الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للتخصيص، وقد لا يكون، فإن كان الأولُ اقتضى ذلك التخصيصَ؛ لأن السياقَ مبيِّنٌ للمجمَلات، مرجِّح لبعض المحتمَلات، مؤكِّد للواضحات، وإن كان الثاني: فهي المسألة الخلافية.
فقد يجيء بعض الضَّعَفَة، فيرى السؤالَ والجوابَ حيثُ يقتضي السياقُ [التخصيصَ](1)، فيحمله على المسألة الخلافية، ويرجحُ (2) ما رجَّحه الجمهور من القول بالعموم، وهو عندنا غلط في مثل هذا المحل، فليتنبَّهْ له (3).
وقد أشار بعضُ فقهاء المالكية المتأخرين إلى تصحيح قول سعيد ابن المسيِّب: أنه إنما يتوضأ به إذا أُلجِئ إليه، من هذا الحديث؛ لأنه ورد جواباً عن قوله:"إنْ (4) توضَأْنا به عَطشْنا"، وأجابَ: بأن حمله على المسألة الأصولية المرجح [في ذلك](5) عند الأكثرين القول بالعموم (6)، وقال: إنَّما يلزمُ ذلك الشافعيَّ الذي يختار تخصيصَ العامِّ بسببه.
الثامنة عشرة:
في قاعدة يُبتنىَ عليها ما لا يُحصى من المباحث
(1) سقط من "ت".
(2)
"ت": "ويرجحه".
(3)
انظر: " البحر المحيط " للزركشي (4/ 289 - 290).
(4)
"ت": "فإن".
(5)
سقط من "ت".
(6)
في الأصل و"ب": "في العموم"، والمثبت من "ت".
المتعلقة بهذا الحديث وغيره، [و](1) نذكرها هنا بما فيها وعليها، ليُستغنَى (2) عن إعادتها فيما يأتى إن شاء الله تعالى، فنقول: المتأخرون يقولون - أو من قال منهم -: إن اللفظَ العامَّ ينطلقُ باعتبار الأزمان والبقاع والأحوال والمتعلقات، وإن كان عاماً في الأشخاص، وقد يستعمل ذلك في دفع كثير من الاستدلالات بالألفاظ من الكتاب والسنة، فيؤْتَى إلى بعض الأحوال التي يُتَّفَقُ عليها بين الخصمين فيقال: إن اللفظَ مطلقٌ في الإجمال (3)، وقد عملنا به في الصُّورة الفلانية (4)، والمطلق يكفي في العمل به مرةً واحدة، فلا يلزم العملُ به في صورة النزاع (5).
(1) سقط من "ت".
(2)
"ت": "لنستغني".
(3)
" ت ": "الأحوال".
(4)
"ت": "وقد عملنا في الصورة الفلانية به".
(5)
ذكر الإمام ابن دقيق العيد هذه القاعدة أيضاً في "شرح العمدة"(1/ 54) فقال: "أولع بعض أهل العصر وما يقرب منه بأن قالوا
…
" ثم قال: وهذا عندنا باطل، ثم ذكر قريباً مما ذكره هاهنا.
وقد خالف الإمام ابن دقيق في "شرح العمدة"(3/ 109) هذه القاعدة، فقال في حديث بيع الخيار: إن الخيار عام ومتعلقه وهو ما يكون فيه الخيار مطلقا، فيحمل على خيار الفسخ، وهذا اعتراف منه بمقالة المتأخرين التي نقدها. كما أفاده الزركشي في "البحر المحيط "(4/ 42 - 43).
وانظر القاعدة والكلام حولها في: "شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص: 199)، ولعله من المقصودين بكلام ابن دقيق في القاعدة، و"الإحكام" للآمدي (2/ 274)، و"الإبهاج" للسبكي (2/ 86)، و"البحر المحيط" للزركشي (4/ 38)، و"القواعد والفوائد الأصولية" لابن اللحام (ص: 236).
وأنا أقول: أمَّا كونُ اللفظِ العام في الأشخاص مطلقاً في الأحوال وغيرِها مما ذَكر، فصحيح، وأما الطريقة المذكورة في الاستدلال [فنقول فيها] (1): إذا (2) لزم من العمل بالمطلق في صورة دونَ غيرها عَوْدُ التخصيص إلى صيغة العموم، وجبَ القولُ بالعموم في تلك الأحوال، لا من حيثُ إنَّ المطلقَ عامٌ باعتبار الاستغراق، بل من حيث إنَّ المحافظةَ على صيغة العموم في الأشخاص واجبةٌ (3)، فإذا وُجِدَت صورة، وانطلق عليها الاسم، من غير أن يثبتَ فيها الحكمُ، كان ذلك مناقضًا (4) للعموم في الأشخاص.
فالقولُ بالعموم في مثل هذا، من حيث وجوبُ الوفاء بمقتضى الصيغة العامة، لا من حيث إنَّ المطلقَ عامّ عموما استغراقيا.
وأما قولهم: إن المطلق يكفي في العمل به مرةً [واحدة](5)، فنقول: يُكتفَى فيه بالمرة فعلاً أو حَمْلاً؟ الأول مسلَّمٌ، والثاني ممنوعٌ.
وبيان ذلك: أنَّ المطلقَ إذا فُعِل مقتضاه مرةً، ووُجِدت الصورةُ الجزئية التي يدخل تحتها الكليّ المطلق، كفى ذلك في العمل به، كما إذا قال (6): أعتقْ رقبة، ففَعل ذلك مرةً، لا يلزمه إعتاقُ رقبةٍ أخرى؟
(1) سقط من "ت".
(2)
"ت": "فإذا".
(3)
"ت": "واجب".
(4)
"ت": "فإن ذلك مناقض".
(5)
زيادة من "ت".
(6)
"ت": "قيل".
لحصول الوفاء بمقتضى الأمر من غير اقتضاءِ اللفظِ العمومَ.
وكذا إذا قال: إنْ دخلتِ الدارَ فأنت طالق، فدخلتْ مرةً وحنث، لا يحنَثُ بدخولها ثانيا؛ لوجود مقتضى اللفظِ فعلًا من غير اقتضاء [اللفظِ للعموم](1).
أما إذا عمل به مرةً حَمْلاً؛ أي: في صورة من صور المُطْلق، لا يلزمُ التقييد بها، فلا يكون وفاء بالإطلاق؛ لأن مقتضى تقييد الإطلاق بالصورة المعينة حَمْلاً، أن لا يحصلَ الاكتفاءُ بغيرها، وذلك يناقضُ الإطلاقَ.
مثاله: إذا قال (2): أعتقْ رقبةً، فإنَّ مقتضى الإطلاق [أنْ](3) يحصلَ الإجزاء بكل ما يُسمَّى رقبةً؛ لوجود المطلَقِ في كل مُعتَق من الرّقاب، وذلك يقتضي الإجزاءَ به، فإذا خصَّصنا الحكمَ بالرقبة المؤمنة، منعنا إجزاءَ الكافرة، ومقتضى الإطلاق إجزاؤها إن وقع العتق لها، فالذي فعلناه خلافَ مقتضاه.
فتنبَّه لهذه المواضع التي تَرِدُ عليك من ألفاظ الكتاب والسنة، إذا كان الإطلاق في الأحوال أو غيرها، مما يقتضي الحملَ على البعض فيه عَوْدُ التخصيص إلى محلّ العموم - وهي الأشخاص -، أو مخالفةً لمقتضى الإطلاق عند الحمل، فالحكمُ [بالتخصيص أو التقييد مع
(1) في "الأصل" و"ب": "العموم"، والتصويب من "ت".
(2)
"ت": "قيل".
(3)
زيادة من "ت".
وجوبِ الوفاء بمقتضى العموم أو الإطلاق، لا يكون إلا لدليل مُنفصِل] (1).
أما إذا كان الإطلاقُ في صورة لا تقتضي مخالفةَ صيغة العموم، ولا ينافي مُقتضَى الإطلاقِ، فالكلامُ صحيحٌ.
ويتصدَّى النظرُ بعدَ القول بالعموم بالنسبة إلى ما ذكرناه في أمر آخرَ، وهو أن ينظُرَ إلى المعنى المقصود بالعموم، فإن اقتضى إخراجَ بعض الصور، وعدمَ الجري على ظاهر العموم، وجب أن ينظرَ في قاعدة سنذكرها قريبا، وهي: أن اللفظَ العام إذا قُصِدَ به معنىً، فهل يُحتَجُّ به فيما لم يُقصَد [به](2)، أم لا؟
فإن قلنا بالأول، فلا حاجةَ بنا بعدَ العمل بمقتضى الصيغة إلى النظر في هذه القاعدةِ، وإن قلنا بالثاني، احتجنا إلى النظرِ في هذه القاعدة الثانية بعدَ الوفاء بمقتضى صيغة العموم.
والقولُ بأنَّ الوفاءَ بمقتضاها واجبٌ، [فهذا ما](3) عندي في هذا الموضع.
والذي يُؤكّده ويزيدُه إيضاحاً: أن اللفظَ إذا كان مطلقًا في هذه الأحوال، ولم يلزمْ منه العملُ بمقتضى العموم، يلزم أن لا يصحَّ
(1)"ت": "فالحكم بالتخصيص ثم في وجوب الوفاء أو التقييد لا يكون بمقتضى العموم أو الإطلاق إلا لدليل منفصل".
(2)
سقط من "ت".
(3)
في الأصل و"ب": "فهنا"، والتصويب من "ت".