الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
5003 -
[1] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3336].
ــ
والهوى، (ومن اللَّه) أي: من جهة اللَّه، أي: إذا أحبّ عبدًا أحبه لأجل اللَّه وبسببه، و (من) ههنا كما في قوله تعالى:{تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة: 83]، و (في) كما في قوله تعالى:{جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت: 69]، وهذا أبلغ حيث جعل المحبة مظروفًا، انتهى.
ولا يخفى أن هذين المعنيين قريبان بل متحدان في المآل، ولا يخلو عن تكرار سوى ما تفيده كلمة (في) من الأبلغية، وقد كتب في الحواشي أن الظاهر أن الأول إشارة إلى محبة العبد لوجه اللَّه، والثاني إلى محبة اللَّه العبد، وهذا المعنى أظهر من لفظة (من)، ولكن الأحاديث المذكورة في الباب ليست واردة في هذا المعنى سوى الحديث الثاني من (الفصل الأول)، ثم إنه كتب في نسخة بعد قوله:(الحب في اللَّه): (والبغض في اللَّه)، وليس في النسخ الأخر، والأحاديث المذكورة كثيرة فيه، وكأنه لم يذكر لفهمه عن الحب في اللَّه بالمقابلة، واللَّه أعلم.
الفصل الأول
5003، 5004 - [1، 2](عائشة) قوله: (الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) الجنود جمع جند، وهي العسكر، والمراد
5004 -
[2] وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. [م: 2638].
5005 -
[3] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحُبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، قَالَ: فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الأَرْضِ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ،
ــ
بـ (مجندة) مجتمعة على نحو قناطير مقنطرة، وفيه دليل على أن الأرواح ليست بأعراض، وعلى أنها كانت موجودة قبل الأجساد، ولا يلزم من ذلك قدمها، لكن يبطل القول بخلقها بعد تمام البدن وتسويته، إلا أن يراد بخلقها قبل البدن كذلك تقديرها كذلك، وهو مخالف لظاهر الحديث جدًّا، بل قد جاء في الحديث:(خلقت الأرواح قبل الأجساد بألفي عام)، وعلى أنها خلقت في أول خلقتها على قسمين من ائتلاف واختلاف، باعتبار موافقته في الصفات ومخالفته فيها، وأن الأجساد التي فيها الأرواح تلتقي في الدنيا فتأتلف وتختلف على حسب ما خلقت عليه، فالخير يحب الأخيار، والشر يحب الأشرار، وإن عرض عارض يقتضي خلاف ذلك فالمآل إليه، فما تعارف منها قبل التعلق بالأجساد ائتلف بعده، كمن فقد أليفه ثم اتصل به، وما تناكر قبله اختلف بعده، وهذا التعارف والتناكر إلهامات من اللَّه من غير إشعار منهم بالسابقة.
5005 -
[3](أبو هريرة) قوله: (إن اللَّه إذا أحب عبدًا دعا جبريل. . . إلخ)، وقد فسر بهذا قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} [مريم: 96].
ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فَلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الأَرْضِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2637].
5006 -
[4] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2566].
ــ
وقوله: (ثم ينادي في السماء: إن اللَّه يبغض) الرواية بكسر (إن) على إضمار، أي فيقول: إن اللَّه، هذا عند البصريين، أو على أن في النداء معنى القول، وهذا عند الكوفيين، كذا في بعض الحواشي (1).
5006 -
[4](عنه) قوله: (المتحابون بجلالي) متعلق بالتحاب، أي: المتحابون بسببه وملاحظته، ولا حاجة إلى جعل الباء بمعنى (في)؛ لذكرها في الأحاديث الأخر؛ لأن كلا المعنيين صحيح، بل عسى أن يقال: إن (في) بمعنى الباء في تلك الأحاديث، لأن المراد معنى السببية، والمتعارف فيه هو الباء، اللهم إلا لإفادة الأبلغية المذكورة آنفًا، لكن تلك بعد ذكر (في)، وأما إذا لم تذكر فالأصل هو الباء.
وقوله: (اليوم أظلهم) إن كان متعلقًا (باظلهم) فـ (يوم) الثاني بدل عنه، وإن كان ظرفًا للفعل المقدر: في (أين) كان (أظلهم) مستأنفًا، فهو متعلق بـ (أظلهم)، ويجوز أيضًا أن يكون بدلًا من (اليوم)، فافهم.
وقوله: (في ظلي) اختلفوا في بيان المراد بـ (ظلي)، فقال بعضهم: المراد به ظل العرش، والإضافة إليه تعالى للتشريف كما جاء في حديث:(سبعة في ظل العرش)، وقيل: ظل طوبى أو الجنة، ويرده أن هذه القصة حين تدنو الشمس قبل الدخول في
(1) قال القاري (8/ 3133): ويحتمل أن يكون بالفتح كما في بعض النسخ على إضمار الباء.
5007 -
[5] وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى، فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا، قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ، قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2567].
ــ
الجنة، وقيل: هو عبارة عن كونه في كنفه وستره، وقيل: الظل عبارة عن الراحة والنعيم، واللَّه أعلم.
5007 -
[5](عنه) قوله: (فأرصد اللَّه له على مدرجته) رصده رصدًا: رقبه، والإرصاد: الانتظار، وجعله رصدًا، أي: حافظًا، ورصدت له: إذا قعدت له على طريقه ترقبه، وقوله تعالى:{مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ} [النبأ: 21 - 22] أي: طريقًا عليه ممر الخلق، فالكافر يدخلها، والمؤمن يمر عليها، و {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: 14] أي: بطريق ممرك عليه، و (المدرجة) بفتح الميم: الطريق، وفي (الصراح) (1): مدرجة: جائ رفتن وكَذشتن، والمعنى أرسل اللَّه ملكًا ينتظره في طريق كان يمر عليه.
وقوله: (قال: هل لك عليه من نعمة تربها؟ ) ذكر الطيبي (2) له معنيين: أحدهما: هل أوجبت لك عليه حقًّا تذهب إليه لتربها؟ أي: تملكها وتستوفيها، فالتربية على هذا المعنى المالكية، وثانيهما: أي هل لك عليه نعمة تربها وتحفظها، وتسعى في تنميتها وإصلاحها؟ ، انتهى. وهذا المعنى للرب أشهر، ولكن المعنى الأول أوفق بالمقام؛ لأن الغالب أن الإنسان يذهب لاستيفاء حقه منه.
(1)"الصراح"(ص: 83).
(2)
"شرح الطيبي"(9/ 197).
5008 -
[6] وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ: "الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6169، م: 2640].
5009 -
[7] وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: "وَيْلَكَ! وَمَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ " قَالَ: مَا أَعْدَدْتُ لَهَا إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ:"أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ"، قَالَ أَنَسٌ: فَمَا رَأَيْتُ الْمُسْلِمِينَ فَرِحُوا بِشَيْءٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَرَحَهُمْ بِهَا. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6167، م: 2639].
5010 -
[8] وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالسَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنافِخِ الْكِيرِ،
ــ
5008 -
[6](ابن مسعود) قوله: (ولم يلحق بهم) أي: بالصحبة أو بالعمل، أي: لم يصاحبهم، أو لم يعمل بمثل ما عملوا، وقيل: أي لم يرهم.
وقوله: (المرء مع من أحب) أي: وإن لم يلحق بهم.
5009 -
[7](أنس) قوله: (وما أعددت لها؟ ) أنكر عليه سؤاله لتركه السؤال عما يهمّ من فعل الحسنات، فلما قال: أحب اللَّه ورسوله حسنه وبشره بأتم بشارة، وصارت بشارة لجميع المسلمين منه صلى الله عليه وسلم، وجزاه عنا خير الجزاء، والمراد بالمعية المشاركة في الثواب والدرجة، والدخول في زمرته ومتابعيه.
وقوله: (فرحهم بها) أي: بهذه الكلمة، أي:(أنت مع أحببت).
5010 -
[8](أبو موسى) قوله: (ونافخ الكبر) في (القاموس)(1): الكير: زق
(1)"القاموس المحيط"(ص: 440).
فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثيابَكَ، وإِمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا خَبِيثَةً". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5534، م: 2628].
ــ
ينفخ فيه الحداد، والجمع أكيار، وكيرة كغيبة، وكيران، وأما المبني من الطين فكور، وفي (الصراح) (1): كور كوره: آهنكَري، أكوار كيران جمع، وكير بالكسر وبالإمالة: دمئه آهنكَري، وفي (النهاية) (2): كير الحداد هو المبني من الطين، وقيل: زق ينفخ به النار، والمبني الكور.
وقوله: (وإما أن يحذيك) أي: يعطيك، في (الصحاح) (3): أحذيته: أعطيته، واستحذيته فأحذاني، وأحذيته من الغنيمة: أعطيته منها، [والاسم] الحُذْيَا على فعلى بالضم، وهي القسمة من الغنيمة، وفي (مجمع البحار) (4): أحذيته إحذاء، والحذيا والحذية: العطية.
وقوله: (وإما أن تبتاع منه) أي: تشتري، والضمير في (منه) إما أن يكون راجعًا إلى الحامل ويكون مفعول (تبتاع) محذوفًا، أي: مسكًا، أو يكون راجعًا إلى المسك، أي: تبتاع من الحامل شيئًا منه، والضمير في (تجد منه) أيضًا يحتمل الاحتمالين، وفي الفقرة الثانية في قوله:(تجد منه ريحًا خبيثة) إما للنافخ أو للكير، والأمر في اختيار بعض الوجوه على بعض إليك، فتدبر.
(1)"الصراح"(ص: 212).
(2)
"النهاية"(4/ 217).
(3)
"الصحاح في اللغة"(1/ 121).
(4)
"مجمع بحار الأنوار"(1/ 464).