الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 2664].
*
الْفَصْلُ الثَّانِي:
5299 -
[5] عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَوْ أَنَّكُمْ تَتَوَكَلُونَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ،
ــ
به، والصبر على الطاعة، وفي قوة العزائم على الخير، وتقوية الدين بالجهاد، والأمر بالمعروف، ونحو ذلك، وقيل: أراد من صبر على محاسبة الناس، وتحمل أذاهم في تعليمهم الخير.
وقوله: (فإن لو تفتح عمل الشيطان) أي: من معارضة القدر والوسوسة، وذلك إذا تكلم بها بطريق معارضة القدر ونسبة الحول والقوة إلى النفس واعتقاد ذلك حقًّا، وإلا فقد وقع في الأحاديث منه صلى الله عليه وسلم كقوله في الحج:(لو استقبلت من أمري ما استدبرت) لتطييب قلوب الصحابة، وكذلك قول من قاله تأسفًا على ما فات منه من الطاعة، وأمثال ذلك.
الفصل الثاني
5299 -
[5](عمر بن الخطاب) قوله: (حق توكله) فسره الطيبي (1): بأن يعلم يقينًا أن لا فاعل إلا اللَّه، ثم يسعى في الطلب على الوجه الجميل، قال: ولذلك شبهه بالطير، واستند في ذلك بما قال الإمام الغزالي: من ظن أن معنى التوكل ترك الكسب
(1)"شرح الطيبي"(9/ 362).
تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ. [ت: 2344، جه: 4164].
5300 -
[6] وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ لَيْسَ مِنْ شَيْءٍ يُقَرِّبُكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ النَّارِ إِلَّا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَيْسَ شَيْءٌ (1) يُقَرِّبُكُمْ مِنَ النَّارِ وَيُبَاعِدُكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَإِنَّ الرُّوحَ الأَمِينَ -وَفِي روايةٍ: وَإِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ- نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا،
ــ
[بالبدن، وترك التدبير بالقلب]، والسقوط على الأرض كالخرقة الملقاة، فهو جاهل، وبما قال الإمام أبو القاسم القشيري: اعلم أن التوكل محله القلب، وإنما الحركة بالظاهر، فلا تنافي التوكل بعد ما تحقق [العبد] الثقة.
وقوله: (تغدو خماصًا) الغدوة بالضم: البكرة، أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس كالغداة، غدا عليه غدوًا وغدوة بالضم: بكرة، والخمصة: الجوع، والمخمصة: المجاعة، وخميص الحشى: ضامر البطن، والخماص بالكسر جمع خميص، و (الرواح) العشي من الزوال إلى الليل، و (البطان) بالكسر جمع بطين، ورجل بطين: عظيم البطن، ضد الخميص، وبطن ككرم.
5300 -
[6](ابن مسعود) قوله: (وإن الروح الأمين) بالتوصيف، والمراد به جبرئيل عليه السلام، وكذاب (روح القدس) بالإضافة، والقدس بالضم وبضمتين: الطهر، اسم ومصدر؛ لأنه خلق من طهارة روح، فالإضافة لزيادة الاختصاص مثل حاتم الجود،
(1) في نسخة: "من شيء".
أَلَا فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، وَلَا يَحْمِلَنَّكُمُ اسْتِبْطَاءُ الرِّزْقِ أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعَاصِي اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ لَا يُدْرَكُ مَا عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا بِطَاعَتِهِ". رَوَاهُ فِي "شَرْحِ السُّنَّةِ" وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ". . . . .
ــ
وقيل: المصدر بمعنى المفعول، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة، وفيه تكلف، والنفث: النفخ، والروع بالضم: القلب، والمراد بنفث روح القدس في الروع الوحي الخفي، (وأجملوا في الطلب) في (القاموس) (1): أجمل في الطلب: اعتدل فلم يفرط، وذلك بأن يكون على الوجه المشروع غير مخل بالحقوق والآداب من غير حرص ولا اضطراب.
وقوله: (ولا يحملنكم استبطاء الرزق) يعني إذا أبطأ وصول الرزق -وهو كذلك كان مقدرًا فاستبطأتموه، أي: عددتموه بطيئًا في الوصول، وذلك لتوهمكم وصوله كل يوم مثلًا- فلا يحملنكم ذلك على اضطرابكم وإفراطكم في الطلب وارتكاب المعصية في ذلك ظنًّا منكم أنه يصل بهذا السبب، وهو لا يصل به، ولا يحصل إلا المعصية، فاجتنبوها، و (لا يدرك ما عند اللَّه) تعالى -وهو الرزق الحلال- (إلا بطاعته) أي: داوموا على طاعته واستقيموا ولا تضطربوا، فإن الرزق الذي قدر لكم واصل إليكم وتمدحون بذلك، وإن عصيتم لا يصل الرزق ويرجع الذم إليكم، هذا حاصل معنى الحديث، وقيل: المراد بـ (ما عند اللَّه) الجنة، كذا في (الحواشي)، وفي الحديث دليل على أن الرزق واصل البتة، وهو قد يكون حلالًا إذا حصل بواسطة الطاعة، ويكون حرامًا إذا حصل بالمعصية كما هو المذهب.
(1)"القاموس المحيط"(ص: 881).
إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ: "وَإِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ". [شرح السنة: 4111، 4112، 4113، شعب: 9891].
5301 -
[7] وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الزَّهَادَةُ فِي الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِتَحْرِيمِ الْحَلَالِ وَلَا إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَلَكِنَّ الزَّهَادَةَ فِي الدُّنْيَا أَنْ لَا تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثَقَ بِمَا فِي يَد اللَّهِ، وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ الْمُصِيبَةِ إِذَا أَنْتَ أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبَ فِيهَا لَوْ أَنَّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَعَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ الرَّاوِي مُنْكَرُ الحَدِيثِ. [ت: 2340، جه: 4100].
ــ
وقوله: (إلا أنه لم يذكر: وإن روح القدس) يعني أنه لم يذكره بدلًا عن قوله: (وإن الروح الأمين) في رواية، بل ذكر (وإن الروح الأمين نفث في روعي) من غير ذكر قوله: وفي رواية: وإن روح القدس.
5301 -
[7](أبو ذر) قوله: (الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال. . . إلخ)، قالوا: الزهد في الدنيا هو عدم الرغبة فيها، والخروج عن متاعها وشهواتها ومالها وجاهها، فأشار صلى الله عليه وسلم أنه لا يتم مقام الزهد بهذا؛ لأن غايته ترك اللذات والأموال، وإسقاطها وإخراجها عن اليد؛ لأنه في الحقيقة تحريم الحلال وإضاعة المال، قال: هذا تنقيصًا له وحطًّا لرتبته.
وقوله: (ولكن الزهادة في الدنيا. . . إلخ) يشير إلى أن مقام الزهد إنما يتحقق بالتوكل على اللَّه، والثقة به، والاعتماد عليه وعلى ما عنده بالصبر على المصائب؛ رغبة في ثواب الآخرة.
ومعنى (أبقيت) أي: المصيبة (لك) منعت وأخرت عنك ما أصبت بها، والحاصل
5302 -
[8] وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ: "يَا غُلَامُ احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تجِدْهُ تُجَاهَكَ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ. [حم: 1/ 293، ت: 2516].
5303 -
[9] وَعَنْ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَى اللَّهُ لَهُ،
ــ
أن رغبتك في المصيبة لأجل ثوابها أكثر من رغبتك في عدمها.
5302 -
[8](ابن عباس) قوله: (احفظ اللَّه يحفظك) أي: احفظ حق اللَّه وراعِهِ يحفظك اللَّه من مكاره الدنيا والآخرة.
وقوله: (تجاهك) أي: مقابلك، والتاء بدل من الواو، وفي الحديث زيادات في غير رواية أحمد والترمذي نقلها الطيبي وشرحها (1).
وقوله: (رفعت الأقلام وجفت الصحف) كناية عن معنى القضاء وثبوت القدر لا يتغير ولا يتبدل.
5303 -
[9](سعد) قوله: (من سعادة ابن آدم رضاه بما قضى اللَّه له) لأداء حقوق العبودية وامتثال الأمر الإرادي، ولأن فيه سلامة القلب، وجمعية الخاطر، وفراغ الوقت من الاضطراب والتدبير والتشعب في أودية الهموم، وأما الاستخارة
(1) انظر: "شرح الطيبي"(10/ 3338).