الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 - باب القيام
ــ
4 -
باب القيام
قد ادعى بعضهم أن القيام للداخل سنة، واحتجوا بما يجيء من قوله صلى الله عليه وسلم:(قوموا لسيدكم)، ويجيء جوابه أيضًا، وذهب بعضهم إلى أنه مكروه منهي عنه؛ لما ثبت من حديث أنس من كراهته صلى الله عليه وسلم قيام الصحابة له، وقال: إنه من عادة الأعاجم، وقد يحتج أيضًا على جواز القيام بما روي من قيام النبي صلى الله عليه وسلم لعكرمة بن أبي جهل حين قدم، وبما روي عن عدي بن حاتم: ما دخلت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلا قام أو تحرك، وتعقب بأنه لا يصح الاحتجاج لضعف الرواية، ولو ثبت فيحمل على الترخيص حيث يقتضيه الحال، وقد كان عكرمة من رؤساء قريش، وعدي كان سيد بني طيئ، فرأى تأليفهما بذلك على الإسلام مع ما عرف من جانبهما تطلعًا عليه بمقتضى حب الرياسة، كذا قال الطيبي (1).
ومن الحجة على ذلك ما سبق من حديث عائشة رضي الله عنها: كانت فاطمة إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها، وكان إذا دخل عليها قامت إليه، ويقال: إن ذلك قيام محبة وإقبال لا تعظيم وإجلال كما هو المتعارف المعهود بقرينة تعديته بـ (إلى) دون اللام كما في حديث معاذ، ولا يخفى ما فيه.
والصحيح أن احترام أهل الفضل من أهل العلم والصلاح والشرف بالقيام جائز، وفي (مطالب المؤمنين): لا يكره قيام الجالس من دخل عليه تعظيمًا، والقيام ليس بمكروه لعينه، وإنما المكروه محبة القيام من الذي يقام له؛ فإن لم يحب القيام وقام لا يكره، كذا في (القنية)، وسيجيء في الحديث: (من سره أن يتمثل
(1)"شرح الطيبي"(9/ 42).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار)، قالوا: هذا إذا طلب من أحد، أما لو لم يطلب ولم يتوقع أن يقوم له أحد ووقف أحد من تلقاء نفسه طلبًا للثواب فلم يكن عليه بأس، ويستحب للرجل أن يكرم أهل الفضل من غير إفراط، ولا يجوز أن يكرم أحدًا لأجل دنياه، فقد ورد فيه وعيد شديد، وما جاء في حديث أنس رضي الله عنه من كراهته صلى الله عليه وسلم قيام الصحابة له؛ فإنما هي من جهة الاتحاد الموجب لرفع التكلف والحشمة لا للنهي عنه.
وقال الشيخ محيي الدين النووي (1): القيام للقادم من أهل الفضل مستحب، وقد جاءت فيه أحاديث، ولم يصح في النهي عنه شيء صريح، ونقل القاضي عياض: القيام المنهي عنه هو أن يقوموا عليه طول جلوسه، وعن الغزالي (2) أنه قال: المنهي القيام للتعظيم لا على سبيل الإكرام، أو لا بد من بيان الفرق بين التعظيم والإكرام، فافهم.
وقال الطيبي (3): إن ذلك يختلف بحسب الأزمان والأحوال والأشخاص، انتهى.
قد عرفت مما ذكرنا أن القيام المذكور مما تكلم فيه العلماء واختلفوا، ليس كما يقال: إن ذلك بدعة لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، نعم لم يكن ذلك متعارفًا فيه كما في هذا الزمان، بل كانوا غير متكلفين في أحد الجانبين، بل الظاهر أن الغالب في ذلك الزمان عدم القيام، وأما أنه بدعة مطلقًا فكلَّا، واللَّه أعلم، فتدبر.
(1)"شرح صحيح مسلم" للنووي (12/ 93).
(2)
انظر: "إحياء علوم الدين"(2/ 205).
(3)
"شرح الطيبي"(9/ 43).