الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحادية والستون:
فيما يترتَّبُ عليه: لمَّا كان الأمرُ هاهُنا مُتعلِّقًا بالترابِ وجبَ أنْ لا يقعَ الامتثالُ إلا به؛ لأنَّهُ لا خروجَ عن العُهدةِ إلا بفعل المأمور به، والأمرُ مُتعلَّقُهُ الترابُ، نعم، لو قالَ قائل: إذا ولغ في كفِّ إنسان، لمْ يجبْ غسلُه بالترابِ، مُستنِدًا في ذلك إلَى المفهومِ ودلالته، قيل: محلُّ الحكمِ هاهُنا هو الإناء، وهو لقبٌ لا يدلُّ علَى نفي الحكم عما عداه.
وإنَّما قُلْتُ: مستندًا في ذلك إلَى المفهومِ للإضراب عن الاستناد (1) إلَى الظاهرِ والتَّعبُّد، فإنَّ ذلك توجيهٌ آخر.
الثانية والستون:
اختلفَت (2) الشَّافِعيةُ - رحمهم الله تعالَى - في أنَّ التعفيرَ لماذا رُوعيَ؟
فمنهم مَنْ قالَ: [هو](3) تعبُّدٌ يُتبَعُ فيهِ ظاهرُ النقل، وهذا يَرجعُ إلَى القاعدةِ الَّتِي ذكرناها فيما مضَى، وهو أنَّهُ لا يلزمُ من كون المعنَى معقولًا في الأصلِ أنْ يطرحَ ما تعلَّقَ به الأمرُ في التفصيلِ، ولا يَمتنع (4) حملُهُ علَى التَّعبُّدِ، وإنْ عُقِلَ المعنَى في الأصلِ.
(1) في الأصل: "الاستثناء"، والمثبت من "ت".
(2)
في الأصل: "اختلفوا"، والمثبت من "ت".
(3)
سقط من "ت".
(4)
"ت": "يمنع".
ومنهم مَنْ قالَ: سببُهُ الاستظهارُ بغيرِ الماء، [فكأنَّ اقترانُ هذه اللُّزوجةِ](1) الَّتِي في لُعاب الكلب يُوهِم (2) أنَّ ذلك سببُ إضافةِ التراب لإزالتها.
ومنهم مَنْ قالَ: سببـ[ـه]، الجمعُ بين نوعي الطَّهور.
وَينبنِي (3) علَى هذا الخلاف ما إذا غسلَ بالصابونِ والأشْنَان بدلَ التراب، فمَنْ قالَ بالتَّعبُّدِ، أو الجمعِ بين نوعي الطهور لمْ يكتفِ به، ومَنْ قالَ: سببُهُ الاستظهارُ بغيرِ الماء [اكتفَى (4).
وتعيينُ التراب يُوجِبُ عدمَ الاكتفاء، ومَنْ قالَ بالاكتفاءِ مستندًا إلَى أنَّ المقصودَ الاستظهارُ بغيرِ الماء] (5)، فهو ضعيفٌ لوجهين:
أحَدُهُما: أنَّ هذا استنباطُ عِلَّةٍ من الحكمِ المنصوص [عليه](6) يعود علَى النَّصِّ لإبطالِ؛ لأنَّا إذا اكتفينا بما لا يُسَمَّى ترابًا لمْ يجبِ الترابُ أصلًا، وصار هذا كما ردَّ الشَّافِعيةُ علَى الحنفيةِ حيثُ قالوا:
(1) في الأصل: "وكان قرن هذا باللزوجة"، والمثبت من "ت".
(2)
في الأصل: "وتوهم".
(3)
"ت": "ويبنى".
(4)
انظر: "الوسيط" للغزالي (1/ 20).
(5)
سقط من "ت".
(6)
زيادة من "ت".
المقصودُ سَدّ خلَّة الفقر (1) بمقدار ما [ليَّة](2) الشاة دونَ عينِها، فقالوا لهم: هذا استنباط لعلَّةٍ تقتضي أن لا تجبَ الشاةُ المنصوصُ عليها، فعادت علَى النَّصِّ بالإبطالِ، فكذلك (3) هذا.
الوجه الثاني: إنَّ القاعدةَ في (4) الأوصافِ الَّتِي يشتمل عليها محلّ الحكم [أن تكون معتبرةً](5) إلا ما يُعلَمُ عدمُ اعتباره، ومهما كان في محلِّ الحكمِ مما (6) يمكنُ أنْ يكونَ معتبرًا لمْ يجزْ إلغاؤُهُ، ومحلّ النَّصِّ قد اشتمل علَى الترابِ وله وصفُ التطهير، وهو وصف يمكن أنْ يكونَ مُعتبرًا في معنَى التغليظِ للنَّجاسةِ المُزالة، فلا يُلغَى.
وللشافعيةِ وجهٌ: أنَّهُ يقومُ غيرُ الترابِ مقامَه (7) عندَ عدمِهِ دونَ وجودِه (8).
[وهذا الذي ذكرناه من تعيين ما عُيِّن في لفظ الرسول واردٌ على
(1)"ت": "الفقير".
(2)
بياض في الأصل، والمثبت من "ت".
(3)
"ت": "وكذلك".
(4)
في الأصل: "من"، والمثبت من "ت".
(5)
زيادة من "ت".
(6)
"ت": "ما".
(7)
"ت": "مقام التراب".
(8)
انظر: "الوسيط" للغزالي (1/ 208).