المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الفصل الثاني: - لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح - جـ ٨

[عبد الحق الدهلوي]

فهرس الكتاب

- ‌(25) كتاب الآداب

- ‌1 - باب السلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الاستئذان

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب المصافحة والمعانقة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب القيام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الجلوس والنوم والمشي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب العطاس والتثاؤب

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب الضحك

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الأسامي

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌9 - باب البيان والشعر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌10 - باب حفظ اللسان والغيبة والشتم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌11 - باب الوعد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌12 - باب المزاح

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌13 - باب المفاخرة والعصبية

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌14 - باب البر والصلة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌15 - باب الشفقة والرحمة على الخلق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌16 - باب الحب في اللَّه ومن اللَّه

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌17 - باب ما ينهى عنه من التهاجر والتقاطع واتباع العورات

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌18 - باب الحذر والتأني فى الأمور

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌19 - باب الرفق والحياء وحسن الخلق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌20 - باب الغضب والكبر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌21 - باب الظلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌22 - باب الأمر بالمعروف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(26) كتاب الرقاق

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب فضل الفقراء وما كان من عيش النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْل الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب الأمل والحرص

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب استحباب المال والعمر للطاعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب التوكل والصبر

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌5 - باب الرياء والسمعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب البكاء والخوف

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب تغير الناس

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌8 - باب الإنذار والتحذير

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌(27) كتاب الفتن

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌1 - باب الملاحم

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌2 - باب أشراط الساعة

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌3 - باب العلامات بين يدي الساعة وذكر الدجال

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌4 - باب قصة ابن صياد

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌5 - باب نزول عيسى عليه السلام

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌6 - باب قرب الساعة وأن من مات فقد قامت قيامته

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّانِي:

- ‌ الْفَصْلُ الثَّالِثُ:

- ‌7 - باب لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس

- ‌ الْفَصْلُ الأَوَّلُ:

الفصل: ‌ الفصل الثاني:

*‌

‌ الفَصْلُ الثَّانِي:

5140 -

[4] عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَده لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ عِنْدهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ وَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2169].

ــ

أيضًا (1)، يعني لما كان الدوران لازمًا للطحن ذكر الطحن وأريد الدوران، فمعنى يطحن فيها: يدور فيها، أي: يدور حولها.

وأقول: يحتمل أن يكون الضمير في (فيها) للنار، ويكون مفعول (يطحن) الأقتاب محذوفًا، ويوافقه قوله:(كطحن الحمار) بالإضافة إلى الفاعل وحذف المفعول، أي: كطحن الحمار الدقيق، ويقل التكلف على هذا التقدير في بيان المعنى، فافهم.

وأما وجه المناسبة والمشابهة بين هذا الفعل في الآخرة وبين فعله في الدنيا فلا يخلو عن خفاء ودقة، وبيّنه الطيبي (2) وقال: إن المشبه في الدنيا الرجل يدور حول رحى الأمر بالمعروف، ويتعب فيه ويكد كالحمار، وما له من نصيب مما يحصل إلا الكد والتعب، وكذا في الآخرة يدور حول أقتابه التي شبهت بكلامه الذي خرج منه فيدوسها برجله، ويطحنها كطحن الحمار الدقيق.

الفصل الثاني

5140 -

[4](حذيفة) قوله: (أو ليوشكن اللَّه أن يبعث عليكم) أي: أحد الأمرين واقع البتة: إما الأمر والنهي، وإما إنزال العذاب وعدم استجابة الدعاء في دفعه بحيث لا يجتمعان ولا يرتفعان؛ فإن كان الأمر والنهي لم يكن عذاب، وإن لم يكونا كان

(1)"شرح الطيبي"(9/ 272).

(2)

"شرح الطيبي"(9/ 272).

ص: 374

5141 -

[5] وَعَنِ الْعُرْسِ بْنِ عَمِيرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4335].

5142 -

[6] وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الآيَة: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا مُنْكَرًا فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ: "إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا. . . . .

ــ

عذاب عظيم، وفهم عظمة العذاب إما من التنوين أو من قوله:(من عنده).

5141 -

[5](العرس) قوله: (وعن العرس) بضم المهملة وسكون الراء ومهملة (ابن عميرة) على وزن صغيرة.

وقوله: (في الأرض) إنما قال: في الأرض دون المجلس ليناسب ذكر الحاضر والغائب، أي: في مكان منها بعضهم فيه حاضر، وبعضهم عنه غائب، بخلاف المجلس، فإنه مناسب للحاضر فقط، فافهم.

وقوله: (كان كمن غاب عنها) أي: على تقدير عدم القدرة على التغيير باليد واللسان، ويمكن أن يراد بالكراهة معنى شامل للتغيير باليد واللسان.

5142 -

[6](أبو بكر الصديق) قوله: (إنكم تقرؤون هذه الآية) أي: وتجرونها على عمومها في الأشخاص والأوقات وتمتنعون عن الأمر والنهي مطلقًا، وليس كذلك (فإني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول. . . إلخ)، فكان يوعد على ترك تغيير المنكر، فلا بد أن يكون مخصوصًا بما لم يسمع ويعلم عدم تأثيره، فحينئذ يسقط الوجوب؛

ص: 375

عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ". وَفِي أُخْرَى لَهُ: "مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا ثُمَّ لَا يُغَيِّرُونَ إِلَّا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ". وَفِي أُخْرَى لَهُ:"مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَكْثَرُ مِمَّن يَعْمَلُهُ". [جه: 4005، ت: 2168، د: 4338].

5143 -

[7] وَعَن جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يَعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّروا عَلَيْهِ وَلَا يُغَيِّرُونَ إِلَّا أَصَابَهُمُ اللَّهُ مِنْهُ بِعِقَابٍ. . . . .

ــ

لما قيل: إن الآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون إيمانهم، كما قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم:{فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8]، وقال:{فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا} [الكهف: 6] أو بزمان يأتي من بعد، كما روي أنها قرئت عند ابن مسعود فقال: إن هذا ليس بزمانها إنها اليوم مقبولة، ولكن يوشك أن يأتي زمان تأمرون فلا يقبل منكم، كذا في "الكشاف"(1)، ويدل على هذا حديث ثعلبة الآتي، وقيل: كان الرجل إذا أسلم قالوا له: سفهت آباءك فنزلت، وقيل: من الاهتداء أن ينكر المنكر حسب طاقته، فمعنى الآية: لا يضركم ضلالة من ضل إذا نهيتم عن ذلك، وعلى هذا فالحديث واقع تفسيرًا للآية، فالضرر هو عموم العذاب على تقدير ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقدير الكلام: إنكم تقرؤون هذه الآية وتفهمون أن معناها عدم وجوب الأمر والنهي، وليس كذلك، فإني سمعت. . . إلخ، فيكون مدلول الآية وجوب الأمر والنهي، فافهم.

5143 -

[7](جرير بن عبد اللَّه) قوله: (إلا أصابهم اللَّه) أي: القوم (منه) أي:

(1)"الكشاف"(1/ 685).

ص: 376

قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ. [د: 4339، جه: 4009].

5144 -

[8] وَعَنْ أَبِي ثَعْلَبةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رأيتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا بُدَّ لَكَ مِنْهُ، فَعَلَيْكَ نَفْسَكَ، وَدَعْ أَمْرَ الْعَوَامِّ، فَإِنَّ وَرَاءَكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ، فَمَنْ صَبَرَ فِيهِنَّ قَبَضَ عَلَى الْجَمْرِ،

ــ

من عدم تغييرهم، أو من الرجل الذي يعمل المعاصي لأجل عدم تغييرهم؛ فلا يتوهم أن هذا مخالف لقوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الزمر: 7]، فإن ترك التغيير وزر صدر منهم أو من عند اللَّه، والباء في (بعقاب) للتعدية، ومعنى (قبل أن يموتوا) أي: في الدنيا.

5144 -

[8](أبو ثعلبة) قوله: (فقال) التقدير أنه سئل عن ذلك القول فقال.

وقوله: (بل ائتمروا، وتناهوا) أي: مروا وانهوا، ذكر اللازم مقام المتعدي، والأثر مقام المؤثر، (شحًّا مطاعًا وهوى متبعًا) عرف معناهما في آخر (الفصل الثالث) من (باب الغضب والكبر)، (ودنيا مؤثرة) أي: مختارة على الآخرة، من الإيثار، (وإعجاب) بكسر الهمزة: وجدان الشيء حسنًا، أي: أن يجد كل واحد رأيه ومذهبه حسنا، (ورأيت أمرًا لابد لك منه) البد: التفرق، كالتبديد، بدده تبديدًا: فرقه، فتبدد، في (القاموس) (1): لا بد: لا فراق ولا محالة.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 256).

ص: 377

لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْهُم؟ " قَالَ: . . . . .

ــ

والمعنى: رأيت أمرًا يميل إليه طبعك من الصفات الذميمة، حتى إن أقمت بين الناس وقعت فيه لا محالة، فاعتزلهم لئلا تقع فيه، كذا قال الطيبي (1).

ويحتمل أن يكون معناه: رأيت في نفسك أمرًا لابد لك منه، وتحتاج وتضطر إليه، فإن أمرتهم فاتك ذلك الأمر الضروري، فلابد من السكوت للضرورة والاحتياج. وفي بعض الحواشي (2): أو المعنى: رأيت من الناس لا بد لك من السكوت عليه لعجزك وعدم قدرتك، وهذا المعنى وإن كان بعيدًا من اللفظ لكن يؤيده الرواية بالياء التحتانية، أي: لا يد لك.

وقوله: (أجر خمسين) أي: الذين لم يبتلوا ببلائه.

وقوله: (فإن وراءكم) فسروه في الحواشي بقدامكم، وفي (الصراح) (3): وراء: سبس وبيش وهو من الأضداد، وفي (القاموس) (4): الوراء: خلف، وقدام، ضد.

وقوله: (قبض على الجمر) في (القاموس)(5): قبضه بيده يقبضه: تناوله بيده، وعليه بيده: أمسكه، ويده عنه: امتنع، والجمر والجمرة: النار المتقدة.

(1)"شرح الطيبي"(9/ 275).

(2)

انظر: "شرح مصابيح السنة"(5/ 369).

(3)

"الصراح"(ص: 594).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 1232).

(5)

"القاموس المحيط"(ص: 600).

ص: 378

"أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَه. [ت: 3058، جه: 4014].

5145 -

[9] وَعَنْ أَبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا بَعْدَ الْعَصْرِ، فَلَمْ يَدَع شَيْئًا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا ذَكَرَهُ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، وَكَانَ فِيمَا قَالَ:"إِنَّ الدُّنْيا حُلْوَة خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، أَلَا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ"، وَذَكَرَ: "إِنَّ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ فِي الدُّنْيَا،

ــ

وقوله: (أجر خمسين منكم) يدل على فضل هؤلاء في الأجر على الصحابة من هذه الحيثية، وقد جاء أمثال هذا [في] أحاديث أخر، وتوجيهه كما ذكروا أن الفضل الجزئي لا ينافي الفضل الكلي، وقد تكلم ابن عبد البر في هذه المسألة وقال: يمكن أن يجيء من بعد الصحابة من هو في درجة بعض منهم، أو أفضل، ومختار العلماء خلافه.

5145 -

[9](أبو سعيد الخدري) قوله: (فلم يدع شيئًا) أي: مما يتعلق بالدين، أي: كلياته، أو هو مبالغة إقامة للأكثر مقام الكل، واللَّه أعلم.

وقوله: (حلوة خضرة) أي: لذيذة في قلوب الناس وناعمة طرية في أعينهم، والعرب تسمي الشيء الناعم خضرًا تشبيهًا له بالخضراوات في سرعة زوالها، ففيه بيان أنها غَدَّارَةٌ تَفْتِنُ الناس بحسنها ولذتها، نعوذ باللَّه منها.

وقوله: (مستخلفكم) أي: جاعلكم خلفاء، أي: وكلاء، ففيه أن أموالكم ليست لكم بل للَّه سبحانه، جعلكم في التصرف فيها بمنزلة الوكلاء، أو جاعلكم خلفاء الأرض ممن كان قبلكم، وأعطاكم ما كان في أيديهم، (فناظر كيف) تتصرفون وتعتبرون.

وقوله: (لكل غادر) الغدر ضد الوفاء، ونقض العهد، كضرب ونصر وسمع.

ص: 379

وَلَا غَدْرَ أَكْبَرُ مِنْ غَدْرِ أَمِيرِ الْعَامَّةِ يُغْرَزُ لِوَاؤُهُ عِنْدَ اسْتِهِ". قَالَ: "وَلَا يَمْنَعَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ"، وَفِي رِوَايَةٍ: "إِنْ رَأَى مُنْكَرًا أَنْ يُغَيِّرَهُ"، فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ وَقَالَ: قَدْ رَأَيْنَاهُ، فَمَنَعَتْنَا هَيْبةُ النَّاسِ أَنْ نَتَكَلَّمَ فِيهِ. ثُمَّ قَالَ: "أَلَا إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى، فَمِنْهُمْ مَن يُولَدُ مُؤمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا"، قَالَ: وَذَكَرَ الْغَضَبَ. . . . .

ــ

وقوله: (من غدر أمير العامة) إضافة (غدر) إلى (أمير العامة) إلى الفاعل، وأمير العامة: المتغلب الذي استولى على بلاد المسلمين بمعاضدة العامة خارجًا على الإمام الحق.

وقوله: (يغرز لواؤه عند استه) الاست: حلقة الدبر، وأصله سته، ولذا جاء جمعه أستاه، وإنما يغرز لواؤه على استه إهانة له وتشهيرًا به.

وقوله: (أن يقول بحق) مفعول (لا يمنعن)، و (هيبة الناس) فاعله، وذكر القول بناءً على ما هو الغالب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمراد تغييره ولو باليد، وقوله:(رأيناه) أي: المنكر، وذلك في إمارة أمراء الجور من بني أمية.

وقوله: (ومنهم من يولد مؤمنًا، ويحيا مؤمنًا، ويموت كافرًا. . . إلخ)، الأقسام تزيد على هذا؛ فإن الحالات ثلاثة: الولادة والحياة والموت، والإيمان، والكفر، ولكن المقصد بيان الخاتمة أنه على الإيمان أو الكفر، فذكر ما ذكر وترك ما وراءه، فافهم.

وقوله: (قال: وذكر الغضب) الظاهر أن ضمير (قال) لأبي سعيد، و (ذكر)

ص: 380

"فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ سَرِيعَ الْغَضَبِ، سَرِيعَ الْفَيْءِ، فَإِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ بَطِيءَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْءِ، فَإِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَخِيَارُكُمْ مَنْ يَكُونُ بَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الْفَيْءِ، وَشِرَارُكُمْ مَنْ يَكُونُ سَرِيعَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْءِ"، قَالَ:"اتَّقُوا الْغَضَبَ، فَإِنَّهُ جَمْرَةٌ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَلَا تَرَوْنَ إِلَى انْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ؟ وَحُمْرَةِ عَيْنَيْهِ؟ فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَضْطَجِعْ وَلْيَتَلَبَّدْ بِالأَرْضِ"، قَالَ: وَذَكَرَ الدَّيْنَ فَقَالَ: "مِنْكُمْ مَنْ يَكُونُ حَسَنَ الْقَضَاءِ، وَإِذَا كان لَهُ أَفْحَشَ فِي الطَّلَبِ،

ــ

للنبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكون ضمير (قال) أيضًا له صلى الله عليه وسلم، وذكر الغضب جملة معترضة بين (قال) ومقوله، وأما قوله بعد هذا:(قال: وذكر الدين فقال) يؤيد الأول.

وقوله: (فإحداهما بالأخرى) أي: إحدى الخصلتين مقابلة بالخصلة الأخرى لا يستحق فاعلها المدح ولا الذم.

وقوله: (فليضطجع) قد سبق في (باب الغضب): إذا كان قائمًا فليجلس؛ فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع، ولا شك أن الاضطجاع أدخل، وقد مر وجهه أيضًا.

وقوله: (وليتلبد) أي: ليلتزق، في (القاموس) (1): لبد كنصر وفرح لبودًا ولبدًا: أقام ولزق.

وقوله: (وإذا كان) أي: الدين (له) على أحد (أفحش) أي: قال الفحش، فهذا قضاؤه حسن وطلبه سيِّيء.

(1)"القاموس المحيط"(ص: 299).

ص: 381

فَإِحدَاهُما بِالأُخْرَى، وَمِنْهُم مَن يكونُ سَيِّئَ الْقَضَاءِ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَجْمَلَ فِي الطَّلَبِ، فَإِحْدَاهُمَا بِالأُخْرَى، وَخِيَارُكُمْ مَنْ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَحْسَنَ الْقَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَجْمَلَ فِي الطَّلَبِ، وَشِرَارُكُمْ مَنْ إِذَا كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَسَاءَ الْقَضَاءَ، وَإِنْ كَانَ لَهُ أَفْحَشَ فِي الطَّلَبِ". حَتَّى إِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ عَلَى رُؤُوْسِ النَّخْلِ وَأَطْرَافِ الْحِيطَانِ فَقَالَ:"أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا فِيمَا مَضَى مِنْهَا إِلَّا كَمَا بَقِيَ مِنْ يَوْمِكُمْ هَذَا فِيمَا مَضَى مِنْهُ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. [ت: 2191].

5146 -

[10] وَعَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يَهْلِكَ النَّاسُ حَتَّى يُعْذِرُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. [د: 4347].

ــ

وقوله: (حتى إذا كانت الشمس) متعلق بقوله: (قام فينا خطيبًا).

وقوله: (فيما مضى) أي: بالنسبة إلى ما مضى.

وقوله: (إلا كما بقي) الكاف بمعنى المثل، أي: لم يبق شيء إلا مثل ما بقي.

5146 -

[10](أبو البختري) قوله: (أبي البختري) بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة ساكنة بلفظ النسبة.

وقوله: (لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم) المشهور من الرواية بضم الياء على صيغة المعلوم من الإعذار، في (القاموس) (1): أعذر فلان، أي: كثرت ذنوبه

(1)"القاموس المحيط"(ص: 407).

ص: 382

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعيوبه، ومنه: لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم، وقال في (الصراح) (1): اعذار بسيار عيب شدن، وفي الحديث:(لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم)، أي: تكثر ذنوبهم، وقيل في توجيهه: إن الهمزة للسلب، أي: أزالوا عذرهم بكثرة اقتراف الذنوب، فيستوجبون العقوبة من اللَّه والمنع والزجر من الناس بالنهي عن المنكر، ويحتمل أن يكون من (أعذر)، أي: صار ذا عذر، فالهمزة للصيرورة، والمعنى: حتى يذنبوا فيعذروا، فصاروا محل الاعتذار من أنفسهم، أو يعتذرون بتأويلات زائغة وأعذار فاسدة من قبل أنفسهم، وفي (القاموس) (2): أعذر: أبدى عذرًا وأحدث، وفي (الصراح) (3): اعذار صاحب عذر شدن، وقال الطيبي (4): هذا الوجه أنسب بباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كان الناهي ينكر عليه ذنبه، وهو يتبرأ من الذنب ويعذر لنفسه ولإقدامه عليه، انتهى.

وقد ظهر مناسبة المعنى الأول أيضًا بالباب بما قررناه، وقد جعل أهل اللغة الحديث بهذا المعنى كما نقلنا، ويروى بفتح الياء من عذرته، أي: جعلته معذورًا، في (القاموس) (5): عَذَره يَعذِره عُذْرًا وعُذُرًا وعُذْرى ومَعذِرة [ومَعذُرة]، فكأنهم بكثرة ذنوبهم عذروا من يعاتبهم ويزجرهم وينهاهم عنها، فافهم. وسيجيء في حديث آخر:

(1)"الصراح"(ص: 196).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 407).

(3)

"الصراح"(ص: 196).

(4)

"شرح الطيبي"(9/ 278).

(5)

"القاموس المحيط"(ص: 407).

ص: 383

5147 -

[11] وَعَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَوْلًى لَنَا أَنَّهُ سَمِعَ جَدِّي يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانيهِمْ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلَا يُنْكِرُوا، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ العامَّةَ والخاصَّةَ". رَوَاهُ فِي "شَرْحِ السُّنَّةِ". [شرح السنة: 4155].

ــ

(لقد أعذر اللَّه إلى من بلغ به من العمر ستين سنة) في (الفصل الأول) من (باب الأمل والحرص)، وفي (الصراح) (1): عذر بالضم والسكون: بهانه ومعذور داشتن، معذرة بكسر الذال عذرى وعذرة اسم في العذر، يعني بهانه اعتذار عذر خواستن وبا عذر شدن، انتهى. ونقل في (مجمع البحار) (2) من "النهاية" (3): أن حقيقة عذرت محوت الإساءة وطمستها، وكأنه أخذ هذا المعنى مما ذكر في (الصراح) (4): عذر نابيدا شدن اثر عمارت وجزآن، فتدبر.

5147 -

[11](عدي بن عدي) قوله: (إن اللَّه تعالى لا يعذب العامة بعمل الخاصة) أي: لا يعذب القوم كلهم بذنب عمله بعض منهم إلا بتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإذا تركوا عمهم عذاب المذنبين؛ لأنهم ظلموا أنفسهم بارتكاب الذنوب وغيرَهم لأنهم ظلموا بترك النهي عنها، فافهم.

(1)"الصراح"(ص: 196).

(2)

"مجمع بحار الأنوار"(3/ 550).

(3)

"النهاية"(3/ 197).

(4)

"الصراح"(ص: 196).

ص: 384

5148 -

[12] وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَمَّا وَقَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي الْمَعَاصِي نَهَتْهُمْ عُلَمَاؤُهُمْ فَلَمْ يَنْتَهُوا، فَجَالَسُوهُمْ فِي مَجَالِسِهِمْ وَآكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ، فَضَرَبَ اللَّهُ قُلوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، فَلَعَنَهُمْ عَلَى لِسَانِ دَاوُد وَعِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ". قَالَ: فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: "لَا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى تَأْطِرُوهُمْ أَطْرًا". . . . .

ــ

5148 -

[12](عبد اللَّه بن مسعود) قوله: (وآكلوهم) وفي بعض النسخ: (وواكلوهم)، في (الصراح) (1): مؤاكلة: باهم خردن، يقال: آكلته، أي: أطعمته وأكلت معه، فصار (أفعلت) و (فاعلت) على صورة واحدة، ولا يقال: واكلته بالواو، وفي (القاموس) (2): آكله الشيء: أطعمه إياه ودعاه عليه، كأكّله تأكيلًا، وفلانًا مواكلة وإكالًا: أكل معه كواكله في لُغَيَّة.

وقوله: (فضرب اللَّه قلوب بعضهم ببعض) في (القاموس)(3): أضرب الشيء بالشيء: خلطه كضرّبه، والضريب: اللبن يحلب من عدّة لِقاح في إناء.

وقوله: (فلعنهم على لسان داود. . . إلخ)، اقتباس لقوله تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [المائدة: 78].

وقوله: (لا والذي نفسي بيده حتى تأطروهم أطرأ) الأطر: عطف الشيء

(1)"الصراح"(ص: 409).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 885).

(3)

"القاموس المحيط"(ص: 113).

ص: 385

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ، وَفِي رِوَايتِهِ قَالَ:"كَلَّا وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِم، وَلَتَأْطِرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرَنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ، ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ". [ت: 3047، د: 4347].

ــ

وإمالته، أطرته: عطفته، والفعل كضرب ونصر، كذا في (القاموس)(1)، وفي (الصحاح) (2): كضرب، وأطرت القوس، أي: حَنَيْتَها، وورد في آدم: أنه كان طوالًا فأطر اللَّه منه (3)، أي: ثناه وقصره ونقص من طوله، والإطار بكسر الهمزة: الحلقة من الناس، وقضبان الكرم تلتوي للتعريش، وما يفصل بين الشفة وبين شعر الشارب، وورد في قص الشارب: حتى يبدو الإطار، يعني حرف الشفة العليا، ومنه: إطار القوس، وإطار الظفر، وهو ما أحاطه بالظفر من اللحم، وإطار الْمُنْخُل، وهو خشبته، وإطار الحافر، وكل شيء أحاط بشيء فهو إطار له.

والمعنى: لا تنجون من العذاب حتى تميلوهم من جانب إلى جانب، وتأخذوا على أيديهم، وتمنعوهم من الظلم، وتميلوهم من الباطل إلى الحق، وتقصروهم على الحق، أي: تحبسوهم عليه وتلزموهم إياه، فعلى هذا كانت (لا) نفيًا لقول قائل: هل يُعْذَر في تخلية الظالمين وشأنهم؟ أو هل النجاة في تركهم؟ فقال: لا حتى تأطروهم، والقسم معترض بين الغاية والمغيا، وليست (لا) التي يجيء بها القسم تأكيدًا له مثل: لا واللَّه، كما قال الطيبي (4).

(1)"القاموس المحيط"(ص: 323).

(2)

"الصحاح"(2/ 580). ووقع في الأصل "الصراح"، وهو تحريف.

(3)

انظر: "النهاية"(1/ 53).

(4)

"شرح الطيبي"(9/ 279).

ص: 386

5149 -

[13] وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالًا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ يَا جبريلُ؟ قَالَ: هَؤُلَاءِ خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ". رَوَاهُ في "شَرْحِ السُّنَّةِ"، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي "شُعَبِ الإِيمَانِ"، وَفِي رِوَايته قَالَ:"خُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُوْنَ، وَيَقْرَؤُوْنَ كِتَابَ اللَّهِ وَلَا يَعْمَلُونَ". [شرح السنة: 4159، شعب: 1637].

5150 -

[14] وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أُنْزِلَتِ الْمَائِدَةُ مِنَ السَّمَاءِ خُبْزًا وَلَحْمًا، وَأُمِرُوا أَنْ لَا يَخُونُوا وَلَا يَدَّخِرُوا لِغَدٍ،

ــ

ويحتمل أن يكون تلك، ويكون المغيا لـ (حتى) محذوفًا، والتقدير: لا واللَّه لا تنجون حتى تأطروهم، ويؤيد التوجيه الأول قوله في رواية أبي داود:(كلا واللَّه)، (أو ليضربن اللَّه) أي: أحد الأمرين واقع، إما أمركم بالمعروف، وإما خلط قلوب بعضكم على بعض، وما بعد (لتأمرن) تفسيرٌ وبيانٌ له.

5149 -

[13](أنس) قوله: (يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم) التعذيب لنسيان أنفسهم لا للأمر، كما قالوا في قوله تعالى:{لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2]: إن الإنكار راجع إلى عدم الفعل لا إلى القول، ولا ينافي جواز الأمر بالمعروف مع عدم فعله كما هو المختار.

5150 -

[14](عمار بن ياسر) قوله: (أنزلت المائدة) هي الخوان إذا كان عليه الطعام، كذا قال البيضاوي (1)، وفي (الصراح) (2): المائدة: هي خوان عليه طعام،

(1)"تفسير البيضاوي"(2/ 124).

(2)

"الصراح"(ص: 148).

ص: 387

فَخَانُوا وَادَّخَرُوا، وَرَفَعُوا لغَدٍ،

ــ

يعني خوان آراسة؛ فإذا لم يكن عليه طعام فهي خوان، واشتقاقها من ماد يميد ميدًا وميدانًا: إذا تحرك، ومنه:(فدحا اللَّه الأرض فمادت، فسكنت من الميدان برسوب الجبال)، وفي ذم الدنيا:(هي الحيود الميود) فعول منه، وماد الماء: تحرك، وماد الشراب: اضطرب، ومادت الأغصان: تمايلت، وماد الرجل: تبختر، وأصابه دوار من سكر أو ركوب بحر، وفي الحديث:(المائد في البحر له أجر شهيد)(1)، وهو من يدار برأسه من ريح البحر واضطراب السفينة، والظاهر أن اشتقاق المائدة من ماده: إذا أعطاه، وفي (القاموس) (2): الممتَادُ: المُستَعْطِي والمُستعطَى، وهي فاعلة بمعنى مفعولة، مثل {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} ، وقال البيضاوي (3): كأنها تُميد من تقدَّم إليه، ونظيرها قولهم: شجرة مطعمة، انتهى.

أو هي صيغة النسبة، وقد تطلق المائدة على الطعام نفسه، قال في (القاموس) (4): المائدة: الطعام، والخوان عليه طعام، كالميدة، والطعام هو المراد من الحديث: إذا رفعت مائدته قال: الحمد للَّه، على ما روي أنه صلى الله عليه وسلم لم يأكل على خوان، والظاهر فيما نحن فيه من الحديث أيضًا حمله على الطعام؛ لأن خبزًا ولحمًا تمييزان منه.

وقوله: (فخانوا) أي: فلم يمنعهم أحد منهم، ولم ينههم عن هذا المنكر، فيوافق الباب.

(1) أخرجه أبو داود في "سننه"(2493).

(2)

"القاموس المحيط"(ص: 303).

(3)

"تفسير البيضاوي"(2/ 124).

(4)

"القاموس المحيط"(ص: 303).

ص: 388