الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إما من مجاز الحذف بأن يقال: فإنَّ في أحدِ جناحيه سببَ داء، و (1) ما أشبهَ ذلك من التقديرات، وإما على جهة المبالغات (2) بأن يجعل كالداء (3) في أحد جناحيه لَمَّا كان سبباً له ومُفضياً إليه (4)، كما قال الشاعر [من الرجز]:
صَارَ الثَّريدُ في رُؤوسِ العِيدَان (5)
بمعنى أنَّ مآل الزرع بعد انتهائه واشتداده وطحنه وعجنه إلى أن يُعملَ منه ثريدٌ، فجعله في رؤوس العيدان مبالغةً لما أنه سيصير إليه.
* * *
*
الوجه السادس: في الفوائد والمباحث، وفيه مسائل:
الأولى:
اختلفوا فيما لا نفسَ له سائلةً، كالذباب، والنمل، والعقرب، والزنبور، والخنفساء ونحوها، إذا مات في ماء قليل
(1)"ت": "أو".
(2)
"ت": "المبالغة".
(3)
"ت": "كان الداء".
(4)
ذكر الحافظ ابن حجر في "فتح الباري"(10/ 251) أنه ورد في حديث أبي سعيد أنه: "يقدم السم، ويؤخر الشفاء". قال: ويستفاد من هذه الرواية تفسير الداء الواقع في حديث الباب، وأن المراد به السم، فيستغنى عن التخريج الذي تكلفه بعض الشراح فقال: إن في اللفظ مجازاً، وهو كون الداء في أحد الجناحين
…
، ثم ساق الحافظ ابن حجر تتمة مقالة الإمام ابن دقيق العيد هذه.
(5)
البيت أورده النحاس في "معاني القرآن"(3/ 426)، والقرطبي في "تفسيره"(13/ 146)، وأبو حيان في "البحر المحيط"(7/ 400)، وغيرهم دون نسبة، وصدر البيت:
الحمد لله العلي المنَّان
- أو [في](1) مائعٍ آخرَ، هل ينجس الماء، [أو المائع](2)؟
فالمنقولُ عن الشافعي رضي الله عنه قولان:
أصحهما - وهو قول جمهور أهل العلم -: أنه لا يَنجُس [وما](3) مات فيه، حتى قال في "الإشراف": وأجمعوا أن الماء لا ينجس بوقوع الذُّباب فيه، والخنفساء بمنزلة الآدمي في أحد قولي الشافعي (4).
وقد استدلَّ الجمهورُ بهذا الحديث، وهو الذي أُدْخِلَ لأجله في باب المياه، ووجهُ الاستدلالِ: أنه أمرَ بغمس الذباب في الطعام مع احتمال موته فيه، وقرب ذلك بما إذا كان الطعام حاراً، ولو كان ينجس الطعام لكان في غمسه تعريضاً لتحريم أكله وإتلاف ماليَّتِه (5).
والقول الثاني: أنه ينجس، قال بعضُ مصنفي الشافعية: وهو القياس، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم أمرَ بغمسِ الذباب فيه فَطَرْحِه (6)، لا بقتله، وإنما
(1) سقط من "ت".
(2)
سقط من "ت".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
وانظر: "الأوسط" لابن المنذر (1/ 282).
(5)
"ت": "وإتلافاً لماليته".
(6)
"ت": "وطرحه".
أمر به فَطْماً لهم عن عاداتهم (1)، فإنهم كانوا يستقذرون طعاماً يقع فيه الذباب (2).
وهذا الذي ذكره اعتذاراً عن الاستدلال بالحديث ضعيفٌ؛ أما قوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغمسِ الذباب فيه وطرحِه لا بقتله، فوجه الدليل إنما هو التعريض بغمسه لإفساد الطعام بأن يقال: لو كان يُفْسِدُ الطعامَ لَمَا أمر بغمسه لتعريضه الطعامَ للإفساد، فإن كانت هذه الملازمةُ باطلةً: فلتُمنعَ ليُستدلَّ عليها، وإن كانت الملازمةُ صحيحةً: فالدليلُ صحيح، [و](3) غايةُ ما في الباب أنَّه لو أمر بقتله لكان أقوى في الدلالة، وليس من شرط اللفظ المستدَلِّ به أن لا يمكنَ ذكرُ ما هو أقوى في الدلالة منه.
وأمَّا قوله: وإنما أمر به فطماً لهم عن عاداتهم، فهذا يُعترَض عليه بوجهين:
أحدهما: أنه مخالفٌ لظاهر الحديث في التَّعليل؛ فإنَّ ظاهرَه يدل على أنَّ العلةَ إذهابُ الشفاء للداء، والعلة تقتضي الحصرَ على ما قرَّره الخلافيون من المتأخرين.
(1)"ت": "لفظهم عاداتهم".
(2)
انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (1/ 337)، و "المغني" لابن قدامة (1/ 185)، و "المجموع شرح المهذب" للنووي (1/ 188).
(3)
زيادة من "ت".