الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غسلاً، فبعض الاغتسال اغتسال، وإنما جاء هذا من حيثُ إضافةُ الاغتسال إلى المغتسِل، وهو حقيقة في جميعه مجازٌ في بعضه، فصحَّ نفيُهُ بأنْ يقال: ما اغتسل في الماء الدائم؛ لأن من أَمارة المجاز صحةَ النفي، وأما الغسل فإما أن يضافَ إلى البدن أو يطلق، فإن أضيف إلى البدن فبعضُهُ ليس غسلاً للبدن، فيصح نفيُه كما في الاغتسال، وإن أطلق من غير إضافة كما إذا قيل: لا يقعُ منك غسلٌ، فإنه حينئذٍ يكون (1) مخالفاً لغسل بعض البدن؛ لأن (2) بعض الغسل غسلٌ، والله أعلم.
السابعة عشرة:
استدلَّ بعضُ الأكابر ممن يرى تأثيرَ الاستعمال في سلب الماءِ الطهوريةَ بالنهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم، وعلَّلَ [في] (3) ذلك بأن النهيَ يدُّل على الفساد. والاعتراضُ عليه من وجوه:
الأول: أن هذا الحكمَ مخصوصٌ بالماء القليل، فيلزَمُ التخصيصُ للنصِّ.
الثاني: أنه يلزم مَنْ سلك هذه الطريقة أن [لا](4) يقولَ بكراهة الاغتسال في الماء الدائم [الكثير](5) غير مستند (6) إلى النهي فيه، مع
(1)"ت": "يكون حينئذ".
(2)
"ت": "فإن".
(3)
سقط من "ت".
(4)
زيادة من "ت".
(5)
سقط من "ت".
(6)
"ت": "ولا يستند".
وجود هذا في كلامهم.
الثالث: أن النهي إنما يدل على فساد المنهي عنه، والمنهيُّ عنه هو الاغتسال، فيكون الاغتسال هو الفاسد بمقتضى استدلاله، لكنَّ فسادَ الاغتسالِ يلزم منه عدمَ فسادِ الماء؛ لأن الماء إنما يفسُد بالاغتسال إذا كان الاغتسالُ صحيحاً رافعاً للحدث.
فإن قيل: ما ذكرتموه أنه يقتضي (1) فسادَ الغسل يلزمُ منه طهورية الماء، ويلزم من ذلك أن لا يجتمعَ (2) فسادُ الغسل وفساد الماء، لكنه يجتمع: أما أوَّلاً: فللوجه المحكي عن الخِضْرِيِّ (3) من أتباع الشافعي رضي الله عنهما فيما إذا انغمس الجنب في ماء قليل ناوياً للغسل لم ترتفعْ جنابتُه، وصار الماء مستعملاً؛ لأنه بأول ملاقاة جزء من بدنه الماء مع النية فسدَ الماءُ (4)، فإذا انغمس بعد ذلك فسد الغسل،
(1)"ت": "يقتضي أن".
(2)
"ت": "يجتمع".
(3)
هو الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن أحمد الخضري المروزي الشافعي، صاحب القفال المروزي، من أساطين المذهب، ومتقدمي الأئمة، وكبار أصحاب الوجوه، وله وجوه غريبة نقلها الخراسانيون، وكان موثقاً في نقله، وله خبرة بالحديث. انظر:"تهذيب الأسماء واللغات" للنووي (2/ 551)، و"وفيات الأعيان" لابن خلكان (4/ 215) وذكر أن وفاته كانت في عُشْر الثمانين والثلاث مئة، و"سير أعلام النبلاء" للذهبي (18/ 172) وقال: كان حياً في حدود الخمسين إلى الستين وأربع مئة.
(4)
انظر: "الوسيط". للغزالي (1/ 124 - 125). قال الغزالي: هو غلط؛ إذ حكم =
فالغسل فاسد والماء فاسد، فقد اجتمعا.
وأما ثانياً: فعند غيره من أصحاب الشافعي فيما إذا أخرج عضوَهُ من الماء، ثم انغمس بعد ذلك، فإنَّ الماءَ فاسدٌ والغسلَ فاسدٌ، فقد اجتمعا أيضاً (1).
قلنا: على المذهبين إنما فسد الماء لارتفاع الحدث عن العضو الذي لاقى الماء، إلا أنه لا يُشترَطُ الانفصالُ عن الماء في ثبوت حكم الاستعمال على الوجه المحكي عن الخِضْرِيّ، ويشترط على المذهب الآخر، فالاتفاق على أن فساد الماء إنما هو بارتفاع الحدث عن ذلك العضو، وإنما الاختلاف (2) في اشتراط الانفصال أو عدم اشتراطه، فلو لم يرتفعِ الحدثُ عن العضو الملاقي للماء، لَمَا صار الماءُ مستعملاً، فصحَّ أنه إنما يفسُد الماءُ لصحة الغسل.
فإن قيل: المنهيُّ عنه هو الغسل الكامل المتعقب لإباحة الصلاة، وهذا الغسل الكامل يجتمع فساده مع فساد الماء، إما بأول الملاقاة على مذهب الخِضْرِيِّ، وإما بأن ينفصلَ العضوُ ثم يقعَ الانغماسُ في الماء بعد ذلك على مذهب غيره، فيصير التقدير: لا تغتسلوا الغسلَ الكاملَ بالانغماس في الماء الدائم، فإن الماء يفسد قبلَ كمال الغسل، فلا يصحُّ الغسلُ.
= الاستعمال إنما يثبت بالانفصال، ولا يَثبت حالة تردده على الأعضاء.
(1)
المرجع السابق، (1/ 127).
(2)
"ت": "الخلاف".
قلنا: الجوابُ عنه من وجهين:
الوجه الأول: أنه إذا كان المنهيُّ عنه هو الغسل الكامل لزمَ التخصيصُ مرتين، وفي ذلك زيادةُ مخالفةِ الدليل.
بيانُهُ: أن النصَّ يُخَصُّ أولاً بالماء القليل؛ لأن الاستعمال لا يؤثر إلا فيه، ثم إذا قلتم: إن النهيَ منزلٌ على الغسل الكامل، لم يدلَّ على فساد الغسل إلا بواسطة فساد الماء بالغسل الناقص (1)، وفسادُ الماء بالغسل الناقص (2) مخصو صٌ لا يعمُّ جميعَ صورِ الاغتسال في الماء الراكد [القليل] (3)؛ لأنَّ مِنْ صوره: ما إذا نوى بعد تمام الانغماس واستواء الماء على رأسه، فإنه حينئذ يرتفع الحدث اتفاقاً، فلا (4) يكونُ الغسلُ فاسداً، فلا يكون النصُّ دالاً على فساد هذه الصورة حينئذٍ، مع أن اللفظَ يتناول هذه الصورة؛ إذ يصحُّ أن يقال: اغتسل في الماء الدائم.
الوجه الثاني: إنكم استدللتم بالنهي الدالِّ على الفساد على فساد الماء بالاستعمال، فيكون فسادُ الماء بالاستعمال لازماً لهذه الدلالة، وإلا لم يصحَّ الاستدلالُ، وإذا حملتم النهي على الغسل الكامل لم يكن فسادُ الماء لازماً للنهي [عن الغسل الكامل](5)، ولا ناشئاً
(1)"ت": "الكامل".
(2)
"ت": "الكامل".
(3)
سقط من "ت".
(4)
"ت": "فلا".
(5)
سقط من "ت".
عنه؛ لأنه إنما أنشأ (1) عن صحة الغسل [الناقص](2)، لا عن النهي عن الغسل الكامل.
وأيضاً: فإذا توقفت دلالة النهي - كما (3) ذهبتم إليه - على فساد الماء بالغسل الناقم، [الذي](4) لا يَتِمُّ إلا بعد ثبوت تأثير الاستعمال في إفساد الماء، فتكونون قد استدللتُم بشيء على أمر لا يتمُّ ذلك الاستدلالُ به إلا بعد ثبوتِ ذلك الأمر؛ لأنكم استدللتم حينئذ بالنهي عن الغسل الكامل على فساد الماء بالاستعمال، المتوقِّفِ على فساده بالغسل الناقم، المتوقفِ على مطلق فساده بالاستعمال، وذلك غيرُ جائز.
[وقد استدلَّ بعضُ المتأخرين بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الاغتسال في الماء الراكد على مسألة الماء المستعمل من وجه آخر، وهو أنه لو لم يَفْسُدِ الماءُ، لم يكنْ للنهي عنه معنى، هذا معنى ما ذَكَرَ.
وهذا إنما يلزم إذا انحصرت الفائدةُ فيما ادَّعاه، ومخالفوه ينازعون في ذلك، وهو أن تكون علةُ النهي بضرر غيره بالاستقذار الناشئ عن الاغتسال فيه مع الجنابة، أو لأنَّ إباحةَ ذلك طريق إلى تكرره، وتكررُهُ سبيلٌ إلى إفساده على المستعملين في الشرب وغيره] (5).
(1)"ت": "نشأ".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
"ت": "على ما".
(4)
زيادة من "ت"، وفيها أيضاً:"وفساد الماء بالغسل الناقص".
(5)
سقط من "ت".