هو الَّذي أنكروا علينا.

وفرقوا بين ما يملأ الفم من القَلَس وبين ما لا يملأ الفمَ [منه](6).

وفرقوا بين البول في الجسد فلا يُزيله إلا الماءُ، وبين البول في الثوب فيزيلُه غيرُ الماء.

قال: ولو تتبعنا سَقَطاتِهم لقام منها ديوانٌ (7).

قلنا: لسنا ننكرُ عليك، ولا على أحد من المجتهدين ما كان عن اجتهاد فأخطأ فيه، وإنما ننكرُ على مَنْ فرَّق بين المنصوص عليه وبين

(1)"ت" زيادة: "نفسه".

(2)

الدرهم البغلي: منسوب إلى ملك يقال له: رأس البغل، كل درهم ثمانية دوانيق، انظر:"تحرير ألفاظ التنبيه" للنووي (ص: 113).

(3)

زيادة من "ت".

(4)

سقط من "ت".

(5)

انظر: "الهداية" للمرغيناني (1/ 10).

(6)

سقط من "ت".

(7)

انظر: "المحلى"(1/ 158 - 159).

ص: 233

ما هو في معنى المنصوص عليه قطعًا، وننكرُ جحدَ ما يَبِيْنُ من مقصود المتكلم وعلة الحكم قطعًا أو قريبًا من القطع، فإن كان شيءٌ مما ذكرتَ من هذا القبيل فبيِّنه، وإلا فلا مساواة.

قال: فإن قالوا: مَنْ قال بقولكم هذا في الفرق بين البائل والمتغوِّط في الماء الراكد قبلَكم، قلنا: قاله رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، الَّذي لا يأتيه الباطلُ مِنْ بين يديه ولا من خلفِه؛ [إذ بيَّن لنا حكمَ البائل](1)، وسكت عن المتغوِّط والمتنخِّم والمتمخِّط (2).

قلنا: لم يفرقْ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بين البائل والمتغوط في الحكم قطُّ، وإنما فرق بينهما في الذِّكر والسكوت، وأَخْذُ التفريق بينهما في الحكم من التفريق بينهما في الذكر والسكوت يتوقفُ على دليل خارجٍ عن اللفظ، فلا يجوزُ أن يُنسَبَ إلى قول الرسولِ صلى الله عليه وسلم؛ أعني: التفريقَ في الحكم، وأقلُّ درجات ما ادَّعينا فيه القطعَ أو قريبًا منه أن يكون مُحتمِلًا، فكيف يحلُّ مع الاحتمال أنْ تَجْزِمَ القولَ بأنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قاله؟! وأينَ هذا من نسبتك الناسَ إلى الكذبِ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إذا فهموا معنى، ورتَّبوا عليه (3) الحكم؟!

قال: ولكن أخبِرونا مَنْ قال مِنْ ولد آدم بفروقكم هذه قبلَكم، كالفرق بين بول الشاة في البئر وبولها في الثوب، وبين بولها في

(1) زيادة من "المحلى".

(2)

انظر: "المحلى"(1/ 159).

(3)

"ت": "رتبوه".

ص: 234

الجسد وبولها في الثياب، وبين بول الشاة تشرب ماء طاهرًا وبولها إذا شربت ماء نجسًا، وبين البول في رأس الحَشَفة وبينَه فوقَ ذلك، فهذا (1) هو الَّذي لم يقلْهُ أحدٌ قطُّ قبلَهم، وليتهم - إذْ قالوه (2) مبتدئين - قالوه بوجه يُفهَم أو يُعقَل، وكذلك سائرُ فروقهِم المذكورة، والحمد لله رب العالمين.

ونحنُ لا ننكرُ القول بما جاء به القرآنُ والسنة، وإن لم نعرف قائلًا مُسمَّى به، وهم ينكرون ذلك ويفعلونه، فاللوائمُ لهم لازمةٌ لا لنا (3).

قلت: الواجبُ أن لا يقولَ الناظرُ ما قال أهلُ الإجماع [خلافَهُ](4)، ودونَ هذا في الرتبة ما اشتهر به العملُ بين الأمة من غير نكير، وإنْ لم يتحَّققْ قولُ كلِّ واحد منهم، فمَنْ خالف وابتدع (5) قولًا شُنِّعَ عليه به، وأما أنَّ الواجبَ أن لا يقولَ إلا ما قال بعضُهم وِفَاقَه، [وإن ظهر](6) عليه دليل من كتاب أو سنة، ولم يكنْ [من أحد

(1)"ت": "هذا".

(2)

في الأصل: "إذا قالوا"، والتصويب من "ت".

(3)

انظر: "المحلى"(1/ 159)، وقال بعده: وإنما ننكر غاية الإنكار القولَ في دين الله تعالى وعلى الله ما لم يقله تعالى قط، ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا والله هو المنكر حقًا، ولو قاله أهل الأرض.

(4)

سقط من "ت".

(5)

"ت": "خالفه ابتدع".

(6)

في الأصل "أيظهر"، والمثبت من "ت".

ص: 235

القسمين] (1)، فهذا موضعُ نظر، ومَنْ لم يُوجِبْ ذلك، فلا تشنيعَ عليه فيما يذهبُ إليه، لا من جهتك، ولا من جهتهم، وأما إنكارهم ذلك مع فعله، فمنكرٌ على مَنْ فعله منهم قبيحٌ.

* * *

(1)"ت": "من قبيل المشتهر والممكن".

ص: 236