الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنِ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مَؤُوْنَةَ النَّاسِ، وَمنِ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ" وَالسَّلَامُ عَلَيْك. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2414].
*
الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
5131 -
[9] عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ ذَاكَ، إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}؟ "[لقمان: 13]، وَفِي رِوَايَةٍ:"لَيْسَ هُوَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6937، م: 124].
ــ
(وَكَلَه اللَّه) بتخفيف الكاف، أي: تركه معهم أي: خذله، ولم يدفع شرهم عنه.
الفصل الثالث
5131 -
[9](ابن مسعود) قوله: (أينا لم يظلم نفسه؟ ) فهم الأصحاب من الظلم معنى المعصية كما هو الظاهر من لبسه بالإيمان؛ فإن الشرك لا يلبس ولا يخلط به، فنبه صلوات اللَّه وسلامه عليه أن المراد به الشرك، وأيده بقوله تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، ولما وقع قوله:{بِظُلمٍ} مطلقًا لا بد [أن] ينصرف إلى الكامل منه مع ما في التنوين من التعظيم، وهذا تفهيم وتنبيه منه صلى الله عليه وسلم له، وليس مداره على هذا الاستدلال؛ لأن ما قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير كتاب اللَّه عز وجل يكون هو المراد البتة.
5132 -
[10] وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ (1) عَبْدٌ أَذْهَبَ آخِرَتَهُ بِدُنْيَا غَيْرِهِ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. [جه: 3966].
5133 -
[11] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الدَّوَاوِينُ ثَلَاثةٌ: دِيوَانٌ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ: الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، يَقُولُ اللَّهُ عز وجل:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 48]، وَدِيوَانٌ لَا يَتْرُكُهُ اللَّهُ: . . . . .
ــ
وأما توهم عدم لبس الظلم بهذا المعنى وخلطه بالإيمان فساقط، لأن المشركين كما كانوا يعبدون اللَّه يعبدون الأصنام، وكفى في ذلك قوله سبحانه تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]، وتحقيقه أن الإشراك يكون في الوجود والخالقية والعبادة، والآية واردة في شأن عبدة الأصنام، أو المراد بالإيمان [الإيمان] باللسان وكتم الإشراك في القلب، فتكون واردة في المنافقين، فافهم.
5132 -
[10](أبو أمامة) قوله: (عبد أذهب آخرته بدنيا غيره) المراد من يظلم الناس ليحصل به دنيا لأحد كما يفعله العمال وأعوان الظلمة، ويحتمل أن يراد من يعظِّم أهل الدنيا لدنياهم ويطيعهم، فيظلم نفسه بذلك، فيذهب آخرته بذلك، والأول هو الظاهر كما لا يخفى.
5133 -
[11](عائشة) قوله: (الدواوين) جمع ديوان، في (القاموس) (2): الديوان بالكسر ويفتح: مجتمع الصحف، والكتاب يكتب فيه أهل الجيش، وأهل
(1) في نسخة: "عند اللَّه يوم القيامة".
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 1103).
ظُلْمُ الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ حَتَّى يَقْتَصَّ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَدِيوَانٌ لَا يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِ: ظُلْمُ الْعِبَادِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ، فَذَاك إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وإن شَاءَ تَجَاوَزَ عَنهُ".
5134 -
[12] وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِيَّاكَ وَدَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى (1) حَقَّهُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمْنَعُ ذَا حَقٍّ حَقَّهُ".
ــ
العطية، وأول من وضعه عمر رضي الله عنه، والجمع دواوين، وفي (الصحاح) (2): أصل ديوان دَوَّان، فعوّض من إحدى الواوين، لأنَّه يجمع على دَواوين، ولو كانت الياء أصلية لقالوا دياوين، يقال: دونت الدواوين، انتهى.
ومادة الدون للجمع والقرب، وإنما سمي ديوانًا؛ لأنه مجتمع من الأوراق، والمراد في الحديث صحائف الأعمال.
وقوله: (حتى يقتص بعضهم من بعض) أو يرضي اللَّه الخصماء بعضهم عن بعض كما ورد ذلك في الحديث.
وقوله: (لا يعبأ اللَّه) العِبْءُ بالكسر: الحمل، والثقل من أيّ شيء كان، فمعناه ليس له ثقل ووزن عند اللَّه، وفهب (الصراح) (3): عبأ: باك داشتن، يقال: ما عبأت به، أي: ما باليت به، قوله تعالى:{مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي} [الفرقان: 77].
5134 -
[12](علي) قوله: (فإنما يسأل اللَّه تعالى حقه) فمن عفا نزل عن حقه، وهو إيثار، وله درجة عظيمة.
(1) سقط "تعالى" في نسخة.
(2)
"الصحاح"(1/ 218).
(3)
"الصراح"(ص: 11).
5135 -
[13] وَعَنْ أَوْسِ بْنِ شُرَحْبِيلَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ مَشَى مَعَ ظَالِمٍ لِيُقَوِّيَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ظَالِمٌ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلَام".
5136 -
[14] وَعَنْ أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ: إِنَّ الظَّالِمَ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَلَى وَاللَّهِ حَتَّى الْحُبَارَى لَتَمُوتُ فِي وَكْرِهَا هُزْلًا لِظُلْم الظَّالِمِ. رَوَى الْبَيْهَقِيُّ الأَحَادِيثَ الأَرْبَعَةَ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ". [شعب: 7069، 7061، 7269، 7075].
* * *
ــ
5135 -
[13](أوس بن شرحبيل) قوله: (من مشى مع ظالم) أي: وافقه وماشاه في الرأي ويذهب مذهبه.
5136 -
[14](أبو هريرة) قوله: (فقال أبو هريرة: بلى واللَّه) لما كان قوله: (لا يضر إلا نفسه) في معنى قوله: ولا يضر غيره أثبته بقوله: بلى يضر غيره.
وقوله: (حتى الحبارى. . . إلخ)، أي: كأن الرجل أراد أن الظالم وإن تعدى وضرّ المظلوم في الظاهر ولكن في الحقيقة لم يضر إلا نفسه، وضرره عائد إليه، والمظلوم يجد جزاءهُ، كقوله تعالى:{وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: 69]، وقوله تعالى:{وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43]، فالحصر في قول الرجل إضافي بالنسبة إلى من ظلمه، وهو رضي الله عنه حمله على العموم كما أفاده، والغالب أنه سمعه من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، أو أخذه مما ورد أن القطر قد يحبس بشؤم ذنوب الناس ومظالمهم، ويلزم منه هلاك الحيوانات، كقوله تعالى:{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} [النحل: 61]، وإنما خص بالحبارى لما تقرر عندهم أنها أبعد الطير نُجْعَةً، أي: طلبًا للكلأ ومنابت الغيث، قالوا: إنها قد يوجد في حوصلتها الحبة الخضراء التي لا تنبت