الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الأَوَّلُ:
5068 -
[1] عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ لِعَائِشَةَ: "عَلَيْكِ بِالرِّفْقِ، وَإِيَّاكِ وَالْعُنْفَ وَالْفُحْشَ، إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْء إِلَّا شَانَهُ". [م: 2593].
ــ
الفصل الأول
5068 -
[1](عائشة) قوله: (إن اللَّه تعالى رفيق) أي: لطيف بعباده، ويريد بهم اليسر، ولا يكلفهم إلا وسعهم، ولا يحملهم ما لا طاقة لهم به، و (يحب الرفق) من العباد ليرفق بضهم بعضًا، ويعملوا في مصالحهم من طلب الرزق وغيره بالرفق واللطف ولا يعنفوا، ثم أشار إلى استعمال الرفق في طلب الرفق وتحصيل المطالب، ورغب فيه بقوله:(ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف)، ورجحه عليه بكونه أعون على حصول المطلب وأنجح للمرام، ثم عمم وأشار إلى ترجيحه على سائر الأسباب مطلقًا قوله:(وما لا يعطي على ما سواه) أي: ما سوى الرفق، ويحتمل أن يكون الضمير في (ما سواه) للعنف على معنى: لا يعطي على ما سوى العنف من الأسباب أيضًا، ولا يختص الحكم بالعنف، هذا هو المفهوم من تقرير كلامهم، والظاهر أن الرفق والعنف كل منهما طريق تحصيل المطالب وكيفية طلبه، لا أنهما سببان مستقلان مفابلان بالأسباب، فالمباشرة بالأسباب لا تخلو إما أن تكون بالرفق أو بالعنف؛ فإن كان بالرفق فلا وجه لترجيحه عليها، وإن كان بالعنف فقد رجحه عليه، فالمغايرة بين
5069 -
[2] وَعَنْ جَرِيرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الْخَيْرَ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2592].
5070 -
[3] وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"دَعْهُ، فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الْإِيمَانِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 24، م: 36].
5071 -
[4] وَعَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْحَيَاءُ لَا يَأْتِي إِلَّا بِخَيْرٍ". وَفِي رِوَايَةٍ: "الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6117، م: 37].
ــ
المعطوف والمعطوف عليه ليس إلا في البيان والعبارة خصوصًا وعمومًا، لا يقال: لعله لا يكون بالرفق ولا بالعنف؛ لأن الرفق والعنف ضدان، والضدان يمكن ارتفاعهما؛ لأنا نقول: إذا كان أحد الضدين مساويًا لنقيض الآخر لا يرتفعان، وهناك كذلك، وأيضًا الرفق والعنف إضافيان، ففي كل مرتبة لا يخلو عن رفق أو عنف، فافهم.
5069 -
[3](جرير) قوله: (من يحرم الرفق يحرم الخير) يجوز أن يراد بالخير المطالب المرغوبة؛ فإن الرفق لما كان وسيلة إليها؛ فإذا حرم منه حرم منها، وأن يراد بالخير الرفق، والمآل واحد.
5070 -
[3](ابن عمر) قوله: (وهو يعظ أخاه) أي: يعاتبه عليه ويزجره عنه.
5071 -
[4](عمران بن حصين) قوله: (الحياء لا يأتي إلا بخير) الباء للتعدية.
وقوله: (الحياء خير كله) قال الطيبي (1): قد يشكل على بعض الناس هذا الحديث
(1)"شرح الطيبي"(9/ 233).
5072 -
[5] وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الأُولَى: . . . . .
ــ
من حيث إن الحياء قد يخل ببعض الحقوق ويمنع عنها، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والسؤال عن العلم مثلًا، والجواب أن هذا المعنى الذي ذكرتموه ليس بحياء حقيقة، بل هو عجز وجبن، ويسمى حياء بحسب اللغة، وحقيقة الحياء في الشرع: خلق يبعث على ترك القبيح الشرعي، انتهى.
ولعل الصواب أن معنى الحياء انقباض النفس عن ارتكاب القبيح طبعًا وشرعًا، لكن المحمود والممدوح في الشرع أن يكون القبيح شرعيًّا حرامًا أو مكروهًا أو ترك الأولى، فالأظهر في الجواب ما ذكر في بعض الحواشي أن هذه الكلية -أعني الحياء خير كله- مخصوصة بأن يكون موافقًا لرضا الحق، فتدبر.
وأما استحياؤه صلى الله عليه وسلم من الأمر بإخراج الذين استأنسوا بالحديث بعد الطعام مع أنه كان حقًا كما أخبر اللَّه سبحانه، فإنما كان قبل أن يوحى إليه، وكان صلى الله عليه وسلم مأمورًا بائتلافهم وإيناسهم، وإنما كان يفوته حق نفسه من التفرغ لأهله، فكان قبيحًا عنده، فاستحيا منه، فلما أخبر أنه يؤذيه، وإيذاؤه صلى الله عليه وسلم حرام، كف عن الاستحياء وتركه، وهو المراد من قوله تعالى:{وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب: 53]، واستحياؤه من عثمان رضي الله عنه بستر فخذه بعد أن تركها مكشوفة عند دخول أبي بكر وعمر رضي الله عنه فإنما كان من جهة أن عثمان كان حييًّا كما ذكره صلى الله عليه وسلم، وكان يتأذى من رؤيتها مكشوفة، فكان كشفها عنده خلاف الأولى؛ فاستحيا منه، فافهم، واللَّه الموفق.
5072 -
[5](ابن مسعود) قوله: (إن مما أدرك الناس) بالرفع أو بالنصب على الفاعلية أو المفعولية.
إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 6120].
5073 -
[6] وَعَن النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْم، فَقَالَ: "الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ. . . . .
ــ
وقوله: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) المراد بلفظ الأوامر الخبر، كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"فليتبوأ مقعده من النار"، ومعناه أن المانع من ارتكاب القبائح الحياء، وإذا لم تستح فعلت ما شئت، أو هو أمر تهديد ووعيد لمن ترك الحياء، كما في {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [فصلت: 40]، أي: اصنع ما شئت، فأنك ستجازى عليه، أو المراد ما لا يستحيا من اللَّه ولا من الناس في شعله فإذا ظهر فافعله، فهو قاعدة لجواز الفعل فيما فيه شبهة، وذلك لمن له قلب صحيح لا يستحي إلا استحياء صحيحًا، أو ورد ذلك في فعل الطاعات إذا تركها استحياء من الخلق وخوفًا من تطرق الرياء، فقال: أنها مما لا يستحيا فيها من اللَّه تعالى ورسوله، فما استحياؤك من الخلق؟ فاصنعها ولا تستح من أحد وتب واستغفر إن تطرق رياء، وهذا المعنى الأخير لا يخلوا فهمه من العبارة عن خفاء.
5073 -
[6](النواس بن سمعان) قوله: (وعن النواس) بفتح نون وواء مشددة، وقيل: بكسر نون واو مخففة، كذا في (المغني)(1)، (ابن سمعان) بكسر السين وفتحها، فافهم.
وقوله: (البر حسن الخلق) أي: العمدة فيه وأفضل أقسامه ذلك.
وقوله: (والإثم ما حاك في صدرك) أي: أثر فيه وأوقعك في التردد، ولم يطمئن قلبك، فإن ذلك أمارة أن في ذلك شيئًا من الإثم والكراهة، وهذا هو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم:(استفت قلبك)، وهذا في حق من شرح اللَّه صدره ونور قلبه، ومر ذلك فيما لم يكن
(1)"المغني"(ص: 281).