الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثالثة عشرة:
استدلَّ (1) المالكية - رحمهم الله تعالى - بلفظة (الطَّهور) على مسألة الماء المستعمل، من حيثُ إن صيغةَ (فَعول) تقتضي التكرارَ؛ كالقَطُوع للسيف، والضَّرُوب للرجل، والشَّكُور للشاكر (2)، وأشباهِ ذلك، فيقتضي ذلك تكرارَ التطهرِ بهِ، فيدخل فيه الماءُ المستعملُ (3).
وقيل - أيضًا - في الاستدلال بالآية: إنه جعلَ الماء مُطهّراً، ولم يُفرّق بين أن يُستَعملَ، وبين أن لا يستعمل، فوجب أن تُثبَتَ له هذه الصفةُ ما دام ماء، وهذا يجيء مثلُه في لفظ الحديث، وهذا بعدَ تقرير المسألة السابقة في اقتضاء المبالغة.
وأجاب القاضي أبو الطيب رحمه الله تعالى: بأنه أراد أنه معدّ للطهارة، كما تقول: سَحور وفَطور (4)؛ لأنه مُعدّ للإفطار والتسحُّر، والدليل على ذلك أنه سماه طَهوراً قبل وجودِ التطهر به.
قال: وجوابٌ آخر: [أنَّ](5) الماء يتكرَّرُ الفعلُ في كل جزء منه، فهو يتكرر في جنسه.
= لابن قدامة (1/ 21 - 22)، و"تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي (1/ 21)، و"شرح مشكاة المصابيح" للطيبي (2/ 105)، وغيرها.
(1)
"ت": "استدلت".
(2)
"ت": "للشكر"، وجاء على هامشها:"لعله: للكثير الشكر".
(3)
انظر: "المنتقى في شرح الموطأ" للباجي (1/ 55).
(4)
"ت": "فطور وسحور".
(5)
زيادة من "ت" و"ب".
قال: وجواب آخر: أنَّ الماءَ المستعمل إذا جُمعَ حتى بلغ قلتين، جاز (1) التوضُّؤُ به، ويؤخَذُ تَكرارُ الفعل [فيه](2) منه.
وأقول: أمَّا الوجهُ الأول: فكأنه ترجيح لحمله على أحد المعنيين، وهو آلة بدليل تسميته طهوراً قبل التطهر [به](3)، وقد يُعترَضُ عليه: بأنَّ حملَه على وقوع الفعل به، لا يمنع من إطلاق لفظ المبالغة عليه، كما في قولنا: سيفٌ قَطُوع - وإن لم يُقطَع به - اعتباراً بتهيئته (4) وإعداده للتكرار.
وأما الوجه الثاني: فهو بالنسبة إلى الاستدلال بالآية أقربُ من لفظ الحديث، وذلك أن لفظَ الحديث من حيثُ إنه اسمُ جنسٍ مضاف، ويقع على قليله اسمُ كثيرِه وبالعكس، فيقتضي (5) أن يضافَ الحكم بالطهورية إلى كل ما يسمى ماء البحر، وألفاظُ العموم كلية؛ أي: يثبت الحكم في كل فرد من أفراد العام، فيقتضي ذلك أن يكونَ كلُّ جزء مما ينطلق عليه اسمُ ماءِ البحر، يُحكَمُ له بالطهورية؛ فإذا سُلّم للخصم (6) اقتضاءُ الصيغة للتكرار، لزم ذلك في كل جزء، [وقد يمكن بهذه المادة أن يُعترَضَ على الوجه الثالث](7).
(1) في الأصل و"ب""جائز"، والمثبت من "ت".
(2)
زيادة من "ت".
(3)
زيادة من "ت".
(4)
"ت": "لتهيئته".
(5)
"ت": "يقتضي".
(6)
"ت": "الخصم".
(7)
زيادة من "ت".
فإن قلتَ: فهل يمكن أن يُجابَ عن التكرار بوجه آخر، وهو أن يقال: إن الماء يتردَّدُ على العضو، فبملاقاته أولَ (1) جزء يطهره، ثم ينتقل إلى الجزء الثاني من البدن فيطهره، فيحصل تكرار التطهير بالجزء المعين من الماء، بخلاف الوجه الذي ذكره القاضي، فإنه لا يقتضي حصولَ التكرارِ بالنسبة إلى جزء معين، وإنما يقتضيه بالنسبة إلى الجنس؟
قلتُ: فيه بحثٌ؛ لأنَّ لِقائلِ أن يقول: أحدُ الأمرين لازمٌ، وهو إما عدم التكرار المدعَى، أو ثبوتُ حكم الاستعمال قبل انفصال الماء عن العضو، والثاني منتفٍ، فيلزم الأول.
بيانُ لزومِ أحد الأمرين: أن ثبوت الأول - وهو عدم ثبوت تكرار (2) الطهورية المدَّعى (3) بالماء إذا لاقى الجزء من البدن وانفصل عنه إلى الجزء الثاني - فإما أنْ يقالَ بحصول الطهارة للجزء الأول، أو لا؟
فإن كان الأول، لم يلزمْ أن يتوقفَ حكمُ الاستعمال على انفصال الماء عن العضو؛ لأن من لوازم حصول الطهارة ارتفاعَ الحدث، أو هو [هو](4)، ومن لوازم ذلك ثبوت حكم الاستعمال قبل الانفصال عن العضو؛ لأن في الاستعمال [أداءَ فرضِ الطهارة،
(1)" ت ": "الأول".
(2)
في الأصل: "التكرار"، والمثبت من "ت".
(3)
في الأصل: "المدعاة"، والمثبت من "ت".
(4)
سقط من "ت".
وانتقال المانع] (1)، وقد حصلا على هذا التقدير، والأصل استِعْقَابُ العلةِ المعلولَ.
وإن كان لم يحصلِ التطهيرُ (2) بالجزء المُلاقي أولاً، فلا تكرارَ بالنسبة إلى الجزء الثاني.
وأما أن الثاني مُنتفٍ - وهو عدمُ توقف حكمِ الاستعمال على الانفصال - فبالاتفاق (3).
ويُعترَض على هذا بأنْ يقال: لا نُسلِّم أنه إذا حصلت طهارةُ الجزء الأول، يلزم ثبوتُ حكم الاستعمال بالنسبة إلى الجزء الثاني.
قوله: لأن ثبوت حكم الاستعمال من لوازم التطهير (4) وارتفاع الحدث: قلنا: لا يمتنع أن يكونَ اللزومُ موقوفاً على شرطٍ وهو الانفصال، فبوجود الشرط يحصلُ الحكمُ، وقبله لا يحصل، فيحصل تكرار التطهير من غير ثبوت حكم الاستعمال؛ لتوقف ثبوت ذلك الحكم على شرطٍ [لم](5) يُوجَدْ عند ثبوت التطهيرِ؛ لمرور الماء على العضو.
وللبحثِ بعدَ ذلك مجالٌ، والمقصودُ هاهنا التنبيهُ على مآخذِ النظر.
(1)"ت": "أداء العبادة أو المانع".
(2)
"ت": "التطهر".
(3)
" ت ": " بالاتفاق ".
(4)
"ت": "التطهر".
(5)
سقط من "ت".