الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
5231 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لأَبَرَّه". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2622].
ــ
أراد الفقر الذي لا صبر معه فحاشا؛ لأنه كاد أن يكون كفرًا، بل مراده منه أن اللَّه اضطره إلى الفقر واختار له ذلك وهو لا يريد ولا يختار، بل يريد الغني، وهو سبحانه جعله فقيرًا بلطفه ورؤبة صلاح حاله، ورزقه فيه الصبر والرضا كما ينبغي ويجري، والفقر الاختياري: أن يترك الغني ويختار الفقر بإرادة منه، ورؤية صلاحه فيه، فالقائل بهذا القول لو رجح هذا الفقر الاضطراري على الاختياري وقال: ذلك مقام المحبوبية اختاره اللَّه تعالى له، وهذا مقام المحبة اختاره العبد لنفسه، لم يبعد، واللَّه أعلم.
الفصل الأول
5231 -
[1](أبو هريرة) قوله: (رب أشعث) والشعث محركة: انتشارُ الأمر، ومصدرُ الأشعث، للمغبر الرأس، شعث كفرح، والتشعث: التفرق.
وقوله: (لو أقسم على اللَّه لأبره) قيل: معناه أي: لو سأل اللَّه شيئًا وأقسم عليه أن يفعله لفعله ولم يخيب دعوته، وقيل: معناه لو حلف أن اللَّه يفعله أو لا يفعله صدقه في يمينه وأبره فيها، وهذا هو الأظهر، ويؤيده حديث أنس بن النضر: لا واللَّه لا تكسر ثنيتها، وقد مر الحديث في (باب الدية)، قال الطيبي (1): ومما يؤيد الأول لفظ (على اللَّه)؛ لأنه أراد به المسمى، ولو أريد به اللفظ لقيل: باللَّه، انتهى.
ويجوز أن يقال: صلة قسم محذوف، و (على اللَّه) متعلق بفعل مقدر تقديره: لو أقسم باللَّه معتمدًا على اللَّه في غير بره لأبره، فافهم. وللحديث تأويل آخر قريب
(1)"شرح الطيبي"(9/ 330).
5232 -
[2] وَعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَى سَعْدٌ أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ؟ ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 2896].
5233 -
[3] وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قُمْتُ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا الْمَسَاكِينَ، وَأَصْحَابُ الْجَدِّ مَحْبُوسُونَ،
ــ
من هذا المعنى ذكرته في (الفصل الأول) من (باب الغضب والكبر) من حديث حارثة.
5232 -
[2](مصعب بن سعد) قوله: (رأى سعد) هو سعد بن أبي وقاص أحد العشرة.
وقوله: (أن له فضلًا على من دونه) ممن ليس في مرتبته في السخاوة، أو المراد شخص معين كان ضعيفًا فقيرًا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنما تنصرون على الأعداء ويوسع عليكم الرزق ببركة ضعفائكم وفقرائكم، فبمَ تفخرون بشجاعتكم وسخاوتكم؟
5233 -
[3](أسامة بن زيد) قوله: (قمت على باب الجنة) هذا إما إخبار بما سيقع في الآخرة، والتعبير بلفظ الماضي لتحقق الوقوع، أو رأى ذلك ليلة الإسراء، أو كوشف له صلى الله عليه وسلم ذلك في غيرها يقظة أو منامًا، واللَّه أعلم.
وقوله: (فكان عامة من دخلها المساكين) صحح لفظ (عامة) و (المساكين) بالرفع والنصب، فالرفع على أنه اسم (كان)، والنصب على الخبرية.
وقوله: (وأصحاب الجد) بفتح الجيم وتشديد الدال، الجد: البخت والحظ والرزق والعظمة، كذا في (القاموس) (1). وفي (الصراح) (2): الجد بهره وبخت
(1)"القاموس المحيط"(ص: 246).
(2)
"الصراح"(ص: 134).
غَيْرَ أَنَّ أَصْحَابَ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِمْ إِلَى النَّارِ، وَقُمْتُ عَلَى بَابِ النَّارِ فَإِذَا عَامَّةُ مَنْ دَخلهَا النِّسَاء". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6547، م: 2736].
5234 -
[4] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: عقب حديث: 6449، م: 2736].
5235 -
[5] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2979].
ــ
وبي نيازي وتوانكَري وعظمت وبزركَـ شدن در جشم كسي.
وقوله: (غير أن أصحاب النار. . . إلخ)، فالناس قسمان: كافر ومؤمن، والمؤمنون فقراء وأغنياء، فالكافرون هم أصحاب النار يؤمر بهم إلى النار حتمًا، والفقراء الذين لا تبعة عليهم يدخلون الجنة بغير حساب، والأغنياء ومن في حكمهم من عصاة الفقراء يحبسون حتى يحاسبوا، إما أن يعفى عنهم فيدخلوا الجنة، أو يعذبوا ومصيرهم إلى الجنة، هذا هو المراد من الحديث موافقًا لما هو المذهب، فافهم.
5234 -
[4](ابن عباس) قوله: (اطلعت في الجنة) أي: اطلعت على الناس في الجنة، حال منه أو منهم، وقال الطيبي (1): ضمن (اطلعت) معنى تأملت، ولذلك عدي بـ (في)، فافهم.
5235 -
[5](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (إن فقراء المهاجرين) ظاهر الحديث
(1)"شرح الطيبي"(9/ 331).
5236 -
[6] وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: "مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ " فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ،
ــ
يدل على تخصيص هذا الحكم بالفقراء من المهاجرين والأغنياء منهم، وقد دل بعض الأحاديث على إطلاقه وعلى كون القبلية بخمس مئة عام، ولعل ذلك في غير المهاجرين من الأصحاب، وبهذا يندفع المنافاة بين هذا الحديث وبين الحديث الآتي في أول (الفصل الثاني) من حديث أبي هريرة:(يدخل الفقراء الجنة قبل الأغنياء بخمس مئة عام)، ففقراء المهاجرين يتقدمون على أغنيائهم بأربعين عامًا؛ لأن بعض أغنياء المهاجرين كانوا من فضلاء الصحابة وأكابرهم، بل أفضل من الفقراء، كالذين هم من العشرة، وعلى غير المهاجرين من الأغنياء يتقدمون بخمس مئة، سواء كان الفقراء من المهاجرين أو من غيرهم، ومن الأصحاب ومن غيرهم.
وقيل: إن الفقراء الذين في قلوبهم ميل ورغبة إلى الدنيا يتقدمون على الأغنياء بأربعين، والزهاد من الفقراء يتقدمون بخمس مئة، فتدبر، والمراد بالخريف العام؛ لأن العرب يبتدؤون العام بالخريف، سمي خريفًا لأنه تخرف فيه الثمار، أي: تجتنى.
5236 -
[6](سهل بن سعد) قوله: (فقال) الضمير للرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وكذلك ضمير (عنده).
وقوله: (جالس) مجرور صفة أخرى، أو مرفوع فاعل الظرف، والجملة صفة.
وقوله: (ما رأيك) أي: ما اعتقادك في هذا الرجل خير أو شر.
وقوله: (فقال) أي: الرجل عنده، و (رجل) خبر مبتدأ محذوف، أي: هو رجل، وفي آخر الحديث (هذا خير) إشارة إلى الرجل المتأخر المار الذي استحقره الرجل،
هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا؟ " فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لَا يُنْكَحَ، وإِنْ شَفَعَ أَنْ لَا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لَا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (1). [خ: 6447].
5237 -
[7] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا شَبعَ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5416، م: 2970].
5238 -
[8] وَعَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ مَرَّ بِقَوْمٍ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ. . . . .
ــ
ولفظ (هذا) الأخير إشارة إلى الرجل المار الأول الذي استعظمه، و (مثل هذا) إما تمييز من النسبة، أو بدل من (ملء).
5237 -
[7](عائشة) قوله: (ما شبع آل محمد) وهذا كان باختيار منهم الفقر وترك الدنيا ولذاتها وقناعتهم بأدنى قوت، وإيثارهم الفقراء والمساكين على أنفسهم مع وجود الاحتياج والمحبة {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].
5238 -
[8](سعيد المقبري) قوله: (المقبري) بفتح الباء وضمها، وقد يكسر، نسبة إلى المقبرة: موضع القبور، كان يسكن فيه.
(1) لم أجده في "صحيح مسلم"، ولم يعزه المزي في "تحفة الأشراف"(4/ 114) إلا للبخاري.
شَاةٌ مَصْلِيَّةٌ، فَدَعَوْهُ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ وَقَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الدُّنْيَا وَلَمْ يَشْبَعْ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 5414].
5239 -
[9] وَعَنْ أَنَسٍ: أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لِأهْلِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: . . . . .
ــ
وقوله: (مصلية) أي: مشوية، يقال: صليت اللحم بتخفيف اللام، أي: شويته.
5239 -
[9](أنس) قوله: (وإهالة سنخة) في (القاموس)(1): الإهالة: الشحم، أو ما أذيب منه، أو الزيت، وكل ما ائتدم به، وفي الحديث الآخر: يدعى إلى خبز الشعير والإهالة فيجيب، هو كل شيء من الأدهان مما يؤتدم به، وقيل: ما أذيب من الألية والشحم، وقيل: الدسم الجامد، كذا في (مجمع البحار)(2)، و (السنخة) بفتح السين المهملة وكسر النون، في (القاموس) (3): السنخ محركة: التغير، قد سنخ الدهن كفرح: زنخ، أي: تغير، والسناخة: الريح المنتنة، وفي حديث آخر: دعاه رجل مقدم إليه إهالة سنخة، وفي هذا يروى (زنخة) بالزاي أيضًا، وهي بمعنى سنخة.
وقوله: (ولقد سمعته) قال الطيبي (4): ضمير المفعول لأنس، والفاعل هو راوي
(1)"الفاموس المحيط"(ص: 867).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(1/ 135).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 230).
(4)
"شرح الطيبي"(9/ 333).
مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ بُرٍّ وَلَا صَاعُ حَبٍّ، وَإنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعُ نِسْوَةٍ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 2069].
5240 -
[10] وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ،
ــ
أنس، وفي بعض الحواشي؛ الحق أن الضمير راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والفاعل هو أنس، كما صرح به الشيخ ابن حجر، ويدل عليه رواية أحمد حيث قال: ولقد سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويؤيده قوله:(ما أمسى عند آل محمد) إذ لو كان ذلك من كلام الراوي لناسب أن يقول: عند آل النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى.
أقول: الظاهر أن قوله: (وإن عنده لتسع نسوة) داخل تحت (يقول)، وإنه يناسب أن يكون مقول أنس، ومن هنا ذهب الطيبي إلى ما ذهب، نعم لو جعل هذا منفصلًا عن الكلام السابق مقولًا لأنس لصحّ ما قال في الحاشية، ولعله ليس في رواية أحمد هذا القول، واللَّه أعلم.
وقوله: (ما أمسى) أي: لم يدخر في الليل للغد.
وقوله: (عند آل محمد) قيل: لفظ (آل) مقحم، أو كان ذلك في أوائل الحال، وإلا فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم ادخر نفقة سنة لعياله، هذا وما قيل: إن المراد أنه ما ادخر البر والحب بل ادخر أجناسًا أخر فضعيف، وإلا لقد وسعه أن يقول: ما أمسى صاع بر، وقيل: ما ادخر الصاع بل أكثر من ذلك، وهو ليس بشيء، ويمكن أن يقال: إن ذلك بحسب الغالب من الأوقات، واللَّه أعلم.
وقوله: (وإن عنده لتسع نسوة)، وفي رواية: إن عنده يومئذ لتسع نسوة.
5240 -
[10](عمر) قوله: (على رمال حصير) صحح (رمال) في النسخ بضم
لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ، قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ، مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ. . . . .
ــ
الراء وكسرها، وفي الحواشي: الرمال بكسر الراء وضمها جمع رميل بمعنى مرمول، أي: منسوج، وفي (القاموس) (1): رمال الحصير كغراب: مرموله، وفي (مجمع البحار) (2): الرمال ما رمل، أي: نسج من رمل الحصير، وأرمله ورمّله مشددًا للتكثير، وهو كالخطام لما خطم، وقيل: هو جمع رمل بمعنى مرمول كالخلق بمعنى المخلوق، والمراد أنه كان الشرير قد نسج وجهه بالسعف، ولم يكن على السرير وطاء سوى الحصير، هكذا قال الطيبي (3)، ولا يذهب عليك أنه يفهم من نسج وجه السرير بالسعف أن نفس السرير كان منسوجًا بالسعف كما ينسج في ديارنا بالحبال، ولا يناسبه قوله:(ولم يكن على السرير وطاء سوى الحصير)، فإنه يفهم من أنه كان الحصير مطروحًا على السرير كما يطرح اللحاف، فأولى أن يكون (أو) مكان الواو، ليكون بيانًا لاحتمالين. وفيه (رمال حصير) من إضافة الجنس إلى النوع، كذا في بعض الحواشي، وتكون حينئذ الإضافة بيانية كما في إضافة العام إلى الخاص، مثل شجرة الأراك، أي: منسوج هو الحصير، فيفهم منه أنه كان مضطجعًا على الحصير بدون فراش آخر على الحصير موضوعًا على السرير أولًا، فافهم.
وقوله: (من أدم) محركًا اسم للجمع، واحده أدمة: الجلد أو أحمره أو مدبوغة، والأديم كذلك.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 907).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(2/ 383).
(3)
"شرح الطيبي"(9/ 333).
حَشْوُهَا لِيفٌ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! ادْعُ اللَّهَ، فَلْيُوَسِّعْ عَلَى أُمَّتِكَ، فَإِنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ قَدْ وُسِّعَ عَلَيْهِمْ وَهُمْ لَا يَعْبُدُونَ اللَّه، فَقَالَ:"أَوَفِي هَذَا أَنْتَ يَا بْنَ الخَطَّابِ؟ أُولَئِكَ قَوْمٌ عُجِّلَتْ لَهُمْ طَيِّبَاتُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا". وَفِي رِوَايَةٍ: "أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ لَهُمُ الدُّنْيَا وَلَنَا الآخِرَةُ؟ ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2468، م: 1479].
ــ
وقوله: (حشوها ليف) في (القاموس)(1): الحشو: ملء الوسادة وغيرها بشيء، وما يجعل فيها حشو أيضًا، والحشية كغنية: الفراش المحشو، أي: كانت الوسادة محشوة بالليف بكسر اللام وسكون الياء: قشر النخلة، وفي (الصراح) (2): ليف بالكسر: يوست درخت خرما ليفته يكي، فهو مكان القطن المحشو في الوسائد.
وقوله: (ادع اللَّه) أي: ادع اللَّه أن يوسع، ثم طلب عمر التوسعة من عند نفسه بقوله:(فليوسع) على صيغة أمر الغائب استعجالًا للإجابة، وقال الطيبي (3): الظاهر نصبه ليكون جوابًا للأمر، فافهم. ثم لما أجل عمرُ رضي الله عنه شأنَه صلى الله عليه وسلم أن يطلب توسعة الدنيا لنفسه الشريفة وفيها من القوة ما يتحمل، وله الأجر العظيم عند اللَّه ما ليس لغيره، وشأنه أعلى وأعز من الكل، وخاف صعوبة الفقر وشدته على الأمة الضعيفة أن لا يتحملوه، خصَّ طلبَ الدعاء بالأمة، ومع هذا شدد صلى الله عليه وسلم الإنكار عليه وخاطبه من غير ذكر اسمه، بل نسبه إلى أبيه الذي كان من الجاهلين الغافلين عن نعيم الآخرة وثوابها، وقال: أتطلب هذا وفي هذا المقام أنت يا بن الخطاب؟
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1147).
(2)
"الصراح"(ص: 363).
(3)
"شرح الطيبي"(9/ 333).
5241 -
[11] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا كِسَاءٌ، قَدْ رُبِطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 442].
5242 -
[12] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي الْمَالِ وَالْخَلْقِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ مِنْهُ". . . . .
ــ
5241 -
[11](أبو هريرة) قوله: (ما منهم رجل عليه رداء) أي: مع الإزار، بل (إما إزار) فقط، وهو الملحفة، وتؤنث، كالمئزر، كذا في (القاموس)(1)، وفي (الصراح) (2): ازار مئزر: شلوار ما نند آن مثل لحاف وملحف يذكر ويؤنث.
وقوله: (وإما كساء) قال في (القاموس)(3): هو بالكسر معروف، وفي (الصراح) (4): كساء بالكسر والمد: كليم، وضمير الجمع في (ربطوا في أعناقهم) باعتبار المعنى، والمفرد في (بيده) باعتبار اللفظ.
وقوله: (فمنها) أي: من الأكسية والأزر.
5242 -
[12](وعنه) قوله: (إذا نظر أحدكم) أي: إذا وقع نظره (إلى من فضل عليه في المال والخلق) أي: الخلقة، أي: الصورة وجمالها، وتطرق منه الازدراء واحتقار نعم اللَّه سبحانه، (فلينظر إلى من هو أسفل منه) ليدفع ذلك الخاطر، وأما
(1)"القاموس المحيط"(ص: 1159).
(2)
"الصراح"(ص: 159).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 1195).
(4)
"الصراح"(ص: 585).