الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
4893 -
[1] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ؟ قَالَ: "أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ"، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ، قَالَ:"فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ"، قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُك، قَالَ (1):"فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونَيِّ؟ ". . . . .
ــ
والعصبة: قوم الرجل الذين يتعصبون له، وغلب في الأقارب من جهة الأب، وفي الفرائض: الذي لم يكن له فريضة مسماة يأخذ من الفرض، والتعصيب: التشديد، ومنه العصب لأطناب المفاصل لشدتها، والرجل يشتد بعصبته ويتقوى بهم، والمتعصب من يأتي بالعصبية أي: الحماية لقومه والغضب لهم، ويقال لمن يجادل بشدة في مذهب لإظهاره القوة فيه، أو لأن أعصابه تنتفخ فيه، والعصبية أيضًا إن كانت بحق فهي مستحسنة كما سيجيء في الحديث:(خيركم المدافع عن عشيرته ما لم يأثم)، وإن كانت ظلمًا من غير حق فهي مذمومة، وقد تعارف إطلاقها في هذا القسم الأخير كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما العصبية؟ قال:(أن تعين قومك على الظلم) كما سيأتي.
الفصل الأول
4893 -
[1](أبو هريرة) قوله: (سئل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أيّ الناس أكرم؟ ) الحديث، تقريره على ما ذكره الطيبي أنهم إن أرادوا السؤال عن الأكرم عند اللَّه تعالى ذاتًا من غير اعتبار للانتساب إلى الآباء وافتخار بخصائلهم وخصائل نفسه فجوابه أنه الأتقى، فإن أريد تحقيقًا لم يكن إلا فردًا إلا واحدًا، وما هو إلا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الذي هو أكرم الأكرمين بعد اللَّه عز وجل، وإن أريد إضافيًّا يكون متعددًا، فكل من هو أتقى من
(1) في نسخة: "فقال".
قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: "فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي. . . . .
ــ
القوم أو من فرد يكون أكرم منه، وإن أرادوا الأكرم حسبًا ونسبًا، والحسب ما يعده الرجل ويفتخر به من الفضائل الشريفة والخصائل الحميدة توجد فيه وفي آبائه، فأجاب صلى الله عليه وسلم أنه يوسف عليه وعلى آبائه التحية والسلام؛ لأنه اجتمع له شرف النبوة، والعلم والجمال، والعفة وكرم الأخلاق، وكرم الآباء والعدل، ورياسة الدنيا والدين، وشرف النسب؛ لأنه نبي من نبي، رابع أربعة في النبوة، وإن أرادوا الأكرم من حيث الحسب والفضائل التي يعد ويفتخر من غير اعتبار التقوى والنسب، وهو المراد بمعادن العرب، أي: ذواتهم ورجالهم الذين يفتخرون بفضائلهم لقوله صلى الله عليه وسلم: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة)، فسألوا أيهم أكرم؟ فأجاب بأن أكرمهم وخيارهم الذين كانوا كذلك في الجاهلية؛ لأنهم إنما كانوا رؤساءهم وكبراءهم في الجاهلية لأجل صفات عظيمة تميزوا وتفوقوا بها على غيرهم، غير أنهم كانوا مظلمين بظلمات الجهل والكفر، منغمسين في مقتضيات أهوائهم وشهواتهم، فلما آمنوا واتصفوا بالعلوم الشرعية والأخلاق الإيمانية ذهبت ظلماتهم وتبدلت صفاتهم العارضة على ذواتهم، وتولى اللَّه تعالى أمرهم وأخرجهم من الظلمات إلى النور، والذين لم يؤمن منهم تركه اللَّه في ظلمات لا يبصرون، كالمعادن بعضها من الفضة وبعضها من الذهب وبعضها من الحديد مثلًا متميزة بأصول ذواتها، غير أنه قد يكون الذهب أو الفضة مختلطًا بالتراب والمواد الكثيفة، فيذاب وينقى عن الكدورات والكثافات فيصير خالصًا نقيًّا، فافهم، وباللَّه التوفيق.
ثم إنه قد كتب (ابن) في (يوسف نبي اللَّه بن نبي اللَّه بن نبي اللَّه بن خليل اللَّه) بدون الألف (1)، وليس واقعًا بين العلمين، اللهم إلا أن يقال: إن (نبي اللَّه) هنا عبارة
(1) لعله وقع في نسخة الشارح رحمه الله، وأما النسخة الهندية ففيها بإثبات الألف، وكذا قال =
الإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا". مُتَّفقٌ عَلَيْهِ. [خ: 4689، م: 2378].
4894 -
[2] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيم ابْنِ الْكَرِيم ابْنِ الْكَرِيم يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسحاقَ بْنِ إِبراهيمَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 4688].
4895 -
[3] وَعَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: فِي يَوْمِ حُنَيْنٍ كَانَ أَبُو سُفْيَانَ ابْنُ الْحَارِثِ آخِذًا بِعِنَانِ بَغْلَتِهِ -يَعْنِي بَغْلَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا غَشِيَهُ الْمُشْرِكُونَ نَزَلَ، فَجَعَلَ يَقُولُ:"أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ". . . . .
ــ
عن العلم.
وقوله: (إذا فقهوا) بضم القاف وكسرها، من باب كرم وعلم، كذا في (القاموس)(1).
4894 -
[2](ابن عمر) قوله: (الكريم بن الكريم بن الكريم بن الكريم) هنا أيضًا كتب بدون الألف، وتوجيهه ما قلنا، وقال بعض الشراح: وصوابه أن يكتب بها؛ لوقوعها بين الصفات، بخلاف قوله:(يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم)، وعدل (2) في إبراهيم من نبي اللَّه إلى خليل اللَّه لوجود صفة أخص من النبوة، وهو لقب لإبراهيم عليه السلام، فيكون علمًا.
4895 -
[3](البراء بن عازب) قوله: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)
= القاري في "المرقاة"(7/ 3068): بإثبات ألف (ابن) في المواضع الثلاثة.
(1)
"القاموس المحيط"(ص: 1151).
(2)
قوله: "وعدل في إبراهيم. . . علمًا" الظاهر أن تكتب هذه العبارة في شرح الحديث السابق قبل قوله: "إذا فقهوا"، واللَّه أعلم بالصواب.
قَالَ: فَمَا رُئِيَ مِنَ النَّاسِ يَوْمَئِذٍ أَشَدُّ مِنْهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3042، م: 1776].
4896 -
[4] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"ذَاكَ إِبْرَاهِيمُ". . . . . . .
ــ
الكلام في كونه شعرًا وصدوره منه صلى الله عليه وسلم كالكلام في أمثاله، ثم إنه قد نوقش في كونه من باب الافتخار بأنه لم يصح صدور الافتخار من النبي صلى الله عليه وسلم، كيف وقد نفاه في قوله:(أنا سيد ولد آدم ولا فخر)، فنهى الأمة عن الافتخار بالآباء، فكيف يفتخر هو صلى الله عليه وسلم بعبد المطلب؟ فالحق أنه إخبار منه صلى الله عليه وسلم بأنه النبي الموعود الذي كان أهل الكتاب والكهان يخبرون بأنه سيظهر نبي من أولاد عبد المطلب، ويذكرون علامات نبوته، وأجيب بأن الافتخار في المبارزة والحرب مع الكفار جائز؛ إظهارًا للشجاعة، وإدخالًا للروع والمهابة في قلوب أعداء الدين، وأيضًا المذموم من الافتخار ما يكون على طريق الجاهلية من الافتخار بالآباء سمعة ورياء؛ لا ما كان على سبيل ذكر نعمة اللَّه والتحديث بها كما ذكرنا، ولذا ضم مع النسب الحسب أيضًا.
4896 -
[4](أنس) قوله: (يا خير البرية) البرية: الخلق، فإن أخذت من البرى بمعنى التراب فلا يهمز، وإن أخذت من البرء بمعنى الإنشاء والخلق فمهموز، ولكن قد تقلب الهمزة ياء وتدغم كخطيئة، قال الطيبي (1): لم تستعمل مهموزة.
وقوله: (ذاك إبراهيم) ذكروا فيه أوجهًا: الأول: أنه قاله تواضعًا واحترامًا لإبراهيم كالذي يقدم على نفسه من هو دونه تواضعًا، الثاني: أنه قال هذا قبل أن يوحى
(1)"شرح الطيبي"(9/ 137).
رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2369].
4897 -
[5] وَعَنْ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3445، م: 1691].
4898 -
[6] وَعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ: أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لَا يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلَا يَبْغِيَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2765].
ــ
إليه بأنه سيد ولد آدم، الثالث: أن المراد خير البرية في عصره، لكن أطلق العبارة مبالغة، ولعل الأظهر والأصوب هو الوسط من الوجوه كما لا يخفى.
4897 -
[5](عمر) قوله: (لا تطروني كما أطرت) من المعتل اللام دون المهموز، والإطراء: مجاوزة الحد في المدح والكذب فيه، كذا في (النهاية)(1).
4898 -
[6](عياض) قوله: (وعن عياض) بكسر العين وتخفيف الياء تحتها نقطتان وبالضاد المعجمة، (ابن حمار) بكسر الحاء المهملة، التميمي، (المجاشعي) يعدّ في البصريين، وكان صديقًا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قديمًا، روى عنه الحسن البصري وغيره.
وقوله: (أن تواضعوا) التواضع: هو التوسط بين الكبر والضعة، والكبر: هو رفع النفس إلى ما هو فوق مرتبتها، والضعة: وضعها في ما دون مرتبتها، والتواضع: وقوفها في مقامها ومرتبتها، وله تفصيل مذكور في موضعه.
(1)"النهاية"(3/ 123).