الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُقتَضِي للتنجيس موجودًا في السِّباعِ؛ لأنَّهُ لو لمْ يكنْ المُقتَضِي موجودًا فيها لكان التعليلُ بالأصلِ، لا لقيام المانع، ألا ترَى أنَّهُ لا يَحسنُ أنْ تعلَّلَ طهارةُ سؤر الآدميِّ - وما (1) يُؤكَلُ لحمُهُ، ولا يستعملُ النَّجاسَةَ - بعلةِ (2) الطَّوْفِ، لَمّا أنَّ المُقتضيَ للنَّجاسةِ ليسَ موجودًا فيه، فلا يَحسُنُ تعليلُه بالمانعِ.
التاسعة عشرة:
اختلفوا فيما إذا تعارضَ الأصل والغالبُ، أيُّهُما يُقَدَّمُ؟
ورجَّحَ بعضُ مصنفي الشّافِعية العملَ بالأصلِ (3)، ويردُّ عليه أنَّ العملَ بأقوَى الظَّنَّين وأرجحِهِما واجبٌ، والظنُّ الحاصلُ بسبب إلحاقِ الفرد المُعيَّنِ بالأعمّ الأغلبِ أقوَى من الظنّ الحاصل بالأصلِ، فوجبَ تقديمُهُ.
ولو أرادَ مَن رجَّحَ العملَ بالأصلِ الاستدلالَ بهذا الحديثِ كان طريقُهُ أنْ يقولَ: لَمّا كان الغالبُ من الهِرَّةِ استعمالَ النَّجاسَةِ بأكل الميتة: وقعَ التردُّدُ في حال ولوغها في الإناءِ بينَ الحمل علَى الأصلِ؛ فيُحكَمُ بطهارة الإناء، وبين الحمل علَى الغالبِ؛ فيحكم بنجاسته،
(1)"ت": "ولا".
(2)
في الأصل: "لعلة"، والتصويب من "ت".
(3)
انظر: "إحياء علوم الدين" للغزالي (2/ 102).
وكانَ الحديثُ دليلًا علَى العملِ بالأصلِ، دلَّ تقديمُه علَىْ العملِ بالغالب.
وجوابُهُ: أنَّ الأمرَ بالعكسِ، وهو دلالتُهُ علَى العملِ بالغالب لأجلِ التعليلِ بالمعارِضِ، وهو الطوافُ (1) المُوجِبُ للطهارةِ أو العفوِ، وقد تقدَّمَ أنَّ التعليلَ بالمانعِ يستدعي قيام المُقتَضِي، فيكون المُقتَضِي للتنجيس لولا هذا المانعُ الخاصُّ موجودًا، والمُقتضي هو غلبةُ استعمالِ النَّجاسَة، فيكون العملُ به هو الراجحُ عندَ عدمِ [هذا](2) المُعارِضِ [الخاص](3)، وهو الطواف (4).
أو يقول: دلالتُهُ علَى العملِ بالأصلِ مُطلقًا، أم مع مُعارِضٍ؟
الأول ممنوعٌ، ولا يمكنُ دعواه؛ لأنَّ المُعارضَ قائمٌ علَى ما دلَّ عليه التعليلُ بالطوافِ (5)، وأرشدَ إليه من اعتبار المشقة.
والثاني مُسَلَّمٌ، ولكنْ لا يلزمُ من إعمالِ الأصلِ عندَ قيامِ مُعارِضِ الضرورةِ والحاجة إعمالُهُ مُطلقاً، والله أعلم.
(1)"ت": "الطوف"، وهما بمعنى.
(2)
سقط من "ت".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
"ت": "الطوف".
(5)
"ت": "بالطوف".