الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
*
الْفَصْلُ الثَّالِثُ:
4662 -
[35] عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَنَفَخَ فِيهِ الرُّوحَ عَطَسَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ بإِذْنِهِ، فَقَالَ لَهُ ربُهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ يَا آدَمُ! اذْهَبْ إِلَى أُولَئِكَ الْمَلَائِكَةِ -إِلَى مَلَأٍ مِنْهُمْ جُلُوسٍ- فَقُلِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، قَالُوا: عَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ بَنِيكَ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ لَهُ اللَّهُ وَيَدَاهُ مَقْبُوضَتَانِ: اخْتَرْ أَيَّتَهُمَا شِئْتَ؟ فَقَالَ: اخْتَرْتُ يَمِينَ رَبِّي. . . . .
ــ
الفصل الثالث
4662 -
[35](أبو هربرة) قوله: (فقال: الحمد للَّه فحمد اللَّه بإذنه) يعني إنما حمده بتوفيقه؛ لأن حمده تعالى أمر عظيم لا يتيسر إلا به، فقوله:(فحمد اللَّه) ليس بيانًا لتحميده حتى يكون المعنى كما قال الطيبي (1): المعنى أراد أن يحمده فحمده.
وقوله: (إلى ملأ منهم) الظاهر أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بيانًا للمشار إليهم في كلام اللَّه تعالى، ويجوز أن يكون من كلام اللَّه، والملأ: الجماعة لأنهم يملؤون المجلس.
وفي (النهاية)(2): أشراف الناس ورؤساؤهم ومقدموهم الذين يرجع إلى قولهم؛ لأنهم ملئوا بالرأي والغنى.
وقوله: (ثم رجع إلى ربه) أي: إلى مكان كان فيه لما كلمه ربّه.
(1)"شرح الطيبي"(9/ 23).
(2)
"النهاية"(4/ 351).
وَكِلْتَا يَدَيْ رَبِّي يَمِينٌ مُبَاركَةٌ، ثُمَّ بَسَطَهَا فَإِذَا فِيهَا آدَمُ وَذُرِّيَّتُهُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَا هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ ذُرِّيَّتُكَ،
ــ
وقوله: (وكلتا يدي ربي يمين مباركة) من كلام آدم، أو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولهم في شرح هذا القول معان وتأويلات:
أحدها: أن الثابت له يد صفة لا يد جارحة، وهذه العبارة كناية عن نفي اليد الجارحة؛ لأنه لو كانت لكانت يمينًا وشمالًا، وقد أشار في آخر الكلام أن المراد وجود الخير والبركة التي هي لازمة لليد اليمين ومادة استقامة، فافهم.
وثانيها: أن الشمال تكون ناقصة في القوة والبطش، فكنى بكون كلتيهما يمينًا نفي النقصان عن صفاته تعالى، وأن صفاته كلها كاملة.
وثالثها: أن آدم لما قال: اخترت يمين ربي قال: وكلتا يدي ربي يمين، أراد به الشكر على جميع نعمه، وأن له الفضل والنعمة، وأن جميع ما بيده فضل وطول؛ دفعًا لما يتوهم من الاختيار وترجيح صفاته اللطفية على القهرية.
ورابعها: أنه أراد به وصف اللَّه تعالى بغاية الجود والكرم والإحسان والتفضل؛ لأن العرب تقول لمن ينفع مطلقًا: كلتا يديه يمين، ولمن يضر: جعل سهمه بالشمال، ولمن لا ينفع ولا يضر: ليس فلان باليمين ولا بالشمال.
وخامسها: أن اليد تطلق على القدرة والنعمة، وعلى الأول اليدان عبارة عن خلق الهدى والإيمان والضلال والكفر، وعلى الثاني عن منح الألطاف وتيسر الهدى للمهتدي، وكل من ذلك عدل وحكمة؛ لأنه عزيز يتصرف في ملكه ما يشاء، حكيم يعلم ما يخفى على من سواه، يضل من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم.
وقوله: (فإذا فيها آدم وذريته) أي: مثلهم في عالم الغيب.
فَإِذَا كُلُّ إِنْسَانٍ مَكْتُوبٌ عُمْرُهُ بَين عَيْنَيْهِ، فَإِذَا فِيهِمْ رَجُلٌ أَضْوَؤُهُمْ -أَوْ مِنْ أَضْوَئِهِمْ- قَالَ: يَا رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ وَقَدْ كَتَبْتُ لَهُ عُمْرَهُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ: يَا رَبِّ زِدْ فِي عُمْرِهِ، قَالَ: ذَلِكَ الَّذِي كَتَبْتُ لَهُ، قَالَ: أَيْ رَبِّ فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُ لَهُ مِنْ عُمْرِي. . . . .
ــ
وقوله: (فإذا فيهم رجل أضوؤهم) أظهر اللَّه تعالى داود على آدم عليهما السلام بنوع من الامتياز في الظهور والنورانية ليحمله على السؤال ويترتب عليه ما ترتب من قصة عمره وجحوده، وليس المراد بأضوئيته زيادة في صفات الكمال بأسرها، ولعله كان في صورة داود عليه السلام نوع من الضوء والنورانية في ذلك العالم أو في الدنيا أيضًا يمتاز به عن سائر إخوانه من النبيين، وكل من الأنبياء يختص بصفة ويمتاز، وليس يلزم من ذلك فضله على سائر الأنبياء.
وقد بين الرواية الثانية أعني من أضوئهم أن الأضوئية مشتركة بينه وبين طائفة من الأنبياء، ولا يجب أن يكون الباعث على سؤاله عن حال داود ورؤيته إياه ممتازًا عن الكل بل اتفق بوقوع نظره عليه قصدًا، ولا يفهم هذا المعنى من لفظ هذا الحديث على ما ذكر في أول الكتاب في (باب الإيمان بالقدر):(وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصًا من نور، فرأى رجلًا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه)، فليفهم.
وقوله: (وقد كتبت له عمره أربعين سنة) قال الطيبي (1): نصب (أربعين) على المصدر على تأويل: كتبت له أن يعمر أربعين سنة، ويمكن أن يضمن (كتبت) معنى الجعل، وفي بعض النسخ:(عمر أربعين) بدون الضمير، والإضافة بيانية.
وقوله: (قال: أي رب) ذكر في بعض المواضع: (أي)، وفي بعضها:(يا) إشارة
(1)"شرح الطيبي"(9/ 26).
سِتِّينَ سَنَةً، قَالَ: أَنْتَ وَذَاكَ، قَالَ: ثُمَّ سَكَنَ الْجَنَّةَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أُهْبِطَ مِنْهَا، وَكَانَ آدَمُ يَعُدُّ لِنَفْسِهِ، فَاتَاهُ مَلَكُ الْمَوْتِ، فَقَالَ لَهُ آدَمُ: قَدْ عَجلْتَ، قَدْ كُتِبَ لِي أَلْفُ سَنَةٍ. قَالَ: بَلَى، وَلَكِنَّكَ جَعَلْتَ لِابْنِكَ دَاوُدَ سِتِّينَ سَنَةً، فَجَحَدَ فَجَحَدَتْ ذُرِّيتُهُ، وَنَسِيَ فَنَسِيَتْ ذُرِّيَّتُهُ"، قَالَ: . . . . . .
ــ
إلى قربه تعالى من جهة لطفه ورحمته بعباده، وبُعده من حيث الكبرياء والعظمة، وذكر لفظ البعيد بعد القريب والقريب بعد البعيد إيماء إلى أنه في عين قربه بعيد، وفي بعده قريب من جهتين لا يتقيد بأحدهما، فليفهم.
وقوله: (أنت وذاك) من قبيل: كل رجل وضيعته، أي: أنت وهذا المطلوب مقرونان، أي: الاختيار لك إن جعلت له من عمرك فلا بأس.
وقوله: (فأتاه) أي: لما بلغ تسع مئة وأربعين، يفهم ذلك من سياق الكلام.
وقوله: (ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة) اعلم أنه ذكر فيما سبق في (باب الإيمان بالقدر) عكس ما ذكر هنا، فهناك جعل عمره أولًا ستين سنة، فجعل له آدم من عمره أربعين، ولا يرى ذلك إلا سهوًا من الراوي، وفي الحديثين اختلاف من غير هذا الوجه أيضًا، فتدبر.
وقوله: (فجحد) المراد به قوله: (قد عجلت، قد كتب لي ألف سنة) فهو في صورة الجحد، فكأنه عطف تفسيري له، فيكون هذا في حكم المعاريض التي قد صدرت مثلها من الأنبياء، وإلا فالجحد والإنكار صريحًا كيف يتصور وهو كذب، أو يكون هذا مبنيًا على النسيان، وأما الذرية فقد جحدوا صريحًا وتعمدًا، هذا ما يخطر لي في توجيهه، ولم أر من الشراح من ذكر فيه شيئًا.
وأما النسيان في قوله: (فنسي) فهو إشارة إلى ما ذكر في قوله: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا
"فَمِنْ يَوْمَئِذٍ أُمِرَ بِالْكِتَابِ وَالشُّهُودِ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 3076، 3078].
4663 -
[36] وَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيْدَ قَالَتْ: مَرَّ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارِمِيُّ. [د: 5204، جه: 3745].
4664 -
[37] وَعَنِ الْطُّفَيْلِ بْنِ أُبيِّ بْنِ كَعْبٍ: أَنَّهُ كَانَ يَأْتِي ابْنَ عُمَرَ فَيَغْدُو مَعَهُ إِلَى السُّوقِ، قَالَ: فَإِذَا غَدَوْنَا إِلَى السُّوقِ لَمْ يَمُرَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَلَى سَقَّاطٍ وَلَا عَلَى صَاحِبِ بَيْعَةٍ وَلَا مِسْكِينٍ وَلَا أَحَدٍ إِلَّا سَلَّمَ عَلَيْهِ، قَالَ الطُّفَيْلُ: فَجئْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَوْمًا فَاسْتَتْبَعَنِي إِلَى السُّوقِ، فَقُلْتُ لَهُ: وَمَا تَصْنَعُ فِي السُّوقِ وَأَنْتَ لَا تَقِفُ عَلَى الْبَيْعِ، وَلَا تَسْأَلُ عَنِ السِّلَعِ، وَلَا تَسُومُ بِهَا، وَلَا تَجْلِسُ فِي مَجَالِسِ السُّوقِ، فَاجْلِسْ بِنَا هَهُنَا نَتَحَدَّثْ، قَالَ: فَقَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: . . . . .
ــ
إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115]، وهو نسيان النهي في قوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ} [الأعراف: 19]، ويحتمل أن يكون المراد النسيان في هذه القضية، أي: جحد بناء على نسيانه كما أشرنا إليه، واللَّه أعلم، وزاد فيما سبق في (باب القدر):(وخطأ وخطات ذريته)، أي: عصى فعصت ذريته.
4663 -
[36](أسماء بنت يزيد) قوله: (في نسوة) حال من الضمير في (علينا).
4664 -
[37](الطفيل بن أُبي) قوله: (سقاط) السَّقَط: رديء المتاع، وبائعه السَّقَّاط والسَّقَطي.
وقوله: (بيعة) بالكسر، ويروى بالفتح، (فعلة) من البيع.
يَا أَبَا بَطْنٍ -قَالَ: وَكَانَ الطُّفَيْلُ ذَا بَطْنٍ- إِنَّمَا نَغْدُو مِنْ أَجْلِ السَّلَامِ نُسَلِّمُ عَلَى مَنْ لَقِينَاهُ (1). رَوَاهُ مَالِكٌ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ". [ط: 2/ 961، شعب: 8411].
4665 -
[38] وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لِفُلَانٍ فِي حَائِطِي عَذْقٌ، وَإِنَّهُ قَدْ آذَانِي مَكَانُ عَذْقِهِ، فَأَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:"أَنْ بِعْنِي عَذْقَكَ"، قَالَ: لَا، قَالَ:"فَهَبْ لِي"، قَالَ: لَا، قَالَ:"فَبِعْنِيهِ بِعَذْقٍ فِي الْجَنَّةِ"؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا رَأَيْتُ الَّذِي هُوَ أَبْخَلُ مِنْكَ إِلَّا الَّذِي يَبْخَلُ بِالسَّلَامِ". رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ". [حم: 3/ 328].
4666 -
[39] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْبَادِئُ بِالسَّلَامِ. . . . .
ــ
وقوله: (على من لقيناه) بالضمير المرفوع للمتكلم، وفي بعض النسخ:(لَقِيَنَا) بالضمير المنصوب.
46665، 4666 - [38 ، 39](جابر، وعبد اللَّه) قوله: (عذق) في (القاموس)(2): العذق بالفتح: النخلة، وبالكسر: القنو منها والعنقود من العنب، والمراد هنا الأول، فإنه كان في بستانه عذق لغيره، و (مكان) فاعل (آذاني) مقحم، أي: وجوده. وقوله: (قال: لا) قيل: كلامه صلى الله عليه وسلم كان شفاعة لا أمرًا، والرجل كان مسلمًا بدليل قوله:(في الجنة)، والصحابة إنما تهذبت أخلاقهم وحصل لهم الكمال بطول صحبة النبي صلى الله عليه وسلم
(1) في نسخة: "لقينا".
(2)
"القاموس المحيط"(ص: 836).