المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الأول: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٨

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(25) كتاب الآداب

- ‌1 - باب السلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الاستئذان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب المصافحة والمعانقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب القيام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الجلوس والنوم والمشي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب العطاس والتثاؤب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب الضحك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الأسامي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب البيان والشعر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب حفظ اللسان والغيبة والشتم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الوعد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب المزاح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌13 - باب المفاخرة والعصبية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب البر والصلة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب الشفقة والرحمة على الخلق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب الحب في اللَّه ومن اللَّه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب ما ينهى عنه من التهاجر والتقاطع واتباع العورات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب الحذر والتأني فى الأمور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌21 - باب الظلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(26) كتاب الرقاق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب فضل الفقراء وما كان من عيش النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْل الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الأمل والحرص

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب استحباب المال والعمر للطاعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب التوكل والصبر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الرياء والسمعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب البكاء والخوف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب تغير الناس

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الإنذار والتحذير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(27) كتاب الفتن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الملاحم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب أشراط الساعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب قصة ابن صياد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌5 - باب نزول عيسى عليه السلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب قرب الساعة وأن من مات فقد قامت قيامته

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

الفصل: ‌ الفصل الأول:

*‌

‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

5379 -

[1] عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقَامًا، مَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مقَامه إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا حَدَّثَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، وَإِنَّهُ لَيَكُونُ مِنْهُ الشَّيْءُ قَدْ نَسِيتُهُ، فَأَرَاهُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إِذَا غَابَ عَنْهُ ثُمَّ إِذَا رَآهُ عَرَفَهُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6604، م: 2891].

5380 -

[2] وَعَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا،

ــ

الفصل الأول

5379 -

[1](حذيفة) قوله: (قام فينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) أي: خطب ووعظ وأخبر بما يظهر من الفتن، و (مقامًا) مصدر أو اسم مكان، وقوله:(ما ترك) صفته، و (يكون) تامة، و (مقامه) مظهر وضع موضع ضمير الموصوف، أو استئناف، و (في) متعلق بـ (ترك)، والضمير في (إنه) للشأن، وضمائر (حفظه) و (نسيه) و (علمه) لـ (شيء).

وقوله: (إلا حدث به) استثناء منقطع، أي: لكن حدث به.

وقوله: (كما يذكر الرجل وجه الرجل) أي: إجمالًا ومبهمًا وإن نسيه تفصيلًا ومعيّنًا، فإذا رآه عرفه مشخصًا معينًا.

5380 -

[2](وعنه) قوله: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير) عرض الشيء عليه: أراه، وعرض العود على الإناء: وضعه عليه، وعرض الجند: عَيّن أمرهم ونظر في حالهم، وكل من هذه المعاني يناسب المقصد، أي: تتطرق الفتن إلى القلوب وتدخل فيها (عودًا عودًا) روي على ثلاثة وجوه: بالفتح، أي: مرة بعد مرة،

ص: 584

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وروي بالضم واحد العيدان، يريد ما ينسج به الحصير من طاقاته وشطباته، وبالفتح مع ذال المعجمة، كأنه استعاذ من الفتن، وأشهر الثلاثة بمضمومة ومهملة، ثم بمفتوحة فمعجمة أو مهملة، ومعناه على الأول: تدخل الفتن في القلوب فتنة بعد فتنة كما يدخل العود في الحصير واحدًا بعد واحد، وقيل: شبه عرضها عليها بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدًا بعد واحد، وقيل: يلصق بعرض القلوب -أي: بجانبها- كما يلصق الحصير بجنب النائم ويؤثر فيها، وعلى الثاني نعوذ باللَّه عوذًا بعد عوذ، كما يقال بعد ذكر الكفر والعصيان: نعوذ منه أو معاذ اللَّه، وعلى الثالث يعاد ويكرر مرة بعد مرة، ثم الرواية على تقدير ضم العين والدال المهملة بالرفع والنصب، والرفع على تقدير المبتدأ، أي: وهو عود عود، والجملة حالية، والنصب على الحالية، والمراد بالفتن الاعتقادات الفاسدة أو أعم، والأول أظهر.

واعلم أن لفظ الحديث على ما ذكر في (مشارق الأنوار)(1) للقاضي عياض هكذا: (تعرض الفتن على القلوب كالحصير أو عرض الحصير عودًا عودًا)، وقال في حرف الحاء مع الراء: قيل: معناه تحيط بالقلوب، يقال: حصر به القوم: إذا أحدقوا به، وقيل: حصير الجنب: عرق يمتد معترضًا على جنب الدابة إلى ناحية بطنها، شبهها بذلك، وقال ثعلب: الحصير: لحم يكون في جانب الصلب من لدن العنق إلى المتين، وقيل: أراد عرض أهل السجن واحدًا واحدًا، والحصير: السجن، وقيل: تعرض بالقلوب، فتلصق بها لصق الحصير بالجنب وتأثيرها فيه وبقاء آثارها بأعوادها في الجلد إذا لزقت به، وإلى هذا كان يذهب من شيوخنا سفيان بن العاص والوزير

(1)"مشارق الأنوار"(1/ 205، 2/ 73، 106).

ص: 585

فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا. . . . .

ــ

أبو الحسين، وقيل: تعرض عليها واحدة بعد واحدة كما تعرض المنقية لشطب الحصير وهو ما تنسج منه من لحاء القضبان على النساجة وتناوله إياها عودًا بعد آخر، وإلى هذا كان يذهب من شيوخنا أبو عبد اللَّه بن سليمان، وهو أشبه بلفظ الحديث.

وقال في حرف العين مع الواو: (تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودًا عودًا) بضم العين وبالدال المهملتين فيهما، كذا قيدنا هذا الحرف على أبي بحر، ومعنى (تعرض): تلصق الفتن القلوب كما يلصق الحصير بجنب النائم ويؤثر فيه، وإلى هذا التأويل كان يذهب من شيوخنا ممن باحثناه عن معنى الحديث الأستاذ أبو الحسين والشيخ أبو بحر، وقيل: معنى (تعرض على القلوب) أي: تظهر لها وتعرف ما تقبل منها ويوافقها وما تأباه، ومنه عرضت الخيل، وعرض السجان أهل السجن، أي: أظهرهم واختبر حالهم، كما قال تعالى:{وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ} الآية، [الكهف: 100] أي: أظهرناها، وأن المراد بالحصير هنا [الحصير المعلوم] عند عملها ونسجها، وعرض المنقية على الناسجة للحصير ما ينسج ذلك منه واحدًا بعد واحد، كما قال: عودًا عودًا، وإليه كان يذهب من شيوخنا الأستاذ أبو عبد اللَّه بن سليمان، وقال الهروي: معنى (تعرض) أي: تحيط بالقلوب، وما ذهب إليه أبو عبد اللَّه أظهر وأولى، وقيدنا عن القاضي الشهيد (عوذًا عوذًا) بفتح العين وبذال معجمة، كأنه استعاذ من الفتن، وعند الجياني (عودًا عودًا) بفتح العين والدال المهملة، وهو اختيار شيخنا أبي الحسين من هذه الوجوه، أي: تعاد عليه وتكرر، و (العود) بفتح العين: تكرار الشيء، ومنه قولهم: العود أحمد.

وقوله: (فأي قلب أشربها) على لفظ المجهول، من الإشراب، والإشراب: خلط

ص: 586

نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ،

ــ

لون بآخر، كأن أحد اللونين شرب [الآخر] وكسي لونًا آخر، وفي (الصراح) (1): الإشراب: در خوردن رنكَـ ودر خورانيدن، لازم ومتعد، يقال: أشرب الأبيض حمرة، أي: علاه ذلك، وفي (القاموس) (2): أُشْرِب فلان حب فلان: خالط قلبه، وتشرب: سرى، والثوبُ العرقَ: نشَفه، فالمراد هنا أيّ قلب اختلط بالفتن، أي: وحلَّت منه دخولًا تامًّا وحفَت منه محل الشراب [في نفوذ المسام وتنفيذ المرام]، ومنه قوله تعالى:{وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} [البقرة: 93].

قال البيضاوي (3): أي تداخلهم حبه ورسخ في قلوبهم صورته؛ لفرط شغفهم به كما يتداخل الصبغ الثوب، والشراب أعماق البدن، و {فِي قُلُوبِهِمُ} بيان لمكان الإشراب، كقوله:{إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} [النساء: 10]، انتهى.

يعني يكفي في هذا المعنى أن يقال: وأشربوا العجل، أي: حبه، فلمَ زاد {فِي قُلُوبِهِمُ} ؟ فوجهه به.

وقوله: (نكتت فيه نكتة سوداء) في (القاموس)(4): النكت: أن تضرب في الأرض بقضيب فيؤثر فيها، والنكتة بالضم: النقطة، وفي (مجمع البحار) (5): النكتة: الأثر، وقال أيضًا: وهي النقطة في شيء يخالف لونها.

(1)"الصراح"(ص: 36).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 93).

(3)

"تفسير البيضاوي"(1/ 94).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 149).

(5)

"مجمع بحار الأنوار"(4/ 803).

ص: 587

وَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى يَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ: أَبْيَضُ مِثْلُ الصَّفَا، فَلَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا. . . . .

ــ

وقوله: (أنكرها) أي: امتنع عن قبول الفتن ولم يتأثر بها. وقوله: (حتى يصير) غاية للأمرين، وصحح بالرفع والنصب، و (حتى) على الأول حرف الابتداء نحو: مرض حتى لا يرجونه، وعلى الثاني للغاية، ويروى بلفظ التذكير، فالضمير للإنسان المفهوم من السياق، وبالتأنيث فالضمير للقلوب، والمعنى على الأول: يصير جنس الإنسان مشتملًا على نوعين من القلب، وعلى الثاني: يصير القلوب على نوعين، وصحح (أبيض) بالرفع على الخبرية، وبالنصب بدلًا مع ما عطف عليه من (قلبين)، والظاهر هو الأول؛ لقوله:(والآخر أسود).

وقوله: (مثل الصفا) بالقصر: حجر أبيض شديد البياض، وفي (القاموس) (1): الصفا: الحجر الضخم الصلد لا ينبت.

وقوله: (مثل الصفا) المتبادر من العبارة أن التشبيه لبيان بياضه، ولكن المراد بيان أنه مع وجود البياض متصف بالشدة والصلابة، حتى إنه لا يتأثر بالفتنة أصلًا.

وقوله: (مربادًا) منصوب على الحال أو الذم، بضم الميم وسكون الراء وتشديد الدال، اسم فاعل من اربادّ يربادُّ كاحمارّ يحمارُّ محمارًّا، والربدة بالضم: لون إلى الغبرة، وقد اربدّ واربادّ كاحمرّ واحمارّ، وقد روي (مربئدًّا) بهمزة مكسورة، وهي لغة من نجد في الهرب عن التقاء الساكنين، ويقول:(احمأر) بهمزة بعد الميم، وقد قرئ قوله:{ولا الضألين} بهمزة بعد الضاد المعجمة على هذه اللغة.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1172).

ص: 588

كَالْكُوزِ مُجَخِّيًّا لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 144].

5381 -

[3] وَعَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثَيْنِ، رَأَيْتُ أَحَدَهُمَا وَأَنَا أَنْتَظِرُ الآخَرَ، حَدَّثَنَا:"إِنَّ الأَمَانَةَ نَزَلَتْ فِي جَذْرِ قُلُوبِ الرِّجَالِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ عَلِمُوا مِنَ السُّنَّةِ". . . . .

ــ

وقوله: (مجخيا) حال من (الكوز)، والعامل فيه معنى الفعل الذي في الكاف، وهو بضم الميم وفتح الجيم قبل الخاء المعجمة المكسورة، أي: مائلًا، يقال: جخَّى الليل: إذا مال ليذهب، وفي (القاموس) (1): جَخَّى المصلي تجخية: خَوَّى في سجوده، والليل: مال، والشيخ: انحنى، ومنه الحديث:(كالكوز مجخيا)، انتهى.

والمعنى لم يبق فيه خير كالكوز المجخى لا يبقى فيه ماء، فلم يبق فيه معرفة معروف وإنكار منكر، ولم يبق سوى ما قبل من الاعتقادات الفاسدة والشهوات النفسانية، وهذا هو موت القلب، أعاذنا اللَّه من ذلك.

5381 -

[3](وعنه) قوله: (إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال) يحتمل أن يراد بالأمانة التكاليف الشرعية التي كلف اللَّه به عباده، ونزولها في قوله تعالى:{إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72]، والمراد بنزولها ورودها وثبوتها في القلوب وأصلها الإيمان، ويدل عليه قوله في آخر الحديث:(وما في قلبه مثقال حبة من خردل من الإيمان)، ويحتمل أن يراد معناها المشهور كما يدل عليه قوله:(ولا يكاد واحد يؤدي الأمانة)، ونزولها بنزول الإيمان لتضمنه إياها، والأظهر هو الأول؛ لكونه الأصل والعمدة، ويتضمن الأمانة وغيرها من الأحكام الشرعية.

(1)"القاموس المحيط"(1142).

ص: 589

وَحَدَّثَنَا عَنْ رَفْعِهَا قَالَ: "يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْوَكْتِ، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ، فَيَبْقَى أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الْمَجْلِ،

ــ

و(الجذر) بفتح الجيم وبكسر وسكون الذال المعجمة: الأصل، يعني أنها نزلت وثبتت في قلوب رجال اللَّه تعالى باعثة على أن يعلموا بنورها حقيقة الدين وأحكام الشرع من القرآن والسنة، نبَّه على أن خلق الهداية وإرادتها من اللَّه سبحانه وتعالى في قلوب المؤمنين سابق على إرسال الرسل وتنزيل القرآن حتى اهتدوا إلى الإيمان به والانقياد لأحكامه وقبولها، وقد يقال: إن (ثم) هنا للتراخي في الرتبة، وهذا أحد الحديثين الذي قال حذيفة:(رأيت أحدهما في أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عصره وحضرته صلى الله عليه وسلم)، والحديث الآخر هو الذي أشار إليه بقوله:(وحدثنا عن رفعها)، أراد به ارتفاع كمال ثمر الإيمان وانتقاصه شيئًا فشيئًا بعده صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (ينام الرجل النومة) الظاهر أن المراد يغفل عن التذكر لآيات اللَّه تعالى، وعن التدبر في كتاب اللَّه تعالى والتنبه لسنة رسوله، وهو مقابل لقوله:(ثم علموا من القرآن والسنة)، (فتقبض) بلفظ المجهول (الأمانة) أي: بعضها، وينقص بعض ثمر الإيمان؛ لقوله:(فيظل) أي: يصير (أثرها) أي: أثر الأمانة، والأثر ما بقي من رسم الشيء، يعني ترفع الأمانة عن القلوب عقوبة على الذنوب وترك النظر والتدبر، حتى إذا استيقظوا وتفحصوا عن أحوال قلوبهم ونظروا فيها لم يجدوا قلوبهم على ما كانت عليه، ويبقى أثر من الأمانة تارة مثل الوكت وتارة مثل المجل، و (الوكت) بفتح الواو وسكون الكاف جمع وكتة، وهي الأثر في الشيء كالنقطة من غير لونه، وقيل: هي نقطة بيضاء تظهر في سواد العين، و (المجل) غلظ الجلد من العمل، يقال: مجلت

ص: 590

كَجَمْرٍ دَحْرَجْتَهُ عَلَى رِجْلِكَ فَنَفِطَ، فَتَرَاهُ مُنْتَبِرًا وَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ،

ــ

يده بالفتح تمجل من نصر وضرب مجلًا بسكون الجيم، أي: ثخن جلدها وظهر فيها ما يشبه البثر أمن العمل، بالأشياء الصلبة، وفي (القاموس) (1): مجلت يده كنصر وفرح مجلًا ومجولًا: نفطت من العمل فمرنت، كأمجلت.

وقوله: (كجمر) بدل من (مثل أثر المجل)، أو خبر مبتدأ محذوف، أي: هو كجمر، أي: أثر المجل في القلب كأثر جمر قلّبته على رجلك (فنفط) أي: العضو موضع إصابة الجمر، وهو رجلك، أي: صار نفطة، أي جدريًا، (فتراه منتبرًا) أي: مرتفعًا منتفخًا، ويحسب الناس أن في جوفه شيئًا وليس فيه شيء صالح، فكذا هذا الرجل يحسبه الناس صالحًا ولا يكون فيه من الصلاح والإيمان شيء إلا قليل، فظهر من هذا التقرير أن الوكت والمجل تمثيلان لبقاء أثر الأمانة، ويخدش في هذا الوجه أن أثر المجل والجمر أشدّ وأكثر من أثر الوكت، وسوق الكلام يقتضي أن يكون أقلّ وأضعف؛ لأنه قبض في هذه المرتبة مما بقي من المرتبة الأولى، فيكون أنقص، وأشاروا إلى توجيهه أن هذا أقلّ من الأولى؛ لأنه شبه بالمجوف الذي ليس فيه شيء، ولا طائل تحته، ولا يخفى ما فيه.

وقيل: إن الوكت والمجل تمثيلان لزوال الأمانة لا لبقائها، ومعنى الحديث: تزول الأمانة عن القلوب شيئًا فشيئًا، فإذا زال أول جزء زال نورها وخلفه ظلمة كالوكت، فإذا زال منه جزء آخر صار كالمجل واشتدّ أثر الظلمة حتى لا يكاد يزول إلا بعد مدة، وهذه الظلمة فوق ما قبلها، وهذا التوجيه لا يخلو عن بعد من لفظ الحديث، فتدبر.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 952).

ص: 591

وَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ وَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّي الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِي بَنِي فُلَانٍ رَجُلًا أَمِينًا، وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ: مَا أَعْقَلَهُ وَمَا أَظْرَفَهُ وَمَا أَجْلَدُهُ وَمَا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 6497، م: 143].

5382 -

[4] وَعَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن الْخَيْرِ وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرِّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ:"نَعَمْ"، قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: "نَعَمْ،

ــ

وقوله: (ويصبح الناس يتبايعون) أي: فيما بينهم، (ولا يكاد أحد يؤدي الأمانة) أي: الحقوق الثابتة لبعضهم على بعض، وهذا أيضًا من جهة زوال أثر الإيمان والعمل بمقتضاه، فلا دليل فيه على أن المراد بالأمانة معناه المشهور كما أشرنا إليه.

وقوله: (فيقال: إن في بني فلان رجلًا أمينًا) عبارة عن قلة الأمانة، أي: لا يبقى من يحفظ الأمانة إلا قليل، حتى يكون في جماعة كثيرين واحد، (ويقال للرجل: ما أعقله. . . إلخ)، يعني يكون في الرجال أشياء يعدّها العقلاء وأهل العرف فضائل من كثرة العقل والظرافة والجلادة، ويمدحون بذلك، وليس فيهم إيمان وصلاح مما يكون في الشرع عليه مدح وثواب، وفيه أنه لا عبرة بالفضائل والمزايا العرفية، وإنما العبرة للتقوى وقوة الإيمان، رزقنا اللَّه.

5382 -

[4](وعنه) قوله: (وكنت أسأله عن الشر) لعل المراد ما يقع في الناس من الفتن، وما يفشو فيهم من البدع والنزاع والجدال ولو على غير حق، وإلا فالمنهيات في الشرع مبينة، وليس السؤال عنها مخصوصًا به رضي الله عنه.

وقوله: (مخافة أن يدركني) فإن دفع الضرر أهم من جلب النفع.

ص: 592

وَفِيهِ دَخَنٌ"، قلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: "قَوْمٌ يَسْتَنُّونَ بِغَيْرِ سُنَّتِي، وَيَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ"، قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: . . . . .

ــ

وقوله: (وفيه دخن) الدخن محركة: الدخان، والدخنة كدرة في سواد، ودخنت النار كمنع ونصر دخنًا ودخونًا وأدخنت: ارتفع دخانها، وكفَرِحَتْ: ألقي عليها حطب فأُفسِدَتْ ليهيج لها دخان، ودخنت النبت والدابة: صارت ألوانهما كدرة في سواد، ومنه:(هدنة على دخن) أي: على فساد واختلاف تشبيهًا بالدخان لما بينهم من الفساد الباطن تحت الصلاح الظاهر، والمعنى: خير ممزوج بشر، فالشر فيه أنه لا يرجع قلوب قوم على ما كانت عليه، أي: لا يصفو بعضها لبعض ولا ينصع حبها، كالكدرة التي في لون الدابة، وقيل:(فيه دخن) أي: لا تكون الاعتقادات صحيحة والأعمال صالحة، وعدل الملوك خالصًا، ويرتكب فيه البدع والمناهي.

وقوله: (يهدون) على وزن يبغون بدون تاء الافتعال، وفي رواية مسلم:(أئمة لا يهتدون) بلفظ الافتعال.

وقوله: (تعرف منهم وتنكر) أي: ترى فيهم المعروف والمنكر جميعًا، أو تعرف منهم المنكر؛ بأن يصدر منهم المنكر، و (تنكر) خبر بمعنى الأمر، والمعنى الأول أظهر وأنسب بقوله:(نعم، وفيه دخن)، وليس في قوله:(يستنون بغير سنتي) دليل على المعنى الثاني، فإنه مع وجود الاستنان بغير سنة فيهم خير معروف، فافهم.

قالوا: الخير بعد الشر أيام عمر بن عبد العزيز، والذين تعرف منهم وتنكر الأمراء بعده، ومنهم من يدعو إلى بدعة كالخوارج.

وقيل: يحتمل أن الشر زمان قتل عثمان والخير بعده زمان علي، والدخن الخوارج، والشر بعده زمان الذين يلعنون على المنبر.

ص: 593

"نَعَمْ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا"، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ:"هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا"، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْركَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ"، قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ؟ قَالَ: "فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ. . . . .

ــ

وقوله: (دعاة على أبواب جهنم) أي: يدعون الناس إلى الضلالة. وقوله: (هم من جلدتنا) بكسر الجيم، أي: من أبناء جنسنا ومن أهل ملتنا، أو من عشيرتنا وأقربائنا، وجلدة الشيء: ظاهره، وهي في الأصل غشاء البدن، كذا في (الحواشي).

وقوله: (ويتكلمون بألسنتنا) أي: يتكلمون بالقرآن والأحاديث، أو بالمواعظ والحكم وما في قلوبهم شيء من الخير من الاعتقاد الصحيح والإيمان الخالص، أي: لا تعرفهم بصورهم وظاهرهم بل بسيرتهم واعتقاداتهم، وهذا كما قال في شأن الخوارج:(يقرؤون القرآن ولا يجاوز حناجرهم) الحديث، ولعلهم المراؤون.

وقوله: (إن أدركني ذلك) الشر أو زمانه.

وقوله: (ولو أن تعض بأصل شجرة) أي: أعتزل ولو قنعت فيه بِعَضِّ أصل شجرة، كذا قال الطيبي (1)، وفي بعض الحواشي: أي: تأكل الحشيش في البراري.

اعلم أنه قد قال في (القاموس)(2): عضضته وعليه كسمع ومنع عضًّا وعضيضًا: أمسكته بأسناني، وبصاحبي عضيضًا: لزمته، ولما كان العض في الحديث مستعملًا بالباء كان المعنى لزوم أصل الشجر، أي: تنقطع عن الناس وتتبوأ أجمة، وتلزم أصل

(1)"شرح الطيبي"(10/ 52).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 582).

ص: 594

حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3606، م: 1847].

ــ

شجرة إلى أن تموت مع أنه ليس مما يلزم ويتبوأ، ففيه مبالغة في العزم على اعتزالهم والانقطاع عنهم، وأما العض بمعنى الإمساك بالأسنان فهو إنما يستعمل متعديًا بنفسه أو بـ (على)، كما في حديث:(من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بِهَنِ أبيه ولا تكنوا)(1)، وفي حديث:(عضوا عليها بالنواجذ).

نعم قد يعلم من (الصراح)(2) أن العض بهذا المعنى قد يستعمل بالباء أيضًا، حيث قال: عض كَزيدن، يقال: عضَّه وعضَّ به وعضَّ عليه بالهاء والباء وبـ (على)، وقال بعده: عضيض ملازم شدن، ولم يتعرض في (القاموس) لاستعماله بمعنى الإمساك بالأسنان مستعملًا بالباء، ولم يغلط الجوهري في ذلك أيضًا كما هو عادته، ثم إن الطيبي (3) ذكر معنى اللزوم في الحديث الآتي في (الفصل الثاني) في قوله:(وأنت عاض على جذل الشجرة) أي: أصلها مع أنه مستعمل بـ (على)، واستشهد بقولهم: عض الرجل بصاحبه مستعملًا بالباء، ولا يخفى ما فيه، فلعله جوز استعماله في كلا المعنيين مستعملًا بكلا الحرفين، وقد يظهر ذلك في (الصراح) أيضًا، بل متعديًا بنفسه أيضًا، وذكر الطيبي في ذلك الحديث معنى آخر أيضًا، وهو الصبر على عضيض الزمان والتحمل لمشاقه وشدائده، قال: عض جذل الشجر -وهو أصله- كناية عن مكابدة الشدائد، من قولهم: فلان يعض بالحجارة لشدة الألم، وقد أشير إلى هذا المعنى في (القاموس) (4) أيضًا حيث قال: وعض الزمان والحرب شدتهما، لكنه أيضًا مستعمل

(1) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى"(8813).

(2)

"الصراح"(ص: 282).

(3)

انظر: "شرح الطيبي"(11/ 134).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 582).

ص: 595

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ: "يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ"، قَالَ حُذَيْفَةُ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "تَسْمَعُ وَتُطِيعُ الأَمِيرَ وَإِنْ ضَرَبَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

5383 -

[5] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِم، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 118].

ــ

في قولهم بالباء، وفي الحديث بـ (على)، ويجوز إرادته في الحديث الذي نحن فيه أيضًا بطريق الأولى؛ لاستعماله بالباء، فتدبر.

وقوله: (في جثمان): (الجثمان) بالضم وسكون المثلثة الجسد، وفي (القاموس) (1): الجسم والشخص، وبالسين: الجسم.

وقوله: (وإن ضرب وأخذ) صحِّح بلفظ المجهول والمعلوم.

5383 -

[5](أبو هريرة) قوله: (بادروا بالأعمال فتنًا) أي: بادروا إلى الاشتغال بالأعمال الصالحة قبل وقوع الفتن المانعة عنه، (كقطع الليل المظلم) من حيث إنها شاعت ولا يعرف سببها، ولا طريق للخلاص منها.

وقوله: (يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا) ويجوز أن يكون معناه مؤمنًا لتحريمه

(1)"القاموس المحيط"(ص: 979).

ص: 596

5384 -

[6] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمٌ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فليَعُذْ بِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: قَالَ: "تَكُونُ فِتْنَةٌ، النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ، واليقظانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَسْتَعِذْ بِهِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3601، م: 2886].

ــ

دم أخيه وعرضه وماله، وكافرًا لتحليله، واللَّه أعلم.

5384 -

[6](وعنه) قوله: (خير من الساعي) في (الصراح)(1): السعي: دويدن وشتاب كردن وكسب وكار كردن، والمقصد من الحديث أن التباعد عنها خير في أيّ مرتبة كانت، فالقاعد أبعد، ثم الواقف في مكانه، ثم الماشي من الساعي.

وقوله: (من تشرف لها تستشرفه) أي: صار مشرفًا، واستشرف الشيء: رفع بصره إليه وبسط كفه فوق صاحبه، كالمستظل من الشمس، وحاصل المعنى: من تطلع لها ودعته إلى الوقوع فيها فالخلاص في التباعد عنها.

وقوله: (ملجأً أو معاذًا) كلاهما بمعنًى، في (القاموس) (2): المعاذ: الملجأ، وقال: العوذ: الالتجاء، وفي (الصراح) (3): لجأ ملجًا: بناه كَرفتن، وقال: عوذ عياذ معاذ اندخسيدن، وعذت به واستعذت به، أي: لجأت إليه، وهو عياذي أي:

(1)"الصراح"(ص: 565).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 303).

(3)

"الصراح"(ص: 14، 155).

ص: 597

5385 -

[7] وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ، أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتنٌ، أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ، القاعدُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي فِيهَا، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي إِلَيْهَا، أَلَا فَإِذَا وَقَعَتْ فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِل فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ، وَمَنْ كَانَ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ؟ قَالَ: "يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ،

ــ

ملجئي، ولذا اكتفى في الجزاء بأحدها، وقال:(فليعذ به)، فعلى هذا يجوز أن تكون (أو) للشك من الراوي، أو تكون تأكيدًا، وهكذا تقع هاتان الكلمتان معًا.

5385 -

[7](أبو بكرة) قوله: (إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة): (ثم) للتراخي في الرتبة، والتنوين للتعظيم، وهو من عطف الخاص على العام، وفي بعض النسخ زيادة:(ثم تكون فتن) بعد قوله: (إنها ستكون فتن)، وليست موجودة في النسخ المصححة، ويفهم من كلام الطيبي أيضًا أنه ليس موجودًا في نسخته، وأخرجه في (الجامع الصغير) من حديث أحمد، وليس فيه هذه الزيادة، وعلى تقدير وجودها المعنى على تكثير الفتن طائفة بعد طائفة، وأن منها تكون فتنة عظيمة.

وقوله: (فيدق) بضم الدال (على حده بحجر) قيل: أراد كسر السيف حقيقة ليسدّ على نفسه باب القتال، وقيل -وهو الأظهر-: إنه كناية عن ترك القتال، وبمثله احتج من لا يرى القتال في الفتنة بكل حال، وهو مذهب أبي بكرة، وقال ابن عمر: لا يقاتل ابتداء ويدفع لو قوتل، وقال معظم الصحابة والتابعين: يجب نصر المحق وقتال الباغي، وإلا ظهر الفساد واستطال أهل البغي بقوله تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} الآية [الحجرات: 9]، ويتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق

ص: 598

ثُمَّ لِيَنْجُ إِنِ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ، اللهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ؟ " ثَلَاثًا، فَقَالَ: رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ، فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ، أَوْ يجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي؟ قَالَ: "يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ، وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ. . . . .

ــ

من المبطل، أو على طائفتين لا تأويل لواحد منهما.

وقوله: (ثم لينج إن استطاع النجاء) وهو السرعة، نجا ينجو: إذا أسرع، ونجا من الأمر: إذا خلص، وأنجاه غيره، وهو بالمد، والمعروف فيه المد إذا أفرد، والمد والقصر إذا كرر، كذا في (مجمع البحار)(1).

وقوله: (اللهم هل بلغت ثلاثًا) أي: قال هذا القول وهو (اللهم هل بلغت) ثلاث مرات، والمراد تبليغ ما ذكره، أو مطلق ما أمر أن يبلغ.

وقوله: (يبوء بإثمه وإثمك) أصل هذا التركيب قوله تعالى حكاية عن قول هابيل لأخيه: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} [المائدة: 29]، وفسره البيضاوي (2): تبوء بإثمي لو بسطت إليك يدي، وإثمك ببسطك يدك إليّ، وقيل: معنى بإثمي: بإثم قتلي، وبإثمك الذي لم يتقبل من أجله قربانك، انتهى.

أي: الذي هو السبب الباعث على قتلك إياي، فإن الباعث عليه عدم التقبل الباعث على الحسد، فسببه سبب له، ففيما نحن فيه المراد بـ (إثمك) قتلك بالإضافة إلى المفعول، وبـ (إثمه) الذي بعثه على قتلك من العداوة والبغضاء، فافهم.

(1)"مجمع بحار الأنوار"(4/ 685).

(2)

"تفسير البيضاوي"(1/ 263).

ص: 599

النَّار". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2887].

5386 -

[8] وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتَّبِعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 19].

5387 -

[9] وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: أَشْرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ " قَالُوا: لَا، قَالَ:"فَإِنِّي لأَرَى الْفِتَنَ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ الْمَطَرِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1878، م: 2885].

ــ

5386 -

[8](أبو سعيد) قوله: (يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم) يجوز أن يكون برفع (خير) وبنصب (غنم)، وأن يكون بالعكس، على أن يكون أحدهما اسمًا لـ (كان) والثاني خبرًا، وكلاهما رواية، والموجود في (البخاري) وفي نسخ (المشكاة) و (المصابيح) هو الثاني، وأن يكونا مرفوعين لكونهما مبتدأً وخبرًا، وفي (يكون) ضمير الشأن.

وقوله: (يتبع) بتشديد التاء من الاتباع، و (الشعفة) محركة: رأس الجبل، والجمع شعف وشعاف وشعوف وشعفات، يعني يسكن في الجبال فرارًا عن صحبة الناس، و (مواقع القطر) أي: مواضع المطر ليرعاه.

5387 -

[9](أسامة بن زيد) قوله: (على أطم): (الأطم) بضمتين: القصر وكل حصن مبني بالحجارة، وفي المدينة وحواليها آطام كان يسكن فيها اليهود وغيرهم. وقوله:(فإني لأرى الفتن تقع) إن كانت الرؤية قلبية فـ (تقع) مفعول ثان، وإن كانت بصرية فهو حال، فكأنه كوشف له صلى الله عليه وسلم ومثل بصور فرآها بالبصر.

ص: 600

5388 -

[10] وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدَي غِلْمةٍ مِنْ قُرَيْشٍ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: 3605].

ــ

5388 -

[10](أبو هريرة) قوله: (هلكة أمتي) في (القاموس)(1): هلك كضرب ومنع وعلم هُلكًا بالضم، وتُهلوكًا وهُلوكًا بضمهما، ومهلكة وتهلكة مثلثتي اللام: مات، والهلكة محركة: الهلاك، (غلمة) بكسر الغين وسكون اللام جمع غلام كغلمان بالكسر: الشاب والكهل، ضد، كذا في (القاموس) (2). وفي (الصراح) (3): غلام كودك، وأصل معنى اللفظ: غلبة الشهوة وهيجانها، من غلم كفرح واغتلم: غلبته شهوته، وقال الطيبي (4) في تفسيره: أي أحداث السن الذين لا مبالاة لهم بأصحاب الوقار وذوي النهى.

وقال في (مجمع البحار)(5): وكان أبو هريرة رضي الله عنه يعرف أسماءهم وأعيانهم، وسكت عن تعيينهم مخافة مفاسد، وكانهم يزيد بن معاوية، وعبيد اللَّه بن زياد ونحوهما من أحداث ملوك بني أمية، فقد صدر عنهم من قتل أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وسبيهم وقتل خيار المهاجرين والأنصار، وما صدر عن الحجاج وسليمان بن عبد الملك وولده (6) من سفك الدماء وإتلاف الأموال فغير خاف.

وأقول: لما كان الحجاج من أمراء عبد الملك بن مروان كان ما فعله من الفساد منسوبًا إليهم وإن لم يكن هو من قريش.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 1030).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 862).

(3)

"الصراح"(ص: 485).

(4)

شرح الطيبي" (11/ 3408).

(5)

"مجمع بحار الأنوار"(4/ 59).

(6)

كذا في "مجمع بحار الأنوار"، والظاهر:"عبد الملك وولده الوليد"، واللَّه أعلم.

ص: 601

5389 -

[11] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ"، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 85، م: 157].

5390 -

[12] وَعَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ؟ وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ؟ " فَقِيلَ: كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "الْهَرْجُ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2908].

ــ

5389 -

[11](وعنه) قوله: (يتقارب الزمان) قد يراد به اقتراب الساعة، وقد يراد تقارب أهل الزمان بعضهم من بعض في الشر والفتنة، أو تقارب الزمان في نفسه حتى يشبه أوله آخره، أو قصر أعمار أهله، أو قصر مدة الأيام والليالي حتى تكون السنة كالشهر والشهر كالأسبوع، أو تسارع الدول إلى الانقضاء فتتقارب أزمنتها، وقد ذكرنا في (كتاب الرؤيا) في شرح صدق الرؤيا عند اقتراب الزمان وجوهًا أخر، والحق أن هذا اللفظ له معاني متعددة بعضها أنسب بحديث الرؤيا، وبعضها بهذا الحديث، فتدبر.

وقوله: (ويقبض العلم) أي: يقبض العلماء كما جاء في الحديث.

وقوله: (ويلقى الشح) المراد به غلبته وعمومه على طوائف الناس وإطاعتهم له، كالغني يبخل بماله، والعالم بعلمه، والصانع بصنعه، وإلا فوجود أصل الشح من طبيعة الإنسان.

و(الهرج) بفتح الهاء وسكون الراء: الفتنة والاختلاط، فتفسيره بالقتل لأنه سببه.

5390 -

[12](وعنه) قوله: (القاتل والمقتول في النار) وإنما كان المقتول في النار لكونه حريصًا عازمًا على قتل صاحبه، وهذا إذا كان يقاتل من غير شبهة

ص: 602