الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الروم إلى بلاد الملك المسعود الأرتقي صاحب آمد، ونزل كيقباذ بملطية وهي من بلاد كيقباذ وأرسل عسكرا وفتحوا حصن منصور، وحصن الكختا، وكانا لصاحب آمد المذكور.
وفيها [في خامس عشر (ذي) الحجة]«1» ، نازل جلال الدين منكبرتي خلاط وبها حسام الدين علي الحاجب من جهة الأشرف، وهي منازلته الثانية «2» ، وجرى بينهم قتال كثير، وأدركه البرد فرحل عنها في السنة المذكورة.
وفي سنة أربع وعشرين وست مئة
«13»
كان في أوائلها الكامل بديار مصر، وخوارزم شاه جلال الدين منكبرتي مالكا لأذربيجان وأرّان وبعض بلاد الكرج، وهو موافق للملك المعظم على حرب أخويه الكامل والأشرف، والرسل لا تنقطع بين جلال الدين والمعظم، والملك الأشرف معهم كالأسير عند أخيه المعظم، ولما رأى الملك الأشرف حاله مع أخيه المعظم وأنه لا خلاص له منه إلا أن يجيبه إلى ما يريد أجابه كالمكره، وحلف أن يعاضده (200) ويكون معه على أخيهما الكامل، وأن يكون معه على صاحبي حماة وحمص، فلما حلف له على ذلك أطلقه المعظم، فرحل الملك الأشرف في جمادى [الآخرة]«3» وكانت مدة مقامه مع المعظم نحو عشرة أشهر، «4» وفي اتفاقهما يقول الحسن بن يوسف الطائي «5» :(الكامل)
لم يتفق موسى وعيسى آية
…
إلا ليصبح كلّ أعمى مبصرا
بعثا فموسى كلّ فرعون طغى
…
أردى، وعيسى بعده أحيا الورى
ولما استقر الملك الأشرف ببلاده رجع عن جميع ما تقرّر بينه وبين المعظم، وتأول في أيمانه التي حلفها أنه مكره، ولما رأى الملك الكامل اعتضاد الملك المعظم بجلال الدين خاف من ذلك، وكاتب الأمبروز ملك الفرنج «1» في أن يقدم عكّا ليشغل [أخاه]«2» المعظم عما هو فيه، ووعد الأمبروز أن يعطيه القدس، فسار الأمبروز إلى عكّا، وبلغ المعظم ذلك فكتب إلى أخيه الأشرف يستعطفه.
وفيها، انتزع الأتابك طغريل الخادم الشّغر وبكاس من الملك الصالح بن الملك الظاهر، وعوضه عنها بعين تاب والرّاوندان.
وفيها، سار الحاجب حسام الدين علي بعساكر الأشرف من خلاط إلى بلاد جلال الدين، فاستولى على خوي وسلماس ونقجوان.
وفي هذه السنة في ذي القعدة، توفي الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب «3» بقلعة دمشق بالدوسنطاريا وعمرة تسع وأربعون سنة، وكان مدة ملكه دمشق تسع سنين وشهورا (201) وكان شجاعا، وكان عسكره في غاية التجمل، وكان يخطب لأخيه الكامل ببلاده ولا يذكر اسمه معه، وكان الملك المعظم قليل التكلف جدا، وكان في غالب الأوقات لا يركب بالسناجق السلطانية، وكان يركب وعليه كلوتة صفراء بلا شاش، ويخترق
الأسواق من غير أن يطرق بين يديه كما جرت عادة الملوك، ولما كثر هذا منه صار الإنسان إذا فعل أمرا لا يتكلف له يقال قد فعله بالمعظّمي، وكان عالما فاضلا في الفقه والنحو، وكان شيخه في النحو تاج الدين زيد بن الحسن الكندي «1» ، وفي الفقه جمال الدين [الحصيري]«2» ، وكان حنفيا متعصبا لمذهبه، وخالف جميع أهل بيته، فإنهم كانوا شافعية، ومن شعره قوله «3» :(الطويل)
ولي همة لولا العوائق لم تزل
…
تشرّ (ق) في كسب العلى وتغرّب
ولكنها الأيام تبدي صروفها
…
عجائب حتى لست منهن أعجب
وقوله: (الطويل)
نزلنا ضميرا «4» والجياد ضوامر
…
وقد حان من شمس النهار غروبها
ففاضت غروب العين شوقا إليكم
…
وليس عجيبا أن يفيض غروبها
وقوله: (الكامل)
ومورد الوجنات أغيد خاله
…
بالحسن من فرط الملاحة عمّه
كحل الجفون وكرّ في لحظاتها
…
غنجا، فقلت: سقى الحسام وسمّه
(202)
ولما توفي المعظم ترتب في مملكته ولده الملك الناصر صلاح الدين داود «1» ، وقام بتدبير مملكته مملوك والده وأستاذ داره عز الدين أيبك المعظّمي، وكان لأيبك المذكور صرخد وأعمالها.
وفي هذه السنة، خلع العادل عبد الله بن المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وقد تقدم ذكر ولايته في سنة عشرين وست مئة بعد خلع عمه عبد الواحد وقتله «2» .
وفي أيام العادل المذكور كانت الوقعة بالأندلس بين المسلمين والفرنج على طليطلة، فانهزمت المسلمون هزيمة قبيحة، وهذه الوقعة هي التي هدت دعائم المسلمين بالأندلس.
ولما خلع العادل المذكور حبس ثم خنق ونهب المصمودون قصره بمراكش واستباحوا حرمته.
ثم ملك بعده يحيى بن محمد الناصر بن [يعقوب المنصور]«3» بن يوسف ابن عبد المؤمن «4» ، ويحيى يومئذ لم يخط عذاره، ولما تمت بيعة يحيى وصل الخبر أنه قام بإشبيلية إدريس بن يعقوب المنصور «4» وهو أخو العادل عبد الله
وتلقب إدريس بالمأمون وجميعهم كانوا يتلقبون بأمير المؤمنين وتعقد البيعة لهم بالخلافة، ولما استقر أمر إدريس المأمون بإشبيلية ثارت جماعة من أهل مراكش وانضم إليهم العرب ووثبوا على يحيى بن محمد الناصر بمراكش، فهرب يحيى إلى الجبل ثم اتصل بعرب المعقل «1» فغدروا به فقتلوه «2» ، وخطب للمأمون إدريس بمراكش واستقر في الخلافة بالبرّين بر الأندلس وبر العدوة.
ثم خرج على المأمون إدريس بشرق الأندلس (203) المتوكل ابن هود «3» واستولى على الأندلس، ففارق إدريس الأندلس «4» ، وسار في البحر إلى مراكش، وخرجت الأندلس حينئذ عن ملك بني عبد المؤمن.
ولما استقر إدريس بمراكش تتبع الخارجين على من قبله من الخلفاء فقتلهم عن آخرهم وسفك دماء كثيرة حتى سموه حجاج المغرب لذلك، وكان المأمون إدريس المذكور فصيحا عالما بالأصول والفروع، ناظما ناثرا أمر بإسقاط اسم مهديهم ابن تومرت من الخطبة على المنابر، وعمل في ذلك رسالة طويلة، أفصح فيها بتكذيب مهديهم المذكور وضلاله.
ثم ثار على إدريس المذكور أخوه «5» بسبتة، فسار إدريس من مراكش إلى سبتة وحصره بسبتة، ثم بلغ إدريس وهو محاصر بسبتة أن بعض أولاد محمد
الناصر قد دخل إلى مراكش «1» فرحل إدريس عن سبتة إلى مراكش فمات في الطريق بين سبتة ومراكش «2» .
ولما مات المأمون إدريس ملك بعده ابنه عبد الواحد بن المأمون إدريس بن يعقوب المنصور بن يوسف بن عبد المؤمن وتلقب بالرشيد، ثم توفي الرشيد عبد الواحد غريقا في صهريج بستان له بحضرة مراكش في سنة أربعين وست مئة «3» ، وكان الرشيد حسن السياسة، وكان أبوه المأمون إدريس قد أبطل اسم مهديهم من الخطبة، فأعاده عبد الواحد المذكور، وقمع العرب إلا أنه تخلى للذاته لما استقل أمره، ولم يخطب للرشيد عبد الواحد بأفريقية ولا بالغرب (204) الأوسط.
ولما مات الرشيد عبد الواحد ملك بعده أخوه علي بن إدريس وتلقب بالمعتضد أمير المؤمنين، وكان أسمر اللون «4» ، مدحوضا في حياة والده، وسجنه في بعض الأوقات، وقدم عليه [أخاه]«5» الأصغر عبد الواحد المذكور، واستمر علي بن إدريس حتى قتل وهو محاصر قلعة بقرب تلمسان في صفر من سنة ست وأربعين وست مئة «6» .
ثم ملك بعد المعتضد الأسود المذكور أبو حفص عمر بن أبي إبراهيم بن يوسف في شهر ربيع الآخر من سنة ست وأربعين وست مئة وتلقب بالمرتضى «1» .
وفي الحادي والعشرين من المحرم سنة خمس وستين وست مئة دخل الواثق أبو العلا إدريس المعروف بأبي دبوس مراكش، وهرب المرتضى إلى آزمّور من نواحي مراكش، فقبض عليه عامله بها وبعث إلى الواثق أعلمه، فأمره بقتله [فقتله]«2» في العشر الأخير من ربيع الآخر سنة خمس وستين وست مئة «3» بموضع يقال [له]«2» كتامة بعده عن مراكش ثلاثة أيام، وأقام الواثق أبو دبوس ثلاث سنين، وقتل في الحروب التي كانت بينه وبين بني مرين ملوك تلمسان وانقرضت دولة بني عبد المؤمن، وكان قتل الواثق أبي دبوس المذكور في المحرّم سنة ثمان وستين وست مئة بموضع بينه وبين مراكش ثلاثة أيام في جهتها الشمالية، واستولى بنو مرين على ملكهم «4» .
وقد اختلفوا في نسب أبي دبوس، فإني «5» وجدت في بعض الكتب المؤلفة في هذا الفن أن أبا دبّوس هو ابن إدريس المأمون، ثم وجدت (205) نسبه في وفيات الأعيان أنه هو نفسه إدريس بن عبد الله بن يعقوب بن يوسف بن عبد