الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8 - باب الأسامي
ــ
اللحم، ونحوها، كذا في (القاموس)(1)، وفي (الصراح) (2): رهب بفتحتين ورهبة بسكون، ورهب بالضم: ترسيدن، من سمع يسمع، رجل رهوب بفتح راء: مرد ترسنده، والمراد في الحديث: التشبه بهم في الرياضة والعبادة والخوف، ويجوز أن يكون مصدرًا بمعنى الخوف من قبيل: رجل عدل، والمصدر لا يجمع.
8 -
باب الأسامي
[أي] في بيان ما يجوز التسمية به وما لا يجوز، و [ما] يحسن التسمية به وما يكره، والمراد بالاسم هنا أعم من العلم واسم الجنس، وقد ذكر في الباب التسمية والتكني باسم رسول اللَّه وكنيته صلى الله عليه وسلم.
واعلم أن في هذه المسألة أقوالًا: الأول: أنه يجوز التسمية باسمه صلى الله عليه وسلم ولا يجوز التكنية بكنيته، سواء كان الاسم محمدًا حتى يجتمع الاسم والكنية، أو لا يكون حتى تكون الكنية وحدها، وهذا القول منقول عن الشافعي رحمه الله، ويتمسك بهذين الحديثين، إذ ظاهرهما تجويز التسمية وإباحتها والنهي عن التكني، سواء كان الاسم محمدًا أو لا، والحمل على النهي عن الجمع بعيد.
الثاني: أنه لا يجوز الجمع بين الاسم والكنية، حتى لا يجوز أن يقال لأحد: محمد أبو القاسم، ولكن التكني بكنيته صلى الله عليه وسلم من غير التسمية جائز، والدليل عليه حديث أبي داود (3) عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من تسمى باسمي فلا يكتنى بكنيتي، ومن تكنى
(1)"القاموس المحيط"(ص: 99).
(2)
"الصراح"(ص: 32).
(3)
"سنن أبي داود"(4966).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بكنيتي فلا يتسم باسمي)، وحديث الترمذي (1):(إذا تسميتم باسمي فلا تكتنوا بكنيتي)، وعن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع أحد بين اسمه وكنيته، ويسمى محمدًا أبا القاسم، وفي رواية:(إذا تسميتم بي فلا تكتنوا بي)، وهؤلاء يقولون: إن هذه الأحاديث تقيد وتفسر الحديثين السابقين، يعني أن النهي عن التكني فيهما مقيد بأن يكون الاسم محمدًا، والمراد بهما أيضًا النهي عن الجمع، كأنه قال: سموا باسمي، وإذا سميتم باسمي فلا تكتنوا بكنيتي، حتى يلزم الجمع بينهما، ونقل عن (المحيط) أن هذا قول محمد رحمه الله.
الثالث: أن الجمع بين الاسم والكنية أيضًا جائز، ونقل هذا القول عن مالك رحمه الله، واستدلاله حديث أبي داود عن علي رضي الله عنه قال: قلت: أرأيت يا رسول اللَّه إن ولد لي بعدك ولد أسميه باسمك وأكنيه بكنيتك؟ قال: (نعم)، صححه الترمذي، وفي (جامع الأصول)(2) أورده عن أبي داود عن محمد بن الحنفية عن أبيه، ويحدثه عن عائشة قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول اللَّه! إني قد ولدت غلامًا فسميته محمدًا وكنيته أبا القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك، فقال:(ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي)، وهذه الطائفة تقول: إن الأحاديث التي جاءت في المنع عن الجمع بينهما منسوخة، وهو جائز في حياة النبي وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
الرابع: أن التكني بأبي القاسم كان ممنوعًا في حياته صلى الله عليه وسلم، أما بعد وفاته فجائز؛ لأن سبب المنع كان الالتباس على ما علم من الحديث المتفق عليه: أنه صلى الله عليه وسلم كان في
(1)"سنن الترمذي"(2842).
(2)
"جامع الأصول"(1/ 381).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
السوق -وفي رواية: بالبقيع- فنادى رجل يا أبا القاسم! فالتفت إليه النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث المذكور في أول الباب، وهذا المحذور إنما يلزم في حياته، وفي حديث علي رضي الله عنه إشارة إلى ذلك، حيث قال صلى الله عليه وسلم: إن ولد لي بعدك، وقد ضعف بعضهم هذا الحديث، كذا قيل، ولكن الترمذي صححه، والصحيح في الجواب أن هذه الرخصة كانت مخصوصة بعلي رضي الله عنه حيث جاء في حديث الترمذي: وقال: وكانت رخصة لي.
وذكر السيوطي في (جمع الجوامع)(1): عن ابن عساكر أنه وقع بين علي وطلحة كلام، قال طلحة لعلي: أنت سميت ولدك باسم النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته بكنيته صلى الله عليه وسلم، وقد نهى عن الجمع بينهما، فقال علي المرتضى رضي الله عنه: المجترئ من تجرأ على اللَّه ورسوله، فدعا جماعة من الصحابة من قريش فحضروا وشهدوا أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعلي في الجمع بينهما، وحرم على سائر الأمة ممن سواه.
وهذه الأقوال الأربعة هي المشهورة الدائرة بين الألسنة، وقد ذهب بعض العلماء أنه قد صح النهي عن التكنية، فلا يجوز التسمية أيضًا قياسًا على التكنية، لعدم الفرق بينهما؛ لأن كلاهما علم مخصوص بذاته؛ ولأن المحذور اللازم من التكني كما علم من نداء شخص رجلًا بأبي القاسم لازم في التسمية أيضًا، ولا تعريج على هذا القول، ولعل وجهه أن اختصاص الكنية أشد وأقوى وأشهر بالنسبة إلى الاسم، ولزوم المحذور المذكور في النداء بالاسم محل منع للعلم باشتراك الاسم، فلا يقع الالتفات عند النداء به؛ ولأن التسمية باسمه صلى الله عليه وسلم تجوز بلا شبهة، وكم من الصحابة
(1) انظر: "جامع الأحاديث"(34974).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
كانوا مسمين باسم محمد، وقد قرره النبي صلى الله عليه وسلم، بل يكاد يستحب؛ لورود صيغة الأمر ووجود الترغيب والتبشير به في بعض الأحاديث وإن كانت ضعيفة، فهو قياس وتعليل في مقابلة النص، فلا يجوز.
هذا وقد ذكر الطيبي (1) في المنع عن التسمية باسمه صلى الله عليه وسلم أنه قد جاء فيه أنه قال صلى الله عليه وسلم (تسمون أولادكم محمدًا ثم تلعنونهم)، وفي دلالة هذا الحديث على المنع خفاء ظاهر.
نعم ما نقل أنه كتب عمر إلى أهل الكوفة: لا تسموا أحدًا باسم النبي صلى الله عليه وسلم، وسببه أنه سمع رجلًا يقول لمحمد بن زيد بن الخطاب ابن أخيه: فعل اللَّه بك يا محمد، فدعاه عمر رضي الله عنه، فقال: أرى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يسب بك، واللَّه لا تدعى محمدًا ما بقيت، وسماه عبد الرحمن.
وذهب بعض العلماء أن التسمية بالقاسم أيضًا مكروه؛ لأنه إذا سمي بالقاسم كان أبوه أبا القاسم ضرورة، فيلزم التكني بكنيته، وقد رُوي أن عبد الملك بن مروان كان اسمه في الأصل قاسمًا؛ فلما سمع مروان النهي عن التكني بكنيته صلى الله عليه وسلم غير اسمه وسماه عبد الملك، وقد جاء مثله من بعض الأنصار أيضًا.
إذا عرفت هذا فاعلم أن الصواب من هذه الأقاويل أن التسمية باسمه صلى الله عليه وسلم جائزة، والتكني بكنيته ممنوع، ومنعه في زمنه صلى الله عليه وسلم كان أقوى وأشد، والجمع بين الاسم والكنية ممنوع بطريق الأولى، والجواب عن حديث عائشة رضي الله عنها: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الحديث: أنه غريب لا يعارض الحديث الصحيح، واللَّه أعلم.
(1) انظر: "شرح الطيبي"(9/ 66).