الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
5284 -
[1] عَنْ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الْغَنِيَّ الْخَفِيَّ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَذُكِرَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَيْنِ" فِي (بَاب فَضَائِل الْقُرْآن). [م: 2965].
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
5285 -
[2] عَنْ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّ النَّاسِ خيرٌ؟ قَالَ: "مَنْ طَالَ عمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ"، قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ . . . . .
ــ
اشتقاقه من الميل؛ لأنه مما يميل إليه الطبع، و (العمر) بالفتح وبالضم وبضمتين: الحياة، وفي القسم الفتح أفصح، والجمع أعمار، ولعمر اللَّه، أي: بقاؤه؛ فإذا أسقط اللام نصب انتصاب المصادر، وجاء في الحديث النهي عن قول: لعمر اللَّه، كذا في (القاموس)(1).
الفصل الأول
5284 -
[1](سعد) قوله: (إن اللَّه يحب العبد التقي الغني الخفي) إيراد الحديث في (باب استحباب المال للطاعة) يدل على أنهم أرادوا بالغنى غنى المال، أو ما يعم غنى النفس أيضًا، ولا شك أنه المناسب للغني الحفي بالمهملة كما جاء في رواية، وقالوا: الصحيح الرواية بالمعجمة بمعنى المعتزل للعبادة، ومناسبته لغنى القلب أكثر، وفي بعض نسخ (المصابيح): زاد بعد التقي (النقي) بالنون، ومعناه الظاهر اللطيف.
الفصل الثاني
5285 -
[2](أبو بكرة) قوله: (أي الناس خير؟ وأي الناسر شر؟ ) الخير والشر
(1)"القاموس المحيط"(ص: 401).
قَالَ: "مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ. [حم: 5/ 40، ت: 2330، دي: 2784].
5286 -
[3] وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ خَالِدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آخَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ، فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ثُمَّ مَاتَ الآخَرُ بَعْدَهُ (1) بِجُمُعَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَصَلَّوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"مَا قُلْتُمْ؟ " قَالُوا: دَعَوْنَا اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَيَرْحَمَهُ وَيُلْحِقَهُ بِصَاحِبِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"فَأَيْنَ صَلَاتُهُ بَعْدَ صَلَاتِهِ وَعَمَلُهُ بَعْدَ عَمَلِهِ؟ " أَوْ قَالَ: "صِيَامُهُ بَعْدَ صِيَامِهِ، لَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. [د: 2524، ن: 1985].
ــ
هنا مستعملان في معنى التفضيل، فالذي قصر عمره وحسن عمله والذي قصر عمره وساء عمله خير وشر في أصل معنى الفعل.
5286 -
[3](عبيد بن خالد) قوله: (ما قلتم) أي: في الدعاء له في صلاتكم عليه.
وقوله: (لما بينهما) بفتح اللام؛ أي: التفاوت بينهما أبعد وأكثر مما بين السماء والأرض.
استشكل بأنه كيف يفضل عمله في جمعة بلا شهادة على عمل صاحبه معها، إذ لا عمل أزيد ثوابًا على الشهادة جهادًا في سبيل اللَّه وإظهارًا لدينه سيما في مبادئ الدعوة وقلة أعوانه؛ وأجيب بأن هذا الرجل أيضًا كان مرابطًا في سبيل اللَّه فجوزي بنيته، وهذا قول على الاحتمال غير مذكور في الحديث، واللَّه أعلم. مع أنه لا يؤيده
(1) في نسخة: "بعد".
5287 -
[4] وَعَنْ أَبِي كَبْشَةَ الأَنْمَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "ثَلَاثٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، فَأَمَّا الَّذِي أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ فَإِنَّهُ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ،
ــ
ظاهر الحديث الآتي في آخر (الفصل الثالث)، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قد عرف أن عمل هذا بلا شهادة يساوي عمل ذلك مع شهادة بسبب مزيد إخلاصه وعقله ومعرفته، ثم زاد بما عمل، فليس كل من استشهد يفضل على غيره على الإطلاق، بل قد يفضل عليه غيره، وكفى في ذلك حال الصديق وغيره من أكابر الصحابة.
5287 -
[4](أبو كبشة) قوله: (الأنماري) بفتح الهمزة وسكون النون.
وقوله: (فأما الذي) أفرده وذكره بتأويل الأمر الذي، وجمع الضمير وأنثه في (عليهن) باعتبار كونها عبارة عن خصال ثلاث.
وقوله: (فإنه ما نقص مال عبد من صدقة) الظاهر أن المراد عدم النقصان من جهة حصول البركة والثواب، وأنها غير مقيدة بالاستثناء المذكور بعد الخصلة الثانية، وإن احتملت العبارة لذلك، وقال الطيبي به (1)، وذلك بعيد لفظًا ومعنى، أما لفظًا فلأنه لو أريد تقييد الخصال الثلاث بالاستثناء المذكور تحت كل منهما على حدة وتحت المجموع واحدة، وأما معنى فلأن كون زيادة العز جزاء للمظلومية التي هي مستلزمة للذل أظهر من كونه جزاء لنقص المال بالصدقة؛ فإن الظاهر في جزاء الصدقة إطفاء الغضب وحصول البركة في المال، وإن صح باعتبار أن بعض المال قد يفضي إلى الفقر، وهو سبب لحصول الذل، وأيضًا الظاهر على تقدير تعلق الاستثناء بكليهما أن يقال:(بهما) بضمير التثنية، فليفهم.
(1)"شرح الطيبي"(10/ 3328).
وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلِمَةً صَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ بِهَا عِزًّا، وَلَا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ، وَأَمَّا الَّذِي أُحَدِّثُكُمْ فَاحْفَظُوهُ" فَقَالَ: "إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ وَيَصِلُ رَحِمَهُ وَيَعْمَلُ لِلَّهِ فِيهِ بِحَقِّهِ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ،
ــ
(والمظلمة) مصدر ظلم كالظلم بفتح الظاء وضمها، وهو بكسر اللام على ما في (القاموس)(1)، وقد تفتح اللام، وبعضهم أنكر الفتح، وقيل بضم اللام أيضًا، وقد سبق، ويجيء بمعنى ما أخذ بغير حق.
وقوله: (أما الذي أحدثكم) أي: الحديث الذي أحدثكم، والظاهر من العبارة أن يكون جواب (أما) قوله:(فاحفظوه)، لكنه لا يكون لهذا الحكم كثير فائدة، فإنه قد قال أولًا:(وأحدثكم [حديثًا] فاحفظوه)، إلا أن يكون المراد التأكيد والتقرير لوقوع الفاصلة، والظاهر باعتبار المعنى أن يكون التقدير: وأما الذي قلت: أحدثكم فاحفظوه فما أذكره لكم بعد، وإن كان فيه تكلف باعتبار اللفظ، فافهم.
وقوله: (وعلمًا) قيل: المراد علم كيفية صرف المال في مصارف الخير ووجوه البر، فافهم.
وقوله: (بحقه) أي: بحق المال، أي: ما فيه من الحقوق كالزكاة والكفارة وإطعام الضيف ونحوها، أو بحق اللَّه الذي أمر بصرف المال في وجوهه وأبوابه.
وقوله: (فهذا بافضل المنازل) أي: هذا العبد ملتبس بأفضل المقامات، أو في أو على، أو الباء زائدة، و (هذا) إشارة إلى المذكور من الأفعال.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1023).
وَعَبدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٌ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا فَهُوَ يَتَخَبَّطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْمَلُ فِيهِ بِحَقٍّ، فَهَذَا بِأَخْبثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٌ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ، فَهُوَ نِيَّتُهُ، وَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. [ت: 2325].
5288 -
[5] وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْرًا اسْتَعْمَلَهُ"، فَقِيلَ: وَكَيْفَ يَسْتَعْمِلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبْلَ الموتِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2142].
ــ
وقوله: (فهو صادق النية) بناء على علمه بوجوه البر وحسن الصرف فيها، فيثاب على نيته قائلًا: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان، أي: الذي يصرف المال في وجوهه.
وقوله: (فهو يتخبط في ماله) أي: يصرفه في شهوات نفسه في المناهي والملاهي.
وقوله: (لعملت فيه بعمل فلان) يريد الذي يتخبط في ماله بغير علم.
وقوله: (فهو نيته) ينبغي أن تحمل النية في هذا القسم على العزم، وعزم المعصية مكتوب ومؤاخذ عليه، والطاعة يثاب عليها بمجرد القصد والنية.
5288 -
[5](أنس) قوله: (يوفقه لعمل صالح) أيّ عمل كان، وهذا اكتفاء بالأدنى، أو المراد الجنس، ويجوز أن يكون التنوين للتعظيم.
5289 -
[6] وَعَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا. . . . .
ــ
5289 -
[6](شداد بن أوس) قوله: (الكيس) بفتح الكاف وتشديد الياء المكسورة، من الكياسة، وهي الحذق والفطانة، خلاف الحمق والبلادة.
وقوله: (من دان نفسه) في (الصحاح)(1): دان لازم ومتعد، يقال: دان له، أي: انقاد له وأطاعه، ودانه، أي: أذله واستعبده، وفي الحديث:(الكيس من دان نفسه)، وفي (القاموس) (2): دان فلانًا: حمله على ما يكره وأذلّه.
اعلم أن الدين يجيء بمعنى الجزاء، دنته، أي: جازيته، ويجيء بمعنى العمل، وفيهما استعمل في قولهم: كما تدين تدان، والعبادة والطاعة والذل والحساب والقهر والغلبة والاستعلاء والإكراه، ولمعان أخر ذكرت في كتب اللغة، وإذا كان بمعنى الذل والطاعة يجيء لازمًا ومتعديًا؛ وإذا كان بمعنى الحساب والقهر والغلبة فهو متعدي، فمعنى قوله:(دان نفسه) على هذا: حاسبها وقهرها، وغلبها واستعلاها، فتدبر.
وقوله: (والعاجز من أتبع نفسه هواها) بفتح الهمزة وسكون التاء من باب الإفعال، و (نفسه) و (هواها) مفعولاه، ثم اعلم أنه يستعمل العاجز في مقابلة الكيس كما في حديث آخر:(المؤمن الكيس خير من المؤمن العاجز)، والمقابل الحقيقي للكيسر، البليد؛ لأن الكياسة تستلزم القدرة والرأي والتجارب وتمشية الأمور، والبلادة تستلزم العجز فيها، والحاصل أن الناس يمدحون الكياسة والفطانة في أمور الدنيا ومهماتها، ويذمون العجز فيها، وفي الحقيقة الكياسة المحمودة هي القدرة على حبس
(1)"الصحاح"(5/ 2118).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 1080).