الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
5033 -
[7] عَنْ أَسمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ: كَذِبُ الرَّجُلِ امْرأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا، وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ، وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ. [حم: 6/ 461، ت: 1939].
5034 -
[8] وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَكُونُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ مُسْلِمًا فَوْقَ ثَلَاثَةٍ، فَإِذَا لَقِيَهُ سَلَّمَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ ذَلِكَ لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بإثْمِهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4913].
5035 -
[9] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ". . . . .
ــ
الفصل الثاني
5033 -
[7](أسماء بنت يزيد) قوله: (كذب الرجل امرأته) اكتفى بذكر كذب الرجل، ولعله باعتبار الأكثر والأغلب، لجهل النساء وسوء ظنهن بالرجال، فالحاجة إلى تسليتهن وإرضائهن أكثر.
5034 -
[8](عائشة) قوله: (كل ذلك) بنصب (كل) ظرف (لا يرد)، وبرفعه على أنه مبتدأ والعائد محذوف.
وقوله: (سلم عليه) إما بدل من (لقيه) أو حال.
وقوله: (فقد باء) جواب.
وقوله: (بإثمه) أي: إثم الهجران، أو إثم المسلم، أو إثم عمله، وهو ترك الرد.
5035 -
[9](أبو هريرة) قوله: (دخل النار) تغليظ، أو المراد استوجب النار؛
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. [حم: 2/ 392، د: 4914].
5036 -
[10] وَعَنْ أَبِي خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ هَجَرَ أَخَاهُ سَنَةً فَهُوَ كَسَفْكِ دَمِهِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4960].
5037 -
[11] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحِلُّ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَهْجُرَ مُؤْمِنًا فَوْقَ ثَلَاثٍ، فَإِنْ مَرَّتْ بِهِ ثلاثٌ فَلْيَلْقَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ، فَإِن ردَّ عليه السلام فَقَدِ اشْتَرَكَا فِي الأَجْرِ، وَإِنْ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فَقَدْ بَاءَ بِالْإِثْمِ، وَخَرَجَ المُسلِّمُ مِنَ الْهِجْرَة". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4912].
5038 -
[12] وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيامِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّلَاةِ؟ " قَالَ: قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: "إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ. [د: 4919، ت: 2509].
ــ
فإن شاء اللَّه أدخله، وإن شاء عفا.
5036 -
[10](أبو خراش) قوله: (أبي خراش) بكسر الخاء المعجمة في آخره شين معجمة، و (السلمي) بضم السين وخفة اللام: نسبة إلى بني سليم، وقيل: الصواب الأسلمي.
وقوله: (فهو كسفك دمه)؛ لأنه جاوز الحد بإصراره عليه سنة كاملة، فكأنه قتله بسيف الفرقة والغُصَّةِ والغمّ خصوصًا عند غلبة المحبة.
5037 -
[11](أبو هريرة) قوله: (فقد باء بالإثم) وفي بعض النسخ (بإثمه) قد عرف حال ضميره، و (المسلم) بالتشديد من التسليم.
5038 -
[12](أبو الدرداء) قوله: (إصلاح ذات البين)(بين) من الظروف،
5039 -
[13] وَعَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمُ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ. [حم: 1/ 165، ت: 2509].
ــ
قد يجيء اسمًا للحالة التي بين الاثنين، كقوله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] بإضافة الشقاق إليه، وفي ذات البين أيضًا جاء كذلك فغرف اللام، و (ذات البين) صفة لموصوف محذوف، أي: حالات وخصائل لها ملابسة وتعلق بالبين، وبهذه الملابسة قيل: هي ذات البين، أي: ثابتة بينكم، كالبغض والعدواة والحرب، وإصلاحها: إزالتها وتبديلها بأضدادها، وإضافة (ذات) إلى (البين) وتوصيف تلك الخصائل بها على وتيرة (ذات الصدور) لمضمراتها، وليست على نحو:(ذات مرة)، و (ذات يوم)؛ لأنه من إضافة المسمى إلى الاسم، بل هي على نحو:(ذو مال)، لكن الإضافة في (ذي مال) بمعنى اللام؛ لأن الموصوف صاحب المال ومالكه، وفيما نحن فيه بمعنى (في)، ويمكن جعلها بمعنى اللام لأدنى ملابسته مبالغة كأنها ملكت البين، وهو الأظهر فتأمل.
ويعلم معنى (الحالقة) في الحديث الآتي.
5039 -
[13](الزبير) قوله: (دب إليكم) من الدبيب، وهو المشي على هينته، ومنه الدابة لكل ماش في الأرض.
وقوله: (هي الحالقة) ضمير المؤنث راجع إلى (البغضاء) كما في قوله تعالى: {يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} [التوبة: 34]، وقوله تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ} [البقرة: 45] لأن البغضاء أكثر تأثيرًا في ثلمة الدين وإن كانت
5040 -
[14] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ، فَإِنَّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كَمَا تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ". . . . .
ــ
نتيجةَ الحسد، كذا قال الطيبي (1)، ويمكن أن يرجع إلى الحسد والبغضاء معًا بتأويل كل واحدة من الخصلتين، أو يرجع إليهما وما يماثلهما من الصفات الذميمة، وهذا أولى بحسب المعنى، لعدم جودة وجه التخصيص، وما ذكره من الوجه ليس بذاك؛ لأنه لما كانت البغضاء نتيجةَ الحسد كان الحسد في حكمها، بل أقوى؛ لأن الأصل يكون أقوى من النتيجة.
وما ذكر من الآيتين فليس رجوع الضمير إلى الآخر متعينًا، أما الأولى فقد ذكر في التفسير كونه راجعًا إليهما؛ لأن المراد دراهم ودنانير كثيرة، أو إلى الأموال والكنوز؛ لأن الحكم عام وتخصيصهما بالذكر؛ لأنهما قانون التمول، ويمكن اعتبار مثل هذا فيما نحن فيه، بأن يرجع الضمير إلى الخصال الذميمة، ويكون التخصيص بالحسد والبغضاء لأنهما أشدها قبحًا وذمًّا، نعم قد قيل برجوعه إلى الفضة لقربها ودلالة حكمها على أن الذهب أولى بهذا الحكم، ولو اعتبر مثل هذا فيما نحن فيه لكان وجهًا على خلاف الشارح، فافهم.
وأما في الآية الثانية فقد ذكر أن الضمير في (إنها) راجع إلى الاستعانة بهما، أو إلى جملة ما أمروا به ونهوا عنه.
نعم ما ذكر أن الضمير للصلاة وتخصيصها بردّ الضمير إليها لعظم شأنها واستجماعها ضروبًا من الصبر يوافق طريقة ما ذكر الشارح، فتدبر.
5040 -
[14](أبو هريرة) قوله: (فإن الحسد يأكل الحسنات) تمسك به المعتزلة
(1)"شرح الطيبي"(9/ 214).
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. [د: 4903].
5041 -
[15] وَعَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِيَّاكُمْ وَسُوءَ ذَاتِ الْبَيْنِ فَإِنَّهَا الْحَالِقَةُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2508].
5042 -
[16] وَعَنْ أَبِي صِرْمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: . . . . .
ــ
في القول بحبط الطاعات بالمعاصي، وأجيب عنه بوجهين:
أحدهما: أن المراد بأكل الحسد الحسنات أنه يذهب بها يوم القيامة؛ فإن الحاسد ربما يحمله الحسد على إتلاف مال المحسود، وإهلاك نفسه، وهتك عرضه، وقلّما يخلو عن الغرم عليها، خصوصًا هتك عرضه بالغيبة، فإنه موجود البتة، فتعطى حسناته يوم القيامة للمحسود، لما نطقت به الأحاديث الصحيحة من إعطاء حسنات الظالم للمظلوم.
وثانيهما: أن ثواب العمل يضاعف بصلاح العبد، وإذا ارتكب الخطايا نقص من ثواب عمله فيما ينعلق بالتضعيف، وهو المراد بالإحباط، وأتى الطيبي (1) بما حاصله: أن الأكل استعارة لعدم القبول، وأن تلك الحسنات الصادرة عنه مردودة عليه، وليست بثابتة في ديوان الأعمال الصالحة؛ فإذا لم تثبت في ديوانه كيف تحبط؟
وهذا يخالف الأحاديث الصحاح في إعطاء المظلوم حسنات الظالم، فإنه فرع بثبوته في ديوان أعماله، فتدبر.
5041 -
[15](عنه) قوله: (رواه الترمذي) وهو صحيح، كذا قيل.
5042 -
[16](أبو صرمة) قوله: (أبي صرمة) بكسر صاد مهملة، وسكون راء، الأنصاري.
(1) انظر: "شرح الطيبي"(9/ 215).
"مَنْ ضَارَّ ضَارَّ اللَّهُ بِهِ، وَمَنْ شَاقَّ شَاقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. [جه: 2342، ت: 1940].
5043 -
[17] وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَلْعُونٌ مَنْ ضَارَّ مُؤْمِنًا أَوْ مَكَرَ بِهِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ. [ت: 1941].
5044 -
[18] وَعَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمِنْبَرَ، فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ فَقَالَ: "يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ. . . . .
ــ
وقوله: (ضار ضار اللَّه) المضارة: إيصال الضرر، ضد النفع، أي: من أوصل الضرر بأحد أو شاقه من غير وجه شرعي جازاه اللَّه تعالى بمثله، والمشاقة: الخلاف والعداوة، من الشق؛ لأن المتخالفين والمتعاديين يكون كل واحد منهما في شق، أي: جانب، ويحتمل أن تكون من المشقة؛ بأن يكلفه فوق طاقته.
أقول: هذا المعنى أنسب بتعديته بـ (على)؛ لأن المشاقة يتعدى بنفسه، كقوله تعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} [النساء: 115]، وقوله سبحانه:{وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال: 13]، وبناء على هذا المعنى فرق في بعض الحواشي بين المضارة والمشاقة، بأن الضرر والمشقة متقاربان، لكن الضرر يستعمل غالبًا في إتلاف المال، والمشقة في إيصال الأذية إلى البدن، كتكليف عمل شاق.
5043 -
[17](أبو بكر الصديق) قوله: (ملعون) أي: بعيد من مقام القرب والقبول، والمكر: الخديعة.
5044 -
[18](ابن عمر) قوله: (يا معشر من أسلم بلسانه)(مَنْ) يستوي فيه الجمع والمفرد، والمراد هنا الجمع، وإفراد الضمير باعتبار اللفظ، والإضافة بيانية،
وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ، لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتُهُ يَفضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2032].
5045 -
[19] وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ مِنْ أَرْبَى الرِّبَا الِاسْتِطَالَةُ فِي عِرْضِ الْمُسْلِمِ. . . . .
ــ
كما فى يا معشر العرب، ويا معشر قريش، ونحوه؛ فإن كان الكلام مع بعض المسلمين كما يدل عليه سياق الحديث من قوله:(من يتبع عورة أخيه) ففيه توبيخ بأن ذلك من علامات النفاق وأفعال المنافقين، وإن كان مع المنافقين يكون معنى قوله:(ومن يتبع عورة أخيه) من يتبع من المسلمين عورة أخيه المسلم (يتبع اللَّه عورته) فكيف بالمنافق، والطيبي (1) حمله على هذا المعنى، واللَّه أعلم.
وقوله: (ولو في جوف رحله) أي: ولو كان مخفيًا في وسط منزله، في (القاموس) (2): الرحل: مسكنك، وما تستصحبه من الأثاث، وفي (الصراح) (3): رحل: رخت، وجائ باشِ مرد.
5045 -
[19](سعيد بن زيد) قوله: (من أربى الربا): (الربا) في اللغة: الزيادة مطلقًا، وفي الشرع: أخذ الزيادة في البيع والدين، و (الاستطالة) التطاول: الامتداد، والارتفاع، والمفضل، كذا في (القاموس)(4)، وفي (الصراح) (5): استطالة: تكبر كردن،
(1)"شرح الطيبي"(9/ 217).
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 924).
(3)
"الصراح"(ص: 426).
(4)
"القاموس المحيط"(ص: 945).
(5)
"الصراح"(ص: 4350).
بِغَيْرِ حَقٍّ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ". [د: 4876، شعب: 6284].
5046 -
[20] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا عَرَجَ بِي ربِّي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمِشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ، وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4878].
ــ
ودراز شدن، وكَردن كشي كردن، شبه هتك عرض المسلم واستحقاره والترفع عليه والوقيعة فيه بالغيبة والشتم، والقذفَ بالربا الذي هو الأخذ زيادة على الحق، وإنما كان أربى؛ لأن عرض المسلم أعز وأشرف من ماله، ولحوق الضرر ولزوم الفساد في أخذه وهتكه أكثر، وإنما قال:(بغير حق) لأنه قد يستباح ذلك في بعض الأحوال، كقول صاحب الحق لمن لا يعطي حقه: يا ظالم، أو هو ظالم أو متعد، وقول الخصم في جرح الشاهد، وجرح المحدث الرواة في الحديث من هذا القبيل، وقد علم مواقع إباحة الغيبة فيما سبق.
5046 -
[20](أنس) قوله: (يخمشون) في (القاموس)(1): خمش وجهه يَخْمِشُه، ويَخْمُشُه: خدشه، ولطمه، وضربه، وقطع عضوًا منه، وفي (الصراح) (2): خموش: خراشيدن، ولما كان يظهر أثر العرض في الوجه وينشرح به صدره، ولذا يعبر عنه بالفارسية: بـ آبرو، فالذين هتكوا عرض المسلمين جعل اللَّه تعالى وجوههم وصدورهم مشوها قبيحًا على أيديهم جزاء بالمثل، وأما ما ذكره الطيبي (3) من أنه لما
(1)"القاموس المحيط"(ص: 548).
(2)
"الصراح"(ص: 258).
(3)
"شرح الطيبي"(9/ 218).
5047 -
[21] وَعَنِ الْمُسْتَوْرِدِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ أَكَلَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ أُكْلَةً فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُه مِثْلَهَا مِنْ جَهنَّمَ، ومَنْ كَسَا ثَوْبًا بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ، فَإِنَّ اللَّهَ يَكْسُوهُ مِثْلَهُ مِنْ جَهَنَّمَ، وَمَنْ قَامَ بِرَجُلٍ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ،
ــ
كان خمش الوجه والصدر من صفات النساء النائحات، جعلهما جزاء من يغتاب ويفري من أعراض المسلمين؛ إشعارًا بأنهما ليسا من صفات الرجال، بل هما من صفات النساء، فلا يخلو عن بعد، واللَّه أعلم.
5047 -
[21](المستورد) قوله: (من كل برجل مسلم أكلة) أي: من أكل بسبب رجل يعني بسبب اغتيابه، بأن يغتاب رجلًا عند عدوه يعطيه شيئًا، فجعل الاغتياب سببًا ووسيلة للإعطاء، و (الأكلة) بالضم: اللقمة، وبالفتح المرة، ويروى بهما.
وقوله: (ومن كسا ثويًا برجل مسلم) الباء فيه للسببية، والتقدير: كسا نفسه ثوبًا، وإن كانت للتعدية فسد المعنى؛ فإن اللَّه لا يكسو الكاسي مثله من جهنم، كذا قال الطيبي (1)، وهذا إذا كان (كسا) مبنيًا للفاعل، وأما إذا كان مبنيًا للمفعول كما صحح في النسخ فلا إشكال، والباء للسببية، ومعناها ما ذكر في القرينة الأولى.
نعم الظاهر كونه مبنيًّا للفاعل كما في قرينته، ولو التزم أن الكاسي يعذب لاستماعه الغيبة وإعطائه الجائزة على ذلك لم يبعد، ولكن لا يوافق الأولى، فتدبر.
وقوله: (ومن قام برجل مقام سمعة ورياء. . . إلخ)، ذكروا لهذه العبارة معنيين:
أحدهما: أن الباء للتعدية، أي: من أقام رجلًا مقام سمعة ورياء، ووصفه بالصلاح والتقوى والكرامات وشهره بها، وجعله وسيلة إلى تحصيل أغراض نفسه وحطام الدنيا؛
(1)"شرح الطيبي"(9/ 220).
فَإِنَّ اللَّهَ يَقُومُ لَهُ مَقَامَ سُمْعَةٍ وَرِيَاءٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4881].
5048 -
[22] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "حُسْنُ الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ العِبَادَةِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ. [حم: 2/ 297، د: 4993].
ــ
(فإن اللَّه تعالى يقوم له) أي: لعذابه وتشهيره، أي: يزيد تعذيبه وتشهيره، ويأمر الملائكة أن يقوموا ويتهيؤوا ويستعدوا لتشهيره، وينادوا بين الملأ على رؤوس الأشهاد: إنه كان كذابًا، قد شهر رجلًا بما لم يكن فيه لغرض الدنيا، ثم يعذبه عذاب الكذابين.
وثانيهما: أن الباء للسببية، وقيل: وهو أقوى وأنسب، أي: من قام لسبب رجل من العظماء من أهل المال والجاه مقامًا يتظاهر فيه بالصلاح والتقوى ليعتقد فيه، ويصرف إليه المال والجاه، أقامه اللَّه تعالى يوم القيامة مثل مقامه ذلك، ويفضحه، ويأمر الملائكة بأن ينادوا: إنه كان مرائيًا، ثم يعذبه عذاب المرائين.
و(السمعة) بضم السين: ما يتعلق بحاسة السمع من الأخبار والحكايات، و (الرياء) بحاسة البصر من الأوضاع والعبادات، يقال: فعله رياء وسمعة، أي: ليراه الناس وبسمعونه.
5048 -
[22](أبو هريرة) قوله: (حسن الظن من حسن العبادة) أي: حسن الظن بعباد اللَّه من جملة العبادات الحسنة، أو ناشئ من حسن العبادة، أي: من كان يحسن العبادة يحسن ظنه بالخلق، يعني إنما يحسن الظن من كان محسنًا ويسيئه من كان مسيئًا.