الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
4947 -
[1] عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَرْحَمُ اللَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمُ النَّاسَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7376، م: 2319].
4948 -
[2] وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتُقَبِّلُونَ الصِّبْيَانَ؟ فَمَا نُقَبِّلُهُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: . . . . .
ــ
الرحمى، انتهى.
والرحمة في الإنسان: رقة وانعطاف يحصل في قلبه، وهو محال على اللَّه تعالى، فالمراد به في حقه تعالى الرضا والإحسان، وكذلك سائر الصفات التي من قبيل الانفعال كالغضب ونحوه تطلق عليه تعالى باعتبار الآثار دون المبادئ، كما حقق في موضعه، وقد يشتق منه الرحموت كالرهبوت من الرهب، والجبروت من الجبر، والرحمن والرحيم مشتقان من الرحمة كندمان ونديم، وهما بمعنى، ويجوز تكرير الاسمين إذا اختلف اشتقاقهما على طريق التوكيد، كما يقال: فلان جاد مجد، والرحمن مختص به تعالى، ولذا قال:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} [الإسراء: 110] أعاده بالاسم ذكرًا للاسمين الذين لا يشرك فيهما غيره، كذا في (الصحاح)(1).
الفصل الأول
4947 -
[1](جرير بن عبد اللَّه) قوله: (لا يرحم اللَّه من لا يرحم الناس) أي: رحمة خاصة مخصوصة بالراحمين الفائزين السابقين.
4948 -
[2](عائشة) قوله: (أتقبلون الصبيان؟ ) من التقبيل (فما نقبلهم) الهمزة للإنكار، وليس المراد حقيقة الاستفهام؛ لأن الظاهر من سياق الكلام أنه رأى أنهم
(1) انظر: "مختار الصحاح"(1/ 117).
"أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أَنْ نَزَعَ اللَّهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5998، م: 2317].
4949 -
[3] وَعَنْهَا قَالَتْ: جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ وَمَعَهَا ابْنتَانِ لَهَا تَسْأَلُنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا، فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنتَيْهَا وَلَمْ تَأْكُلْ مِنْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثْتُهُ، فَقَالَ:"مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 5995، م: 2982].
ــ
يقبلونهم، والفاء في (فما نقبلهم) للتعقيب في المرتبة نحو (ثم) يجيء للتراخي في الرتبة، تفيد استبعاد التقبيل لكونه منكرًا عنده، وقد أتي بمثل هذه الفاء في قوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} [الكهف: 57]، ولهذا جاء في آية أخرى:{ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة: 22]، فتدبر.
وقوله: (أن نرع) يروى بفتح الهمزة، والتقدير: لا أملك دفع نزع اللَّه الرحمة عن قلبك، وبكسرها على أنها شرطية.
4949 -
[3](وعنها) قوله: (من ابتلي من هذه البنات بشيء): (من) إما بيانية، و (شيء) كناية عن العدد، أي: بواحدة أو اثنتين منهن، أو ابتدائية، والمعنى ابتلي بما صدر عنهن من كلفة وإيذاء، ثم اختلف في المراد بالإحسان هل يقتصر على قدر الواجب أو ما زاد عليه، والظاهر هو الثاني، ولهذا أورد هذا الحديث في (باب الشفقة والرحمة على الخلق) لا في (باب البر والصلة)، فافهم.
والمراد بالإحسان ما يوافق الشرع، وقال الشيخ ابن حجر (1): الظاهر أن الثواب
(1)"فتح الباري"(10/ 428).
4950 -
[4] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ هَكَذَا"، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2631].
4951 -
[5] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ. . . . .
ــ
المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر على ذلك إلى تزويجهن أو موتهن.
4950 -
[4](أنس) قوله: (من عال جاريتين) أي: قام بما تحتاجان إليه من قوت وكسوة، والصغيرة تسمى جارية كالصغير يسمى غلامًا.
وقوله: (أنا وهو هكذا) جملة حالية من فاعل (جاء)، ومنه يعلم أن تجريد الجملة الاسمية عن الواو فصيح، ولو كان فيه ضعف لم يبلغ حدًّا يخل بالفصاحة.
وقوله: (وضم أصابعه) المراد ضم أصبعيه السبابة والوسطى ومقارنتهما واتصالهما كما يظهر من حديث سهل بن سعد، والمراد الاقتران في دخول الجنة أو السكنى فيه، أو الاجتماع في المحشر أو جميع المواطن، وهو الأظهر والأنسب بقوله:(يوم القيامة)، واللَّه أعلم.
ثم إنهم ذكروا في حديث: (بعثت أنا والساعة كهاتين) أن المراد اقترانهما أو تقدم أحدهما على الآخر يعني أن الساعة تعقبني، ولو أريد هذا المعنى في هذا الحديث لكان المراد التعقيب في دخول الجنة، لكنهم قالوا: إن المراد هو المقارنة والاتصال كما لا يخفى.
4951 -
[5](أبو هريرة) قوله: (الساعي على الأرملة) بفح الهمزة والميم
كَالسَّاعِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ" وَأَحْسَبُهُ قَالَ: "كَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6007، 2982].
ــ
أي: الساعي في أمرها والمنفق عليها، قال الطيبي (1): الأرملة: امرأة لا زوج لها، سواء تزوجت قبل ذلك أم لا، وقيل: هي التي فارقها زوجها، سميت أرملة لما يحصل لها من الإرمال، وهو الفقر وذهاب الزاد، وقال في (القاموس) (2): رجل أرمل، وامرأة أرملة: محتاجة أو مسكينة، والجمع أرامل وأراملة، والأرمل: العزب، وهي بهاء، ولا يقال للعزبة الموسرة: أرملة، وفي (الصراح) (3): أرمل: مرد بى زن، أرملة: زن بى شوي، أرامل: بيوكَان ودرويشان ومحتاجان از مرد وزن، أرملت المرأة، أي: مات عنها زوجها.
وقوله: (وأحسبه) قال في بعض الشروح: أي قال أبو هريرة: أظن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، وفي بعض الحواشي: قائله عبد اللَّه بن مسلمة القعنبي شيخ البخاري ومسلم الراوي عن الإمام مالك كما صرح به البخاري، ومعناه أظن أن مالكًا قال:(كالقائم. . . إلخ)، وظاهر لفظ (المشكاة) يوهم أن قائله أبو هريرة.
وقوله: (كالقائم) أي: القائم بالليل للعبادة.
وقوله: (لا يفتر) بضم التاء من نصر ينصر، من الفتور، وأما ما هو بمعنى الافتراء فهو بفتح التاء بحذف اللام (4).
(1)"شرح الطيبي"(9/ 169).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 927).
(3)
"الصراح"(ص: 427).
(4)
كذا في الأصل.
4952 -
[6] وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا"، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وفرَّجَ بَينَهُمَا شَيْئًا. رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 5304].
4953 -
[7] وَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6011، م: 2586].
ــ
4952 -
[6](سهل بن سعد) قوله: (أنا وكافل اليتيم له ولغيره في الجنة هكذا) الحديث، يعلم منه أن المراد المقارنة في الجنة، وأن المراد بالضم في حديث أنس مع التفريج شيئًا فيجب حمله عليه، إذ الأحاديث يشرح بعضها بعضًا، اللهم إلا أن يقال: ثواب عول الجاريتين أكثر من ثواب كفالة اليتيم، فيكون المقارنة في ذلك أشد وأقوى من هذا، ويكون في جميع المواطن لا في الجنة خاصة، واللَّه أعلم.
ثم المراد بكون اليتيم له أن يكون من أقاربه وأرحامه، كابن الابن أو ابن الأخ وأمثالهما، ومن كونه لغيره أن يكون من الأجانب.
4953 -
[7](النعمان بن بشير) قوله: (اشتكى عضوًا) في أكثر النسخ هكذا منصوبًا على المفعولية أو التمييز، وفاعل (اشتكى) ضمير للجسد، أي: تألم من جهة العضو، وفي بعضها مرفوع على الفاعلية، ومعنى التداعي أن يدعو القوم بعضهم بعضًا ليتفقوا على فعل شيء، وفي (الصراح) (1): تداعت الحيطان، وللخراب أي: تهادمت، أي: يدعو بعض الأعضاء بعضًا آخر، والمقصود التوافق في الألم والمشقة.
وقوله: (في تراحمهم وتوادّهم وتعاطفهم) أريد بالتراحم أن يرحم بعضهم بعضًا
(1)"الصراح"(ص: 557).
4954 -
[8] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ إِنِ اشْتَكَى عَيْنُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ، وَإِنِ اشْتَكَى رَأْسُهُ اشْتَكَى كُلُّهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2586].
4955 -
[9] وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا" ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6026، م: 2585].
4956 -
[10] وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ: "اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا،
ــ
بمجرد أخوة الإيمان لا بسبب شيء آخر، وبالنواد رعاية الأحوال من جهة التواصل والتحابب بعلاقة زائدة كالتزاور والتهادي، والتعاطف إعانة بعضهم بعضًا بسبب الرقة بمشاهدة العجز والضعف والمسكنة ونحوها.
4954 -
[8](وعنه) قوله: (إن اشتكى عينه اشتكى كله) وروي (عينه) و (رأسه) و (كله) بالنصب والرفع، لكن تذكر (اشتكى) في (اشتكى عينه) يرجح النصب، إلا أن يجعل بدلًا على تقدير الرفع.
4955 -
[9](أبو موسى) قوله: (ثم شبك بين أصابعه) قيل: هذا مما اختص البخاري بذكره ولم يذكره مسلم.
4956 -
[10](أبو موسى) قوله: (فلتؤجروا) قال الطيبي (1): الفاء واللام كلتاهما مقحمة للتأكيد، إذ يكفي أن يقال: تؤجروا جوابًا للأمر، انتهى.
(1)"شرح الطيبي"(9/ 171).
وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7476، م: 2627].
4957 -
[11] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ أَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: "تَمْنَعُهُ مِنَ الظُّلْمِ، فَذَاك نَصْرُكَ إِيَّاهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6952، م: 2584].
4958 -
[12] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ. . . . .
ــ
وقد صحح في بعض النسخ بكسر اللام، فتكون (أن) مقدرة بعدها، فعلى هذا تكون الفاء مقحمة فقط.
4957 -
[11](أنس) قوله: (فذلك نصرك إياه) لأنك نصرته على النفس والشيطان الذين بعثاه على الظلم وأمراه به.
4958 -
[12](ابن عمر) قوله: (لا يظلمه) خبر في معنى الأمر، والظلم في الأصل: وضع الشيء في غير موضعه، فيتناول الصغيرة والخصلة المباحة التي لا تليق عرفًا، ولهذا قال العباس لعلي رضي الله عنهما في مرافعتهما قضية صدقة بني النضير إلى عمر رضي الله عنه: اقض بيني وبين هذا الظالم، ولم ينكر أحد هذه الكلمة من عباس؛ لأنهم فهموا أنه لا يريد حقيقتها، وهذه كلمة لا يراد بها حقيقتها في العرف في أمثال هذا المقام، وقيل: إن عليًّا كان كالولد للعباس، وللوالد أن يقول لولده ما ليس لغيره، كذا في (مجمع البحار)(1)، وحاشا عليًّا المرتضى أن ينسب إليه الظلم، رضي الله عنه وكرم وجهه.
(1)"مجمع بحار الأنوار"(3/ 498).
وَلَا يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٌ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَةَ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2442، م: 2580].
ــ
وقوله: (ولا يسلمه) أي: لا يخذله عن النصرة، ولا يتركه مع من يؤذيه بل ينصره، قال الطيبي (1): يقال: أسلم فلان فلانًا: إذا ألقاه في الهلكة، ولم يحمه من عدوه، انتهى. وهو من الإسلام، والهمزة للسلب، أي: لا يزيل سلمه، والسلم بفتح السين وكسره وسكون اللام: الصلح، كقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208].
وقوله: (من فرج عن مسلم كربة) في (القاموس)(2): الكرب: الحزن يأخذ بالنفس كالكربة بالضم، والجمع كروب، وكربه الغم فاكترب، فهو مكروب وكريب.
وقوله: (من ستر مسلمًا) قالوا: الستر المندوب هو الستر على ذوي الهيئات ممن لا يعرف بالأذى والفساد، وأما المعروف به والمتلبس بالمعصية علانية فيجب إنكاره ورفع الأمر إلى الولاة إن لم يقدر على منعه، وأما جرح الرواة والشهود وأمناء الصدقات فواجب؛ صيانة للدين وحفظًا للحقوق.
وقوله: (ستره اللَّه يوم القيامة) أي: ستره عن أهل الموقف، أو ترك المحاسبة، أو ترك ذكر ذنوبه.
(1)"شرح الطيبي"(9/ 171).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 133).
4959 -
[13] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِم، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَهُنَا"، وَيُشِير إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاث مِرَارٍ، "بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ: دَمُهُ ومالهُ وَعِرْضُهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2564].
ــ
4959 -
[13](أبو هريرة) قوله: (ولا يحقره) بفتح الياء وسكون الحاء وكسر القاف، قال القاضي عياض في (المشارق) (1): كذا رواه السمرقندي والسجزي بالحاء المهملة والقاف من الحُقرية، أي: لا يستصغره ويذله ويتكبر عليه، ورواه العذري:(ولا يخفره) بالخاء المعجمة والفاء وضم الياء أوله، أي: لا يغدره ولا يخونه، يقال: خفرت الرجل: أجرته وأمنته، وأخفرته: لم أوف له وغدرته، وكذلك الخلاف في آخر الحديث:(بحسب امرئ من الشر أن يحقر) على ما تقدم للرواة، والصواب أن يكون من الاستحقار، وهو المروي في غير مسلم، ورواه غيره:(يحتقر)، انتهى كلامه، وفي (القاموس) (2): الحقر والحُقرية بالضم: الذلّة، والحقارة، مثلثة، والمحقرة: الإذلال، وفي بعض الحواشي: حقره واحتقره واستحقره: استصغوه، وحقر بالضم حقارة فهو حقير، وفي (تاج المصادر): الحقر: خوار داشتن، من حد ضرب، والحقارة حقير شدن، من كرم، وظهر من هذا كله أنه ليست الرواية: ولا يحقره من باب التفعيل وإن كان كلام الطيبي (3) يوهمه، فتدبر.
وقوله: (التقوى ههنا، ويشير إلى صدره) الغرض من ذكر هذه الجملة تأكيد النهي
(1)"مشارق الأنوار"(1/ 332).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 354).
(3)
"شرح الطيبي"(9/ 172).
4960 -
[14] وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلَاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ متصدِّقٌ مُوَفَّقٌ، وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ لِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ،
ــ
عن احتقار المسلم بأن التقوى أمر خفي مبطن، فلا ينبغي أن يحقر أحد بما يرى من هوان ظاهر حاله وذله، ويجوز أن يكون معناه محل التقوى القلب، فمن كان في قلبه التقوى فلا يحقر مسلمًا؛ لأن المتقي ليس من شأنه أن يحقر المسلم، ولا شك أن المعنى الأول أظهر وأنسب بسوق الكلام، وأما على المعنى الثاني فليس في ذكر الإشارة كثير فائدة، وقول الطيبي بأن القول الثاني أوجه والنظم له أدعى لأنه صلى الله عليه وسلم إنما شبه المسلم بالأخ للتنبيه على المساواة وأن لا يرى لنفسه على أحد من المسلمين فضلًا ومزية، وتحقيره إياه ينافي هذه الحالة، وينشأ منه قطع وصلة المحبة، محل نظر؛ لأنه يحصل هذا الغرض على الوجهين كما لا يخفى.
4960 -
[14](عياض بن حمار) قوله: (ذو سلطان) في (القاموس)(1): السلطان: الحجة، وقدرة الملك، وتضم لَامُه، والوالي، مؤنث، لأنه جمع سليط للدهن، كأنه به يُضيء الملك، أو لأنه بمعنى الحجة، وقد يذكَّر ذهابًا إلى معنى الرجل، وفي (الصراح) (2): سلطان: قهرمان وحجت، يذكر ويؤنث.
وقوله: (مقسط) المقسط: العادل، والقاسط: الجائر، قوله تعالى:{وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن: 15]، ويقال: قسط يقسط من ضرب يضرب قسطًا بالفتح وقسوطًا: جار وعدل عن الحق، وأما القسط بالكسر فهو بمعنى العدل، من
(1)"القاموس المحيط"(ص: 618).
(2)
"الصراح"(ص: 292).
وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ، وَأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: . . . . .
ــ
المصادر الموصوف بها كالعدل، يستوي فيه الواحد والجمع، كذا في (القاموس)(1)، ولم يجئ قاسط بمعنى العادل من القسط بالكسر، بل بمعنى الجائر من القسط بالفتح.
وقوله: (وعفيف متعفف) في (الصراح)(2): عفت: بارسائي وباز ايستادن أز حرام، تعفف: بارسائي نمودن، وفي (القاموس) (3): عف عفًّا وعفافًا وعفافة، بفتحهن وعفة بالكسر، فهو عفّ وعفيف: كف عما لا يحل، والجمع أَعِفَّاء، وهي عَفَّة وعفيفة، والجمع عفائف وعفيفات، وتعفف: تكلفها، انتهى. وقيل: أراد بالعفيف من في نفسه القوة المانعة عن الفواحش، وبالمتعفف من يبرزها بالفعل، ويظهر العفة من نفسه، فافهم. وأكثر ما يفسر التعفف بالاجتناب والتحاشي عن السؤال، قال تعالى:{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273].
وقوله: (ذو عيال) أشار به إلى أنه مع كونه محتاجًا ذا عيال يتجنب عن السؤال ويَكِلُ أمرَه وأمرَ عياله إلى اللَّه الرزّاق ذي القوة المتين، ثم اعلم أن الظاهر أن المراد بكون هؤلاء الثلاثة أهل الجنة دخولهم إياها مع السابقين المقربين واحتظاظهم فيها بالنعيم والفوز بالدرجات العالية، وإلا فقد يكون من المؤمنين من ليس [في] هذه الأقسام الثلاثة، وذلك ظاهر، وكذا الكلام في قوله:(وأهل النار خمسة) بأنهم يستأهلون دخولها ويحق لهم أن يدخلوها، والمقصود تقبيح هذه الأفعال والتشنيع عليها والتغليظ
(1)"القاموس المحيط"(ص: 629).
(2)
"الصراح"(ص: 358).
(3)
"القاموس المحيط"(ص: 773).
الضَّعِيفُ الَّذِي لَا زَبْرَ لَهُ،
ــ
والتشديد في الوعيد كما كان المراد من قرينة مدح الأفعال المذكورة وتحسينها، وقال الطيبي (1): إذا استقريت أحوال العباد على اختلافها فلعلك لم تجد أحدًا يستأهل أن يدخل الجنة ويحق له أن يكون من أهلها إلا وهو مندرج تحت هذه الأقسام غير خارج عنها، انتهى. ولا يخلو هذا القول عن خفاء.
وقوله: (لا زبر له) أي: لا عقل له، كذا في (الصحاح) (2) وقال الطيبي (3): لا زبر له، أي: لا تماسك له، وقال في (مجمع البحار) (4): الضعيف: الذي لا زبر له، أي: لا عقل يزبره وينهاه عما لا ينبغي، ومنه حديث:(إذا رددت على السائل ثلاثًا فلا عليك أن تزبره) أي: تنهره وتغلظ عليه في القول والرد، انتهى.
وعلم من هذا أن الزبر بمعنى المنع والنهي، سمي العقل به لكونه مانعًا ناهيًا عما لا ينبغي كما سمي بالنهية، وقد قال في (القاموس) (5): الزبر: العقل، والصبر، والمنع، والنهي، وقد قيل على تفسيره بالعقل: إن من لا عقل له لا تكليف عليه، فكيف يكون من أهل النار؟ فينبغي أن يفسر بالاستقامة والتماسك، وليس بشيء؛ لأن من الظاهر أن ليس المراد نفي العقل مطلقًا بل العقل الناهي عن ارتكاب ما لا ينبغي، وذلك العقل الذي يقال له: عقل المعاد، الذي يعرف به الصلاح والفساد، وذلك ظاهر.
(1)"شرح الطيبي"(9/ 174).
(2)
"الصحاح"(2/ 667).
(3)
"شرح الطيبي"(9/ 174).
(4)
"مجمع بحار الأنوار"(2/ 417).
(5)
"القاموس المحيط"(ص: 371).
الَّذِينَ هُمْ فِيكُمْ تَبَعٌ لَا يَبْغُونَ أَهْلًا وَلَا مَالًا، وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ،
ــ
وقال الطيبي (1): لعل هذا القائل جعل قوله: (الذين هم فيكم تبع) قسمًا آخر من الأقسام الخمسة وإن كان خلاف الظاهر؛ لعدم ذكره بالواو كما في قرائنه، يعني لما جعله قسمًا آخر بقي نفي الزبر مطلقًا، فيرد الإشكال، ولا يخفى أنه مع ذلك قرينة التخصيص ظاهرة، والظاهر أن قوله:(الذين) بيان أو بدل من (الذي لا زبر له) بذكر نوع منه على طريق التمثيل، أو وصف ثان للضعيف، و (الذي) في معنى (الذين) كما في قوله تعالى:{كَالَّذِي خَاضُوا} [التوبة: 69] أراده بمعنى الجنس، أو المراد بالضعيف الجنس، فتارة وصف بالمفرد باعتبار اللفظ وأخرى بالجمع، والمراد بـ (الذين هم فيكم تبع. . . إلخ) هم الذين يدورون حول الأغنياء يخدمونهم ولا يبالون من أيّ وجه يأكلون ويلبسون من الحلال أو من الحرام.
وقوله: (لا يبغون) بالغين المعجمة بمعنى الطلب، أي: لا يطلبون أهلًا، فأعرضوا عن التزوج، وارتكبوا الفواحش، ولا يطلبون مالًا بكسب حلال، أو لا رغبة لهم ولا ميل إلى أهل ولا إلى مال، بل قصروا هممهم على المآكل والمشارب وحظوظ أنفسهم حلالًا كان أو حرامًا، وفي بعض النسخ:(لا يتبعون) من التبع أو الاتباع.
وقوله: (والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه) الطمع مصدر بمعنى المفعول، أي: مما يمكن أن يطمع فيه وإن كان شيئًا دقيقًا يسيرًا، إن كان خفيًّا عليه يسعى في التفحص عنه والتطلع عليه حتى يجده ويخونه، وقيل:(ولا يخفى) بمعنى لا يظهر، وقد يجيء الخفاء بمعنى الظهور كما قيل في القول المشهور بالحديث
(1)"شرح الطيبي"(9/ 174).
وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ". وَذَكَرَ الْبُخْلَ أَوِ الْكَذِبَ، "وَالشِّنْظِيرُ الْفَحَّاشُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2865].
4961 -
[15] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُؤمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 13، م: 45].
ــ
القدسي: (كنت كنزًا مخفيًا)، ويؤيده التعدية باللام.
وقوله: (يخادعك عن أهلك ومالك) أي: خداعًا صادرًا عن إرادة الخداع في أهل الناس وأموالهم، والمعنى يظهر العفة والأمانة وهو بصدد الخيانة.
وقوله: (وذكر) أي: النبي صلى الله عليه وسلم (البخل أو الكذب) أي: البخيل أو الكاذب، قال الطيبي (1): لعل الراوي نسي لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر بهذه الصيغة، يعني أراد أنه صلى الله عليه وسلم ذكر لفظًا يفهم منه معنى البخل أو الكذب، ولا يدري قال: والبخل أو الكذب أو لفظًا غيره، ثم المذكور في أكثر الروايات (أو الكذب) بـ (أو) للشك، وفي بعضها بالواو؛ فإن كان بـ (أو) يكون (الشنظير الفحاش) أي: السيء الخلق الذي يفحش في كلامه خامسًا، وإن كان بالواو تم الخمسة بهما، والشنظير الفحاش من وصف الكذب أو البخل؛ لأنهما في معنى البخيل الكاذب، وعلى الأول الأظهر أن يكون مرفوعًا عطفًا على رجل، ويحتمل أن يكون منصوبًا عطفًا على البخل أو الكذب، وعلى الثاني يكون منصوبًا البتة، أي: ذكر البخل والكذب، وذكر وصفهما الشنظير والفحاش، فليتدبر.
4961 -
[15](أنس) قوله: (لا يؤمن عبد) أي: لا يتم ولا يكمل إيمانه (حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) أي: من الخير، وقد ذكر في بعض الروايات صريحًا،
(1)"شرح الطيبي"(9/ 175).
4962 -
[16] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ، وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ"، قِيلَ: مَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الَّذِي لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6016، م: 46].
ــ
قالوا: هذا متعسر بل ممتنع، أي: غير واقع حصوله ولا يتصور فيما يعتاد الناس من مقتضيات طبائعهم، ولكن ينبغي أن يعلم أن الخير: خيران: خير الآخرة وخير الدنيا، أما خير الآخرة فهو النجاة من عذاب النار والفوز بدرجات الجنة وما يلزمهما من الإيمان والعمل الصالح، وخير الدنيا الأهل والأولاد والأسباب والأمتعة مما يكون وسيلة وواسطة لخير الآخرة، والمؤمن يحب هذا لنفسه ولجميع إخوانه المؤمنين، وأما من يريد لنفسه بتسويل الشيطان وشره النفس من المال والجاه مما يبعثه على الظلم والفساد والوبال والنكال ويحب ذلك فلا يحبه ويريده للمؤمنين، بل ينبغي أن لا يريده ويحبه لنفسه أيضًا، أو يكون رجل يكون المال في حقه سببًا للخيرات والجاه يكون باعثًا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويكون رجل آخر يبعثه ذلك على الفسق والطغيان والظلم والعتو، فلا ينبغي أن يريده لذلك الرجل كما يريده لنفسه، وبالجملة الذي يكون في نفس الآدمي ضيق وضنّة من إرادة المال والجاه والخيرات لأجل خوف لحوق منقصة ومذلة بنفسه، ولما كان المؤمنون كلهم على طريقة الخير والصلاح من جهة الدين والدنيا ارتفع ذلك الخوف، فالمؤمن يطلب أن يكون كلهم على تلك الطريقة متساويين في ذلك، وهذه الإرادة ميسر [ة] عند أهل الدين والإنصاف، فافهم، وباللَّه التوفيق.
4962 -
[16](أبو هريرة) قوله: (واللَّه لا يؤمن) باللَّه، مكرر ثلاثًا، وفيه غاية التأكيد، ومع ذلك المراد نفي الإيمان الكامل، و (بواثقه) أي: غوائله وشروره، جمع بائقة، وهي الداهية.
4963 -
[17] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 46].
4964 -
[18] وَعَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6014، م: 2624].
4965 -
[19] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كُنْتُمْ ثَلَاثَةً فَلَا يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ حَتَّى تَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ مِنْ أَجْلِ أَن يَحْزُنَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 2690، م: 2184].
ــ
4963 -
[17](أنس) قوله: (لا يدخل الجنة) في معنى الإيمان، وحيث أريد بالإيمان الكامل يراد بدخول الجنة مع السابقين الفائزين.
4964 -
[18](عائشة وابن عمر) قوله: (ما زال جبريل يوصيني بالجار) أي: يوصيني بأن آمر الأمة برعاية حقوق الجار، فيكون معنى قوله:(أنه سيورثه) أي: يحكم بتوريث أحد الجارين الآخر، ومن هذا لا يلزم أن يكون له صلى الله عليه وسلم ميراث، ولو سلم أن معنى الكلام يوصيني نفسي برعاية حق الجار حتى ظننت أنه سيورثه مني، يكون هذا قبل أن يوحى إليه: إن الأنبياء لا يورثون، لما ثبت ذلك في الصحيح، أو المراد كمال المبالغة في ذلك حتى إنه ظن بالتوريث فيما ليس فيه، فافهم.
4965 -
[19](عبد اللَّه بن مسعود) قوله: (من أجل أن يحزنه) بفتح الياء وضم الزاي من الحزن، وقد يروى بضم الياء وكسر الزاي من الإحزان، حزنه الأمر حزنًا بالضم، وأحزنه: جعله حزينًا، فهو محزون ومحزن، وحزين، وحزن بكسر الزاي، ولعل اللغة الفصحى هو الأول، وعليه قراءة القرآن: {إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا
4966 -
[20] وَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الدِّينُ النَّصِيحَةُ" ثَلَاثًا، قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: "للَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 55].
ــ
بِهِ} [يوسف: 13]، ولم يرو البيضاوي القراءة من الإحزان ولو شاذة.
ثم إن هذا يؤذن بأن العلة في النهي إيراث الحزن، لكنهم ذكروا في باعث الحزن وجهين: أحدهما: توهم تبييت رأي فيه ودسيس غائلة له، وثانيهما: التأذي من أجل الاختصاص بالتكريم، وعلى الوجه الأول حيث لا مجال لهذا التوهم لا بأس بالنجوى، حتى ذهب بعضهم [إلى] أن هذا النهي إنما هو في السفر وفي موضع لا يأمن الثالث على نفسه، وأما في الحضر وبين ظهراني العمارة فلا، وعلى الوجه الثاني ينبغي أن يكون النهي مطلقًا، ولكن لا يخفى أن هذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال أيضًا، ويدل على ذلك ما روى الطيبي أنه قد صح عن عائشة رضي الله عنها إنا كنا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عنده يومًا، فأقبلت فاطمة رضي الله عنها، فلما رأها رحّب بها، ثم سارّها، ففيه دليل على أن المسارة في الجمع حيث لا ريبة جائزة، وقد توجد العلة فيما زاد على الثلاثة أيضًا، فالتقييد بالثلاثة اتفاقي واكتفاء بالأدنى، وقد يقال: إن في الأربعة لا بأس بالتناجي، واللَّه أعلم.
4966 -
[20](تميم الداري) قوله: (الدين النصيحة) أصل النصيحة الخلوص، ويقال: ناصح للعسل الخالص، وكل شيء خلص فقد نصح، ويراد بها إرادة الخير للمنصوح، يقال: نصحته ونصحت له، وهي تجري في كل قول أو فعل فيه صلاح صاحبه، وهي والوصية متقاربتان، كذا في (مجمع البحار)(1).
وقوله: (للَّه ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) والنصيحة للَّه: صحة
(1)"مجمع بحار الأنوار"(4/ 732).