الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
4732 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ: . . . . .
ــ
الثاء وفتح الواو: فتور وكسل يعرض طبعًا ينفتح به الفم، وفي (الصراح) (1): ثوباء بضم وفتح والمد: خاميازه، وهو مهموز لا أجوف، وقال الكرماني (2): بالهمزة على الأصح، وقيل: بالواو، ونقل عن (المغرب)(3) الهمزة بعد الألف، والواو خطأ.
الفصل الأول
4732 -
[1](أبو هريرة) قوله: (إن اللَّه يحب العطاس) لأن العطسة سبب لخفة الدماغ وصفاء القوى الإدراكية، فيعين صاحبه على الطاعة وحضور القلب مع اللَّه، والتثاؤب ينشأ من امتلاء وثقل وكدورة الحواس، وهو يورث الغفلة والكسالة وسوء الفهم، ويمنع الإنسان من النشاط في الطاعة، فرضي به الشيطان، ومن هذا نسبه إلى الشيطان، وورد:(ما تثاءب نبي قط)، نقله في (شرح المشارق)، فعلم أن محبة اللَّه تعالى العطاس وكراهة سبحانه التثاؤب باعتبار ثمراتها ونتائجها، فتفريع الطيبي (4) عليه أن المحبة والكراهة ينصرف إلى الأسباب الجالبة لهما، غير ظاهر.
وقوله: (فإذا عطس أحدكم وحمد اللَّه كان حقًّا على كل مسلم سمعه أن يقول:
(1)"الصراح"(ص: 20).
(2)
"شرح الكرماني"(22/ 68).
(3)
"المغرب"(1/ 65).
(4)
انظر: "شرح الطيبي"(9/ 56).
يَرْحَمُكَ اللَّهُ،
ــ
يرحمك اللَّه) ظاهر هذه العبارة دال على أن جواب العاطس بـ (يرحمك اللَّه) فرض عين على كل مسلم، وقد اختلف العلماء في ذلك، والصحيح من مذهب الحنفية أنه واجب على الكفاية، إن أتى به واحد من الحاضرين يجزئ عن الكل، وفي رواية: يستحب، وقال صاحب (سفر السعادة) (1): إن ظاهر الأحاديث الصحيحة أن جواب العاطس فرض على كل أحد، ولا يجزئ جواب واحد عن الكل، قال: وهذا قول الأكابر من العلماء، انتهى.
ومذهب الشافعية أنه سنة على الكفاية، إن أتى به واحد سقط عن الباقين، ولكن الأفضل أن يأتي به الكل، وللمالكية خلاف في أنه واجب أو سنة، والأظهر الأول، واتفقوا على أن وجوبه أو سنيته إنما هو على تقدير أن يحمد العاطس ويسمعه الحاضر؛ فإن لم يحمد لم يستحق الجواب، وإن أخفى بحيث لم يسمعه الحاضر لم يلزمه أيضًا، والمستحب أن يجهر بالحمد حتى يسمعه الناس، كذا في (مطالب المؤمنين).
ثم الحكمة في تشريع الحمد عند العطاس أنه نعمة دينية وبدنية، أما الدينية فلكونها معينة على الطاعة وحضور القلب مع اللَّه كما عرف، وأما كونها بدنية فلحصول المنفعة فيه بخروج البخارات المختفية من الدماغ التي بقاؤها يورث الأمراض والأوجاع، وقالوا: إن العطسة علامة على صحة الدماغ وقوة مزاجه؛ لأن المؤذي يصعد من الجوف إلى الدماغ؛ فإذا كان الدماغ صحيحًا قويًّا دفعه ولم يقبله، وذلك بالعطسة، وإن كان ضعيفًا ولم يقدر على دفعه قبله، ولم تجئ العطسة لمنعه.
(1)"سفر السعادة"(ص: 243).
فَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنَ الشَّيْطَانِ، فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُرَدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ، فَإِنَّ أَحَدُكُمْ إِذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "فَإِنَّ أَحَدُكُمْ إِذا قَالَ: هَا؛ ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ". [خ: 6226].
4733 -
[2] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ -أَوْ صَاحِبُهُ-: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَلْيَقُلْ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ ويُصْلِحُ بَالَكُمْ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 6224].
4734 -
[3] وَعَن أَنَسٍ قَالَ: عَطَسَ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَشَمَّتَ أَحَدَهَمَا وَلَمْ يُشَمِّتِ الآخَرَ،
ــ
وقوله: (فليرده ما استطاع) بتطبيق السن وضم الشفتين ووضع اليد على الفم.
وقوله: (إذا تثاءب) أي: بالغ فيه وفتح الفم، و (ضحك الشيطان) كناية عن فرحه به ورضاه عنه، ويمكن حمله على ظاهره، واللَّه أعلم.
4733 -
[2](أبو هريرة) قوله: (ويصلح بالكم) خطاب الجمع باعتبار الغالب من اجتماع الناس في المجالس أو تعظيمًا، وهو واقع وإن كان على قلة، أو إدخالًا لجميع أمة محمد صلى الله عليه وسلم في الدعاء تغليبًا للحاضرين على الغائبين.
4734 -
[3](أنس) قوله: (فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر) اعلم أن التشميت جواب العاطس بيرحمك اللَّه، وقد جاء بالشين المعجمة والمهملة كما قيل، والمعجمة أعلى وأفصح، وهو مشتق من الشماتة بمعنى فرح الأعداء والحساد لوجود البلية، ومعنى التشميت: إزالة الشماتة، بناء على أن باب التفعيل قد يجيء للإزالة،
فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ" شَمَّتَّ هَذَا وَلَمْ تُشَمِّتْنِي، قَالَ: "إِنَّ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ وَلَمْ تَحْمَدِ اللَّه". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6225، م: 2991].
4735 -
[4] وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2992].
ــ
فاستعمل للدعاء بالخير لتضمنه ذلك، فمعناه: جنبك اللَّه عن الشماتة وأبعدك، أو المعنى: التجنب عن الشماتة والبعد عما يشمت به، وذلك لأن العطسة علامة الصحة كما قلنا؛ فإذا عطس نجا عن شماتتهم وزالت، وقيل: الشوامت هي قوائم الدابة كما ذكر في كتب اللغة، فكأنه دعا بثبات قدمه في مقام الطاعة والعافية.
وأما التسميت بالسين المهملة فهو من السمت بمعنى طريق أهل الخير وهيئتهم، فكأنه دعاء بكونه على السمت الحسن والهيئة الحسنة، وذلك لأن العاطس قد يقبح منظره وهيئته بالعطاس.
وقال في (النهاية)(1): التسميت: الدعاء، كما جاء في حديث الأكل:(سموا اللَّه وسمتوا) أي: ابتدؤوا الطعام بالتسمية للَّه واختموه بالدعاء لصاحب الطعام، كذا في (مجمع البحار)(2).
4735 -
[4](أبو موسى) قوله: (وإن لم يحمد اللَّه فلا تشمتوه) قالوا: إن عطس من وراء جدار مثلًا ولم يعلم تحميده ولا عدمه، يقول: يرحمك اللَّه إن حمدت.
(1)"النهاية"(2/ 397).
(2)
"مجمع بحار الأنوار"(3/ 115).