الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفصْلُ الثَّانِي:
5111 -
[8] عَن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ فِي الْجَبَّارِينَ. . . . .
ــ
له عظمة: إذا كثر ما يتعلق به من الخدم والحشم.
والرداء يلبس على الأعضاء الفوقانية المختصة بالترفع والتكبر والظهور، والإزار على التحتانية المختصة بالنزول والانحطاط، بمنزلة الخدم والحشم، ويمكن أن يقال: إن العظمة تكون باعتبار الذات والحقيقة التي لا يعرف كنهها، قال بعضهم: العظيم هو الذي جاوز قدره حدود العقول، حتى لا تتصور الإحاطة بكنهه وحقيقته، كما يكون العظيم في الأجسام بكثرة الطول والعرض لا تحيط به الأبصار.
والكبرياء باعتبار الترفع والتعزز على الغير كما جاء في حديث الرؤية (ما بين القوم وبين أن ينظروا [إلى ربّهم] إلا رداء الكبرياء على وجهه)(1)، والإزار ملتصق بذات الرجل ومشدود ومربوط به، وضروري لا بد منه، بخلاف الرداء، وإنما هو للتزيين والترف على الناس، وليس بضروري، فهو تعالى عظيم في ذاته وحقيقته، ومتكبر ومترفع بكبريائه على العالمين، واللَّه أعلم بحقيقة المراد.
الفصل الثاني
5111 -
[8](سلمة بن الأكوع) قوله: (لا يزال الرجل يذهب بنفسه) أي: يذهبها عن مكانها ودرجتها التي هي فيها في الواقع إلى مرتبة عُليا، ومكان أرفع، فالباء للتعدية، وهو المتبادر من مثل هذا التركيب، ويجوز أن يكون بمعنى (مع)، أي:
(1) أخرجه مسلم في "صحيحه"(180).
فَيُصِيبَهُ مَا أَصَابَهُمْ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2000].
5112 -
[9] عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يُحْشَرُ الْمُتكَبِّرُونَ أَمْثَالَ الذَّرِّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ، يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ،
ــ
يرافقها ويتبعها ويذهب معها حيث ذهبت، ولم يكبح عنانها عن التكبر والتجبّر، ولم يصرفه.
وقوله: (فيصيبه ما أصابهم)(1) من الآفات والبلايا في الدنيا، والعقاب في الآخرة.
5112 -
[9](عمرو بن شعيب) قوله: (يحشر المتكبرون أمثال الذر يوم القيامة في صور الرجال يغشاهم الذلّ من كل مكان) اختلفوا في معنى هذا الحديث، فمنهم من أوله وقال: المراد بحشرهم أمثال الذر كونهم أذلاء، ويطؤهم الناس بأرجلهم، بدليل أن الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء، حتى ورد في الحديث:(إنهم يحشرون غرلًا)، يعاد منهم ما انفصل عنهم من القلفة، ولهذا قال:(في صورة الرجال)، ووصفهم بقوله:(يغشاهم الذل من كل مكان)، وهو قرينة المجاز، ومنهم من حمله على ظاهره، وحديث:(الأجساد تعاد على ما كانت عليه من الأجزاء) لا ينافيه؛ لأنه قادر على إعادة تلك الأجزاء الأصلية في مثل الذر، ومعنى قوله:(في صورة الرجال) أن صورهم صور الإنسان وجثتهم كجثة الذر في الصغر، وأما قوله:(يغشاهم الذل من كل مكان) فلا دلالة فيه على إرادة المجاز كما لا يخفى.
(1) في جميع النسخ المخطوطة "ما يصيبهم".
يُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى: بُولَسُ، تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةِ الْخَبَالِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2492].
5113 -
[10] وَعَنْ عَطِيَّةَ بْنِ عُرْوَةَ السَّعْدِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا يُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4784].
ــ
وقوله: (يسمى بولس) من البلس بمعنى اليأس والتحير، ومنه اشتق إبليس، وصحح في الشروح بفتح الباء واللام، وفي (القاموس)(1) بضمهما.
وقوله: (نار الأنيار) أي: نار النيران، والقياس الأنوار؛ لأنه واوي، إلا أنه أبدلت الواو بالياء؛ لئلا يلتبس بجمع النور، كما جاء في جمع الريح أرباح، وفي جمع عيد أعياد؛ لئلا يلتبس بجمع الروح والعود، كذا قال الطيبي (2)، والذي في كتب اللغة في جمع نار نور ونيار ونيران، ولم يذكر أنوار ولا أنيار، واللَّه أعلم.
والمراد بنار الأنيار نار تفعل بالنيران ما تفعل النار بالحطب.
وقوله: (طينة الخبال) بدل من (عصارة أهل النار)، وهي ما يسيل عنهم من الصديد والقيح والدم، وقد جاء في الحديث بشك من الراوي (هي عرق أهل النار أو عصارة أهل النار)، وقد مر في (باب الوعيد على شرب الخمر)، والخبل في الأصل بمعنى الفساد، ويكون في الأبدان والأفعال والعقول.
5113 -
[10](عطية بن عروة) قوله: (فإذا غضب أحدكم فليتوضأ) لاستعمال الماء المطفئ لنار الغضب، وقد صح بالتجربة أن لشرب الماء البارد تأثيرًا في دفعه،
(1)"القاموس المحيط"(ص: 494).
(2)
"شرح الطيبي"(9/ 255).
5114 -
[11] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ أَن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرمِذِيُّ (1). [حم: 4/ 152].
5115 -
[12] وَعَنْ أَسمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ وَاخْتَالَ،
ــ
مع ما في الوضوء من النورانية وشموله للأعضاء، وللشروع في العبادة والذكر الموجب للاستعاذة من الشيطان، والوضوء سلاح المؤمن يحفظه منه.
5114 -
[11](أبو ذر) قوله: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس. . . إلخ) الظاهر أن المراد أن لتغير الحالة على هذا النهج الموجب للسكون والطمأنينة تأثيرًا في زوال الغضب؛ لأنه هيجان وثوران، فينافيه السكون والاستراحة، وقيل: إنما أمر بالقعود والاضطجاع لئلا يحصل منه في حال غضبه من الحركة ما يندم عليه، فإن المضطجع أبعد من الحركة والبطش من القاعد، والقاعد من القائم.
5115 -
[12](أسماء بنت عميس) قوله: (تخيل واختال) رجل مختال: متكبر، وقد تخيل وتخايل، وفي (تفسير البيضاوي) (2) في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36]: متكبرًا يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه، ولا يلتفت إليهم، وفي موضع آخر: المختال: الماشي مرحًا، أي: فرحًا، ويعلم منه أن المختال معناه المتكبر من الخيلاء، ويحمل في كل موضع على ما يليق به، في الأول وقع في مقام الأمر بالإحسان بالوالدين وذي القربى والجار والصاحب، والثاني بعد قوله:
(1) لم نجده في "سنن الترمذي"، بل أخرجه أبو داود في "سننه"(4782).
(2)
"تفسير البيضاوي"(1/ 454).
وَنَسِيَ الْكَبِيرَ الْمُتَعَالِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ وَاعْتَدَى وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الأَعْلَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا وَنَسِيَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى،
ــ
وقوله: (نسي الكبير المتعال) أي: المستعلي على كل شيء بقدرته، أو كبر عن نعت المخلوقين وتعالى عنه، كذا في (تفسير البيضاوي)(1).
وقوله: (تجبر واعتدى) في (القاموس)(2): تجبر: تكبر، والجبار: اللَّه تعالى، لتكبره، وجبره على الأمر: أكرهه، كأجبره، انتهى.
فالتجبر بمعنى التكبر مع تضمن معنى القهر والغلبة والإكراه، واعتدى؛ أي: تجاوز عن الحد، وظلم وأفسد، والعدوى: الفساد، كذا في (القاموس)(3).
وقوله: (سها) أي: غفل عن الحق والطاعة واشتغل بما لا يعنيه، في (القاموس) (4): سها في الأمر سهوًا: نسيه، وغفل عنه، وذهب قلبه إلى غيره، وقال: لها لهوًا لعب، ولَهِيَ عنه: سلا وغفل، وترك ذِكْرَهُ.
وقوله: (نسي المقابر والبلى) وهو بكسر الباء: الخلوقة في الثوب، بلي يبلى بلًى من سمع، وإن فتحت الباء مددتها، والإبلاء متعد منه، كذا في (الصحاح)(5).
(1)"المصدر السابق"(3/ 182).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 338).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 1203).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 1193).
(5)
"الصحاح"(1/ 54).
بِئْسَ الْعَبْدُ عَبدٌ عَتَى وَطَغَى وَنَسِيَ الْمُبْتَدَأَ وَالْمُنْتَهَى، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْد يَخْتِلُ الدُّنْيَا بِالدِّينِ،
ــ
وقوله: (عتى وطغى) في (الصحاح)(1): العتي بالضم والكسر: التجاوز عن الحد، أصله عتو، فأبدلوا إحدى الضمتين كسرة فانقلبت الواو ياء فصار عُتيًّا، ثم أتبعوا الكسرة [الكسرة] فصار عِتيًّا، وفي (القاموس) (2): عَتَا عِتيًّا وعُتوًّا: استكبر وجاوز الحد، انتهى.
فالاستكبار فيه بمعنى التجاوز عن الحد، وفي المختال من الخيلاء، وفي التجبر من القهر والغلبة، فالثلاثة وإن كانت مشتركة في معنى الكبر لكن بينها فرق بالاعتبار، فلا تكرار، فافهم.
وطَغِيَ طغيانًا بالضم والكسر: جاوز القدر، وارتفع، وغلا في الكفر، وأسرف في المعاصي والظلم، وفي (الصراح) (3): طغيان وطغوان بالفتح: از حد در كَذشتن.
وقوله: (ونسي المبتدأ والمنتهى) أي: نسي مِمّ خلق، وإلام يؤول حاله.
وقوله: (يختل الدنيا بالدين) أي: يخدعها ويطلبها بعمل الدين، أي: يرائي بالورع والتقوى ليحصل الدنيا، فكأنه يخدع الدنيا ويراودها ليجرها ويدعوها إلى نفسه، وفي الحقيقة يخدع أهل الدنيا لتحصيلها، ختله يختله من ضرب، ونصر، ختلًا وختلانًا: خدعه، والذئب الصيد: تخفَّى له، فهو خاتل وختول، كذا في (القاموس)(4).
(1)"الصحاح"(1/ 445).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 1202).
(3)
"الصراح"(ص: 572).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 912).
بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ يَخْتِلُ الدِّينَ بِالشُّبَهَاتِ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ طَمَعٌ يَقُودُهُ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ هَوًى يُضِلُّهُ، بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ رَغَبٌ يُذِلُّهُ". . . . .
ــ
وقوله: (يختل الدين بالشبهات) أي: يخدعه ويحصله بالشبهات، أي: يقع في الحرام بالتأويل، أي: يخدع أهل الدين ويريهم ذلك ليحسبوه ويعدوه من أهل الدين، ولا يرتكب الحرام البين لئلا يخرجه الناس من الدين صريحًا، ويأتي بالمشتبهات ليشتبه على الناس أمر دينه، ويحكموا بتدينه في الجملة، فكأنه يخدع الدين وأهله بذلك.
وقوله: (عبد طمع يقوده) الأشبه أن يكون (طمع) مبتدأ وخبره (يقوده)، واشتراط تخصيص المبتدأ المنكر مما لا يلتفت إليه المحققون من النحاة ويديرونه على الفائدة كما صرح به الرضي في نحو: كوكب انقض الساعة، وإن كان لا بد من رعاية قاعدتهم، فالمراد طمع عظيم، وقيل: هو من باب الوصف بالمصدر مبالغة، ولو قرئ بالإضافة لاستقام بلا تكلف إن ساعدته الرواية.
والطمع: الحرص، وفي (القاموس) (1): طَمِع فيه، وبه، كفرح: حرص عليه، فهو طامع، وفي (الصراح) (2): أميد داشتن، انتهى.
وحقيقة الطمع رجاء حصول مال يشك في وصوله؛ فإن لم يشك وكان على يقين من حصوله فليس بطمع، كذا سمعت من شيخي رحمة اللَّه عليه.
و(الرغب) بضم الراء وفتحها مصدر رغب على حد سمع، في (القاموس) (3):
(1)"القاموس المحيط"(ص: 687).
(2)
"الصراح"(ص: 321).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 97).