المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٨

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(25) كتاب الآداب

- ‌1 - باب السلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الاستئذان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب المصافحة والمعانقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب القيام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الجلوس والنوم والمشي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب العطاس والتثاؤب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب الضحك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الأسامي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب البيان والشعر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب حفظ اللسان والغيبة والشتم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الوعد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب المزاح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌13 - باب المفاخرة والعصبية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب البر والصلة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب الشفقة والرحمة على الخلق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب الحب في اللَّه ومن اللَّه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب ما ينهى عنه من التهاجر والتقاطع واتباع العورات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب الحذر والتأني فى الأمور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌21 - باب الظلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(26) كتاب الرقاق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب فضل الفقراء وما كان من عيش النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْل الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الأمل والحرص

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب استحباب المال والعمر للطاعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب التوكل والصبر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الرياء والسمعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب البكاء والخوف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب تغير الناس

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الإنذار والتحذير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(27) كتاب الفتن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الملاحم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب أشراط الساعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب قصة ابن صياد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌5 - باب نزول عيسى عليه السلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب قرب الساعة وأن من مات فقد قامت قيامته

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

5464 -

[1] عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ:"مَا تَذْكُرُونَ؟ " قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ، قَالَ: "إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْا قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ، فَذَكَرَ الدُّخَانَ،

ــ

ويطلق في عيسى عليه السلام، وسمي عيسى مسيحًا لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برأ، أو لأنه خرج من بطن أمه ممسوحًا بالدهن، أو لأنه كان يمسح الأرض، أي: يقطعها، وقيل: المسيح الصديق، وقيل: إنه كان أمسح الرجلين لا أخمص له، وقيل: هو بالعبرانية مشيحًا فعرب.

وقال صاحب "القاموس"(1): ذكرت في اشتقاقه خمسين قولًا في شرحي لـ (مشارق الأنوار)(2) وغيره، وسمي به الدجال لأن عينه الواحدة ممسوحة، ورجل ممسوح الوجه ومسيح الوجه: وهو أن لا يبقى على أحد شقي وجهه عين ولا حاجب إلا سوي، أو لأنه يقطع الأرض، وقيل: إن الخير مسح عنه فهو مسيح الضلالة، كما أن الشر مسح عن مسيح الهداية، وقيل: إنه مسيح بوزن سكيت، وإنه الذي مسح خلقه، أي شُوِّه، وقال أبو داود: المثقل هو الدجال والمخفف عيسى، وأخطأ من قال: إن الدجال مسيخ بالمعجمة.

الفصل الأول

5464 -

[1](حذيفة بن أسيد الغفاري) قوله: (فذكر الدخان) اعلم أنه قد ذكر الدخان في قوله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ

(1)"القاموس المحيط"(ص: 219).

(2)

اسمه "شوارق الأسرار العلية في شرح مشارق الأنوار النبوية للصغاني".

ص: 679

وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا،

ــ

أَلِيمٌ} [الدخان: 10 - 11]، فالأكثرون على أن المراد به ما أصاب قريشًا من القحط في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بدعائه صلى الله عليه وسلم عليهم بقوله:(اللهم اجعلها سنين كسني يوسف)، فابتلوا بالقحط سبع سنين، فكانوا يأكلون الجلود والجيف حتى جيف الكلاب وعظامها، ويرى لهم الهواء في الجوّ كالدخان، فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان من ضعف بصره، ولأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار، ولأن العرب تسمي الشر الغالب دخانًا، وهذا قول ابن مسعود ومن تبعه، وقد ورد في (صحيح البخاري) وغيره في ذلك أحاديث، وقد ذهب البعض إلى أن المراد به ظهور الدخان المعدود في أشراط الساعة، وهذا قول حذيفة وتابعيه؛ لأنه قد روى أنه صلى الله عليه وسلم لما ذكر الآيات وعدّ منها الدخان كما في هذا الحديث سئل عنه وما الدخان يا رسول اللَّه؟ قرأ هذه الآية وقال:(يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يومًا وليلة، فالمؤمن يصير كالزكام، والكافر كالسكران)، الحديث (1).

وقوله: (والدابة) أي: دابة الأرض المذكورة في قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ} الآية [النمل: 82]، قيل: طولها ستون ذراعًا ذات قوائم ودبر، وقيل: مختلفة الخلقة تشبه عدة من الحيوانات، يتصدع جبل الصفا فتخرج منه ليلة جمع ومعها عصا موسى عليه السلام وخاتم سليمان، لا يدركها طالب، ولا يعجزها هارب، تضرب المؤمن بالعصا وتكتب في وجهه: مؤمن، وتطبع الكافر بالخاتم وتكتب في وجهه: كافر، وروي أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن مخرجها فقال: من أعظم المساجد حرمة على اللَّه، يعني المسجد الحرام.

وقوله: (وطلوع الشمس من مغربها) سيأتي في الحديث بيانه وكيفيته.

(1) انظر: "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (3/ 266).

ص: 680

وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ".

ــ

وقوله: (ويأجوج ومأجوج) هما قبيلتان من ولد يافث بن نوح عليه السلام، وقيل: يأجوج من الترك ومأجوج من الجيل، وهما اسمان عجميان بدليل منع الصرف، وقيل: عربيان من أجّ الظليم: إذا أسرع، وأصلهما الهمزة كما قرأ عاصم، ومنع صرفهما للتعريف والتأنيث، كذا قال البيضاوي (1)، وفي (القاموس) (2): الأجة: الاختلاط، ولا يخفى أنه يمكن اشتقاق يأجوج ومأجوج منه أيضًا، بل من الأجة بمعنى شدة الحر، بل من الأجيج بمعنى تلهب النار كما ذكر من المعنيين لشدة في خروجهم مثل شدة الحر ولهب النار، ثم قال: ويأجوج ومأجوج من لا يهمزهما يجعل الألفين زائدتين من يَجَجَ ومَجَجَ، وقرأ رؤية:(آجوج وماجوج)، وأبو معاذ:(يمجوج).

وقوله: (تطرد الناس إلى محشرهم) الحشر: الجمع، من نصر وضرب، والمحشر بالفتح: موضعه، كذا في (القاموس)(3)، وقالوا: المراد بالمحشر أرض الشام؛ إذ صح في الحديث أن الحشر يكون متى يكون في أرض الشام، ولا يلزم منه أن يكون هذا الطرد بعد الحشر، ونقل في (مجمع البحار) (4) من حاشية (المصابيح): فإن قيل: النار من حيث إنها من أشراطها تتقدم عليها والحشر بعد قيامها؟ قلت:

(1)"تفسير البيضاوي"(3/ 293).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 164).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 339).

(4)

"مجمع بحار الأنوار"(1/ 519).

ص: 681

وَفِي رِوَايَةٍ: "نَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ". وَفِي رِوَايَةٍ فِي الْعَاشِرَةِ: "وَرِيح تُلْقِي النَّاسَ فِي الْبَحْر". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2901].

ــ

لعلها تخرج أولًا وتبقى حتى تقوم الساعة، ثم تسوق أهل الشقاوة إلى المحشر وإلى النار.

وقوله: (من قعر عدن) بالتحريك: مدينة معروفة باليمن، كان التبع يحبس فيه أصحاب الجرائم، من عدن بالبلد من باب ضرب ونصر، عدنا وعدونا: أقام، ومنه {جَنَّاتِ عَدْنٍ} ، ويقال له: عدن أبين، أضيف إلى أبين على وزن أبيض، اسم رجل من حمير أقام بها، وقعر كل شيء: أقصاه، وقعر البئر: عمقه، ثم قيل: إنه قد جاء في (صحيح البخاري): (إن أول الأشراط نار تخرج من المشرق إلى المغرب) فكيف تكون آخر الآيات؟ وأجابوا بأن اخريتها بالنسبة إلى ما ذكر من الآيات، وأوليتها باعتبار أنها أول الآيات التي لا يبقى بعدها شيء من أمور الدنيا أصلًا، بل يقع بانتهائها النفخ في الصور، بخلاف ما ذكر معها، فإنه يبقى مع كل آية منها أشياء من أمور الدنيا.

وحاصله ما قال الطيبي (1): إن بعض الآيات أمارات لقرب قيام الساعة، وبعضها دالة على حصولها وقيامها، فيمكن أن تكون النار آخرًا بالنسبة إلى القسم الأول، وأولًا بالنسبة إلى الثاني، كذا قالوا، وفيه نظر؛ لأن طلوع الشمس من مغربها كما يجيء في الحديث عدّ أولًا، ولا شك أنه ليس من القسم الأول؛ لأن الدخان والدجال قبله، فيكون من الثاني، وكيف يكون الشيئان أول؛ فالأوجه أن يقال: إن الأولية والآخرية إضافيتان، فيمكن أن يكون شيء أولًا بالنسبة إلى بعض، وآخرًا بالنسبة إلى آخر، فلا

(1)"شرح الطيبي"(11/ 3449).

ص: 682

5465 -

[2] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ سِتًّا: الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَدَابَّةَ الأَرْضِ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَأَمْرَ الْعَامَّةِ، وَخُوَيْصَّةَ أَحَدِكُمْ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2947].

5466 -

[3] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْروٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ الآيَاتِ خُرُوجًا طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَخُرُوجُ الدَّابَّةِ. . . . .

ــ

يرد ما ذكر، فافهم، واللَّه أعلم.

5465 -

[2](أبو هريرة) قوله: (بادروا بالأعمال ستًّا) أي: تعجلوا بالأعمال الصالحة قبل مجيء هذه الدواهي الست، والمبادرة: المعاجلة، بادره مبادرة وبِدارًا: عاجله، وبدره الأمر وإليه: عجل إليه واستبقه، كذا في (القاموس)(1).

وقوله: (وأمر العامة) أي: الفتنة التي تعم الناس، و (خويصة أحدكم) أي: ما يختص بأحدكم من الشواغل في الفتنة في نفسه وأهله وماله، وصغرت لاستصغارها في جنب سائر الحوادث من علامات القيامة، وقيل: أمر العامة القيامة التي تعم الناس، وخويصة أحدكم الموت، وتعقب بأن كونها من الآيات لا يستقيم، كذا قيل، ويمكن أن يقال: إنه لما حذر عن علامات القيامة حذر عنها وعن الموت الذي هو القيامة الصغرى، على أنه لم يقل ستًّا من العلامات بل أطلق، أي: ستًّا من الحوادث والمصائب والدواهي.

5466 -

[3](عبد اللَّه بن عمرو) قوله: (وخروج الدابة) قيل: الواو بمعنى (أو)، وقد وقع بـ (أو) في بعض الروايات، ويناسبه سياق الحديث.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 314).

ص: 683

عَلَى النَّاسِ ضُحًى، وَأَيُّهُمَا مَا كَانَتْ قَبْلَ صَاحِبَتِهَا فَالأُخْرَى عَلَى أَثَرِهَا قَرِيبًا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2941].

5467 -

[4] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ثَلَاثٌ إِذَا خَرَجْنَ {لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدَّجَّالُ، وَدَابَّةُ الأَرْضِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 158].

5468 -

[5] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ غَرَبَتِ الشَّمْسُ: "أَتَدْرِي أَيْنَ تَذْهَبُ هَذِهِ؟ " قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ:"فَإِنَّهَا تَذْهَبُ حَتَّى تَسْجُدَ تَحْتَ الْعَرْشِ، فَتَسْتَأْذِنُ فَيُؤْذَنُ لَهَا، وَيُوشِكُ أَنْ تَسْجُدَ وَلَا تُقْبَلُ مِنْهَا، وَتَسْتَأْذِنُ فَلَا يُؤْذَنُ لَهَا، وَيُقَالُ لَهَا: ارْجِعِي مِنْ حَيْثُ جِئْتِ، فَتَطْلُعُ مِنْ مَغْرِبِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} [يس: 38] " قَالَ: "مُسْتَقَرُّهَا تَحْتَ الْعَرْشِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3199، م: 159].

ــ

وقوله: (وأيهما ما كانت): (ما) زائدة.

5467 -

[4](أبو هريرة) قوله: (ثلاث إذا خرجن) أي: ثلاث آيات إذا ظهرن وحصلن.

5468 -

[5](أبو ذر) قوله: (فتستأذن فيؤذن لها) يجوز أن يكون المراد استئذانها للدخول في حضرة الحق تعالى والإذن به، يعني ثم يؤمر بطلوعها من مشرقها، والأولى أن يراد ابتداء الاستئذان لطلوعها من مشرقها والأذن به.

وقوله: (فذلك قوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا}) قد ذكر له في التفاسير

ص: 684

5469 -

[6] وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَمْرٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2946].

5470 -

[7] وَعَن عَبْد اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى،

ــ

وجوه غير ما في هذا الحديث، ولا شك أن ما وقع في الحديث المتفق عليه يكون هو المعتبر والمعتمد، والعجب من البيضاوي أنه ذكر وجوهًا في تفسيره ولم يذكر هذا الوجه، ولعله أوقعه في ذلك تفلسفه، نعوذ باللَّه من ذلك.

وفي كلام الطيبي أيضًا ما يشعر بضيق الصدر، نسأل اللَّه العافية.

5469 -

[6](عمران بن حصين) قوله: (أمر أكبر من الدجال) أي: في باب الفتنة والابتلاء، والإضلال والاستدراج.

5470 -

[7](عبد اللَّه) قوله: (إن اللَّه لا يخفى عليكم) أي: قد عرفتموه بصفات الكمال وآمنتم به، فلا تضلوا بما ترون منه من المكر والاستدراج.

وقوله: (إن اللَّه ليس بأعور) نفي للنقص لا لإثبات الجارحة، أي: ليس هو من جنس الآدميين، وليس له عين فضلًا عن أن يكون أعور، والعور: ذهاب حسن إحدى العينين.

وقوله: (عين اليمنى) أي: عين جهة اليمنى، أو عينه اليمنى، وقيل: إن ذلك من سهو قلم الناسخ بدليل ما جاء في حديث حذيفة: (أعور العين اليسرى)، واللَّه تعالى أعلم.

ص: 685

كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7407، م: 169].

ــ

وقوله: (كأن عينه عنبة) فيه تجنيس لطيف من غير تكلف، و (طافية) أي: بارزة عالية، في (القاموس) (1): طفا فوق الماء طفْوًا وطفوًّا: علا، والخوصةُ فوق الشجر: ظهرت، والطفاوة: ما طفا من زبد القدر، ذكره في الناقص.

قال الشيخ ابن حجر (2): طافية بياء غير مهموزة، أي: بارزة، ولبعضهم بالهمز، أي: ذاهب ضوءها، وجزم به الأخفش، وفي شرح (المصابيح) لابن الملك (3): طافئة بالهمزة، أي: ذاهب ضوءها، وروي بغير الهمزة، أي: ناتئة بارزة، انتهى، من طفئت النار كسمع: ذهب لهيبها، كانطفأت وأطفأتها.

وقال القاضي عياض في (مشارق الأنوار)(4): (طافية) روي بالهمز وغيره، وقال: أكثر الروايات بغير همز، وهو الذي صححه الشيوخ والمفسرون، أي: ناتئة كحبة العنب الطافية فوق الماء، وقيل: البارزة من بين صواحبها، وقد رويناه عن بعضهم بالهمزة وأنكره أكثرهم، ولا وجه لإنكاره، لأنه قد روي في الحديث أنه ممسوح العين ومطموس العين، وأنها ليست جحراء ولا ناتئة، وهذه صفة حبة العنب التي سال ماؤها وطفئت، وعلى ما جاء في الأحاديث الأخر:(جاحظ العين وكأنها كوكب) يحتج به للرواية الأولى، ويصح الجمع بينهما بأنه أعور إحداهما، والعوراء مطموسة وممسوحة وغير ناتئة وطافئة بالهمزة، والأخرى كأنها كوكب وجاحظة وطافية بغير

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1176).

(2)

"فتح الباري"(13/ 97).

(3)

كذا في الأصل، والظاهر "شرح المشارق" لابن الملك، كما في "المرقاة"(8/ 3453).

(4)

"مشارق الأنوار"(1/ 326).

ص: 686

5471 -

[8] وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الأَعْوَرَ الْكَذَّابَ، أَلَا إِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبُّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: ك ف ر". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 7131، م: 2933].

5472 -

[9] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا عَنِ الدَّجَّالِ مَا حَدَّثَ بِهِ نَبِيٌّ قَوْمَهُ، إِنَّه أعوَرُ، وَإِنَّه يَجِيءُ مَعَهُ بِمِثْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَالَّتِي يَقُولُ: إِنَّهَا الْجَنَّةُ هِيَ النَّارُ، وَإِنِّي أُنْذِرُكُمْ كَمَا أَنْذَرَ بِهِ نُوحٌ قَوْمَهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3338، م: 2936].

ــ

همزة، واللَّه تعالى أعلم، انتهى.

5471 -

[8](أنس) قوله: (إلا قد أنذر أمته الأعور الكذاب) وذلك لعدم العلم بوقت خروجه لهم حين أنذروا.

وقوله: (مكتوب بين عينيه ك ف ر) هكذا كتب في نسخ (المصابيح) و (المشكاة)، وهذه الحروف غير مركبة إشارة إلى المادة الصرفية من غير اعتبار صيغة معينة، ولعلها على هذه الصورة مكتوبة بين عيني الدجال، وهكذا جاء من لفظه صلى الله عليه وسلم مكتوب بين عينيه: الكاف والفاء والراء.

5472 -

[9](أبو هريرة) قوله: (بمثل الجنة والنار) يحتمل الحقيقة والمجاز، وكذا قوله:(ماء ونار)، والمجاز أن يراد بهما اللطف والقهر والرحمة والغضب.

وقوله: (فالتي يقول: إنها الجنة هي النار) يأتي في الحديث الآتي عكسه أيضًا.

وقوله: (كما أنذر به نوح) خصه بالذكر لأنه مقدم المشاهير من الأنبياء.

ص: 687

5473 -

[10] وَعَنْ حُذَيْفَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ وَإِنَّ مَعَهُ مَاءً وَنارًا، فَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ مَاءً فَنَارٌ تُحْرِقُ، وَأَمَّا الَّذِي يَرَاهُ النَّاسُ نَارًا فَمَاءٌ بَارِدٌ عَذْبٌ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَاهُ نَارًا، فَإِنَّهُ مَاءٌ عَذْبٌ طَيِّبٌ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَزَاد مُسْلِمٌ: "إِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ العَيْنِ عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غليظةٌ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كاتبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ". [خ: 3450، م: 2934].

ــ

5473 -

[10](حذيفة) قوله: (عليها ظفرة) بالتحريك: لحمة نبتت عند الماق من كثرة البكاء أو الماء، كذا قال الطيبي (1)، وفي (القاموس) (2): الظفر بفتحتين: جليدة تُغَشِّي العين كالظفرة محركة، وقد ظفرت العين كفرح فهي ظفرة، وفي شرح (جامع الأصول) (3): جليدة ناتئة من جانب يلي الأنف على بياض العين إلى سوادها، وقال الطيبي (4): يحتمل أن تكون الظفرة في العين الممسوحة وأن تكون في العين الأخرى، انتهى.

لا يخفى أن وجود الظفرة في العين الممسوحة بالمعنى الذي ذكروه مما لا يظهر إلا أن يراد بالممسوح المعيوب، فالظاهر كونها في العين الأخرى وإن كان ظاهر اللفظ يأباه.

وقوله: (كاتب وغير كاتب) بالجر صفة (مؤمن)، أي: الذي يعرف الكتابة

(1)"شرح الطيبي"(10/ 109).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 391).

(3)

"جامع الأصول"(10/ 350).

(4)

"شرح الطيبي"(10/ 109).

ص: 688

5474 -

[11] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الدَّجَّالُ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُسْرَى، جُفَالُ الشَّعَرِ، مَعَهُ جَنَّتَهُ وَنَارُهُ، فَنَارُهُ جَنَّةٌ وَجَنَّتُهُ نَارٌ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2934].

5475 -

[12] وَعَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ فَقَالَ: "إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ. . . . .

ــ

ويحسن قراءتها والذي لا يعرفها، وذلك برهان من اللَّه سبحانه وتعالى على كذبه.

5474 -

[11](وعنه) قوله: (أعور العين اليسرى) قال التُّوربِشْتِي (1) في وجه تطبيق هذه الرواية ورواية عبد اللَّه: (أعور العين اليمنى): إن إحدى عينيه ذاهبة والأخرى معيبة، فيصح أن يقال: لكل واحدة عوراء، إذ العور في الأصل العيب.

وقوله: (جفال الشعر) بضم الجيم، في (القاموس) (2): جفل الشعر جفولًا: شعث، والجفالة بالضم: الجماعة، وما أخذته من رأس القدر بالمغرَفة، وكغراب:[رِغْوَةُ اللَّبَنِ]، والكثير، أو من الصوف، وجفلة من الصوف: جُزَّة منه، وبالفتح: الكثيرة الورق من الشجر.

5475 -

[12](النواس بن سمعان) قوله: (وعن النواس) بفتح النون وتشديد الواو (ابن سمعان) بكسر السين وفتحها.

وقوله: (وأنا فيكم فأنا حجيجه) الحجيج: الغلبة بالحجة، وهو (فعيل) بمعنى (فاعل).

(1)"كتاب الميسر"(4/ 1164).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 880).

ص: 689

دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ، عَيْنُهُ طَافِيةٌ، كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ،

ــ

وقوله: (دونكم) أي: قدامكم.

وقوله: (فامرؤ) للعموم في الإثبات، قد ثبت من الأحاديث ما يدل على أن خروجه في آخر الزمان، ولكنه قاله هكذا إبقاء للخوف على الأمة حتى يلتجئوا إلى اللَّه تعالى من شره، وأيضًا هذا كناية عن تحقق وقوعه البتة، وإشارة إلى الإبهام في زمانه كالساعة.

وقوله: (واللَّه خليفتي) لما كان الاحتجاج على الدجال وجعله محجوجًا يرجع نفعه إلى بقاء دينه وتقويته، وكان ذلك أمره وشأنه صلى الله عليه وسلم مما يهتم به، اتخذ اللَّه خليفته ووليه على كل مسلم وحافظه، فيعينه عليه ويدفع شوه.

وقوله: (قطط) في (القاموس)(1): القطط محركة: القصير الجعد من الشعر كالقط، انتهى، والقطط يطلق على الشعر وعلى الرجل، وفي (مجمع البحار) (2): هو شديد الجعودة، وقيل: الحسن الجعودة، والأول أكثر، أي: شديد التقبض كشعر السودان، وهو بفتحتين على المشهور، وروي بكسر الطاء الأولى.

وقوله: (كأني أشبهه) تردد صلى الله عليه وسلم في تشبيهه به، ولو قال: كأنه عبد العزى لزم الجزم بالتشبيه، والعزى في الأصل تأنيث الأعز، واسم صنم، أو سمرة عبدتها غطفان، وعبد العزى هذا كان من المشركين، وقيل: رجل من خزاعة من ملوك الجاهلية.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 614).

(2)

"مجمع بحار الأنوار"(4/ 294).

ص: 690

فَمَنْ أَدْركَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ".

وَفِي رِوَايَةٍ: "فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ بِفَوَاتِحِ سُورَةِ الْكَهْفِ، فَإِنَّهَا جِوَارُكُمْ مِنْ فِتْنَتِهِ، إِنَّه خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّامِ وَالْعِرَاقِ، فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا،

ــ

وقوله: (فمن أدركه منكم) وقد ورد قراءة سورة الكهف وقت النوم اتقاء شر الدجال.

وقوله: (فإنها جواركم) بكسر الجيم، أي: أمانكم، وفي شرح ابن الملك على (المصابيح) (1): جوازكم بفتح الجيم والزاي، وهو الصك الذي يأخذه المسافر من السلطان لئلا يتعرض له المترصِّدة في الطريق، يعني أنه سبب مجاوزتهم الطريق من غير تعرض. وقال: وفي بعض النسخ بالراء، ومعناه: حافظكم وسبب أمانكم.

وقوله: (إنه خارج خلة) بفتح الخاء المعجمة وتشديد اللام، وهو الطريق في الرمل، أي: يخرج من طريق واقع بين الشام والعراق، وفي (القاموس) (2): الخل: الطريق في الرمل، أو النافذ بين رملتين، أو النافذ في الرمل المتراكم، ويؤنث.

وقوله: (فعاث يمينًا وعاث شمالًا) على صيغة الماضي من العيث، وهو الإفساد، أي: أفسد، وروي بصيغة اسم الفاعل، أي: فهو مفسد، وقد صوب هذه الرواية في العطف على (خارج)، وقال في (مشارق الأنوار) (3): يقال: عاث وعث، قال اللَّه تعالى:{وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [البقرة: 60]، وفي حديث الدجال روي بفتح الثاء فعل ماض، وروي بكسر الثاء وتنوينها على مثال (قاض) اسم فاعل، من

(1)"شرح مصابيح السنة"(5/ 566).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 894).

(3)

"مشارق الأنوار"(2/ 106).

ص: 691

يَا عِبَادَ اللَّهِ فَاثْبُثُوا"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟ قَالَ: "أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ" قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟ قَالَ: "لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَه"، قُلْنَا: يَا رسولَ اللَّهِ! وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ؟ . . . . .

ــ

عث، وبالوجهين قيدهما الجياني.

وقوله: (قال أربعون يومًا) وجاء في رواية: (أربعين) وهو بتقدير (يلبث).

وقوله: (يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم) قيل: الأول لكثرة الهموم والغموم وشدة البلاء والفتنة يرى لهم كسنة، وعلى هذا القياس، ثم الحق يزيد قدرًا والباطل ينقص ويهون المحنة وشدتها، وهذا القول لا يناسب سؤال الصحابة: أتكفينا فيه صلاة يوم؟ وجوابه صلى الله عليه وسلم: (اقدروا له قدره)، وقيل: ذلك لسحر ذلك اللعين واختلال حواسهم وقواهم بذلك، فيرى الظلام ضياءً والضياء ظلامًا، ولا يخفى أنه لا يظهر بهذا القول ولا بالقول الأول وجه تخصيص الأيام الثلاثة على هذا القدر المخصوص دون غيرها من الأيام ودون غير هذا القدر، إلا أن يحمل ذلك على طريق التمثيل، وهو بعيد.

وقوله: (واقدروا له قدره) أي: اقدروا لأداء الصلوات الخمس قدر يوم، وبيان تقديره: أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين ظهر يومه يصلون الظهر، وعلى هذا قياس اليوم الذي كالشهر، والذي كالجمعة، قالوا: وهذا مخصوص بذلك اليوم، واللَّه تعالى أعلم.

وقوله: (وما إسراعه؟ ) لما سمعوا أنه يفسد في آفاق الأرض وأكنافها في مدة يعسر فيها ذلك عادة علموا أن له إسراعًا، فسألوا عنه.

ص: 692

قَالَ: "كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ فَيُؤْمِنُونَ بِهِ، فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ، وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًى وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ، ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ، فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ، فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالْخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا: أَخْرِجِي كُنُوزَكِ،

ــ

وقوله: (فتروح عليهم سارحتهم) الرواح: العشي، أو من الزوال إلى الليل، والمراد من السارحة المواشي تذهب بالغداة إلى مراعيها، والسرح: المال السائم، وسوم المال، يقال: سرحت المال سرحا وسرحت هي بنفسها سروحًا، ويقال: سرحت بالغداة وراحت بالعشي.

وقوله: (ذرى) تمييز، جمع ذروة، بالفارسية كوهان شتر، وذروة كل شيء: أعلاه.

وقوله: (وأسبغه) أي: أتمه وأملأه، و (الضرع) بالفارسية بستان، و (أمده خواصر) جمع خاصرة، أي: ما تحت الجنب، وأمدها عبارة عن كثرة الأكل والشبع، وهو كناية عن السمن، والضمير في (أسبغه) و (أمدّه) لها.

وقوله: (ثم يأتي القوم) أي: قوما آخرين غير الذين آمنوا به، وهم الذين جحدوه وكفروا به، ويحتمل أن يكون المراد القوم الأول كما هو قاعدة إعادة المعرفة، فهم كانوا تارة يؤمنون به بحكم الاشتباه والاضطرار، وأخرى يكفرون لما لاح عليه من دلائل الكذب المقتضية للإنكار.

وقوله: (ممحلين) المحل: الشدة، والجدب، وانقطاع المطر، وزمان ومكان ماحل، وأرض ممحلة، وأمحل القوم: أجدبوا، أي: صاروا ذات جدب.

ص: 693

فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ، ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْد المَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُوذَتَيْنِ. . . . .

ــ

وقوله: (فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل) جمع يعسوب، وهو أمير النحل وذكرها والرئيس الكبير، كما في قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في صفة نفسه: أنا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكفار، أي: يلوذ بي المؤمنون ويلوذ بالمال الكفار كما يلوذ النحل بمقدمها وسيدها، وفي صفة أمير المؤمنين أبي بكر رضي الله عنه: كنت للدين يعسوبًا، والمراد يتبع الدجال كنوز الأرض كما يتبع النحل يعاسيبها، وإنما جمع لأن لنحل كل بقعة يعسوبًا.

وقوله: (ممتلئًا شبابًا) تمييز، والمراد كونه في غاية الشباب.

وقوله: (جزلتين) بفتح الجيم وروي بالكسر، وقيل: الجزلة بالكسر: القطعة، وبالفتح المصدر، وفي (القاموس) (1): جزله بالسيف يجزله: قطعه جزلتين.

وقوله: (رمية الغرض): (الغرض) محركة: الهدف، أراد أنه يكون بُعد ما بين القطعتين بُعد رمية السهم إلى الهدف، وقيل: أي يصيبه بالضربة إصابة رمية الغرض، (ثم يدعوه فيقبل) أي: ثم يحيي الدجال الشاب المذكور فيقبل عليه ضاحكًا مسرورًا، و (دمشق) المشهور فيه كسر الدال وفتح الميم، وقد يكسر.

وقوله: (مهروذتين) يروى بالدال والذال، وأكثر ما يقع في النسخ بالدال المهملة،

(1)"القاموس المحيط"(ص: 879).

ص: 694

وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ. . . . .

ــ

ومعناه لابسًا ثوبين مصبوغين بالزعفران، كذا نقل الطيبي (1)، وفي (القاموس) (2) في باب الدال المهملة: الهرد: الشق للإفساد، وبالضم: الكُركُم، وطين أحمر، وعروق يصبغ به، والهردي: المصبوغ به، وقال في باب الذال المعجمة: المهروذة لم تسمع إلا في قول النبي صلى الله عليه وسلم في المسيح عليه الصلاة والسلام: (ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق في مهروذتين)، ويروى بالدال، وفي (الصراح) (3): هردى بالكسر على فعلى: كَياهي ثوب، مهروذ زرد رنكَـ وليس، ولم يذكر فيه هرذ بالذال المعجمة.

وقال القاضي عياض في (مشارق الأنوار)(4) في الدال المهملة: في خبر عيسى عليه الصلاة والسلام: فينزل في ثوبين مهرودتين، قيل: في شقتين أو حلتين، قال ابن قتيبة: مأخوذ من الهرد، وهو الشق، أي: في شقتين، والشقة: نصف الملاءة، وقال أبو بكر: إنما يسمى الشق هردًا إذا كان للإفساد لا للإصلاح، وقال ابن السكيت: هرد القصار الثوب وهردته: إذا خرقته، وقيل: أصفرين كلون الحوذانة، وهو ما صبغ بالورس والزعفران، فيقال له: مهرود.

وقال ابن الأنباري: يقال: مهرودتين بالدال والذال معًا، أي: ممصرتين، كما جاء في الحديث الآخر، وقال غيره: الثوب المهرود: الذي يصبغ بالعروق التي يقال لها: الهرد بضم الهاء، وقال أبو العلاء المعري: هرد ثوبه: صبغه بالهرد، وهو صبغ

(1)"شرح الطيبي"(10/ 114).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 297، 307).

(3)

"الصراح"(ص: 151).

(4)

"مشارق الأنوار"(2/ 267).

ص: 695

مَلَكَيْنِ، إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ مِثْلَ جُمَانٍ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدَ مِنْ رِيح نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَاب لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ، ثمَّ يَأْتِي عِيسَى قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ،

ــ

يقال له: العروق، وقال الجياني: يقال هو الكُركُم، وقال ابن قتيبة: ما ذكر عندي خطأ من النقلة وأراه مهرودتين، أي: صفراوين، وخطأ ابن الأنباري قوله هذا، وقال: إنما يقوله العرب: هريت لا هروت، ولا يقولون ذلك إلا في العمامة خاصة.

وقوله: (إذا طأطا رأسه) أي: خفضه، (قطر) أي: عرق، (وإذا رفعه) أي: الرأس (تحدر) أي: نزل، و (الجمان) كغراب اللؤلؤ، أو حبات بأشكال اللؤلؤ من فضة، الواحدة جمانة، وفي بعض الحواشي:(الجمان) بضم الجيم وتشديد الميم: اللؤلؤ الصغار، وبتخفيفها حب يتخذ من الفضة، وقيل: المراد هو الأخير، انتهى. والقرينة على ذلك قوله:(كاللؤلؤ) يعني إذا خفض رأسه قطر من شعره قطرات نورانية، وإذا رفعه نزلت تلك القطرات من الماء، كذا في (مجمع البحار)(1).

وقوله: (فلا يحل لكافر) بكسر الحاء، أي: لا يمكن ولا يحصل، والدجال مستثنى من هذا، و (نفسه) بفتح الفاء.

وقوله: (فيطلبه) أي: عيسى الدجال، و (اللد) بضم لام وتشديد دال: اسم جبل بالشام، وقيل: قرية من قرى بيت المقدس، وفي (القاموس) (2):(لد) بالضم: قرية بفلسطين يقتل عيسى عليه السلام الدجال عند بابها.

(1)"مجمع بحار الأنوار"(1/ 389).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 287).

ص: 696

فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الْجَنَّةِ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَى عِيسَى: أَنِّي قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي لَا يَدَانِ لِأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ، فَحَرِّزْ عِبَادِيَ إِلَى الطُّورِ، وَيَبْعَثُ اللَّهُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96] فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ، فَيَشْرُبونَ مَا فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ وَيَقُولُ: لَقَدْ كَانَ بِهَذِهِ مَرَّةً مَاءٌ، ثُمَّ يَسِيرُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى جَبَلِ الْخَمَرِ، وَهُوَ جَبَلُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ قَتَلْنَا مَنْ فِي الأَرْضِ، هَلُمَّ. . . . .

ــ

وقوله: (فيمسح) أي: يزيل الغبار عن وجوههم، أو يكشف ما بهم من الشدة وأثر المحنة.

وقوله: (لا يدان) أي: لا طاقة ولا قدرة، وقيل: أراد المبالغة بأن يديه كأنهما معدومتان لعجزه، و (الحدب) الغليظ المرتفع من الأرض، (والنسل) الإسراع، نسل ينسل نسيلًا ونسَلًا ونسَلانًا: أسرع.

و(بحيرة طبرية) بالإضافة، وبحيرة تصغير بحرة، وهو ماء يجتمع بالشام طوله عشرة أميال، وطبرية: اسم موضع، وفي (القاموس) (1): قرية بواسط، و (الخمر) بفتحتين: ما واراك من شجر وغيره، كذا في (القاموس)(2)، قال الطيبي (3): الشجر الملتف، وجبل بالقدس، قيل: سمي به لكثرة شجره.

وقوله: (هلم) معناه تعال، مركبة من (ها) للتنبيه ومن (لم)، من لمّ اللَّه شعثه،

(1)"القاموس المحيط"(ص: 388).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 349).

(3)

"شرح الطيبي"(10/ 115).

ص: 697

فَلْنَقْتُلْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، فَيَرْمُونَ بِنُشَّابِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرُدُّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ نُشَّابَهُمْ مَخْضُوبَةً دَمًا، وَيُحْصَرُ نَبِيُّ اللَّهِ وَأَصْحَابُهُ حَتَّى يَكُونَ رَأْسُ الثَّوْرِ لِأَحَدِهِمْ خَيْرًا مِنْ مِئَةِ دِينَارٍ لِأَحَدِكُمُ الْيَوْمَ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ النَّغَفَ فِي رِقَابِهِمْ، فَيُصْبِحُونَ فَرْسَى كَمَوْتِ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ، ثُمَّ يَهْبِطُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى الأَرْضِ، فَلَا يَجِدُونَ فِي الأَرْضِ مَوْضِعَ شِبْرٍ إِلَّا مَلأَهُ زَهَمُهُمْ. . . . .

ــ

أي: جمعه، أي: لم نفسك إلينا، وحذفت ألفها وجعلا اسمًا واحدًا، يستوي فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث في لغة أهل الحجاز، وأهل نجد يصرفونها فيقولون: هلم وهلما وهلموا وهلمي وهلممن، وقد يوصل باللام فيقال:(هلم لك) كما قالوا: (هيت لك)، ويؤكد بالنون فيقال:(هلمن)، وفي المؤنث بكسر الميم، وفي الجمع بضمها، وفي التثنية (هلمان) للمذكر والمؤنث، وللنسوة (هلممنان). (نشابهم) بضم نون وتشديد شين: السهام، واحده نشابة بهاء، ونشاب بالفتح متخذه، وقوم نشابة: يرمون به. و (يحصر نبي اللَّه) أي: يحبس في جبل الطور.

وقوله: (حتى يكون رأس الثور) أي: يبلغ بهم الحاجة والفاقة إلى أن يكون رأس الثور الذي هو أرخص اللحم بالنسبة إلى ما في لحمه، (خيرًا من مئة دينار لأحدكم اليوم) ويقاس عليه غيره من الأجزاء، وقيل: أراد نفس الثور لاحتياجهم إليه للزراعة، وتعقب بأن ما لهم للزراعة وهم محصورون.

وقوله: (فيرغب نبي اللَّه عيسى وأصحابه) أي: يدعون اللَّه في إهلاك يأجوج ومأجوج. (فيرسل اللَّه عليهم النغف) وهو بفتح النون والغين المعجمة: دود في أنوف الإبل والغنم، والواحدة نغفة، و (فرسى) كقتلى جمع فريس بمعنى قتيل، من افتراس الأسد، و (الزهم) بالتحريك مصدر زهمت يده كفرح فهي زَهِمَةٌ، أي: دَسِمَةٌ،

ص: 698

وَنَتَنُهُمْ، فَيَرْغَبُ نَبِيُّ اللَّهِ عِيسَى وَأَصْحَابُهُ إِلَى اللَّهِ، فَيُرْسِلُ اللَّهُ طَيْرًا كَأَعْنَاقِ الْبُخْتِ، فَتَحْمِلُهُمْ فَتَطْرَحُهُمْ حَيْثُ شَاءَ اللَّهُ".

وَفِي رِوَايَةٍ: "تَطْرَحُهُمْ بِالنَّهْبَلِ، وَيَسْتَوْقِدُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ قِسِيِّهِمْ وَنُشَّابِهِمْ وَجِعَابِهِمْ سَبْعَ سِنِينَ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ مَطَرًا لَا يَكُنُّ مِنْهُ بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ،

ــ

والزهم بالضم: الريح المنتنة، انتهى، والأول أكثر رواية. و (طيرًا كأعناق البخت) أي: أعناقها كأعناق البخت بالضم: الإبل الخراسانية، كالبُختية، انتهى، والبختية: الأنثى من الجمال [البخت، وهي جمال] طوال الأعناق، والذكر بختي، والجمع بخت وبخاتي. و (النهبل) بفتح النون وسكون الهاء وفتح الباء الموحدة: موضع من بيت المقدس، وقيل: حيث تطلع الشمس، كذا في الحواشي، وقد صحح في نسخ (المشكاة) كذلك بالنون، وكذلك صورة اللفظ في نسخ الطيبي، وفي (مجمع البحار)(1) من الكرماني (بالمهبل) بالميم، وفسره بالهوة الذاهبة في الأرض، وفي (القاموس) (2): المهبل كمنزل: الهُوِيُّ من رأس الجبل، وفي (الترمذي) (3): في حديث الدجال: (فتطرحهم بالنهبل) بالنون، وهو تصحيف، والصواب بالميم.

و(الجعاب) بكسر الجيم جمع جعبة بفتحها: كنانة للنشاب، أي: ظرفها.

وقوله: (لا يكن من بيت مدر ولا وبر) في (مجمع البحار)(4): (لا يكن) هو

(1)"مجمع بحار الأنوار"(5/ 131).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 964).

(3)

"سنن الترمذي"(2240) وفيه: "بالمهبل".

(4)

"مجمع بحار الأنوار"(4/ 441).

ص: 699

فَيَغْسِلُ الأَرْضَ حَتَّى يَتْرُكَهَا كَالزَّلَفَةِ،

ــ

بفتح ياء وضم كاف، من كننته: صنته عن الشمس، ومفعوله محذوف، أي: لا يكن ولا يصون من ذلك المطر بيت مدر ولا وبر، يعني بيت الحضر وأهل البدو شيئًا، بل يغسل الأماكن، أي: لا يمنع من نزول الماء بيت المدر، انتهى.

و(يكن) صحح في النسخ بضم الياء وكسر الكاف من الإكنان، وفي الحواشي:(لا يكن) من الإكنان والكن، أكننته وكننته، أي: سترته، والجملة صفة (مطر)، والمفعول محذوف، أي: لا يستر ولا يصون من ذلك المطر بيت مدر ولا وبر، أي: أهل الحضر والبدو شيئًا، بل يعم جميع الأماكن كما عرفت، وقال في (القاموس) (1): أكنه كنه: ستره.

(كالزلفة) قال الطيبي (2): روي بفتح الزاي واللام وبالفاء والقاف، وروي بضم الزاي وإسكان اللام وبالفاء، وبَيَّنَ معانيها من غير تعيين أن أيها بأي معنى، والذي في (القاموس) (3) في باب الفاء وفصل الزاي: الزلف محركة: الحوض الملآن، وبهاء: المَصنعة الممتلئة، والإجّانة الخضراء، والصدفة، والصخرة الملساء، والأرض المكنوسة، والزلفة بالضم: الصحفة، والزلف بالكسر: الروضة.

وقال في باب القاف: الزلقة محركة بهاء: الصخرة الملساء، والمرآة، انتهى.

ولا يخفى أن الأنسب هنا حمله على المَصْنعة الممتلئة والإجّانة الخضراء؛ لأن الظرف إذا ملئ ماء يرى أخضر، ويقرب منه حمله على الصحفة والمرآة كذلك، كان الأرض صارت لكثرة الماء بحيث يرى الرائي وجهه فيه، واللَّه أعلم.

ويناسب قوله: (فيغسل الأرض) حمله على الأرض المكنوسة والصخرة الملساء

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1107).

(2)

"شرح الطيبي"(11/ 3458).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 735، 802).

ص: 700

ثُمَّ يُقَالُ لِلأَرْضِ: أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ وَرُدِّي بَرَكَتَكِ، فَيَوْمَئِذٍ تَأْكُلُ الْعِصَابَةُ مِنَ الرُّمَّانَةِ، وَيَسْتَظِلُّونَ بِقِحْفِهَا، وَيُبَارَكُ فِي الرِّسْلِ، حَتَّى إِنَّ اللِّقْحَةَ مِنَ الإِبِلِ لَتَكْفِي الْفِئَامَ مِنَ النَّاسِ،

ــ

لصفائها وملاستها، وعلى المرآة لهذا المعنى أيضًا، فافهم.

و(العصابة) بالكسر من الرجال والخيل والطير: ما بين العشرة إلى الأربعين كالعصبة بالضم، والمراد بـ (قحف الرمانة) بكسر القاف: مقعر قشرها، شبه بالعظم فوق دماغ الآدمي وما انفلق من الجُمْجُمَة فبان، ولا يدعى قحفًا حتى يبين أو ينكسر منه شيء، و (الرسل) بالكسر: اللَّبَن، يقال: أرسلوا: كثر رسلهم، و (اللقحة) بالكسر ويفتح: اللقوح كصبور، وهي الناقة الحلوب، أو التي نتُجت، لقوح إلى شهرين أو ثلاثة، ثم هي لبون، والجمع لَقِحٌ ولِقَاحٌ.

وقوله: (لتكفي الفئام) في (القاموس)(1) في فصل الفاء: الفئام: الجماعة من الناس، لا واحد له من لفظه، وفي (الصحاح) (2): والعامة تقول: (فيام) بلا همز، وقال في (المشارق) (3) في حديث:(يغزو فئام من الناس): بكسر الفاء، معناه الجماعة، وقيل: الطائفة، قال ثابت: هو مأخوذ من الفئام، وهي كالقطعة من الشيء، وقال بعضهم: بفتح الفاء، حكاه الخليل، وهي رواية القابسي، وأدخله صاحب (العين) في حرف الياء بغير همزة وغيره بهمزة، وكذا قاله القابسي، وحكى الخطابي أن بعضهم رواه فيام بالفتح مشددة الياء، وهو غلط، وفي المهموز ذكره الهروي، وكذا

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1031).

(2)

"الصحاح"(5/ 2000).

(3)

"مشارق الأنوار"(2/ 144).

ص: 701

وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْبَقَرِ لَتَكْفِي الْقَبِيلَةَ مِنَ النَّاسِ، وَاللِّقْحَةَ مِنَ الْغَنَم لَتَكْفِي الْفَخْذَ مِنَ النَّاسِ، فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ، فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ،

ــ

قيد عن أبي ذر بالهمز.

و(الفخذ) بسكون الخاء: جماعة دون البطن، والبطن دون القبيلة، وأما الفخذ بمعنى العضو فبكسر الخاء وبسكونها، كذا في شرح ابن الملك موافقًا لما قال الطيبي (1)، وفي (المشارق) (2): الفخذ من الناس: الجماعة منهم والقبيلة، ويقال في العضو:[فَخِذ] فَخْذ وفِخْذ، وكذلك في نفر القوم فَخْذ وفخذ، وحكي عن ابن فارس أنه بالكسر في العضو وبالسكون في النفر، وحكى صاحب (الجمهرة) السكون والكسر في العضو، وقال: الفخذ بالسكون ما دون القبيلة وفوق البطن، انتهى.

وفي (القاموس)(3): الفخذ ككتف: ما بين الساق والورك، مؤنث، كالفخذ ويكسر، وحيّ الرجل إذا كان من أقرب عشيرته.

وقوله: (فتقبض) أي: الريح على الإسناد المجازي.

وقوله: (كل مؤمن وكل مسلم) يدل على مغايرة الإيمان والإسلام، أو هو تأكيد ومبالغة في التعميم.

وقوله: (تحت آباطهم) يريد به إسقاطهم على الأرض.

(1)"شرح الطيبي"(11/ 3459).

(2)

"مشارق الأنوار"(2/ 148).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 304).

ص: 702

وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ إِلَّا الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ، وَهِيَ قَوْلُهُ: "تَطْرَحُهُمْ بِالنَّهْبَلِ" إِلَى قَوْلِهِ: "سبع سِنِين". رَوَاهَا التِّرْمِذِيُّ. [م: 2937، ت: 2240].

5476 -

[13] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ، فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَيَلْقَاهُ الْمَسَالِحُ مَسَالِحُ الدَّجَّالِ، فَيَقُولُونَ لَهُ: أَيْنَ تَعْمِدُ؟ فَيَقُولُ: أَعْمِدُ إِلَى هَذَا الَّذِي خَرَجَ، قَالَ: فَيَقُولُونَ لَهُ: أَوَمَا تُؤْمِنُ بِرَبِّنَا؟ فَيَقُولُ: مَا بِرَبِّنَا خَفَاء، فَيَقُولُونَ: اقْتُلُوهُ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهَاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا أَحَدًا دُونَهُ، فَيَنْطَلِقُونَ بِهِ إِلَى الدَّجَّالِ،

ــ

وقوله: (يتهارجون) أي: يختلطون ويتخاصمون في الأرض، وقيل: يجامعون النساء علانية، وفي (القاموس) (1): هرج جاريته: جامعها.

5476 -

[13](أبو سعيد الخدري) قوله: (فيتوجه قبله) بكسر القاف وفتح الباء، أي: نحوه، والضمير في (فيلقاه) للرجل، و (المسالح) جمع مسلح، وهو الثغر؛ لكونه موضع السلاح، وقد يطلق على رجل ذي سلاح يحفظ الثغر، والمراد هنا مقدمة جيش الدجال، وقد مر ذكره.

وقوله: (ما بربنا خفاء) أي: ليس براهين ألوهية ربنا مخفية، فإنه تعالى ليس أعور كما مرّ في الحديث.

وقوله: (دونه) أي: في غير حضوره.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 191).

ص: 703

فَإِذَا رَآهُ الْمُؤْمِنُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! هَذَا الدَّجَّالُ الَّذِي ذَكرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:"فَيَأْمُرُ الدَّجَّال بِهِ فَيُشَبَّحُ، فَيَقُولُ: خُذُوهُ وَشُجُّوهُ، فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْبًا"، قَالَ:"فَيَقُول: أَوَمَا تُؤْمِنُ بِي؟ " قَالَ: "فَيَقُولُ: أَنْتَ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ"، قَالَ: . . . . .

ــ

وقوله: (فيشبح فيقول: خذوه وشجوه) روي على ثلاثة أوجه:

أحدها: (فيشبح) بشين معجمة فموحدة وحاء مهملة على صيغة المضارع المجهول، من التشبيح، وهو جعل الشيء عريضًا، ورجلٌ شَبْحُ الذراعين ومشبوحهما: عريضهما، أي: يلقى على قفاه.

وقال الطيبي (1): مدوه على بطنه، و (شجوه) بالجيم أمر من الشج، وهو الجرح في الرأس.

وثانيها: (يشبح) كالأول، و (شَبِّحُوه) بالباء والحاء أمر من التشبيح.

وثالثها: (فيشج) و (شجوه) كلاهما بالجيم، والوجه الثاني هو الذي ذكره الحميدي، والأصح الأول، كذا في (شرح مسلم)(2)، وقال في (المشارق) (3) في مادة (ش ب ح): فيشبح أي: يمد للضرب، وقال الهروي: الشبح: مدّك شيئًا بين أوتاد، وكذلك المضروب إذا مدّ للجلد، (فيوسع) عليه، قال الطيبي (4): بإسكان الواو وفتح السين، يعني من الوسع، وفي نسخة بفتح الواو من التوسيع.

(1)"شرح الطيبي"(10/ 117).

(2)

"شرح صحيح مسلم" للنووي (9/ 300).

(3)

"مشارق الأنوار"(2/ 243).

(4)

"شرح الطيبي"(11/ 3460).

ص: 704

"فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيْؤشَرُ بالمنشارِ مِنْ مَفْرِقِهِ حَتَى يُفَرَّقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ"، قَالَ:"ثُمَّ يَمْشِي الدَّجَّالُ بَيْنَ الْقِطْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: أَتؤمنُ بِي؟ فَيَقُولُ: مَا ازْدَدْتُ فِيكَ إِلَّا بَصِيرَةً"، قَالَ:"ثُمَّ يَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّهُ لَا يَفْعَلُ بَعْدِي بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ"، قَالَ: "فَيَأْخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فَيُجْعَلُ مَا بَيْنَ رَقَبَتِهِ إِلَى تَرْقُوَتِهِ نُحَاسًا،

ــ

وقوله: (فيؤشر بالمنشار) وشر الخشبة بالميشار غير مهموز لغة في أشرها بالمئشار بالهمز: نشرها، كذا في (القاموس)(1)، وقال في (المشارق) (2): يوشر بالميشار في حديث الدجال يقال بالهمزة وبالياء، والفعل منه أشرت ووشرت أشرًا ووشرًا، وبالنون، والفعل منه نشرت نشرًا من المنشار بالنون، و (المفرق) بكسر الراء: الطريق في شعر الرأس.

وقوله: (ما ازددت فيك إلا بصيرة): (ازداد) جاء في الأكثر لازمًا، فيكون قوله:(بصيرة) تمييزًا، وقد يجيء متعديًا فيكون مفعولًا به، وفي (تاج المصادر): الازدياد: أفزون كردن وأفزون شدن، و (ازددت) على صيغة المعلوم، وفي نسخة على لفظ المجهول بكسر الدال الأولى، والمراد بازدياد البصيرة العلم بكونه كاذبًا؛ لوجود علامة أخبر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهي إحياء الموتى.

وقوله: (ثم يقول) أي: الرجل المذكور (إنه) الدجال (لا يفعل بعدي) هذا الفعل من القتل والإحياء (بأحد) لقرب زمان هلاكه. و (الترقوة) بفتح التاء وضم القاف: العظم بين نقرة النحر والعاتق، والجمع التراقي والترايق.

وقوله: (نحاسًا) أي: كالنحاس فلا يعمل فيه السيف، ويحتمل الحقيقة، واللَّه

(1)"القاموس المحيط"(ص: 443).

(2)

"مشارق الأنوار"(1/ 49).

ص: 705

فَلَا يَسْتَطِيعُ إِلَيْهِ سَبِيلًا" قَالَ: "فَيَأْخُذُ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، فَيَقْذِفُ بِهِ، فَيَحْسِبُ النَّاسُ أَنَّمَا قَذَفَهُ إِلَى النَّارِ، وَإِنَّمَا أُلْقِيَ فِي الْجَنَّةِ"، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا أَعْظَمُ النَّاسِ شَهَادَةً عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2938].

5477 -

[14] وَعَنْ أُمِّ شَرِيكٍ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيَفِرَّنَّ النَّاسُ مِنَ الدَّجَّالِ حَتَّى يَلْحَقُوا بِالْجِبَالِ"، قَالَتْ أُمُّ شَرِيكٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ الْعَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "هُمْ قَلِيلٌ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2945].

5478 -

[15] وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أصفَهانَ. . . . .

ــ

تعالى أعلم.

وقوله: (فيأخذه بيديه ورجليه) الضمير في (يأخذ) للدجال وبواقي الضمير للرجل، وفي بعض النسخ:(فيأخذ) بدون الضمير، فالباء في (بيديه) للتعدية، أو المفعول محذوف.

وقوله: (هذا أعظم الناس شهادة) أي: شهادة على دين الإسلام وحقيته.

5477 -

[14](أم شريك) قوله: (وعن أم شريك) بفتح الشين وكسر الراء.

وقوله: (فأين العرب) الذين شأنهم الجهاد في سبيل اللَّه والذب عن دينه؟

5478 -

[15](أنس) قوله: (أصفهان): (أصبهان) بفتح الهمزة، وقد يكسر، وقد تبدل باؤها فاء، (أصبهان) أصله: أصت بهان، من أصّت الناقة تؤصّ وتئصّ: اشتد لحمها وتلاحكت ألواحها، وغزرت، وبهان: اسم امرأة كقطام، أي: سمنت المليحة، سميت لحسن هوائها وعذوبة مائها وكثرة فواكهها، فخففت، والصواب

ص: 706

سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِم الطَّيَالِسَةُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2944].

5479 -

[16] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَأْتِي الدَّجَّالُ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ نِقَابَ الْمَدِينَةِ، فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّبَاخِ الَّتِي تَلِي الْمَدِينَةَ،

ــ

أنها أعجمية، وأصلها إسباهان، أي: الأجناد؛ لأنهم كانوا سكانها، أو لأنهم لما دعاهم نمروذ إلى محاربة من في السماء كتبوا في جوابه: إسباه آن نه كه با خدا جنكَـ كنند، أي: هذا الجند ليس ممن يحارب اللَّه (1).

وقوله: (عليهم الطيالسة) جمع طيلسان، الطيلس والطيلسان مثلثة اللام، عن عياض وغيره معرّب، أصله تالسان، ويقال في الشتم: يا بن الطيلسان، أي: أنك أعجمي، وقد احتج ابن القيم على ذم لبس الطيلسان بهذا الحديث، وبما روي عن أنس أنه رأى جماعة عليهم الطيلسان، فقال: ما أشبه هؤلاء بيهود خيبر، وأجاب عنه في (فتح الباري) (2): أن الطيالسة في ذلك الوقت كان من شعار اليهود، فأنكر ذلك أنس رضي الله عنه، ثم ارتفع في هذه الأزمنة، فيدخل في عموم المباحات، وقد ثبت في أحاديث كثيرة التطلس والتقنع عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، انتهى.

وقد استوفينا الكلام فيه في (شرح سفر السعادة).

5479 -

[16](أبو سعيد الخدري) قوله: (نقاب المدينة) أي: طرقها، و (النقاب) بكسر النون جمع نقب بفتح النون وسكون القاف، وهو الطريق في الجبل، كالمنقب والمنقبة بفتحهما، وقد يجمع على أنقاب. و (السباخ) جمع سبخة، وهي

(1) انظر: "القاموس المحيط"(ص: 550).

(2)

"فتح الباري"(10/ 275).

ص: 707

فَيَخْرُجُ إِلَيْهِ رَجُلٌ -وَهُوَ خَيْرُ النَّاسِ أَوْ مِنْ خِيَارِ النَّاسِ- فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذِي حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَهُ، فَيَقُولُ الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَتَلْتُ هَذَا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ فِي الأَمْرِ؟ فَيَقُولُونَ: لَا، فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا كُنْتُ فِيكَ أَشَدَّ بَصِيرَةً مِنِّي الْيَوْمَ، فَيُرِيدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلَا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1882، م: 2945].

5480 -

[17] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَأْتِي الْمَسِيحُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، هِمَّتُهُ الْمَدِينَةُ، حَتَّى يَنْزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ الْمَلَائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ، وَهُنَالِكَ يَهْلِكُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [م: 1380].

5481 -

[18] وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ رُعْبُ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، لَهَا يَوْمَئِذٍ سَبْعَةُ أَبْوَابٍ، عَلَى كُلِّ بَابٍ مَلَكَانِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 1879].

ــ

الأرض التي لا تنبت شيئًا، وقد مرّ.

وقوله: (فيخرج إليه رجل) قيل: الرجل هو الخضر.

5480 -

[17](أبو هريرة) قوله: (همته) أي: قصده ومراده دخول مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (دبر أحد) أي: عقيب جبل أحد بضمتين.

5481 -

[18](أبو بكرة) قوله: (لا يدخل المدينة رعب المسيح الدجال): الرعب مقحم يفيد المبالغة، أي: لا يسري إلى أهلها خوف دخوله فضلًا أن يدخل.

ص: 708

5482 -

[19] وَعَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ قَالَتْ: سَمِعْتُ مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنَادِي: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، فَخَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَصَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ:"لِيَلْزَمْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُصَلَّاهُ"، ثُمَّ قَالَ:"هَلْ تَدْرُونَ لِمَ جَمَعْتُكُمْ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ (1)، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ [فَبَايَعَ] وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ. . . . .

ــ

5482 -

[19](فاطمة بنت قيس) قوله: (الصلاة جامعة) في إعرابه وجوه أربعة: رفعهما مبتدأ وخبر، إخبار ترغيبًا لهم على الاجتماع، ونصبهما على تقدير: احضروا الصلاة حال كونها جامعة، ورفع الأول على تقدير: هذه الصلاة، ونصب الثاني على الحالية، وبالعكس على تقدير: احضروها وهي جامعة، وعلى جميع المقادير محل الجملة نصب؛ لأنه مفعول (ينادي) حكاية لكونه في معنى القول، أو مفعول مطلق، أي: ينادي هذا النداء الخاص الذي فيه هذا القول.

وقوله: (لرغبة ولا لرهبة) أي: لنحو عطاء أو عزاء.

وقوله: (لأن تميمًا الداري) هو أبو رقية تميم بن أوس الداري، كان نصرانيًّا، أسلم سنة تسع.

وقوله: (وحدثني حديثًا وافق الذي كنت أحدثكم) إنما سرّ وابتهج صلى الله عليه وسلم بهذه الموافقة لتحصيل اليقين لأصحابه بتأييد حديثه حديثه، لا لحصول اليقين له صلى الله عليه وسلم بعد

(1) في نسخة: "رهبة".

ص: 709

بِهِ عَنِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، حَدَّثَنِي أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذامَ، فَلَعِبَ بِهِمُ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْر، فَأَرْفَئُوا. . . . .

ــ

التردد، ومثله ما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يحب سورة {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ} لأجل قوله تعالى:{إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 18 - 19]، وأما ما جاء في مواضع أنه إذا شاهد معجزة كان يقول: أشهد أني رسول اللَّه، فذلك أيضًا إما لتلقين الشهادة لأصحابه، أو لحصول العيان بعد البرهان، فافهم.

وقوله: (في سفينة بحرية) أي: كبيرة لا زورقًا، وقيل: قيد بها لتتميز عن الإبل؛ لأنه يقال لها سفن (1) البر، وتعقب بأن القرائن الصارفة عن ذلك كثيرة في سياق الحديث.

وقوله: (من لخم) بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة: حي باليمن، و (جذام) كغراب بالجيم والذال المعجمة: قبيلة من نجد.

وقوله: (فلعب بهم الموج) استعير اللعب لأمواج البحر وصرفها السفن عن جهة المقصد.

وقوله: (فأرفئوا) أي: قربوا السفينة، يقال: ارفأت السفينة إرفاء، أي: قربتها من الشط، كذا ذكر في (الصحاح)(2) من باب الإفعال، وذكر في (القاموس) (3) من المجرد وقال: رفأ السفينة كمنع: أدناها من الشط، ولم يذكر من الإفعال، ونقل الطيبي (4): أرفيت بالياء أيضًا، وأما صاحب (القاموس) ذكر هذا المعنى بالهمزة فقط،

(1) كذا في الأصل، والظاهر "سفينة" كما في "المرقاة"(8/ 3472).

(2)

"الصحاح"(1/ 53).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 40).

(4)

"شرح الطيبي"(10/ 121).

ص: 710

إِلَى جَزِيرَةٍ حِينَ تَغْرُبُ الشَّمْسُ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، قَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ،

ــ

وأما المعاني الأخر مثل رفأ الثوب: لأَمَ خرقه، ورفأ الرجل: سكَّنه، ورفاه ترفئة: قال له بالرفاء والبنين، فذكرها في المهموز والناقص معًا.

وقوله: (فجلسوا في أقرب السفينة): (أقرب) بفتح الهمزة وضم الراء: جمع قارب على خلاف القياس، والقياس قوارب، والقارب: السفينة الصغيرة تكون مع السفينة الكبيرة، وفي (مجمع البحار) (1): أقرب السفينة: سفن صغار تكون مع السفن الكبار البحرية، كالنجائب لها، يستعجلون بها حوائجهم من البر، وأقرب السفينة: أدانيها، أي: ما قارب إلى الأرض منها، وقال الطيبي (2): قارب بفتح راء وكسرها.

وقوله: (أهلب) في (القاموس)(3): الهلب بالضم: الشعر كله، أو ما غلظ منه، أو شعر الذنب، أو شعر الخنزير الذي يخرز به، وبالتحريك: كثرة الشعر، وهو أهلب، ولم يقل:(هلباء) مع اعتبار التأنيث في شيطانة بتأويل الحيوان، أو لوقوع لفظ الدابة على الذكر والأنثى، (من دبره) أي: متميزًا عنه.

وقوله: (أنا الجساسة) دابة تكون في الجزائر، تجسس الأخبار فتأتي بها الدجال، كذا في (القاموس)(4)، وقيل: هي دابة الأرض التي تخرج في آخر الزمان،

(1)"مجمع بحار الأنوار"(4/ 246).

(2)

"شرح الطيبي"(10/ 121).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 133).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 482).

ص: 711

انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ؛ فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالأَشْوَاقِ، قَالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيطَانَةً، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أعظمُ إِنْسَانٍ مَا رَأَيْنَاهُ قطُّ خَلْقًا وأَشَدُّهُ وَثَاقًا، مجموعةٌ يَده إِلَى عُنُقِهِ مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ. . . . .

ــ

ولا دليل عليه، و (الدير): خان النصارى، والجمع أديار، وصاحبه ديّار وديراني، وفي (المغرب) (1): صومعة الراهب.

وقوله: (بالأشواق) أي: ملتبس بها، وجمع لكثرة الشوق وشدته.

وقوله: (لما سمت لنا رجلًا فرقنا) أي: لما تكلمت مع كونها دابة، فرق كسمع: خاف، و (أن تكون شيطانة) بدل اشتمال من الضمير في (منها)، أو مفعول له لتقدير اللام.

وقوله: (ما رأيناه) أي: مثله، وكلمة (ما) ساقطة في الأصول، ولعل من زادها نظر إلى (قط)، قال الطيبي (2): والوجه أن يكون مرادًا، انتهى.

ولا يذهب عليك أنه لو ثبت عدم وجوده في الروايات الصحيحة فاشتراط النحويين إياها محل مناقشة، واللَّه أعلم.

و(خلقًا) تمييز من (أعظم)، و (أشده) عطف على (أعظم)، والضمير للإنسان، و (الوثاق) بالفتح والكسر: ما يشد به، وأوثقه: شده، وثقه توثيقًا: أحكمه.

وقوله: (ما بين ركبتيه) أي: ومجموعة ما بين ركبتيه، وحذف (مجموعة) لدلالة الأولى، ويمكن أن يكون بحذف حرف الجر، أو حالًا مترادفة أو متداخلة، ويمكن

(1)"المغرب"(ص: 172).

(2)

"شرح الطيبي"(10/ 122).

ص: 712

إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدَرْتُمْ (1) عَلَى خَبَرِي، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ العَرَبِ ركِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَلَعِبَ بِنَا الْبَحْرُ شَهْرًا، فَدَخَلْنَا الجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، اعْمِدُوا إِلَى هَذَا فِي الدَّيْرِ، فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ هَلْ تُثْمِرُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّهَا تُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ. . . . .

ــ

أيضًا أن يسند (مجموعة) إلى (ما بين)، ويكون قوله:(يده إلى عنقه) جملة حالية مثل: فُوهُ إلى فيّ، (ويلك ما أنت) لما لم يكن على صفة من رأوه من الإنسان ولم تتعين ماهيته عندهم عبر عنه بـ (ما)، والاستفهام إما محمول على الحقيقة أو للتعجب.

وقوله: (قد قدرتم على خبري) أي: أخبركم بخبري لأنكم وصلتم إليّ فأخبركم به (2)(فأخبروني ما أنتم؟ )، التعبير بـ (ما) هنا إما ليتطابق السؤالان، أو لأنه لما استنكرهم فكأنه لم يعتقد أنهم إنسان، فسأل عن ماهيتهم وصفتهم.

و(بيسان) بفتح الموحدة وسكون التحتية: قرية بالشام، وقرية بمرو، وموضع باليمامة، وفي (المشارق) (3): بيسان في حديث الجساسة هو من بلاد الحجاز، وبيسان آخر في بلاد الشام.

وقوله: (إنها توشك) الضمير للنخل، ويحتمل أن يكون للقصة، ويؤيد الأول أن ماءها يوشك أن يذهب.

(1) في نسخة: "قَدْ قَدَرْتُمْ".

(2)

قوله: "فأخبركم به" كذا في الأصول، والظاهر حذفه.

(3)

"مشارق الأنوار"(1/ 116).

ص: 713

بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قُلْنَا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، قَالَ: إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، هِيَ كَثِيرَةُ المَاءِ، وَأَهْلُهُ يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قُلْنَا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ، قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ،

ــ

وقوله: (بحيرة الطبرية) بفتح الطاء والباء قرية من الأردن، وإليها ينسب الطبراني المشهور من أئمة الحديث.

وقوله: (زغر) كزفر بزاي وغين معجمة: قرية بالشام، سميت باسم ابنة لوط زغر؛ لأنها نزلت بها، وبها عين غُؤور مائها علامة خروج الدجال، كذا في (القاموس)(1).

وقوله: (عن نبي الأميين) أي: العرب، أضافه إليهم باعتبار بعثته صلى الله عليه وسلم فيهم، وقيل: أراد طعنا عليه صلى الله عليه وسلم بأنه مبعوث إليهم خاصة كما هو زعم اليهود، أو بأنه غير مبعوث إلى ذوي الفطنة والكياسة، كذا في (شرح ابن الملك).

وقوله: (أما إن ذلك خير لهم أن يطيعوه): (ذلك) إشارة إلى مبهم فسره بقوله: (أن يطيعوه)، أو إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما بعده خبره، وهذا يدل على أنه عارف بفضله وصدقه صلى الله عليه وسلم، وإنما يجحده كفرًا وعنادًا كما هو شأن اليهود، أو المراد الخيرية في الدنيا، أو أنه لما لم يكن له غرض في إظهار كفره وإنكاره صلى الله عليه وسلم أخفاه ولم يصرح به.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 361).

ص: 714

وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي (1): أَنَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ، وَإِنِّي يُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الأَرْضِ، فَلَا أَدَعُ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، هُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدًا مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقَبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا".

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَطَعَنَ بِمِخْصَرتِهِ فِي الْمِنْبَرِ-: "هَذِه طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ، هَذِهِ طَيْبَةُ"، يَعْنِي الْمَدِينَةَ، "أَلَا هَلْ كُنْتُ حَدَّثْتُكُمْ؟ ". . . . .

ــ

و(الصلت) في (القاموس)(2): السيف الصيقل الماضي، كالمنصلت، وقيل: صلتًا، أي: مسلولًا عن الغمد.

وقوله: (عنها) هكذا في النسخ بضمير المؤنث، ولا يظهر وجهه؛ لأنه راجع إلى واحد، ولو كان (واحدة) بالهاء عبارة عن مكة والمدينة لكان وجهًا، فتدبر واللَّه أعلم.

و(النقب) بفتحتين: الطريق في الجبل، كالمنقب والمنقبة بفتحهما.

وقوله: (بمخصرته) هي بكسر ميم وسكون معجمة وبمهملة: ما يتوكأ عليها نحو العصا والسوط، أو عكازة أو قضيب، وقد يأخذه الخطيب هذه (3)، وكان في يده صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (هذه طيبة) لما عصم اللَّه وحفظ هده البلدة الشريفة المطهرة من دنس الدجال وشره سماها طيبة وكررها ثلاثًا، ومن أسماء هذه البلدة: طيبة وطابة [و] مطيبة؛

(1) في نسخة: "أني".

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 143).

(3)

قوله: "هذه" كذا في الأصول، والظاهر حذفه.

ص: 715

فَقَالَ النَّاسُ: نَعَمْ، أَلَا إِنَّهُ فِي بَحْرِ الشَّامِ أَوْ بَحْرِ اليَمَنِ، لَا بَلْ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَشْرِقِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2942].

5483 -

[20] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَأَيْتُنِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ. . . . .

ــ

لوجوه: إحداها: طهارتها من نجاسة الدجال على ساكنها السلام والتحية.

وقوله: (إلا أنه في بحر الشام أو بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق) لما أبهم اللَّه تعالى أمر الساعة ووقت قيامها وأوقات ظهور أماراتها بالتعيين -ولهذا وقع اختلاف في الأحاديث في ترتيبها وتقدم بعضها على بعض- أبهم مكان الدجال موثقًا مردودًا بين هؤلاء الأماكن الثلاثة مع غلبة الظن في آخرها، وهو أيضًا غير متعين، بل الذي علم كونه قبل المشرق، وهذا معنى نفي الأولين وإثبات الثالث، ويمكن أن يكون هذا الترديد لأجل أنه ينقل من بعضها إلى بعض، واللَّه أعلم.

وقوله: (ما هو) قال القاضي عياض في (المشارق)(1): (ما) هنا صلة، يعني زائدة وليست بنافية، أي: يدخل من قبل المشرق هو، انتهى، وذكر الطيبي (2) وجهًا آخر، وهو أن يكون بمعنى الذي، أي: الذي هو فيه المشرق، وذكر له أمثلة.

5483 -

[20](عبد اللَّه بن عمر) قوله: (رجلًا آدم) قال في (القاموس)(3): الأدمة بالضم في الإبل: لون مشرب سوادًا أو بياضًا، أو هو البياض الواضح، وفي

(1)"مشارق الأنوار"(1/ 371).

(2)

"شرح الطيبي"(11/ 3465).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 969، 379).

ص: 716

لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ، قَدْ رجَّلَها فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً، مُتَّكِئًا عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ" قَالَ: "ثُمَّ إِذَا أَنَا بَرُجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ بِابْنِ قَطَنٍ، وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ فِي الدَّجَّالِ: "رَجُلٌ أَحْمَرُ، جَسِيمٌ، جَعْدُ الرَّأْسِ،

ــ

الظباء: لون مشرب بياضًا، وفينا السُّمْرَة، السمرة بالضم: منزلة بين البياض والسواد، والسمراء: الحنطة. و (اللمة) بكسر اللام: شعر يتجاوز الأذن ويقرب إلى المنكبين، وسيجيء تحقيقه في حلية النبي صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (تقطر ماء) قال الشيخ ابن حجر (1): يحتمل أن يكون كناية عن مزيد النظافة والنضارة.

وقوله: (على عواتق رجلين) جمع عاتق بمعنى المنكب، إطلاقًا للفظ الجمع على اثنين كـ {قُلُوبُكُمَا} ، أو المراد مواضع من عاتق كل منهما.

وقوله: (من رأيت) مروي بصيغة التكلم والخطاب، وعلى الأول يدل على أنه صلى الله عليه وسلم رأى ابن قطن.

وقوله: (بابن قطن) هو عبد العزى بن قطن الذي مر ذكره في أول الفصل.

وقوله: (هذا المسيح الدجال) طوافه بالبيت غير مستبعد؛ لأن كفار قريش

(1)"فتح الباري"(6/ 486).

ص: 717