الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5391 -
[13] وَعَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2948].
5392 -
[14] وَعَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ قَالَ: أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ، فَقَالَ:"اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلَّا الَّذِي بَعْدَهُ أَشَرُّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ"، سَمِعْتُهُ مِنْ نبَيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. [خ: 7068].
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
5393 -
[15] عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَصْحَابِي أَمْ تَنَاسَوْا؟ وَاللَّهِ مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَائِدِ فِتْنَةٍ. . . . .
ــ
وتأويل كما يشعر به سياق الحديث.
5391 -
[13](معقل بن يسار) قوله: (العبادة في الهرج كهجرة إليّ) لوجود المانع الصارف، فلا تتيسر إلا بخروجه من موطن الطبيعة، وخروجه من بين الناس واجتماعهم.
5392 -
[14](الزبير بن عدي) قوله: (إلا الذي بعده أشر منه) استشكل هذا بزمن عمر بن عبد العزيز بعد زمن إخوانه من بني أمية، وبزمن المهدي وعيسى بعد زمن الدجال، وأجيب بحمله على الأكثر والأغلب.
وقوله: (أشر) ورد على الأصل المتروك.
الفصل الثاني
5393 -
[15](حذيفة) قوله: (من قائد فتنة) كمن يأمر الناس بالبدعة ويدعوهم
إِلَى أَنْ تَنْقَضِيَ الدُّنْيَا يَبْلُغُ مَنْ مَعَهُ ثَلَاثَ مِئَةٍ فَصَاعِدًا إِلَّا قَدْ سَمَّاهُ لَنَا بِاسْمِهِ وَاسْمِ أَبِيهِ وَاسْمِ قَبِيلَتِهِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. [د: 4243].
5394 -
[16] وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ، وَإِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. [د: 4252، ت: 2229].
5395 -
[17] وَعَنْ سَفِينَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الْخِلَافَةُ ثَلَاثُونَ سَنَةً،
ــ
إليها، وكمن يحارب المسلمين. وقوله:(يبلغ) صفة (قائد)، و (من معه) فاعل (يبلغ)، و (ثلاث مئة) مفعوله، والمراد تابعوه، ومعنى التقييد بهذا الوصف كما يظهر الآن أنه صلى الله عليه وسلم ذكر من قواد الفتنة من تكون فتنته شائعة في هذا العدد أو أزيد منه، فإنها إذا بلغت إليه شاعت وانتشرت، وعاد ضررها إلى الناس، بخلاف ما لو كانت في أقل من هذا العدد فلم يذكرها ولم يعتبر [ها]، واللَّه أعلم.
5394 -
[16](ثوبان) قوله: (وإذا وضع السيف في أمتي. . . إلخ)، أي: إذا ظهرت الحرب بين أمتي تبقى إلى يوم القيامة، وبقاؤها إلى يوم القيامة مرتب على وجود الأئمة المضلين وشرهم، فظهر الربط بين الجملتين، وترتبت الثانية على الأولى، هذا ما ذكروه، والظاهر أنهما إخباران مستعملان على انفرادهما، وأول وضع السيف فيما بينهم وقعة قتل عثمان رضي الله عنه، ثم لم تزل المحاربة إلى يوم القيامة.
5395 -
[17](سفينة) قوله: (وعن سفينة) هو سفينة مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقيل: مولى أم سلمة، وقوله:(الخلافة ثلاثون سنة) أي: الخلافة الكاملة المرضية الموافقة للسنة للذين استحقوا إطلاق هذا الاسم عليهم حقًّا، ومن بعدهم ملوك وأمراء
ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا"، ثُمَّ يَقُولُ سَفِينَةُ: أَمْسِكْ: خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ سَنَتَيْنِ، وَخِلَافَةَ عُمَرَ عَشْرَةً، وَعُثْمَانَ اثْنَتَيْ (1) عَشْرَةَ، وَعَلِيٍّ سِتَّةً. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ. [حم: 5/ 220، د: 4646، ت: 226].
ــ
وإن سمّوا بذلك مجازًا، ولكونهم خلفًا لمن مضى وقائمين مقامهم.
وقوله: (ثم تكون) صحح بالتاء والياء، فإن كان بالتاء فالضمير للخلافة، أي: تصير، أي: تتبدل، وإن كان بالياء فالضمير للأمر أو نحوه.
وقوله: (أمسك خلافة أبي بكر سنتين. . . إلخ)، المذكور في (جامع الأصول) (2): كانت خلافته رضي الله عنه سنتين وأربعة أشهر، وخلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين ونصفًا، وخلافة عثمان رضي الله عنه اثنتي عشرة سنة إلا أيامًا، وخلافة علي رضي الله عنه أربع سنين وتسعة أشهر، انتهى.
وعلى هذا يتم خلافة الخلفاء الأربعة في تسعة وعشرين سنة وسبعة أشهر، وتبقى خمسة أشهر في ثلاثين سنة، وتتم بالحسن بن علي رضي الله عنهما، وهو متمم الخلافة الكبرى، والمشار إليها بهذا الحديث، وفي (مجمع البحار)(3) لأبي بكر سنتان وثلاثة أشهر وتسع ليال، ولعمر عشر سنين ونصف وخمس ليال، ولعثمان اثنتا عشرة سنة إلا اثنتي عشرة ليلة، ولعلي رضي الله عنه خمس سنين إلا ثلاثة أشهر، وللحسن من رمضان سنة أربعين إلى نصف جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين، فذا ثلاثون سنة، انتهى. فعلى هذا تبقى ستة أشهر وثلاث ليال وتتم بالحسن المجتبى رضي الله عنه.
(1) في نسخة: "اثني".
(2)
"جامع الأصول"(12/ 121، 122، 124، 125).
(3)
"مجمع بحار الأنوار"(2/ 88).
5396 -
[18] وَعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَكُونُ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ كَمَا كَانَ قَبْلَهُ شَرٌّ؟ قَالَ: "نَعَمْ"، قُلْتُ: فَمَا الْعِصْمَةُ؟ قَالَ: "السَّيْفُ"، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ السَّيْفِ بَقِيَّةٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ، تكونُ إِمارةٌ عَلَى أَقْذَاءٍ وَهُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ"، قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "ثُمَّ يَنْشَأُ دُعَاةُ الضَّلَالِ،
ــ
5396 -
[18](حذيفة) قوله: (أيكون بعد هذا الخير) أي: يبقى بعد ظهور الإسلام (شر) أي: كفر كما كان قبله.
وقوله: (فما العصمة؟ ) أي: ما طريق النجاة من ذلك الشر؟ (قال: السيف) أي: طريق النجاة أن تقاتلهم وتضربهم بالسيف، وقد يحمل ذلك على أهل الردة الذين كانوا في زمن الصديق.
وقوله: (وهل بعد السيف بقية؟ ) أي: هل يبقى أهل الإسلام بعد مقابلتنا إياهم؟ وهل يصلح أهل ذلك الزمان للإمارة؟ (قال: نعم) يبقون ويصلحون للإمارة، (على أقذاء) جمع قذًى، وهو ما يقع في العين وفي الشراب من غبار ووسخ ونحوهما، قذيت عينه كرضي قذى وقَذَيانًا: وقع فيها القذى، أي: يكون اجتماع الناس على من جعل أميرًا بكراهة وفساد وإنكار في القلوب لا بطيبها، ويقال: فعلت كذا وفي العين قذى، والأولى أن يكون معناه: أنه تكون إمارة مع ارتكاب المناهي وظهور البدع؛ ليكون قوله: (هدنة على دخن) كالتأسيس، و (هدنة) بضم الهاء وسكون الدال المهملة: الصلح، يقال: هدن يهدن هدونا: سكن وأسكن، والصبي: أرضاه، و (دخن) بفتحتين: الدخان، وقد مر معناه، وحاصله أنه يكون صلح مع خداع وخيانة ونفاق.
فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةٌ جَلَدَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ فَأَطِعْهُ، وَإِلَّا فَمُتْ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جَذْلِ شَجَرَةٍ"، قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَهُ نَهْرٌ وَنَارٌ، فَمَنْ وَقَعَ فِي نَارِهِ وَجَبَ أَجْرُهُ وَحُطَّ وِزْرُهُ، وَمَنْ وَقَعَ فِي نَهْرِهِ وَجَبَ وِزْرُهُ وَحُطَّ أَجْرُهُ"، قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: "ثُمَّ. . . . .
ــ
(فإن كان للَّه في الأرض خليفة) أي: أمير وحاكم فأطعه، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك أي: ظلمك في نفسك ومالك، (والا) أي: وإن لم يكن خليفة وأمير فاعتزل ومت على ذلك.
وقوله: (وأنت عاض على جذل شجرة) قد أمضينا الكلام فيه في (الفصل الأول)، وقيل:(وإلا) أي: لم تطعه (فمت) أمر في معنى الخبر، وفي بعض النسخ:(قمت) من القيام، خبر بمعنى الأمر على الوجهين؛ أي: اذهب واخرج من بينهم، و (الجذل) بالكسر: أصل الشجر وغيرها بعد ذهاب الفرع، وما عظم من أصول الشجر، وأما، على مثال شماريخ النخل من العيدان، ويفتح فيهن.
وقوله: (ثم يخرج الدجال) سمي به لتمويهه وتلبيسه وكذبه، والدجل: الكذب والتمويه، وسيجيء وجوه أخر في تسميته بذلك في (باب أشراط الساعة) إن شاء اللَّه تعالى.
وقوله: (معه نهر ونار) الظاهر أنهما على الحقيقة، ويحتمل أن يراد أن معه لطفًا وقهرًا ووعدًا ووعيدًا، (فمن وقع في ناره) أي: خالفه طمعًا في ثواب اللَّه وأجره حتى يلقيه في ناره، ويدخله في معرض قهره، وجب أجره على اللَّه؛ جزاء على صبره وثباته على دينه، (ومن وقع في نهره) أي: أطاعه ووافقه طمعًا في الدنيا وحبًّا لحياتها.
يُنْتَجُ الْمُهْرُ فَلَا يُرْكِبُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ".
وَفِي رِوَايَة: قال: "هُدْنَةٌ عَلَى دَخَنٍ وَجَمَاعَةٌ عَلَى أَقْذَاءِ"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الْهُدْنَةُ عَلَى الدَّخَنِ مَا هِيَ؟ قَالَ: "لَا تَرْجِعُ قُلُوبُ أَقْوَامٍ عَلَى الَّذِي كَانَتْ عَلَيْهِ"، قُلْتُ: بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: "فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ. . . . .
ــ
وقوله: (ينتج المهر فلا يركب): (ينتج) على صيغة المجهول من النتج، وهكذا يستعمل مجهولًا، من نتجت الناقة: إذا ولدتها، وكذلك يقال: نتجت الناقة والفرس بلفظ المجهول، ونتجها أهلها نتجًا، وسبق الكلام في تحقيق هذا اللفظ (في الفصل الأول) من (كتاب الإيمان بالقدر) في حديث شرح الفطرة. و (المهر) بضم الميم وسكون الهاء: ولد الفرس، أو أول ما نتج منه ومن غيره، والجمع أمهار ومِهار ومهارة.
و(لا يركب) بضم الياء وكسر الكاف، أركب المهر: حان أن يركب، فهو مركب بكسر الكاف، والمراد زمن عيسى عليه السلام، إذ ذاك لا يركب المهر إلى يوم القيامة؛ لعدم احتياج الناس فيه إلى المحاربة والقتال، أو المراد أن بعد خروج الدجال لا يكون زمان طويل حتى تقوم الساعة، أي: يكون حينئذ قيام الساعة قريبًا قدر انتاج المهر وإركابه، هذا هو الأظهر كما جاء في حديث آخر:(لو نتج رجل مهرًا لم يركب حتى تقوم الساعة)(1).
وقوله: (لا ترجع قلوب) بالرفع فاعل (ترجع) بلفظ التذكير والتأنيث، وقد أعرب في بعض النسخ بالنصب، وكأنه على أنه مفعول (ترجع) من الرجع متعديًا، والفاعل ضمير (الهدنة).
وقوله: (عمياء) أي: يعمى فيها الإنسان عن أن يرى الحق، (صماء) أي:
(1) أخرجه أبو الشيخ الأصفهاني في "العظمة"(4/ 1176).
صَمَّاءُ، عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ، فَإِنْ مُتَّ يَا حُذَيْفَةُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جَذْلٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4244].
5397 -
[19] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفًا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا عَلَى حِمَارٍ، فَلَمَّا جَاوَزْنَا بُيُوتَ الْمَدِينَةِ قَالَ:"كَيْفَ بِكَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ جُوعٌ تَقُومُ عَنْ فِرَاشِكَ وَلَا تَبْلُغُ مَسْجِدَكَ حَتَّى يُجْهِدَكَ الْجُوعُ؟ " قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:"تَعَفَّفْ يَا أَبَا ذَرٍّ"، قَالَ: "كَيْفَ بِكَ يَا أَبَا ذَرٍّ إِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ مَوْتٌ يَبْلُغُ الْبَيْتُ الْعَبْدَ. . . . .
ــ
يصم عن أن يسمع فيها النصح، فالإسناد إلى الفتنة مجازي، وزاد أبو هريرة في روايته:(بكماء) كما سيأتي.
5397 -
[19](أبو ذر) قوله: (كيف بك) الباء زائدة في المبتدأ، أي: كيف أنت، ولما زيدت الباء بدل الضمير المرفوع المنفصل مجرورًا متصلًا.
وقوله: (تعفف) أي: لازم العفة وتكلف بها، واصبر على أذى الجوع والتقوى والكف عن الحرام وعن سؤال الناس، في (القاموس) (1): عف: كف عما لا يحل، وتعفف: تكلفها.
وقوله: (إذا كان في المدينة موت يبلغ البيت العبد): (البيت) فاعل (يبلغ)، و (العبد) مفعول، وقيل: في معناه وجوه:
أحدها: أن المراد بالبيت هو القبر، يعني يباع موضع قبر بعبد لضيق مواضع القبر لكثرة الموت، فيغلو ثمنه.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 755).
حَتَّى إِنَّهُ يُبَاعُ الْقَبْرُ بِالْعَبْدِ؟ "، قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "تَصَبَّرْ يَا أَبَا ذَرٍّ"، قَالَ: "كَيْفَ بِكَ يَا أَبَا ذَرٍّ. . . . .
ــ
وثانيها: أن البيت هو القبر، والمراد أجرة حفر القبر قيمة العبد لكثرة الموتى وقلة الحفار، وترتب قوله:(حتى إنه يباع القبر بالعبد) على المعنى الأول ظاهر، وعلى الثاني بإرادة استئجار الحافر من بيع القبر.
وثالثها: أن البيوت تصير رخيصة لكثرة الموت وقلة من يسكنها، فيباع بيت بعبد مع أن قيمة البيت على ما هو الغالب المتعارف تكون أكثر من قيمة العبد، فيراد بالقبر البيت.
ورابعها: أنه لا يبقى في البيت إلا عبد يقوم بمصالح أهل ذلك البيت.
وقال الطيبي (1): على هذين الوجهين الأخيرين لا يحسن موقع (حتى) حسنُها على الوجهين الأولين، انتهى.
وحقيقة الحال أنه لا يصح موقع (حتى) على الوجه الأول من هذين الوجهين الأخيرين لعدم المناسبة بينهما، وأما على الوجه الأخير فيجوز أن يقال: إنه لما ماتوا ولم يتركوا مالًا ولم يبق من الأموال إلا هذا العبد، فإذا مات أحد من أهل البيت يباع هذا العبد في اشتراء موضع القبر وأجرة الحفر، فيباع موضع القبر بالعبد، ويتخذ في أجرة حفره، فافهم.
وقوله: (تصبر) على لفظ الأمر من باب التفعل، وفي بعض النسخ:(تصبر) على صيغة المضارع من الصبر.
(1)"شرح الطيبي"(10/ 61).
إِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَتْلٌ تَغْمُرُ الدِّمَاءُ أَحْجَارَ الزَّيْتِ؟ " قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "تَأْتِي مَنْ أَنْتَ مِنْهُ"، قَالَ: قُلْتُ: وَأَلْبَسُ السِّلَاحَ؟ قَالَ: "شَارَكْتَ الْقَوْمَ إِذًا"، قُلْتُ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "إِنْ خَشِيتَ أَنْ يَبْهَرَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ فَأَلْقِ نَاحِيةَ ثَوْبِكَ عَلَى وَجْهِكَ لِيَبُوءَ بِإِثْمِكَ وَإِثْمِهِ". رَوَاهُ وأَبُو دَاوُدَ. [د: 4261].
ــ
وقوله: (قتل تغمر الدماء أحجار الزيت) الغمر: الماء الكثير، غمره الماء غمرًا واغتمر: غطاه، تغطي الدماء وتستر وتعلو أحجار الزيت، وهو اسم موضع بالمدينة فيه أحجار سود كأنها طليت بالزيت، والعائد إلى الموصوف محذوف، أو يقال: إن الدماء في معنى القتل واللام بدل من الإضافة، وهذا إخبار عن وقعة الحرة، وهي من أشنع الوقائع وأقبحها، وقعت في زمن يزيد بن معاوية، أرسل جيشًا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث وستين بعد وقعة قتل أمير المؤمنين الإمام الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنه، فاستباح حرم المدينة، وهتك حرمة مسجده صلى الله عليه وسلم، وربط فيه الدواب، وقتل من الصحابة والتابعين من يبلغ ألوفًا، وغير ذلك من الشنائع، وقد ذكرناها في تاريخ المدينة فليطلب ثمة، وذلك في ذي الحجة في سنة ثلاث وستين.
وقوله: (تأتي من أنت منه) قيل: أي ارجع إلى من خرجت من عنده، يعني أهلك وعشيرتك، وقيل: ارجع إلى إمامك ومن بايعته.
وقوله: (أن يبهرك) البهر: الإضاءة والغلبة، وهو كناية عن استعمال السيف.
واعلم أنه ينبغي أن تحمل هذه الأخبار على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكشف له عن تعيين أوقات هذه الوقائع، فأخبر أبا ذر بالصبر فيها باحتمال أنه لعله يكون مدركًا لها، وإلا فأبو ذر رضي الله عنه لم يكن باقيًا إلى وقعة الحرة؛ لأنه مات اثنين وثلاثين في خلافة عثمان رضي الله عنه،
5398 -
[20] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كَيْفَ بِكَ إِذَا أُبْقِيتَ (1) فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ، مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ؟ وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا؟ " وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَبِمَ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ: "عَلَيْكَ بِمَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَإِيَّاكَ وَعَوَامَّهُمْ" وَفِي رِوَايَةٍ: . . . . .
ــ
وأما وقوع الجوع والموت في المدينة يحتمل أنه أدركها أبو ذر؛ لأنه قد وقع قحط وموت بها كما في عام الرماد وغيره، أو يكون حالها أيضًا كذلك، واللَّه أعلم.
5398 -
[20](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (في حثالة من الناس) بضم الحاء المهملة: القشارة، وما لا خير فيه، والرديء من كل شيء.
وقوله: (مرجت عهودهم) بكسر الراء على صيغة المعلوم، أي: اختلطت وفسدت، وقوله تعالى:{وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 15] أي: لهبها المختلط بسوادها، ومرج الأمر: لم يف به، وفي (الصحاح) (2): مرج الأمر، أي: اختلط واضطرب، وقد صحح في بعض النسخ (مرجت) بلفظ المجهول، من المرج متحركًا بمعنى الخلط، من قوله تعالى:{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ} [الرحمن: 19].
وقوله: (قال: عليك بما تعرف، ودع ما تنكر وعليك بخاصة نفسك. . . إلخ)، ولقد اتبع رضي الله عنه ما أمره النبي صلى الله عليه وسلم، وكان وصاه أيضًا باسترضاء والده، فكان بحكم الضرورة مع أبيه ومعاوية في الظاهر، مختلطًا معهم في الظاهر، ولم يكن معهم بالقلب، ولم يكن مخالفًا لهم ظاهرًا لرضا الوالد، وكانوا يقولون: لست منا، فأمره صلى الله عليه وسلم
(1) في نسخة: "بقيت".
(2)
"الصحاح"(1/ 341).
"الْزَمْ بَيْتَكَ وَأَمْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ أَمْرَ الْعَامَّةِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (1) وَصَحَّحَهُ.
5399 -
[21] وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، فَكَسِّرُوا فِيهَا قِسِيَّكُمْ،
ــ
بالاجتماع مع الناس والتزام العزلة بالكلية، أمر الكل ما يليق بحاله ويتيسر له، وهو المرشد الحكيم العارف بمصالح أمته صلى الله عليه وسلم.
وقوله: (الزم بيتك) وفي رواية: (وليسعك بيتك) أي: لا تخرج منه إلا لضرورة، (وأملك عليك لسانك) صحح بفتح الهمزة وكسر اللام، من الإملاك، وفسر الطيبي (2): الإملاك بالسد والإحكام، يعني سدّ لسانك ولا تتكلم في أحوال الناس؛ كيلا يؤذوك.
وفسره في (مجمع البحار)(3): أي لا تُجْرِه إلا بما يكون لك لا عليك، وقال: هو أمر من الثلاثي، أي: احفظها عما لا خير فيه، وفي الحديث رخصة في ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا قوي الأشرار وضعف الأخيار.
5399 -
[21](أبو موسى) قوله: (فكسروا فيها قسيكم) القسي بكسر القاف وتشديد الياء جمع قوس، والقوس يذكر ويؤنث، وفي (الصحاح) (4): أصل قسي (فليع)
(1) لم أجده في "سنن الترمذي" وأخرجه أبو داود في "سننه"(4342، 4343).
(2)
"شرح الطيبي"(10/ 63).
(3)
"مجمع بحار الأنوار"(4/ 628).
(4)
"الصحاح"(3/ 967).
وَقَطِّعُوا فِيهَا أَوْتَارَكُمْ، وَاضْرِبُوا سُيُوفَكُمْ بِالْحِجَارَةِ، فَإِنْ دُخِلَ عَلَى أَحَدٍ مِنْكُمْ فَلْيَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4259].
وَفِي رِوَايَة لَهُ: ذَكَرَ إِلَى قَوْلِهِ: "خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي"، ثُمَّ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: "كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ".
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْفِتْنَةِ: "كَسِّرُوا فِيهَا قِسِيَّكُمْ، وَقَطِّعُوا فِيهَا أَوْتَارَكُمْ، وَالْزَمُوا فِيهَا أَجْوَافَ بُيُوتِكُمْ، وَكُونُوا كَابْنِ آدَمَ". وَقَالَ: هَذَا حديثٌ صحيحٌ غريبٌ. [ت: 2204].
5400 -
[22] وَعَنْ أُمِّ مَالِكٍ البَهْزِيَّةِ قَالَتْ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِتْنَةً. . . . .
ــ
كان أجوف فصارت ناقصًا، فإذا نسبت إليها قلت قسوي؛ لأنها (فلوع) مغير من (فعول).
وقوله: (فإن دخل) على صيغة المجهول مسند إلى قوله: (على أحد).
وقوله: (كخير ابني آدم) وهو هابيل حين استسلم للقتل وقال لأخيه قابيل: {مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} [المائدة: 28 - 29].
وقوله: (كونوا أحلاس بيوتكم) جمع حلس بالكسر: كساء على ظهر البعير تحت البرذعة، ويبسط في البيت تحت حُرِّ الثياب، ويحرك، كذا في (القاموس)(1).
5400 -
[22](أم مالك) قوله: (البهزية) بفتح الموحدة وسكون الهاء وبالزاي، نسبة إلى بهز بن امرئ القيس.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 485).
فَقَرَّبَهَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ خَيْرُ النَّاسِ فِيهَا؟ قَالَ: "رَجُلٌ فِي مَاشِيَتِهِ يُؤَدِّي حَقَّهَا وَيَعْبُدُ رَبَّهُ، وَرَجُلٌ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ يُخِيفُ الْعَدُوَّ وَيُخَوِّفُونَهُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2177].
5401 -
[23] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَتَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ، قَتْلَاهَا فِي النَّارِ،
ــ
وقوله: (فقربها) أي: جعلها قريبًا وقوعها، وقال الطيبي (1): أي وصفها وصفًا بليغًا، فإن من وصف شيئًا عند أحد وصفًا بليغًا فكأنه قربه إليه، انتهى.
لعله أراد أنه وصفها وصفًا بليغًا اتضح عنده وحضر في ذهنه فتخيله واقعًا، ويمكن أن يكون المراد تقريبها إلى أذهانهم وخيالاتهم، واللَّه أعلم.
وقوله: (يخيف العدو) من الإخافة، والمراد بالعدو الكفار، أي: هرب من الفتنة وقتال المسلمين وقصد ثغرًا من الثغور يقاتل فيه الكفار، فيبقى سالمًا منها غانمًا.
5401 -
[23](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (تستنظف العرب) أي: تستوعبهم وتصل إلى جميعهم، يقال: استنظف الوالي ما عليه من الخراج: استوفى، واستنظف الشيء: أخذه كله.
وقوله: (قتلاها) جمع قتيل كمرضى جمع مريض، والظاهر من اللفظ يشمل الفريقين، وإنما يكون كذلك إذا كان قصدهم بالمقاتلة الطمع في الملك والمال لا إعلاء الدين، أما إذا كان أحدهما محقًّا والآخر مبطلًا من غير شبهة وتأويل، فالآخر هو الذي قتلاه في النار، وإذا كان بشبهة وتأويل، واجتهاد، ولو كان مخطئًا، فليس أحد
(1)"شرح الطيبي"(10/ 64).
اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْن مَاجَه. [ت: 2678، جه: 3967].
5402 -
[24] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "سَتَكُونُ فِتْنَةٌ صَمَّاءُ بَكْمَاءُ عَمْيَاءُ، مَنْ أَشْرَفَ لَهَا اسْتَشْرَفَتْ لَهُ، وَإِشْرَافُ اللِّسَانِ فِيهَا كَوُقُوعِ السَّيْفِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4264].
5403 -
[25] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْفِتَنَ، فَأَكْثَرَ فِي ذِكْرِهَا حَتَّى ذَكَرَ فِتْنَةَ الأَحْلَاسِ، قَالَ (1) قَائِلٌ: وَمَا فِتْنَةُ الأَحْلَاسِ؟ . . . . .
ــ
منهما في النار، وقيل: قاله زجرًا وتوبيخًا ومبالغةً في النهي عن المقاتلة وإثارة الفتنة.
وقوله: (اللسان فيها أشدّ من وقع السيف) لأنهم مسلمون، وغيبة المسلمين بدعة شنيعة على طبق قوله:(الغيبة أشد من الزنا) خصوصًا إذا كان من الصحابة، ويحتمل أن يكون المراد أن إطالة القول في ذمهم وغيبتهم يفضي إلى القتل فإنهم لو سمعوه لربما قتلوا المغتاب والذام، وربما ينشأ من ذلك النهب والجلاء والمفاسد العظيمة أكثر مما ينشأ من نفس الفتنة.
5402 -
[24](أبو هريرة) قوله: (صماء بكماء عمياء) قد عرفت أنها وصفت بهذه الأوصاف بأوصاف أصحابها، أي: لا يسمع فيها الحق، ولا ينطق به، ولا يتضح الباطل عن الحق.
5403 -
[25](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (فتنة الأحلاس) قد علم معنى الحلس،
(1) في نسخة: "فقال".
قَالَ: "هِيَ هَرَبٌ وَحَرَبٌ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي وَلَيْسَ مِنِّي، إِنَّمَا أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ، ثُمَّ يَصْطَلِحُ النَّاسُ عَلَى رَجُلٍ كَوَرِكٍ عَلَى ضِلْعٍ،
ــ
وإنما أضيفت الفتنة إليها لدوامها؛ لأن الحلس يبقى تحت الثياب دائمًا، أو تشبيهًا به في الكدرة والرداءة، أو بمجرد أن الأحلاس تفرش وتبسط في البيوت، ففيه إشارة إلى التزام البيوت والعزلة في ذلك الزمان.
وقوله: (هرب وحرب) كلاهما بفتح الراء، و (الحرب) بالحركة: نهب مال الإنسان وتركه لا شيء له، كذا قال الطيبي (1)، والحارب: المسلح الغاصب الناهب الذي يعري الناس ثيابهم، والهرب: الفرار، هرب هربا بالتحريك: فرّ، (وفتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل. . . إلخ)، الرواية في (فتنة السراء) بالرفع، و (دخنها) خبره، فهو عطف على جملة (وهي هرب وحرب)، ويروى بالنصب، وهو الظاهر، أي: ثم ذكر فتنة السراء.
وقوله: (دخنها من تحت قدمي) جملة مستأنفة لبيانها، أي: السبب في وقوعها السرور لسبب كثرة النعم وفضول الأموال، أو لأنها تسر الكفار لوقوع الخلل في الدين والضرة في المسلمين.
وقوله: (رجل من أهل بيتي) لعل هذه الفتنة بل هذه الفتن كلها تكون في آخر الزمان كما ينبئ عنه قوله: (فإذا كان ذلك فانتظروا الدجال من يومه أو من غده)، فتدبر.
وقوله: (كورك) بفتح الواو وكسر الراء، (على ضلع) بكسر الضاد وفتح اللام،
(1)"شرح الطيبي"(10/ 66).
ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْمَاءِ، لَا تَدَعُ أَحَدًا مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ إِلَّا لَطَمَتْهُ لَطْمَةً، فَإِذَا قِيلَ: انْقَضَتْ تَمَادَتْ، يُصْبحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، حَتَّى يَصِيرَ النَّاسُ إِلَى فُسْطَاطَيْنِ: فُسْطَاطِ إِيمَانٍ لَا نِفَاقَ فِيهِ، وفُسْطَاطِ نِفَاقٍ لَا إِيمَانَ فِيهِ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَانْتَظِرُوا الدَّجَّالَ أَوْ مِنْ غَدِهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4242].
5404 -
[26] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، أَفْلَحَ مَنْ كَفَّ يَدَهُ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4249].
ــ
وفي (القاموس)(1): كعنب وجذع، أي: على رجل لا استقامة له ولا نظام، لأن الورك لا يستقيم على الضلع ولا يتركب عليه.
(ثم فتنة الدهيماء) تصغير الدهماء، وهي الداهية السوداء المظلمة، من إضافة الموصوف إلى الصفة، وقيل: هي اسم ناقة غزا عليها سبعة إخوة، فقتلوا عن آخرهم، وحملوا عليها [حتى رجعت بهم]، فصارت مثلًا في كل داهية، كذا قال الطيبي (2)، فلا يكون من إضافة الموصوف إلى الصفة، وقال في (القاموس) (3): الدهماء: العدد الكثير وجماعة الناس، فيحتمل أن يكون المعنى: فتنة يجتمع فيها الناس، أو تكون سببًا لاجتماع الناس للشر والنهب. و (الفسطاط) بالضم: مجتمع أهل الكورة، والسرادق من الأبنية، ويكسر، كذا في (القاموس)(4).
5404 -
[26](أبو هريرة) قوله: (من شر قد اقترب) الظاهر أنه إشارة إلى
(1)"القاموس المحيط"(ص: 668).
(2)
"شرح الطيبي"(10/ 67).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 1000).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 613).
5405 -
[27] وَعَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، وَلِمَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهًا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4263].
5406 -
[28] وَعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا وُضِعَ السَّيْفُ فِي أُمَّتِي لَمْ يُرْفَعْ عَنْهَا إِلَى يَوْمٍ الْقِيَامَةِ، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَلْحَقَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي بِالْمُشْرِكِينَ، وَحَتَّى تعْبُدَ قَبَائِلُ مِنْ أُمَّتِي الأَوْثَانَ، وَإِنَّهُ سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي كَذَّابُونَ ثَلَاثُونَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيُّ اللَّهِ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيين لَا نَبِيَّ بِعْدِي، وَلَا تَزَالُ طَائِفَة مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ. . . . .
ــ
وقعة عثمان رضي الله عنه، بل شامل لما وقع بعده بين علي ومعاوية أيضًا، واللَّه أعلم.
5405 -
[27](المقداد بن الأسود) قوله: (إن السعيد من جنب الفتن) كرر ثلاث مرات، و (جنب) بلفظ المجهول بلفظ التفعيل إشارة إلى أنه ابتلاء من اللَّه، ومنه تبعيد من يشاء من عباده لطفًا منه تعالى.
وقوله: (ولمن ابتلي فصبر) بفتح اللام عطف على قوله: (لمن جنب).
وقوله: (فواهًا) منقطع عنه، ومعناه التلهف والتحسر، أي: واهًا من باشر الفتنة وسعى فيها، وقيل: معناه الإعجاب والاستطابة، و (لمن) بكسر اللام؛ أي: ما أحسن وأطيب صبر من صبر عليها، ولا يخفى أنه لو حمل على معنى التعجب لصح بالفتح أيضًا.
5406 -
[28](ثوبان) قوله: (كلهم يزعم) أي: كل واحد، ولذا وحد الضمير، أو هو باعتبار لفظ (كل).
وقوله: (أنه نبي اللَّه) أي: يدعون النبوة، وقد وجد منهم كثيرون في الأمصار فأهلكهم اللَّه تعالى، وكذلك يفعل بمن بقي إن شاء اللَّه تعالى، والدجال الأكبر خارج
لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ. [د: 4252، ت: 2202، 2219، 2229].
5407 -
[29] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "تَدُورُ رَحَى الإِسْلَامِ لِخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ،
ــ
عن هذا العدد، وهو يدعي الألوهية، وبه فارق الدجالين.
5407 -
[29](عبد اللَّه بن مسعود) قوله: (تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين)(1) أي: أمر الإسلام يستقر وينتظم على ما ينبغي هذه المدة، واللام في (لخمس) بمعنى (في)، وفي خمس وثلاثين كان مقتل عثمان رضي الله عنه، وهو أول فتنة وقعت في الإسلام، وفي ست وثلاثين وقعة الجمل، وفي سبع وثلاثين حرب صفين، فابتداء الأمر معتبر من الهجرة التي هي مبدأ ظهور دولة الإسلام، ويحتمل أنه قد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هذا القول وقد بقيت من عمره السنون الزائدة على الثلاثين باختلاف الروايات، فإذا انضمت إلى مدة الخلافة -وهي ثلاثون سنة- كانت بالغة ذلك المبلغ، وهذا أولى إن أريد الاستقرار والانتظام باعتبار عدم تطرق البدعة، وخلاف ما كان عليه الأمر في الابتداء والأول إن أريد باعتبار تطرق الفتنة والمحاربة، ويحتمل أن يعتبر من ابتداء ظهور الوحي، فيتم عدد خمس وثلاثين بانقضاء خلافة الفاروق، فإنه لا شك أن أمر الأمن والإيمان والسنة كان أنظم وأسلم في خلافة الشيخين، وقد تطرق في خلافة عثمان أو بعد سنة أو سنتين منها ما صار سببًا للوحشة وإثارة الفتنة، واللَّه أعلم.
(1) حمله الحافظ في "الفتح"(13/ 213) على زمن بني أمية بعد إخراج زمن معاوية رضي الله عنه، وهو أحسن المحتملات في معناه، كذا في "التقرير".