الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - باب الإنذار والتحذير
(1)
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
5371 -
[1] عَنْ عِيَاضِ بْنِ حمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَاتَ يَوْمٍ فِي خُطْبَتِهِ: "أَلَا إِنَّ رَبِّي أَمَرَنِي أَنْ أعُلِّمَكُمْ مَا جَهِلْتُمْ مِمَّا عَلَّمَنِي يَوْمِي هَذَا: كُلُّ مَالٍ نَحَلْتُهُ عَبْدًا حلالٌ،
ــ
في الثلاثة الأخيرة ظاهرة، وأما في الأولين فلأن الخيانة في الغلول توجب حرمان أهل العسكر من حقوقهم، وهو يوجب فقرهم واحتياجهم، وذلك يوجب الفترة في قوة قلوبهم وتطرق الرعب إليها، والزنا ضد التزوج يكثر التناسل فضده يورث لقليله، واللَّه أعلم.
8 -
باب الإنذار والتحذير
في متمماته ولواحق الباب السابق مما يتعلق بالإنذار والتخويف.
الفصل الأول
5371 -
[1](عياض بن حمار) قوله: (مما علمني يومي هذا) شروع في التعليم، والظاهر أن قوله:(هذا) إشارة إلى (يوم)، أي: مما أوحى ربي إلي في هذا اليوم، ويحتمل أن يكون إشارة إلى ما بعده من الكلام، أي: مما أوحي في يومي هذا الكلام، أي: قال اللَّه تعالى: (كل مال نحلته) أي: أعطيته وملكته بوجه شرعي (عبدًا) من عبادنا فهو (حلال) له لا يستطيع أحد أن يحرمه من تلقاء نفسه، وهو إنكار لما حرموا على أنفسهم من البحيرة والسائبة والوصيلة.
(1) في نسخة: "باب" بغير ترجمة.
وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ، فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرْتَهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا،
ــ
وقوله: (وإني خلقت عبادي حنفاء) جمع حنيف، والحنيف كأمير: الصحيح الميل إلى الإسلام الثابت عليه، أي: مستعدين لقبول الحق والطاعة، إشارة إلى الفطرة، كذا قال الطيبي (1)، وفي (مجمع البحار) (2): أي طاهري الأعضاء من المعاصي لا أنهم خلقهم مسلمين؛ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن: 2]، وقيل: أراد أنه خلقهم حنفاء مؤمنين عند الميثاق بـ {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172]، فلا يوجد أحد إلا وهو مُقِر له بأن له ربًّا وإن أشرك به، واختلفوا فيه، والحنيف: هو المائل إلى الإسلام الثابت عليه، والحنيف عند العرب: من كان على دين إبراهيم عليه السلام، وأصل الحنف الميل، انتهى.
وقوله: (وإنهم أتتهم الشياطين) وهم جنود إبليس، ويحتمل أن يراد أعم من شياطين الجن والإنس، كقوله:(فأبواه يهودانه وينصرانه)، (فاجتالتهم) افتعال من الجولان، أي: جالت بهم الشياطين وبعدتهم عن دينهم، في (القاموس) (3): اجتالهم: حوّلهم عن قصدهم.
وقوله: (ما لم أنزل) مفعول (يشركوا)، يريد به ما عبد من دون اللَّه، و (أنزل) على صيغة المعلوم من المضارع المتكلم، من الإنزال، (وسلطانًا) أي: حجة استحقاقه
(1)"شرح الطيبي"(10/ 38).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(1/ 594).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 882).
وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ"، وَقَالَ: "إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لِأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ، وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لَا يَغْسِلُهُ الْمَاءُ، تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ،
ــ
للعبادة، سميت الحجة سلطانًا لتسلطها على القلوب، ولهذا سميت حجة، من حج: إذا غلب، (فمقتهم) أي: أبغضهم لاتفاقهم وانهماكهم على الشرك والضلال، و (عربهم وعجمهم) بدل من الضمير المنصوب في (مقتهم)، وذلك قبل مجيئه صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (إلا بقايا من أهل الكتاب) وهم الذين ثبتوا على الإيمان بموسى وعيسى عليهما السلام ومتابعتهما، ولم يحرفوا كتابهم، ولم ينحرفوا عن جادتهم.
وقوله: (لأبتليك) خطاب من اللَّه للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: لأمتحنك هل تبلغ الرسالة عني، وهل تصبر على إيذاء قومك إياك؟ وأمتحن الخلق بك هل يقبلون رسالتك ويمتثلون أمرك؟
وقوله: (وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء) أي: لا ينمحي أبدًا، بل محفوظ في صدور العالمين، {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: 42]، وكانت الكتب المنزلة لا تجمع حفظًا، وإنما يعتمد في حفظها على الصحف بخلاف القرآن [فإن حفاظه أضعاف مضاعفة لصحفه] فلا يتطرق إليه الذهاب على ممر الزمان، بل اللَّه تعالى حافظه وواقيه عن التحريف والتبديل، ولم يعتمد على حافظ؛ لقوله تعالى:{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]، وقال في التوراة:{بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ} [المائدة: 44]، لا جرم تطرق إليه التحريف والتبديل، أو باقيًا دائمًا مستمرًّا لا ينسخ بالكلية.
وقوله: (تقرؤه نائمًا ويقظان) أي: تجمعه حفظًا في حالتي النوم واليقظة، وقيل: أي يقرأ في يسر وسهولة.
وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُحَرِّقَ قُريْشًا فَقُلْتُ: رَبِّ إِذًا يَثْلَغُوا رَأْسِي فَيَدَعُوهُ خُبْزَةً، قَالَ: اسْتَخْرِجْهُمْ كَمَا أَخْرَجُوكَ، وَاغْزُهُمْ نُغْزِكَ، وَأَنْفِقْ فَسَنُنْفِقْ عَلَيْكَ، وَابْعَثْ جَيْشًا نَبْعَثْ خَمْسَةً مِثْلَهُ، وَقَاتِلْ بِمَنْ أَطَاعَكَ مَنْ عَصَاكَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2865].
ــ
وقوله: (أن أحرق قريشًا) أي: أهلك كفارهم.
وقوله: (إذًا يثلغوا رأسي)، في (القاموس) (1): ثلغ رأسه كمنع: شدخه، والشَّدْخُ: الكسر، وكمعظم: ما سقط من النخلة رطبًا فانشدخ، أو أسقطه المطر ودقه، وفي (مجمع البحار) (2): الثلغ: الشدخ، وقيل: ضربك الشيء الرطب باليابس حتى ينشدخ.
وقوله: (فيدعوه) بفتح الدال، أي: يتركوه بالشدخ مصفحًا كخبزة، أي: إني لا أقدر على محاربتهم لقلة جيشي وكثرتهم.
وقوله: (اغزهم) من غزا يغزو (نغزك) مجزوم جواب الأمر على صيغة المضارع، من أغزى، يقال: أغزيت فلانا، أي: جهزته للغزو، (وأنفق) أمر من الإنفاق، الظاهر من السياق أن المراد الإنفاق على الجيش، وتجهيز أسباب الغزو، ويحتمل الإطلاق، (وابعث) أمر من البعث، و (نبعث) جوابه، و (خمسة مثله) إشارة إلى قوله تعالى:{يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ} [آل عمران: 125]، كذا قال الطيبي (3)، ولكن لا يخفى أن الظاهر من العبارة أن المراد خمسة أمثال البعث المبعوث، فيلزم أن
(1)"القاموس المحيط"(ص: 702).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(1/ 299).
(3)
"شرح الطيبي"(10/ 39).
5372 -
[2] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] صَعِدَ (1) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: "يَا بَنِي فِهْرٍ يَا بَنِي عَدِيٍّ" لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا، فَقَالَ:"أَرَأَيْتكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ " قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ:"فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ". فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمَ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا؟ . . . . .
ــ
يكون البعث ألفًا، وليس كذلك، بل هو يوم بدر ثلاث مئة وتسعة عشر، والألف إنما كانوا من المشركين، فتدبر.
5372 -
[2](ابن عباس) قوله: (يا بني فهر) بكسر الفاء وسكون الهاء: قبيلة من قريش، (أرأيتكم) في (القاموس) (2): أرأيتك وأرأيتكما وأرأيتكم، وهي كلمة تقولها العرب بمعنى أخبرني وأخبراني وأخبروني، والتاء مفتوحة، انتهى.
وقد يستوي فيه التذكير والتأنيث والإفراد والجمع.
وقوله: (بين يدي عذاب شديد) أي: من قبل نزول عذاب شديد، أي: إن لم تؤمنوا بي ينزل عليكم عذاب قريب.
وقوله: (تبًّا لك) التب والتباب: النقص والخسارة، وتبت يداه: ضلتا وخسرتا، وقال البيضاوي (3): التب والتباب خسران يؤدي إلى الهلاك.
وقوله: (سائر اليوم) الأكثرون على أن السائر بمعنى البقية، وقد يستعمل بمعنى
(1) في نسخة: "فصعد".
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 1157).
(3)
"تفسير البيضاوي"(5/ 345).
فَنَزَلَتْ: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد: 1]. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4770، م: 208].
وَفِي رِوَايَةٍ نَادَى: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ! إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ فَانْطَلَقَ يَرْبَأُ أَهْلَهُ فَخَشِيَ أَنْ يسبقوه. . . . .
ــ
الجميع، وقرر الطيبي رده، وقال في (القاموس) (1)؛ السائر: الباقي لا الجميع كما توهم جماعات، أو قد يستعمل له، انتهى.
وسمعت من بعض العلماء من أهل الحرمين أنه إن كان يستعمل من السؤر بمعنى بقية الطعام والشراب، فهو بمعنى البقية، وإن اشتق من سور البلد فهو بمعنى الجميع، لتضمنه معنى الإحاطة والشمول، ففي الحديث إن حمل على معنى الجميع، فظاهر، وإن حمل على معنى البقية يراد بقية الأيام المستقبلة، فتدبر.
وقوله: (فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}) أي: نفسه، كقوله تعالى:{وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، وقيل: إنما خصتا لأنه أخذ حجرًا ليرميه صلى الله عليه وسلم به فنزلت، وقيل: المراد بهما دنياه وأخراه، كذا قال البيضاوي.
وقوله: (يربأ أهله) بالهمزة، في (القاموس) (2): ربأهم ولهم كمنع: صار ربيئة لهم، أي: طليعة، فالمعنى يصير عينًا لهم ورقيبًا يحفظهم من العدو لئلا يأتيهم بغتة، ولا يكون إلا على جبل أو شرف، وأصل معنى ربأ: علا وارتفع.
وقوله: (فخشي أن يسبقوه) أي: خشي الرجل أن يسبق أهله وقومه العدوُّ، أي: يدركوه أولًا قبل إعلامه بغتة، أو تسبقوا الرجل في إدراك العدو، أي: يدركوه
(1)"القاموس المحيط"(ص: 364).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 40).
فَجَعَلَ يَهْتِفُ: يَا صَبَاحَاه".
5373 -
[3] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قُرَيْشًا فَاجْتَمَعُوا، فَعَمَّ وَخَصَّ، فَقَالَ: "يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ من النَّار، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُم من النَّارِ، يَا بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُم من النَّارِ، يَا فَاطِمَةُ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ؛ فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا. . . . .
ــ
قبل إدراكه، والمآل واحد.
وقوله: (فجعل يهتف) أي: يصوت ويصيح الرجل من رأس الجبل، في (القاموس) (1): هتفت الحمامة تهتف: صاتت، وهتف به هتافًا بالضم: صاح، وقوله:(يا صباحاه) نداء للصباح ليحضر ويخاف الناس منه، وهي كلمة تقال للإنذار من أمر مخوف؛ لأن الغارة تقع في الصبح.
5373 -
[3](أبو هريرة) قوله: (ابن لؤي) بضم اللام وفتح الهمزة وتشديد الياء، (وبنو مرة) بضم الميم وتشديد الراء.
وقوله: (فإني لا أملك لكم من اللَّه شيئًا) أي: من غير ذاته تعالى، قاله ترهيبًا وإنذارًا، وإلا فقد ثبت فضل بعض هؤلاء المذكورين ودخولهم الجنة وشفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل بيته وللعرب عمومًا ولأمته عامة، وقبول شفاعته فيهم بالأحاديث الصحيحة،
(1)"القاموس المحيط"(ص: 775).