الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحديث الأول
عَنْ أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّا نركَبُ في الْبَحْرِ، وَنَحْمِلُ مَعَنَا الْقَلِيلَ مِنْ المَاءَ، فَإِنْ تَوَضَّأناَ بِهِ عَطِشْنَا، أفنَتَوَضَّأُ بمَاءِ (1) الْبَحْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"هُوَ الطهُورُ مَاؤُهُ، الْحِلُّ مَيْتَتُهُ".
أخرجه الأربعة: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وصححه الترمذي، وأخرجه ابنُ خزيمةَ في "صحيحه"، ورجحَ ابنُ مَنْده - أيضًا - صحتَهُ (2).
(1) في المطبوع من "الإِمام"(1/ 97)، و"الإلمام"(1/ 49)، والنسخة الخطية منه (2 / ب):"من ماء" بدل "بماء".
(2)
* تخريج الحديث:
رواه أبو داود (83)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء بماء البحر، والنسائي (59)، كتاب: الطهارة، باب: ماء البحر، والترمذي (69)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في ماء البحر أنه الطهور، وقال: حسن صحيح، وابن ماجه (386)، كتاب: الطهارة، باب: الوضوء بماء البحر، و (3246)، كتاب: الصيد، باب: الطافي من صيد البحر، وابن خزيمة في "صحيحه"(111)، كلهم من طريق الإِمام مالك في "الموطأ"(1/ 22)، عن صفوان بن سليم، عن سعيد ابن سلمة من آل بني الأزرق، عن المغيرة بن أبي بردة - وهو من بني عبد الدار -: أنه سمع أبا هريرة، فذكره. =
الكلامُ عليه من وجوهٍ:
* الأول: في التعريف بمن ذُكِرَ فيه:
أمَّا أبو هريرة رضي الله عنه: فقد اختُلِفَ في اسمِهِ واسم أبيه اختلافاً كثيرًا، والذي عندَ أكثرِ أصحابِ الحديث المتأخرين في الاستعمال أنَّ اسمَهُ في الإِسلام عبدُ الرحمن بن صخر.
قال أبو أحمدَ الحاكم (1): أصحُّ ما عندنا في اسم أبي هريرة عبدُ الرحمنِ، وهو دَوْسي النسب، نسَبُهُ إلى - دَوْسٍ - بفتح الدال، وسكون الواو، وآخرُهُ سينٌ مهملة - وهي قبيلةٌ في الأَسْد، وهو دَوْس بن عُدْثا [ن]- بضم العين، وسكون الدال المهملة (2)، بعدَها ثاءٌ مثلثة - ابن عبد الرحمن بن زهران بن كعب بن عبد الله بن مالك بن
= وهذا الحديث صححه جمع كبير من الأئمة والعلماء، فصححه البخاري، والترمذي، وابن منده، وابن خزيمة، وابن حبان، والطحاوي، والخطابي، والحاكم ووافقه الذهبي، والبغوي، والبيهقي، وابن المنذر، وعبد الحق، والنووي وابن القيم، والزيلعي، وابن الملقن، وابن حجر، وغيرهم كثير، وقد جمع ابن الجوزي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه هذا وشواهده من الأحاديث جزءًا كبيرًا، كما قال ابن عبد الهادي في "التنقيح"(1/ 20).
وقد تُكلِّم في الحديث من جهة الاضطراب في الإسناد، والاختلاف في بعض الرواة، ودعوى الجهالة في بعضهم أيضًا، وسيأتي الكلام عن ذلك كله عند المؤلف رحمه الله في الوجه الثاني من الكلام على الحديث.
(1)
في "الكنى"، كما نقله عنه ابن عبد البر في "الاستيعاب"(4/ 1770).
(2)
في "شرح عمدة الأحكام" للفاكهاني (4 / أ) وقد نقل عن الإِمام ابن دقيق كلامه في ترجمة أبي هريرة رضي الله عنه: "المهملتين" بدل "المهملة".
نضر بن الأزد. هكذا نسبُهُ.
وأمَّا اتصال نسبه بدوس، فقال خليفةُ بن خيَّاط: أبو هريرةَ هو عميرٌ بن عامر بن عبيد (1) ذي الشَّرى بن طريف بن عتاب بن أبي صعبة (2) بن منبِّه (3) بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس (4).
وذكر إبنُ إسحاقَ قال: حدثني بعض أصحابنا، عن أبي هريرة قال: كان اسمي في الجاهلية عبدَ شمس، فسُميّتُ في الإِسلام عبدَ الرحمن، وإنما كنيتُ بأبي هريرة؛ لأني وجدت هرَّةً فحملتها في كُمِّي، فقيل لي: ما هذه؟ فقلت: هرةٌ، فقيل:"فأنت أبو هريرة"(5).
(1) في المطبوع من "الطبقات" لخليفة بن خياط (ص: 114): "عبد"، وكذا ذكره الفاكهاني في "شرح عمدة الأحكام"(ق 4 / أ).
(2)
في المطبوع من "الطبقات"(ص: 114): "صعب" بدل "صعبة".
(3)
في المطبوع من "الطبقات"(ص: 114)، زيادة:"بن سعد" بعد "منبه"، وكذا في "شرح عمدة الأحكام" للفاكهاني (ق 4 / أ).
(4)
انظر: "الطبقات" لخليفة بن خياط (ص: 114).
(5)
رواه ابن إسحاق في "السيرة"(ص: 266)، ومن طريقه: الحاكم في "المستدرك"(6141)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(67/ 298). وإسناده ضعيف؛ لجهالة الأصحاب الذين حدثوا ابن إسحاق بهذا الحديث.
وكذا أخرجه أبو أحمد الحاكم في "الكنى" من طريق يونس بن بكير، عن ابن إسحاق، به، وأخرجه ابن منده من هذا الوجه مطولاً، كما ذكر الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(7/ 426).
ثم ذكر الحافظ ابن حجر ما أخرجه الترمذي بسند حسن (3840)، كتاب: المناقب، باب: مناقب لأبي هريرة رضي الله عنه، عن عبد الله بن رافع قال: =
قال أبو عمر: وقد روينا عنه قال: كنتُ أحمل هرةً يومًا في كُمِّي، فرآني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال:"مَا هذهِ؟ "، فقلت: هرةٌ، فقال:"يا أبا هُرَيْرَةَ".
قال أبو عمر: وهذا أشبهُ عندي أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم كنّاه بذلك، والله أعلم. قال أبو عمر: أسلمَ أبو هريرة عامَ خيبر (1)، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لزمه وواظبَ رغبةً في العلم، راضياً بِشِبَع بطنه، كانت يدُهُ مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدور معه حيثما دار (2)، وكان
= قلت لأبي هريرة: لم كنيت أبا هريرة؟ قال: أما تَفْرَقُ مني؟ قلت: بلى والله! إني لأهابك، قال: كنت أرعى غنم أهلي، فكانت لي هريرة صغيرة، فكنت أضعها بالليل في شجرة، فإذا كان النهار ذهبت بها معي، فلعبت بها، فكنُّوني أبا هريرة. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب.
(1)
قال العلامة المعلمي اليماني - رحمة الله - في "الأنوار الكاشفة"(ص: 145): في ترجمة الطفيل بن عمرو الدوسي من "الإصابة"(3/ 522): أنه لما عاد إلى قومه - وذلك قبل الهجرة بمدة - دعا قومه إلى الإِسلام فلم يجبه إلا أبوه وأبو هريرة. فعلى هذا يكون: إسلام أبي هريرة قبل الهجرة، وإنما تأخرت هجرته إلى زمن خيبر. وانظر:"فتح الباري" لابن حجر (8/ 102).
(2)
روى البخاري (1942)، كتاب: البيوع، باب: ما جاء في قول الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} [الجمعة: 10] ومسلم (2492)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي هريرة الدوسي رضي الله عنه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إنكم تقولون: إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله رضي الله عنه، وتقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل حديث أبي هريرة، وإن إخوتي من المهاجرين كان يشغلهم صفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني، فأشهد إذا غابوا، وأحفظ إذا نسوا
…
. الحديث.
مِنْ أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد شهد له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بأنَّهُ حريصٌ على العلم والحديث (1)، وقال له: يا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: إني سمعتُ منك حديثا كثيرًا، وإني أخشى أن أنساه، فقال:"ابسُطْ رداءَكَ" فبسطتُهُ، فغرف بيده فيه ثم قال:"ضُمَّهُ"، فضممتُه، فما نسيتُ شيئًا بعدُ (2).
وقال البخاري: روى عنه أكثرُ من ثمانِ مئة رجلٍ من بين صاحب وتابع.
وممن روى عنه من الصحابة: ابن عباس، وابن عمر، وجابر بن عبد الله، وأنس، وواثلة بن الأسقع.
استعمله عمرُ رضي الله عنه على البحرين ثم عزله، ثم أراده على العمل فأبى، ولم يزلْ يسكن المدينة، وبها كانت وفاتُهُ.
قال خليفة بن خيَّاط: توفي أبو هريرة سنةَ سبعٍ وخمسين (3)، وقال الهيثمُ بن عدي: توفي أبو هريرة سنة ثمانٍ وخمسين، وقال الواقِديُّ: سنة تسع وخمسين، وهو ابن ثمان وسبعين سنة، وكذا قال
(1) روى البخاري (99)، كتاب: العلم، باب: الحرص على الحديث، عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قيل يا رسول الله! من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أو نفسه".
(2)
رواه البخاري (119)، كتاب: العلم، باب: حفظ العلم.
(3)
وهو المعتمد، كما قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة"(7/ 444).
ابن نمير: توفي سنة تسع وخمسين، وقال غيرُهُ: مات بالعقيق وصلَّى عليه الوليدُ بن عتبةَ بن أبي سفيان، وكان أميراً يومئذٍ على المدينة، ومروانُ معزول (1).
وأما أبو داودَ: فهو سليمانُ بن الأشعث بن بشر بن شداد بن عمر ابن عمران الأزدي السّجِسْتاني الحافظُ، أحدُ أئمةِ هذا الشأن، والعلماء المرجوع إليهم، المسؤولين عن أحوال الرجال، ولأبي عُبيد الآجري سؤالات مفيدة مسألة عنها في هذا الفن (2)، وكان له حظٌّ من علوِّ الإسناد بعدَ أبي عبد الله البخاري، وقد شاركه في جماعة لم يشاركه
(1) * مصادر الترجمة:
"السيرة النبوية" لابن إسحاق (ص: 266)، و"الطبقات" لخليفة بن خياط (ص: 114)، و"الطبقات الكبرى" لابن سعد (4/ 325)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (6/ 132)، و"الآحاد والمثاني" لابن أبي عاصم (4/ 381)، و"المستدرك" للحاكم (3/ 578)، و"حلية الأولياء" لأبي نعيم (1/ 376)، و"الاستيعاب" لابن عبد البر (4/ 1768)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (67/ 295)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (1/ 685)، و"أسد الغابة" لابن الأثير (6/ 313)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 546) ، و"تهذيب الكمال" للمزي (34/ 366)، و"سير أعلام النبلاء"(2/ 578)، و"تذكرة الحفاظ"(1/ 32)، و"الكاشف" ثلاثتها للذهبي (2/ 469)، و"البداية والنهاية" لابن كثير (8/ 103)، و"الوافي بالوفيات" للصفدي (18 / - 91)، و "الإصابة في تمييز الصحابة"(7/ 425)، و"تهذيب التهذيب" كلاهما لابن حجر (12/ 288)، و"شذرات الذهب" لابن العماد (1/ 63).
(2)
حقق بعضه في رسائل علمية في الجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة، وطبع الجزء الثالث منه عن المجلس العلمي في الجامعة نفسها سنة (1403 هـ).
في الرواية عنهم غيرُه من أصحاب الكتب الستة، أعني في الرواية عنهم بدون واسطة، كأبي أيوب سليمان بن حرب الواشِحي القاضي، وأبي عمر حفص بن عمر بن الحارث بن سَخْبَرة النمرى البصري المعروف بالحوضي، وأبي العباس حَيْوَة بن شُريح بن يزيد الحضرمي الحمصي، وأبي عثمان سعيد بن سليمان بن نشَيط الواسطي سَعْدَويه (1)، وأبي سلمة موسى بن إسماعيل المِنْقَري، ونحوهم ممن مات بعدَ العشرين - يعني ومائتين - وما يَقْرُب من ذلك.
وروى عنه من أصحاب الكتب الستة: أبو عيسى محمدُ بن عيسى التِّرمذي، وأبو عبد الرحمن أحمدُ بن شعيب النَّسائي، وقد انفرد بالرواية عن جماعة دونَ بقيةِ الستة منهم: أبو جعفر محمَّد بن يحيى بن أبي سَمِينة البغدادي التَّمَّار.
وذكر محمَّد بن عبد الواحد - صاحب ثعلب - قال: قال إبراهيم
(1) قال الحافظ المزي في "تهذيب الكمال"(10/ 483)(تر: 2291)، في ترجمة "سعيد بن سليمان الضبي أبو عثمان الواسطي البزاز المعروف بسعدويه": سكن بغداد، وقال فيه أبو القاسم - يعني: ابن عساكر -: في المشايخ النبل سعيد ابن سليمان بن نشيط. وهو وهم، فإن ذلك شيخ آخر بصري يقال له: النشيطي، وسنذكر له ترجمة عقيب هذه الترجمة إن شاء إليه، انتهى.
ثم ذكر في (10/ 488) -، (تر: 2292) ترجمة "سعيد بن سليمان بن خالد بن بنت نشيط الديلي المعروف بالنشيطي".
وعلى هذا: فالمؤلف رحمه الله جمع بينهما وجعلهما واحدًا، وهو وهم تابع فيه ابن عساكر، كما ذكر الحافظ المزي، وبالله التوقيق.
الحربي - لما صنَّفَ أبو داود هذا الكتاب -: أُلينَ لأبي داودَ الحديثُ كما أُلِينَ لداودَ عليه السلام الحديدُ (1).
ونحوُهُ عن محمدِ بن إسحاق الصَّغَاني أنه قال: أُلِينَ لأبي داودَ السجستانيِّ الحديثُ كما ألين لداود عليه السلام الحديدُ (2).
وروى الحافظُ أبو القاسم عليُّ بن الحسن الدمشقي بإسناده إلى الصُّولي، قال: سمعتُ أبا يحيى زكريا بن يحيى السَّاجي يقول: كتابُ الله عز وجل أصلُ الإِسلام، وكتابُ "السنن" لأبي داودَ عهدُ الإسلام (3).
وروى - أيضًا - من حديث أبي بكر بن دَاسَةَ قال: سمعتُ أبا داودَ يقول: كتبتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسَ مِئةِ ألفِ حديثٍ، انتخبتُ منها هذا الكتاب - يعني كتابَ السنن - جمعتُ أربعةَ آلافٍ وثمانَ مئةِ
(1) رواه ابن نقطة في "التقييد"(ص: 282)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(22/ 196)، كلاهما من طريق الخطابي في "معالم السنن"(1/ 7).
وقد أنشد الحافظ أبو طاهر السِّلفي رحمه الله [من الكامل]:
لانَ الحديثُ وعلمُه بكماله
…
لإمام أَهْلِيْهِ أبي داودَ
مثلَ الذي لانَ الحديدُ وسبْكُهُ
…
لنبيِّ أَهلِ زمانِهِ داودَ
وانظر: "الحطة في ذكر الصحاح الستة" للقنوجي (ص: 213).
(2)
رواه ابن طاهر المقدسي في "شروط الأئمة"(ص: 103)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(22/ 196).
(3)
رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(22/ 197)، من طريق: ابن طاهر المقدسي في "شروط الأئمة"(ص: 103).
حديث، ذكرتُ الصحيحَ وما يُشبهُهُ ويقاربهُ، ويكفي الإنسانَ لدينهِ من ذلك أربعةُ أحاديثَ:
أحدُها: قوله صلى الله عليه وسلم: "الأَعْمَالُ بالنياتِ"(1).
والثاني: قوله: "مِنْ حُسنِ إسلامِ المرءِ تركُهُ ما لا يعنيهِ"(2).
(1) رواه البخاري (1)، كتاب: بدء الوحي، باب: كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومسلم (1957)، كتاب: الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنية"، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(2)
رواه الترمذي (2317)، كتاب: الزهد، باب:(11)، وقال: حديث غريب لا نعرفه من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه، وابن ماجه (3976)، كتاب: الفتن، باب: كف اللسان في الفتنة، وابن حبان في "صحيحه"(229)، وغيرهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ورواه الترمذي (2318)، كتاب: الزهد، باب:(11)، من طريق الإِمام مالك في "الموطأ"(2/ 903)، عن الزهريّ، عن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، مرسلاً.
قال الترمذي: وهكذا روى غير واحد من أصحاب الزهريّ، عن الزهريّ، عن علي بن حسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث مالك مرسلاً، وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة، عن أبي هريرة، ا. هـ.
والحديث حسنه الإِمام النووي في "الأربعين" له، قال الحافظ ابن رجب: لأن رجال إسناده ثقات - يعني: إسناد الترمذي الأول -، وقرة بن عبد الرحمن ابن حيوة وثقه قوم وضعفه آخرون، وقال ابن عبد البر: هذا الحديث محفوظ عن الزهريّ بهذا الإسناد من رواية الثقات، وهذا موافق لتحسين الشيخ - يعني: النووي - له رضي الله عنه، وأما أكثر الأئمة فقالوا: ليس هو محفوظًا بهذا الإسناد، إنما هو محفوظ عن الزهريّ، عن علي بن حسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلاً، كذلك رواه الثقات عن الزهريّ، منهم مالك في "الموطأ"، وممن قال =
والثالث: قوله: "لا يكونُ المرءُ مؤمناً حتَّى يرضَى لأخيهِ ما يرضَى لنفسِهِ"(1).
والرابع: قوله: "الحلالُ بيِّنٌ والحرَامُ بيِّنٌ، وَبَيْنَ ذلك أمورٌ مُشْتَبِهاتٌ. . " الحديث (2).
وقال الخطابي: اعلموا - رحمكم الله - أنَّ كتابَ "السنن" لأبي داودَ كتابٌ مرتَّبٌ (3) لم يُصَنَّفْ في حكمِ (4) الدين كتابٌ مثلُهُ، وقد رُزِقَ القَبولَ من كافة النَّاس (5)، فصار حَكَماً بين فِرَق العلماء وطبقات
= إنه لا يصح إلَّا عن عليّ بن حسين مرسلاً: الإمام أحمد، ويحيى بن معين، والبخاري، والدارقطني، وقد خلط الضعف في إسناده عن الزُّهريّ تخليطاً فاحشاً، والصحيح فيه المرسل. وقد روي عن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من وجوه أخر، وكلها ضعيفة، انتهى مختصراً من "جامع العلوم والحكم" لابن رجب (ص: 113).
والحاصل: أن الحديثٌ صحيحٌ مرسلاً، ضعيف متصلًا، وبالله التوفيق.
(1)
روى البُخاريّ (13)، كتاب: الإيمان، باب: من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ومسلم (45)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير، من حديث أنس رضي الله عنه، عن النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"لا يؤمن أحدكم حتَّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
(2)
رواه البُخاريّ (52)، كتاب: الإيمان، باب: فضل من استبرأ لدينه، ومسلم (1599)، كتاب: المساقاة، باب: أخذ الحلال وترك الشبهات، من حديث النَّعمان بن بشير رضي الله عنه.
(3)
في المطبوع من "معالم السنن": "شريف".
(4)
في "معالم السنن": "علم".
(5)
في "معالم السنن": "النَّاس كافة"، وهو الصواب.
الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، ولكل فيه وِردٌ، ومنه مشروبُ (1)، وعليه معوَّلُ أهلِ العراق وأهل مصرَ وبلاد الغرب وكثيرٍ من مدن أقطار الأرض، فأما أهلُ خراسان فقد أُولع أكثرُهم بكتاب محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج، ومن يجري نحوَهما ممن جمع الصحيحَ على شرطهما في السَّبك والانتقاد، إلَّا أن كتاب أبي داود أحسنُ وضعاً (2)، وأكثو فقهاً، وكتاب أبي عيسى - أيضًا - كتابٌ حسن (3).
وقال الخطابي: سمعتُ ابنَ الأعرابي يقول، ونحن نسمع منه: هذا الكتاب - يعني كتاب "السنن"، فأشار إلى النسخة، وهي بين يديه -: لو أنَّ رجلًا لم يكنْ عنده من العلم إلَّا المصحفَ الذي فيه كتاب الله عز وجل ثم هذا الكتاب، لم يحتج معهما إلى شيء من العلم بَتَّة (4).
وسِجِسْتانُ، قال الرَّشَاطي: سجستان بلد جليل، وله من الذكر مثلُ ما لخراسان وأكثرُ، غيرَ أنها منقطعةٌ متصلةٌ ببلاد السند والهند، وكانت تُضاهي خراسانَ وتوازيها، وهي تتاخم مُكْران من بلاد السند، قال ذلك اليعقوبي (5).
(1) في "معالم السنن": "شِرْب".
(2)
في "المعالم": "رصفاً".
(3)
انظر: "معالم السنن" للخطابي (1/ 6).
(4)
المرجع السابق، (1/ 8).
(5)
انظر: "البلدان" لليعقوبي (ص: 47).
قال الرَّشاطي: يُنسَب إليها جماعةٌ منهم: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسماعيل بن بشير بن شداد بن عامر الأنصاري السجستاني، صاحب كتاب "السنن"، تُوفي بالبصرة في النصف من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين (1).
وهذا الذي قاله الرشاطيُّ هو الذي لا يَسبِق إلى الأذهان غيرُهُ، وقال بعضُ أصحابنا (2) - فيما ذُكِر لنا -: أبو داود السجستاني ليس من سجستانَ خراسان، بل هي قرية من قرى البصرة اسمها سجستان، قال: حدّثنا بهذه الفائدة شيخُنا - وسمَّى شيخاً -، وكتبها لي بخطه، ودخل منزلي فحدثنا بها.
قلتُ: وما أظن هذا ممَّا يُرجَعُ إليه، والله أعلم (3).
(1) قاله الرشاطي في كتابه: "اقتباس الأنوار والتماس الأزهار في أنساب الصحابة ورواة الآثار".
(2)
هو العلامة المؤرخ ابن خَلِّكان، فإنّه قال ذلك، كما في "وفيات الأعيان" له (2/ 405). قال المولى عبد العزيز الدهلوي: وقع لابن خلكان في تلك النسبة غلط مع كماله في علم التاريخ وتصحيح الأنساب، كما قال السبكي بعد نقل عبارته المذكورة: وهذا وهم، والصواب أنه نسبة إلى الإقليم المعروف متاخم بلاد الهند. انظر:"الحطة في ذكر الصحاح الستة" للقنوجي (ص: 249).
(3)
* مصادر الترجمة: "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (4/ 101)، و"تاريخ بغداد" للخطيب (9/ 55)، و"طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى (1/ 159)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (22/ 191)، و"صفة الصفوة" لابن الجوزي (4/ 69)، و"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 508)، و"تهذيب الكمال" للمزي =
وأما التِّرمذيَّ: فهو أبو عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَة بن موسى بن الضَّحاك السُّلمي التِّرمذي الحافظ.
ذكر أبو سعيد عبد الرحمن بن محمد الإدريسي الحافظ المؤرخ فقال: محمد بن عيسى بن سورة التِّرمذيُّ الحافظ الضَّرير، أحد الأئمة الذين يُقتدَى بهم في علم الحديث، صنَّف كتاب "الجامع" و"التواريخ" و "العلل" تصنيفَ رجل عالم متقن، يُضرَب به المثلُ في الحفظ (1).
قال الإدريسي: [سمعت أبا بكر محمد بن أحمد بن الحارث المروزي الفقيه يقول: سمعت أحمد بن محمد بن عبد الله بن داود المروزي يقول](2): سمعتُ أبا عيسى محمد بن عيسى الحافظ يقول: كنتُ في طريق مكّة، وكنت قد كتبت جزأين من أحاديث شيخٍ، فمرَّ بنا ذلك الشَّيخ، فسألت عنه فقالوا: فلانًا، فذهبت إليه، وأنا أظن أن
= (11/ 355)، و"وفيات الأعيان" لابن خلكان (2/ 404)، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (13/ 203)، و"تذكرة الحفَّاظ" له أيضًا (2/ 591)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (4/ 149)، و "طبقات الحفَّاظ" للسيوطي (ص: 265)، و"المدخل المفصل" لبكر أبو زيد (2/ 634)، و"معجم مصنفات الحنابلة" للطريقي (1/ 129)، وغيرها.
(1)
رواه ابن طاهر المقدسي في "شروط الأئمة"(ص: 103)، وعنه: الإسعردي في "فضائل الكتاب الجامع"(ص: 31).
(2)
ما بين معكوفتين سقط من الأصل المخطوط، والاستدراك من المرجعين السابقين.
الجزأين معي، وحملت معي في محملي جزأين، كنت ظننت أنهما الجزآان اللَّذان له، فلما ظَفِرت به وسألته فأجابني إلى ذلك، أخذت الجزأين، وإذا هما بياض، فتحيَّرت، فجعل الشيخُ يقرأ عليَّ من لفظه، ثم ينظر إليَّ، فرأى ورق البياض في يدي، فقال: أما تستحي مني؟! قلت: لا، وقصصتُ عليه القصة، وقلت: أحفظه كلَّه، فقال: أقرأ، فقرأت جميع ما قرأ عليّ على الوَلاء أولاً، فلم يصدِّقنْي وقال: استظهرتَ قبلَ أن تجيءَ! فقلت: حدثني بغيره، فقرأ عليَّ أربعين حديثاً من غرائب حديثه، فقال: هاتِ اقرأ، فقرأت عليه من أوله إلى آخره كما قرأ، فما أخطأتُ في حرف منه، فقال لي: ما رأيت مثلَك (1).
وذكره الحافظُ أبو عبد الله محمدُ بن أحمدَ البُخاريّ الغنجار المؤرخ لبُخارى (2)، فقال: توفي أبو عيسى محمد بن عيسى التِّرمذيُّ بالترمذ، ليلةَ الإثنين لثلاثَ عشرةَ ليلة مضت من رجب، سنةَ تسع وسبعين ومائتين.
(1) رواه ابن طاهر في "شروط الأئمة"(ص: ص 103 - 104)، وابن نقطة في "التقييد" (ص: 99)، والإسعردي في "فضائل الكتاب الجامع" (ص 31 - 32). وانظر:"سير أعلام النبلاء" للذهبي (13/ 273).
(2)
هو الإمام المفيد الحافظ، محدث بخارى، وصاحب تاريخها، أبو عيد الله محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل البُخاريّ، ولقبه غنجار، بلقب غنجار الكبير عيسى بن موسى البُخاريّ، - توفي سنة (412 هـ).
انظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (17/ 304).
وكذلك ذكر الأمير أبو نصر في وفاته (1)، وهذا هو الصوابُ، وما قاله بعض الحفَّاظ (2): أنه توفي بعدَ الثمانين، ليسَ بشيء، والله أعلم.
وَتِرْمِذُ: [التي](3) يُنسَب إليها: المعروفُ فيها كسر التاء، وهو المستفيضُ على ألسنة النَّاس حتَّى يكونَ كالتواتر (4)، وروى السِّلَفي رحمه الله: سمعتُ أبا نصر المؤتمن بن أحمد بن عليّ السَّاجي ببغداد يقول: سمعتُ عبد الله بن محمد الأنصاري بِهَراةَ يقول: أبو عيسى التُّرمذي بضم التاء، وكذا كان يقرأ ويُملي في أماليه، يعني النسبة إلى ترمذ (5).
(1) انظر: "الإكمال" لابن مأكولا (4/ 396).
(2)
هو الخليل بن عبد الله الخليلي، كما في "الإرشاد في معرفة علماء الحديث" له (3/ 905)، ونقله عنه ابن نقطة في "التقييد" (ص: 97)، والإسعردي في "فضائل الكتاب الجامع" (ص: 41)، وغيرهما.
(3)
في الأصل: "الذي".
(4)
نقله عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(13/ 273 - 274)، وفي "تذكرة الحفَّاظ"(2/ 634)، وغيره. قال السمعاني في "الأنساب" (1/ 459): والناس مختلفون في كيفية هذه النسبة، بعضهم يقول: بفتح التاء ثالث الحروف، وبعضهم يقول بضمها، وبعضهم يقول بكسرها، والمتداول على لسان أهل تلك المدينة: بفتح التاء وكسر الميم، والذي كنا نعرفه فيه قديماً: كسر التاء والميم جميعًا، والذي يقوله المتنوقون وأهل المعرفة: بضم التاء والميم، وكل واحد يقول معنى لما يدعيه، انتهى.
(5)
نقله عنه الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(13/ 274).
وقال الحافظ يوسف بن أحمد بن إبراهيم البغدادي: شاهدتُ بخطِّ بعض الحفَّاظ يقول: قال أبو عليّ منصور بن عبد الله الخالدي رحمه الله: قال أبو عيسى رحمه الله: صنفتُ هذا الكتاب - يعني المسندَ الصحيح - فعرضتُهُ على علماء أهل الحجاز فرضُوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومَنْ كان في بيته هذا الكتاب فكأنما في بيته نبيٌّ يتكلم (1).
وقال أيضًا - أعني يوسف بن أحمد -: قرأتُ على أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد بن عبد القادر في كتابه الموسوم بـ "مذاهب الأئمة في تصحيح الحديث"، قال: وأمَّا أبو عيسى رحمه الله فكتابه على أربعة أقسام:
قسمٌ صحيحٌ مقطوع به، وهو ما وافق فيه البخاريَّ ومسلماً.
وقسم على شرط أبي داود [و] النَّسائي كما بينا.
وقسم أخرجه الصدر (2)، وأبانَ عن علته.
وقسم رابع أبان عنه فقال: ما أخرجتُ في كتابي هذا إلَّا حديثاً
(1) رواه ابن نقطة في "التقييد"(ص: 97 - 98)، والإسعردي في "فضائل الكتاب الجامع" (ص: 32).
(2)
في المطبوع من "شروط الأئمة" لابن طاهر، و"فضائل الكتاب الجامع" للإسعردي، وغيرهما:"للضدية" بدل "الصدر"، ويعني بالضدية: أنه في مسألة من مسائل الفقه يأتي بدليل المذهب الراجح، ثم يخرج دليل المذهب المخالف، ويوازن بينهما، ويبين علل الحديث. انظر:"الإمام التِّرمذيُّ والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين" للدكتور عتر (ص: 145).
قد عمل به بعضُ الفقهاء (1). وهذا شرطٌ واسع، فإن على هذا الأصل: كلُّ حديث احتج به محتج، أو عمل به عامل [أخرجه]، سواء صحَّ طريقُه، أو لم يصحَّ طريقه.
وقد أزاح عن نفسه الكلام، فإنّه شفى في تصنيفه لكتابه، وتكلم على كل حديث بما فيه، وظاهرُ طريقتِه: أن يترجمَ الباب الذي فيه حديثٌ مشهور عن صحابي قد صحَّ الطريق إليه، وأُخرِج من حديثه في الكتب الصحاح، فيورد في الباب [ذلك الحكم] من حديث صحابي [آخر] لم يخرجوه من حديثه، ولا يكون الطريق إليه كالطريق إلى الأول، لأنَّ (2) الحكمَ صحيح، ثم يتبعه بأن يقول: وفي الباب عن فلان وفلان، ويعدُّ جماعة منهم الصحابي والأكثر الذي أخرجا ذلك الحكم من حديثه، وقلَّ ما يسلك هذه الطريقةَ إلَّا في أبواب معدودة (3).
قال يوسف بن أحمد: لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سَوْرَة بن موسى بن الضَّحَّاك السلمي التِّرمذي، الضَّرير، الحافظ، فضائلُ تُجمَع، وتُروى وتُسمع، وكتابه من الكتب الخمسة التي اتفق أهل
(1) انظر: "العلل" للترمذي، المطبوع في آخر "سننه"(5/ 736).
(2)
في المطبوع من "شروط الأئمة" لابن طاهر، و"فضائل الكتاب الجامع" للإسعردي:"إلا أن".
(3)
انظر: "شروط الأئمة الستة" لابن طاهر المقدسي (ص: 92 - 93)، و"فضائل الكتاب الجامع" للإسعردي (ص: 33 - 34)، و"سير أعلم النبلاء" للذهبي (13/ 274).
العقد والحل والفضل والفقه من العلماء والفقهاء، وأهل الحديث النبهاء، على قبولها والحكم بصحة أصولها، وما ورد في أبوابها وفصولها، وقد شارك البخاريَّ ومسلماً في عدد كثير من مشايخهما، رحمة الله عليه وعليهما، وهذا الموضع يضيق عن ذكرهم وإحصائهم وعددهم، ورُزِقَ الروايةَ عن أتباع الأتباع، متصلًا بالسماع.
ثم قال بعدَ كلام: وكتبَ عنه إمامُ أهل الصنعة محمد بن إسماعيل البخاريُّ، وحسبُهُ بذلك فخراً (1).
قلتُ: أما ما ذكرَهُ من روايته عن أتباع الأتباع، فيقضي ذلك أن يكون الحديث ثلاثياً، ولا نعلمُ له ذلك إلَّا في حديث واحد (2).
وأما ما ذكره من كتابة البُخاريّ عنه: فهو حديثه عن عليّ بن المنذر، عن محمد بن فضيل، عن سالم بن أبي حفصة، عن عطيَّةَ، عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعليٍّ: "لا يحلُّ لأحدٍ يجنبُ
(1) انظر: "فضائل الكتاب الجامع" للإسعردي (ص: 30، 39 - 40).
(2)
وهو ما رواه التِّرمذيُّ بإسناد ضعيف (2260)، كتاب: الفتن، باب:(73)، قال: حدّثنا إسماعيل بن موسى الفَزَاريُّ بن بنت السدي الكوفيِّ، حدّثنا عمر بن شاكر، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي على النَّاس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر" قال أبو عيسى: هذا حديث غريب من هذا الوجه، وعمر بن شاكر شيخ بصري، قد روى عنه غير واحد من أهل العلم، انتهى.
قال ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(5/ 55): عمر بن شاكر يحدث عن أنس بنسخة قريبًا من عشرين حديثاً غير محفوظة. ثم ذكر ابن عدي منها هذا الحديث.
في هذا المسجدِ غيري وغيرُكَ".
قال ابن المنذر: قلت لضِرار بن صُردَ: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرِقه جنباً غيري وغيرك.
وقال التِّرمذي: سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث (1).
وقد تقدم ذكر تصانيفه "الجامع"، و "التاريخ"، و"العلل"، و"الزهد"، و"الشَّمائل"، ومسندُهُ المعروف ب "الجامع": اشتهرت روايتُهُ عنه من جهةِ أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل التاجر المَرْوَزِي، وممن ذُكِرَ أنه رواه عنه - أيضًا - الهيثمُ بن كلـ[ـيـ]ـب الشَّاشي، وأبو عليّ محمد بن محمد بن يَحْيَى القَرَّاب، ورواية القَرَّاب هذه غريبة (2).
(1) رواه التِّرمذيُّ (3727)، كتاب: المناقب، باب:(21)، وقال: حسن غريب لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه، وسمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث فاستغربه، انتهى.
وإسناده ضعيف؛ فيه عطية العَوفي غير محتج به، كما ذكر البيهقي في "السنن الكبرى"(7/ 65)، والرواي عنه: سالم بن أبي حفصة متروك، فالحديث ضعيف لا يثبت، كما نصَّ على ذلك الحافظ ابن كثير في "تفسيره"(1/ 502).
(2)
* مصادر الترجمة:
"الثقات" لابن حبان (9/ 153)، و"التقييد" لابن نقطة (ص: 96)، و"الإرشاد في معرفة علماء الحديث" للخليلي (3/ 904)، و"فضائل الكتاب الجامع" للإسعردي، و"تهذيب الكمال" للمزي (26/ 250)، و"وفيات الأعيان" لابن خلكان (4/ 278)، و "سير أعلام النبلاء" للذهبي (13/ 270)، و"تذكرة =
وأما النَّسائي: فهو أبو عبد الرحمن أحمد بن شُعيب بن عليّ بن بَحر بن سِنان الخراساني.
ذكر حمزة بن يوسف السَّهمي قال: سمعتُ أبا أحمد بن عدي يقول: سمعتُ منصور [اً] الفقيه، وأحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي يقولان: أبو عبد الرحمن النَّسائيّ إمام من أئمة المسلمين (1).
وقال - أيضًا - أبو أحمد بن عدي: سمعتُ أحمد بن محمد بن سعيد البارودي قال: ذكرتُ للقاسم (2) المُطَرِّز أبا عبد الرحمن النَّسائي، فقال: هو إمامٌ، و (3) يستحق أن يكونَ إمامًا، أو كما قال (4).
وقال الحاكمُ أبو عبد الله: سمعتُ أبا عليّ الحافظ (5) غير مرةٍ
= الحفَّاظ" له أيضًا (2/ 633)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (9/ 344)، و"طبقات الحفَّاظ" للسيوطي (ص: 282)، وغيرها.
(1)
رواه ابن نقطة في "التقييد"(ص: 140)، من طريق حمزة السهمي به. ورواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(1/ 137).
(2)
في المطبوع من "الكامل" لابن عدي، و"التقييد" لابن نقطة:"لقاسم".
(3)
في المطبوع من المرجعين السابقين، "أو" بدل "و".
(4)
رواه ابن عدي في "الكامل في الضعفاء"(1/ 138)، وابن نقطة في "التقييد" (ص: 141).
(5)
هو الحسين بن عليّ بن يزيد بن داود النيسابوري، كما بينه ابن نقطة في "التقييد" (ص: 141)، وكان قد توفي سنة (349 هـ) -، انظر:"تذكرة الحفَّاظ" للذهبي (3/ 902).
يذكرُ أربعةً من أئمة الحديث (1)، فيبدأ بأبي عبد الرحمن النَّسائي (2).
وقال: سمعتُ عليَّ بن عمر الحافظ (3) غير مرَّة يقول: أبو عبد الرحمن مُقَدَّمٌ على كل مَنْ يُذكَر بهذا العلم من أهل عصره (4).
وقال أبو عبد الرحمن السُّلَمي الصُّوفي: سألت أبا الحسن عليَّ ابن عمر الدَّارقُطني الحافظ فقلت: إذا وجدتَ (5) محمدَ بن إسحاق بن خُزيمة، وأحمدَ بن شُعيب النَّسائيّ حديثَ (6) مَنْ تُقدِّم منهما؟ قال: النَّسائيّ؛ لأنَّه أسند، على أني لا أقدمُ على النَّسائيّ أحدًا، وإن كان
(1) في المطبوع من "معرفة علوم الحديث": "أئمة المسلمين رآهم" بدل "أئمة الحديث".
(2)
رواه الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص: 82)، ومن طريقه: ابن نقطة في "التقييد"(ص: 140 - 141). وانظر: "تهذيب الكمال" للمزي (1/ 333).
وقد روى ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(27/ 54)، عن الحاكم أنه قال: سمعت أبا عليّ الحافظ يقول: رأيت من أئمة الحديث أربعة في وطني وأسفاري؛ اثنان منهم بنيسابور محمد بن إسحاق وإبراهيم بن أبي طالب، وأبو عبد الرحمن النَّسائيّ بمصر، وعَبْدان بالأهواز.
(3)
هو الإمام أبو الحسن الدارقطني صاحب "السنن"، والمتوفى سنة (385 هـ).
(4)
رواه الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص: 83)، ومن طريقه: ابن نقطة في "التقييد"(ص: 140).
(5)
في المطبوع من "شروط الأئمة الستة" لابن طاهر، و"تهذيب الكمال" للمزي:"حدَّث" بدل "وجدت".
(6)
في "شروط الأئمة الستة" لابن طاهر، و"تهذيب الكمال":"حديثاً" مفعول به للفعل: "حدث".
ابنُ خزيمةَ إمامًا ثبتاً معدومَ النظير (1).
وقال الدَّارقطنيُّ: سمعتُ أبا طالب الحافظ (2) يقول: مَنْ يصبرُ على ما يصبر عليه أبو عبد الرحمن النَّسائيّ؟ كان عنده حديثُ ابن لهيعةَ ترجمةً ترجمةً فما حدَّث بها، فكان لا يَرى أن يحدثَ بحديث ابن لهيعة (3).
وذكر الحاكم أبو عبد الله قال: سمعتُ أبا الحسن أحمد بن محبوب البَرمكي (4) بمكة يقول: سمعتُ أبا عبد الرحمن أحمد بن شعيب النَّسائيّ يقول: لما عزمتُ على جمع كتاب "السنن"، استخرتُ الله تعالى في الرواية عن شيوخٍ كان في القلب منهم بعضُ الشيء، فوقَعَت الخِيرَةُ على تركهم، فتركتُ جملةً من الحديث كنت أعلو فيها (5) عنهم (6).
(1) رواه ابن طاهر المقدسي في "شروط الأئمة الستة"(ص: 104). وانظر: "تهذيب الكمال" للمزي (1/ 334 - 335).
(2)
هو أحمد بن نصر بن طالب البغدادي، المتوفى سنة (323 هـ). انظر:"سير أعلام النبلاء" للذهبي (15/ 68).
(3)
انظر: "تهذيب الكمال" للمزي (1/ 335)، و "سير أعلام النبلاء" للذهبي (14/ 131).
(4)
كذا في الأصل، والصواب:"الرملي"، كما في "شروط الأئمة الستة" لابن طاهر.
(5)
في المطبوع من "شروط الأئمة الستة": "فيه" بدل "فيها".
(6)
رواه ابن طاهر المقدسي في "شروط الأئمة الستة"(ص: 104).
وانظر: "تهذيب الكمال" للمزي (1/ 172).
وقال محمدُ بن طاهر: سألتُ الإمامَ أبا القاسم سعد بن عليّ الزَّنجاني عن حال رجلٍ من الرواة فوثَّقه، فقلت: إنَّ أبا عبد الرحمن النَّسائيّ ضعَّفه، فقال: لأبي عبد الرحمن في الرجال شرطٌ أشدُّ من شرط البُخاريّ ومسلم (1).
وروى الحافظ أبو القاسم عليّ بن الحسن بسنده إلى أبي محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ قال: سمعتُ أبا على الحسن بن خضر السُّيوطي يقول: رأيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم في النوم، وبين يديه كتبٌ كثيرة منها كتاب "السنن" لأبي عبد الرحمن، فقال ليَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:"إلى مَتَى، وإلى كَمْ هذا يكفي؟ " وأخذ بيده الجزءَ الأول من كتاب الطهارة من "السنن" لأبي عبد الرحمن، فوقعَ في رُوعي أنه يعني أن كتابَ "السنن" لأبي عبد الرحمن أحبُّ إليه (2).
وحكى أبو القاسم الزَّيدوني، عن الشيخِ أبي الحسن عليِّ بن أبي بكر بن محمد بن خلف المُعافريِّ الفقيه المالكي أنه قال: وإذا التفتَّ إلى ما يخرجه أهلُ الحديث، فما خرَّجه النسائيُّ أقربُ إلى الصحيح ممَّا خرَّجه غيرهُ، بل من النَّاس من يَعُدّه من أهل الصحيح، لأنَّه بيَّنَ عن علل الأسانيد وإن أدخلها في كتابه، وقد حُدِّثنا عنه أنه قال: لم أخرِّجْ في كتابي "السنن" مَنْ يُتَّفق على تركه. فإن أخرجَ منه أحدًا بيَّنَه، وهذه رتبةٌ في العلم شريفة.
(1) انظر: "شروط الأئمة الستة" لابن طاهر (ص: 104).
(2)
انظر: "تهذيب الكمال" للمزي (1/ 173).
ثم ذكر البخاريَّ ومسلماً وأبا داودَ فقال بعد كلام له: وهؤلاء عمدةُ الحديث.
والنَّسائي في نسبه قال الرَّشاطي: النَّسويُّ نسبةً إلى (نسا) كُوْرة (1) من كَوْر نيسابورَ، وكذا قال اليعقوبي (2).
قال المسعودي: (نسا) من أرض فارس، وقال عبد الغني بن سعيد:
(نسا) موضع بخراسان (3)، وهذا موافق لقول اليعقوبي، ثم قال الرشاطي بعدَ كلام: النَّسائي نسبةٌ - أيضًا - إلى (نسا)، والقياس النَّسوي.
وكانت وفاة النَّسائيّ في سنة ثلاث وثلاث مئة (4).
(1) الكورة: المدينة والصقع.
(2)
انظر: "البلدان" لليعقوبي (ص: 277).
(3)
انظر: "مشتبه النسبة في الخط واختلافها في المعنى واللفظ" لعبد الغني المقدسي (ص: 37).
(4)
* مصادر الترجمة:
"معرفة علوم الحديث" للحاكم (ص: 82)، و"شروط الأئمة الستة" لابن طاهر المقدسي (ص: 104)، و"الإرشاد" للخليلي (1/ 435)، و"التقييد" لابن نقطة (ص: 140)، و"تهذيب الكمال" للمزي (1/ 328)، و "وفيات الأعيان" لابن خلكان (1/ 77)، و "سير أعلام النبلاء" للذهبي (14/ 125)، و"تذكرة الحفَّاظ" له أيضًا (2/ 698)، و "طبقات الشافعية" للسبكي (2/ 83)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (1/ 32)، و"طبقات الحفَّاظ" للسيوطي (ص: 306)، و "المقصد الأرشد" لابن مفلح (1/ 115).
وأمَّا ابنُ مَاجَه: فذكره الحافظ أبو يعلى الخليل بن عبد الله في كتاب "قزوين" فقال: أبو عبد الله محمدُ بن يزيدَ، يُعرَف بابن ماجه (1)، مولى ربيعة (2)، له سننٌ وتفسير وتاريخ، وكان عارفًا بهذا الشأن، ارتحل إلى العراقينِ؛ البصرةِ والكوفةِ، وبغدادَ ومكةَ والشامِ ومصرَ والرِّيِّ لِكَتْبِ الحديث، ماتَ سنة ثلاثةٍ وسبعين ومائتين (3).
قال محمدُ بن طاهر المقدسي: رأيتُ على ظهر جزء قديم [بالرِّي] حكايةً، كتبها أبو حاتم المعروفُ بخاموشَ (4)، قال أبو زُرعة
(1) ماجَهْ: بفتح الميم والجيم وبينهما ألف، وفي الآخر هاء ساكنة. كذا ضبطه ابن خلكان في "وفيات الأعيان"(4/ 279).
وماجه: لقب لأبيه يزيد، قال الرافعي: كذلك رأيته بخطِّ أبي الحسن القطان وهبة الله ابن زاذان، وقد يقال: محمد بن يزيد بن ماجه، والأول أثبت - أي قوله: محمد بن يزيد أبو عبد الله ابن ماجه -. انظر: "التدوين في أخبار قزوين"(2/ 49).
قال القنوجي في "الحطة في ذكر الصحاح الستة"(ص: 255): والصحيح: أن ماجه أمه.
(2)
قال ابن خلكان: هذه النسبة إلى ربيعة، وهي اسم لعدة قبائل، لا أدري إلى أيِّها ينسب المذكور. انظر:"وفيات الأعيان" له (4/ 279).
(3)
رواه ابن طاهر المقدسي في "شروط الأئمة الستة"(ص: 102)، ومن طريقه: ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(56/ 271)، وابن نقطة في "التقييد" (ص: 121).
(4)
هو الإمام المحدث الحافظ الواعظ أبو حاتم أحمد بن الحسن بن محمد الرازي البزاز، أبوه الملقب بخاموش، له رحلة ومعرفة وشهرة، وكان شيخ أهل الري في زمانه، توفي بعد سنة (445 هـ). انظر:"سير أعلام النبلاء" للذهبي =
الرازي: طالعتُ كتاب أبي عبد الله ابن ماجه، فلم أجد فيها (1) إلَّا قدراً يسيراً ممَّا فيه شيء، وذكر قدر (2) بضعةَ عشرَ، أو كلاماً هذا معناه (3).
قلت: وهذا كلامٌ لابد من تأويله، وإخراجه عن (4) ظاهره، وحملِهِ على وجهٍ يصح، نعم، الكتابُ كتابٌ حسن، كثيرُ الفائدة، له إعانةٌ على معرفة أحاديث الأبواب لمن يقصدها.
وقال الحافظ أبو العباس بن عساكر: قرأتُ بخطِّ أبي الحسن عليّ بن عبد الله بن الحسن بن الحسين بن مَالَوَيْهِ الرازي - شابٌّ كان يسمع معنا الحديث بالرّي سنة تسع وعشرين وخمس مئة -: قال أبو عبد الله ابن ماجه: عرضتُ هذه النسخةَ على أبي زُرعة فنظر فيها (5) وقال: أظنُّ إنْ وقع هذا في يديِّ النَّاس تعطلت هذه الجوامعُ كلُّها - أو قال: أكثرُها -، ثم قال: لعلَّه لا يكون فيه تمامُ ثلاثين حديثاً ممَّا في إسناده ضعفٌ، أو قال: عشرين، أو نحوٌ من هذا الكلام.
= (17/ 624)، و "نزهة الألباب في الألقاب" لابن حجر (1/ 232) وسماه: أحمد بن إسحاق.
(1)
في المطبوع من "شروط الأئمة": "فيه".
(2)
في "شروط الأئمة": "قريب" بدل "قدر".
(3)
انظر: "شروط الأئمة الستة" لابن طاهر المقدسي (ص: 101).
ورواه عنه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(56/ 272)، وابن نقطة في "التقييد" (ص: 120).
(4)
في الأصل: "على"، والصواب ما أثبت.
(5)
في الأصل: "فيه"، والصواب ما أثبت.
وقال: حُكِيَ أنه نظر في جزء من أجزائه، وكان عنده في خمسة أجزاء (1).
قلت: وهذا - أيضًا - لا بدَّ من تأويله جزمًا، ولعل ذلك الجزءَ الذي نظر فيه أو غيره ممَّا يصح.
وقَزْوينُ المنسوبُ هو إليها: ذكرها أبو عُبيد البكري في كتاب "معجم ما استعجم" فقال: قَزوين - بفتح أوله، وإسكان ثانيه، بعدَه واوٌ مكسورة، وياء ونون - معروفةٌ ببلاد الدَّيلم، وأنشد أبياتاً. . . . (2) وقال الرَّشاطي عن ابن خُرْدَاذْبَه (3) أنه قال: بين قزوينَ والرّي سبعة وعشرون فرسخاً، وقزوينُ ثغرُ الدَّيلم (4)، قال: وقال اليعقوبي:
(1) انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (56/ 271). قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(13/ 278): قد كان ابن ماجه حافظًا ناقداً صادقاً واسع العلم، وإنما غضَّ من رتبة "سننه" ما في الكتاب من المناكير، وقليل من الموضوعات، وقول أبي زرعةَ - إن صحَّ - فإنما عنى بثلاثين حديثاً: الأحاديث المطَّرحة الساقطة، وأما الأحاديث التي لا تقوم بها حجة، فكثيرة لعلها نحو الألف.
(2)
انظر: "معجم ما استعجم" لأبي عبيد البكري (3/ 1072).
(3)
في الأصل: "حردادبه"، والصواب ما أثبت، وهو بضم الخاء المعجمة، وسكون الراء، وفتح الدال المهملة بعدها ألف وبعدها قال معجمة ساكنة، ثم باء موحدة مفتوحة، وآخره هاء ساكنة. وابن خرداذبه هذا: هو عبيد الله بن أحمد أبو القاسم، توفي في حدود سنة (300 هـ)، وله عدة مصنفات. انظر:"الفهرست" لابن النديم (ص: 165)، و "هدية العارفين" للبغدادي (1/ 341).
(4)
انظر: "المسالك والممالك" لابن خرداذبه (ص: 58).
قزوينُ عادلةٌ عن وسطِ (1) الطريق، وهي في سفحِ جبل يُتاخم الديلمَ، ولها واديان يقال لأحدهما: الوادي الكبير، والآخر: الوادي شُبْرُم (2)، يجري فيهما الماء في أيام الشتاء، وينقطع في أيام الصيف، وأهلها أخلاط من العرب والعجم، وبها آثارُ المعجم وبيوتُ نيران (3).
وأما ابنُ خزيمةَ: فهو أبو بكر محمدُ بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري، أحدُ الأكابر الذين جمعوا بين الفقه ومعرفة صنعة الحديث، لقيَ أبا إبراهيم المُزني، والربيعَ بن سليمان، صاحبي الشافعي رحمهم الله، وعَظُم قدرُه، وانتشر صيتُه حتَّى لقِّبَ بإمام الأئمة، وشارك الشيخين وبقيةَ الجماعة في عدد من شيوخهم، كإسحاق بن راهَويه، وأحمد بن مَنِيع، وأحمد بن عبدة الضَّبي، ومحمد بن بشَّار بُندار، وأبي موسى محمد بن المثني الزَّمِن، ويحيى ابن حبيب بن عربي، وعُتبة بن عبد الله اليُحْمِدِي، وعلي بن حُجْر، ونَصر بن عليّ، وغيرهم.
(1) في المطبوع من "البلدان": "معظم" بدل "وسط".
(2)
في المطبوع من "البلدان": "سيرم".
(3)
انظر: "البلدان" لليعقوبي (ص: 271).
* مصادر الترجمة:
"شروط الأئمة الستة" لابن طاهر المقدسي (ص: 101)، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر (56/ 270)، و"التقييد" لابن نقطة (ص: 119)، و "التدوين في أخبار قزوين" للرافعي (2/ 49)، و"تهذيب الكمال" للمزي (27/ 40)، و "وفيات الأعيان" لابن خلكان (4/ 279)، و "سير أعلام النبلاء" للذهبي (13/ 277)، و"تذكرة الحفَّاظ" له أيضًا (2/ 636)، و"تهذيب التهذيب" لابن حجر (9/ 468)، و "الحطة في ذكر الصحاح الستة" للقنوجي (ص: 255).
روى عنه الأكابر: أحمد بن إسحاق الصِّبْغِي، والحسن بن سفيان الفَسَوي، وأبو حامد بن الشَّرقي، وغيرُهم، ويقال: آخرُ من حدَّث عنه ابنُ ابنِهِ أبو بكر بن محمد الفضل (1) بن محمد بن إسحاق.
كانت وفاتُهُ سنة إحدى عشرة وثلاث مئة بنيسابور.
وصنَّف "الصحيح"، وله فيه طريقةٌ يذهب إليها في الرجال (2).
وذكره الحافظ الحاكم أبو عبد الله في كتاب "علوم الحديث" وقال: سمعتُ أبا بكر محمد بن عليّ الفقيه الشَّاشي يقول: سمعتُ أبا بكر الصَّيرفي يقول: سمعتُ أبا العباس بن سُريج يقول - وذَكَر أبا بكر محمد بن إسحاق - فقال: يُخرِجُ النكتَ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمِنقاش (3).
(1) كذا في الأصل: "أبو بكر بن محمد الفضل"، والصواب:"أبو طاهر محمد بن الفضل". وانظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (16/ 490).
(2)
قال الإمام الذهبي في "سير أعلام النبلاء"(14/ 373): وقد كان هذا الإمام جِهْبِذاً بصيراً بالرجال، فقال فيما رواه عنه أبو بكر محمد بن جعفر شيخ الحاكم: لست أحتج بشهر بن حوشب، ولا بحريز بن عثمان لمذهبه، ولا ببقيَّة، ولا بمقاتل بن حيان، ولا بأشعث بن سِوَار، ولا بعَلِي بن جَدعان لسوء حفظه، ولا بابن عقيل، ولا بيزيد بن أبي زياد، ولا بمُجالد، ولا بحجاج بن أَرْطاة إذا قال: عن، ولا بأبي حذيفة النَّهْدي، ولا بجعفر بنِ بَرْقان، ولا بأبي مَعْشر نَجيح، ولا بعمر بن أبي سلمة، ولا بقابوس بن أبي ظبيان، ثم سمى خلقاً دون هؤلاء في العدالة. فإن المذكورين احتج بهم غير واحد.
(3)
رواه الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص: 83).
وانظر: "سير أعلام النبلاء"(14/ 373)، و"تذكرة الحفَّاظ" كلاهما للذهبي (2/ 728).
قلتُ: وفي تراجمه في كتابه أشياءُ حسنة، ومعانٍ طريفةٌ تؤيِّد ما قاله القاضي أبو العباس.
وقال الحاكم: وسمعتُ أبا أحمد الحافظَ يقول: سمعتُ أبا الحسن السَّنجاني يقول: نظرت في مسألة الحج لمحمد بن إسحاق بن خزيمة فعلمتُ (1) أنه عِلْمٌ لا نُحسنه نحن (2).
قال الحاكم: وسمعتُ أبا زكريا العَنبري يقول: سمعتُ محمد ابن إسحاق يقول: ليس لأحدٍ مع النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قولٌ إذا صحَّ الخبرُ عنه.
ثم قال ابنُ خزيمةَ: سمعتُ أبا هاشم الرفاعي يقول: سمعتُ يَحْيَى بن آدم يقول: لا يُحتاجُ مع قول النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى قول أحد، وإنما كان يقال سنةُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمرَ رضي الله عنهما؛ لِيعلَمَ أنَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ماتَ وهو عليها (3).
قال الحاكم: فضائلُ هذا الإمام - يعني ابن خزيمةَ - مجموعةٌ عندي في أوراق كثيرة، وهي أشهرُ وأكثر من أن يحملها هذا الموضع، ومصنفاتُهُ تزيد على مئة وأربعين كتاباً سوى المسائلِ، والمسائلُ المصنفة أكثرُ من مئة جزء ما بين فقه وحديث، وحديثُ بريرةَ ثلاثةُ أجزاء، ومسألةُ الحج خمسةُ أجزاء (4).
(1) في "معرفة علوم الحديث": "فتيقنت".
(2)
رواه الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(ص: 83).
(3)
انظر: "معرفة علوم الحديث" للحاكم (ص: 84).
(4)
المرجع السابق، (ص: 83).
وذكره الحافظ أبو يعلى الخليل بن عبد الله قال: سمعت أحمد ابن عبد الله المُعدِّل يقول: سمعتُ عبد الله بن خالد الأصفهاني يقول: سُئِل عبدُ الرحمن بن أبي حاتم، عن أبي بكر بن خزيمةَ فقال: ويحك هو يُسأَل عنا، ولا نُسأل عنه، وهو إمام يُقتدى به (1).
قال الخليل: وحدثني بعضُهم عن أبي أحمدَ الحافظِ قال: سمعتُ مَنْ سمع الربيعَ بن سليمان يقول: استفدنا من هذا الفتى الشعرانيِّ أكثرَ ممَّا استفاد منا، يعني: ابن خزيمة (2).
وقد قدمنا قولَ الحافظ الجليل أبي الحسن الدارقطني فيه وهو قوله: وإن كان ابنُ خزيمة إمامًا ثبتاً معدومَ النظير (3).
وذكره الشَّيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتاب "طبقات الفقهاء"، فزاد في نسبه بعدَ خزيمة: المغيرة، قال: السلمي مولاهم (4).
وذكر عنه أنه قال: حضرتُ المزنيَّ، وسأله سائلٌ من العراقيين عن شبهِ العمد، فذكر المزني الخبرَ الذي رواه الشافعي:"ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد"(5)، فقال له السائل: أتحتجُّ بعلي بن زيد بن
(1) رواه الخليلي في "الإرشاد في معرفة علماء الحديث"(3/ 832).
(2)
المرجع السابق، الموضع نفسه.
(3)
انظر: (ص: 53 - 54) من هذا الكتاب.
(4)
انظر: "طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص: 105).
(5)
رواه الإمام الشافعي في "مسنده"(ص: 198)، وفي "الأم"(6/ 8)، وأبو داود (4549)، كتاب: الديات، باب: في الخطأ شبه العمد، والنَّسائيُّ (4799)، كتاب: القسامة، باب: الاختلاف على خالد الحذاء، وابن ماجه (2628)، =
جدعان؟ فسكت المزني، فقلتُ للسائل: وروى الخبر غير عليّ بن زيد، فقال: مَنْ رواه؟ قلت: أيوبُ السَّختياني، وخالدٌ الحذاء، فقال: ومن عقبةُ بن أوسٍ الذي يرويه عن عبد الله بن عمر؟ فقلت: عقبة رجل من أهل البصرة، وقد روى عنه محمد بن سيرين في جلالته، فقال الرجل للمزني: أنت تناظر أو هذا؟ فقال: إذا جاء الحديثُ فهو يناظر؛ لأنَّه أعلمُ بالحديث مني، وأنا أتكلم (1).
وحكى عنه أبو بكر النَّقاش أنه قال: ما قلَّدت أحدًا في مسألة منذ بلغتُ لستَ عَشْر [ة] سنة (2).
أَذِنَ لنا غيرُ واحد عن الحافظ أبي طاهر السِّلَفي - ومن خطِّه استفدتُه - منهم: أبو محمد عبد الوهاب بن رواج قال: كتب إلي أبو ثابت يُنْجِير بن منصور الصُّوفي من هَمَذَان، وأخبرني عنه خادمُه أبو عليّ الحسنُ بن إبراهيم بها قال: سمعتُ أبا محمدٍ جعفرَ بن محمد بن
= كتاب: الديات، باب: دية شبه العمد مغلظة، وغيرهم من طريق سفيان بن عيينة، عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن القاسم بن ربيعة، عن ابن عمر رضي الله عنه، به.
وإسناده ضعيف كما ذكر الحافظ ابن حجر في "الدراية"(2/ 261).
وقد وقع في الأصول: "ابن عمر" والصواب: "عبد الله بن عمرو، وهو ابن العاص" كما نبه على ذلك الحافظ في "التلخيص الحبير"(4/ 22).
(1)
انظر: "طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص: 106)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (8/ 44)، و "سير أعلام النبلاء" للذهبي (14/ 371).
(2)
انظر: "طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص: 106).
الحسين الأَبْهَري قال: سمعتُ أبا سهل بن زَيرك يقول: سمعتُ أبا سعيد الحسين بن محمد بن الهيثم البَسطامي يقول: سمعتُ أبا إسحاقَ إبراهيم بن محمد المُضَارب يقول: رأيتُ ابنَ خزيمةَ في المنام فقلت: جزاك الله عن الإسلام خيرًا، فقال: كذا قال لي جبريلُ في السماء (1).
وأما ابن مَنْدَهْ (2): فهو أبو عبدِ الله محمدُ بن إسحاق بن محمد بن يَحْيَى بن منده العبدي الأصفهاني الحافظ، أحد أكابر هذه الصنعة، ممن جابَ رجال، ولقيَ الأعلام والرجال، وشرَّق وغرَّب، وبعَّد وقرَّب.
قال الحافظ أبو الحسن عليّ بن المقدسي: واسم منده فيما قيل: إبراهيم (3).
(1) وانظر: "سير أعلام النبلاء" للذهبي (14/ 377).
* مصادر الترجمة:
"الثقات" لابن حبان (9/ 156)، و"معرفة علوم الحديث" للحاكم (ص: 83)، و "طبقات الفقهاء" للشيرازي (ص: 105)، و"تاريخ جرجان" للسهمي (ص: 456)، و "الإرشاد في معرفة علماء الحديث" للخليلي (2/ 457)، و"التقييد" لابن نقطة (ص: 36)، و "سير أعلام النبلاء"(14/ 365)، و"تذكرة الحفَّاظ" كلاهما للذهبي (2/ 720)، و "طبقات الشافعية" للسبكي (2/ 130)، و "طبقات الحفَّاظ" للسيوطي (ص: 313).
(2)
قال ابن خلكان: مَنْدَهْ: بفتح الميم والدال المهملة بينهما نون - ساكنة، وفي الآخر هاء ساكنة أيضًا. انظر:"وفيات الأعيان" له (4/ 289) في ترجمة جد المترجم محمد بن يَحْيَى صاحب "تاريخ أصبهان" والمتوفى سنة (301 هـ).
(3)
قال الحافظ ابن حجر في "نزهة الألباب في الألقاب"(2/ 202): منده: جد آل منده الأصبهانيين، اسمه: إبراهيم بن الوليد بن سنده.
وكان نبيهـ[ـاً] ثبتـ[ـاً] جليلـ[ـاً] في الجمعِ بين الرواية والدراية، وسعةِ الرحلة وكثرة المشايخ، والسماعاتِ والتآليفِ، والتخاريجِ والكلام على الأحاديث، روَى عن أبيه، عن جده، وروى عنه أولادُه، وعن أولاده أحفادُه، واتصلت رواية بعضهم عن بعض، ولم يتفِقْ مثلُ ذلك إلَّا في أبياتٍ قليلةٍ، سمع في أصبهانَ من جماعة كبيرة، ثم رحل فسمع بالحجاز، وخراسان، ومدن العراق، والشام، ومصر.
قال المقدسي: وكثيراً ما كنت أسمع شيخَنا الحافظ أبا طاهر السِّلَفي يقول: كان أبو عبد الله بن منده يقول: طُفتُ الشرقَ والغرب مرتين (1)، فما رأيت مثل القاضي أبي أحمد العسَّال في الإتقان.
قال السِّلَفي: وإنما انتهت رحلته إلى مصر، فجعلها في المغرب.
قلت: وشيوخُ ابن مَنْده هذا في الكَثرة بحيثُ يتعذَّر حصرُهم، ومن أعلامهم: أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف الشيباني الأخرم الحافظ، وأبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الأَصم، وأبو سعيد أحمد بن محمد بن زياد بن الأعرابي، وأبو القاسم حمزة ابن محمد بن عليّ الحافظ المصري، وأبو عليّ إسماعيل بن محمد ابن إسماعيل الصَّفَّار، وأبو الطَّاهر أحمد بن محمد بن عمرو المديني، وخيثمة بن سليمان الطَّرابُلُسي، وعبد الرحمن بن يَحْيَى بن مَنْدَه،
(1) انظر: "التقييد" لابن نقطة (ص: 40).
وأحمد بن إسحاق بن أيوب، وخلقٌ كثير سواهم (1).
قال المقدسي: وكفاه أنه قال: كتبتُ عن أربعةِ من مشايخي (2) أربعةَ آلاف جزء (3).
وقال محمد بن طاهر المقدسي - فيما رواه عنه السِّلَفي -: سألتُ الإمام أبا القاسم سعد بن عليّ الزَّنجانيَّ الحافظَ بمكةَ - وما رأيتُ مثلَه - قلت: أربعةٌ من الحفَّاظ تعاصروا، أيُّهم أحفظُ؟ فقال: مَنْ؟ قلت: الدارقُطني ببغدادَ، وعبد الغني بمصرَ، وأبو عبد الله بن مَنْده بأصبهانَ، وأبو عبد الله الحاكم بنيسابورَ، فسكت، فألححتُ عليه، فقال: أمَّا الدارقطنيُّ فأعلمُهم بالعلل، وأما عبد الغني فأعلمهم بالأنساب، وأما [أبو] عبد الله بن منده فأكثرهم حديثاً مع معرفةٍ تامة، وأما الحاكم فأحسنهم تصنيفاً (4).
وروى الحافظ السلفي - رحمة الله عليه - قال: سمعتُ أبا الرجاء
(1) قال ابن أبي يعلى في "الطبقات"(2/ 167): بلغني عنه أنه كتب عن ألف شيخ وسبع مئة شيخ، وقال: طفت الشرق والغرب مرتين، فلم أتقرب إلى كل مذبذب، ولم أسمع من المبتدعين حديثاً واحدًا.
(2)
وهم: أبو سعيد بن الأعرابي، وأبو العباس الأصم، وخيثمة الأطرابلسي، والهيثم الشاشي. انظر:"سير أعلام النبلاء" للذهبي (17/ 34).
(3)
رواه ابن نقطة في "التقييد"(ص: 40)، والذهبي في "سير أعلام النبلاء"(17/ 34)، وفي "تذكرة الحفاظ"(3/ 1034).
(4)
انظر: "أطراف الغرائب والأفراد للدارقطني" تخريج ابن طاهر المقدسي (1/ 51).
بشار بن أحمد بن محمد القصَّار وآخرين بأصبهانَ قالوا: سمعنا أبا حفصِ عمرَ بن أحمد بن عمر السِّمسار الشيخَ الثقةَ يقول: سمعتُ أبا نعيم الحافظ، وسُئِل عن أبي عبد الله بن منده الحافظ، فقال: جبلٌ من الجبال (1).
قال الحافظ السِّلَفي: وابن منده من الحفَّاظ الذين كَتَبَ عنهم أبو نعيم بأصبهانَ.
قال الحافظ أبو الحسن المقدسي: بلغني أنَّ أبا عبد الله بن منده قال: لما دخلتُ مصرَ لقيتُ حمزةَ بن محمد الحافظ فأكرمني، وخرجتُ من عنده فأمرَ لي بركوب دابته، فركبتها وسِرتُ بها في مصر، فجعل النَّاس ينظرون إليَّ ويقولون: هذا ركبَ دابة حمزة، وصار وجوهُهم يقصدونني بالزيارة، ويستعظمون هذا الأمر (2).
قال: وقد طلبتُ هذه الحكايةَ لأخرجها بإسنادها فلم أجدها، فعلقتها من حفظي على المعنى بغير إسناد.
وذكره الحافظ أبو نعيم في "تاريخه"، فقال: توفي في سَلخ ذي
(1) وانظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (52/ 32)، و "سير أعلام النبلاء" للذهبي (17/ 32)، قال الذهبي: فهذا يقوله أبو نعيم مع الوحشة الشديدة التي بينه وبينه، انتهى.
قلت: وهذا من كمال علمهم، ومتانة دينهم وإنصافهم، رحمهم الله جميعاً وغفر لهم.
(2)
ورواها ابن نقطة في "التقييد"(ص: 41).